اسم الكاتب : وليد مهدي
هل ترى آن قد الاوان…لتصحيح مجرى التاريخ في ارض السواد ؟
هل حانت الساعة لينتفض القدر من سبات مقبرته التي وأدته فيها الصحراء بعماها..وجهلها غير المبرر وهي تحاول غسل العار الذي قد يلحقها جراء الاحتفاض بهذه الارث الثقافي المنسوب للوثنية تارة…والصفوية تارة اخرى..!
العراق الذي تكون من هذا القوس قزح الثقافي والعرقي والديني ..والذي صيرته اليه صروف الدهر بعد ان كان متحدا…هل يا ترى سياتي اليوم الذي يعود فيه الى سابق عهده التليد…كشعب كانت فيه بداية التاريخ..ويحاول ان تكون على يده بداية..لعالم جديد..؟؟
عن ماذا يدافع السيد عمرو موسى ؟
العراق جزءٌ….من من ؟
عراق الخمسة الاف سنة ( قبل ) المسيح ….جزء من امة لم تكن لولا ( محمد ) ..الذي يتحدر نسله من ابراهيم السومري البابلي ؟
من يتحدر من من يا استاذ عمرو ..؟
لا اريد ان ابدو طائفيا يدعو الى ملة دون اخرى…فانا في هذا المبحث البسيط الذي هو جزء من كتاب قيد التحرير يتناول هوية العراق الجامعة ( القومية – اللاعربية ) حاولت جاهدا تجريد ( التشيع ) من صلاته القدسية بالسماء..وتناول مشكلته كانتماء ثقافي حضاري لسكان العراق الاوائل..!
ان ما يفعله بوش في العراق…شبيه الى حد كبير بما فعله فيه ” الشاه اسماعيل الصفوي” الذي كان يعتقد بان ” الائمة الاثني عشر” هم الذين يسيرونه فيما يفعل..، فهذا بوش هو الاخر يعتقد ان الله امره ان يضرب العراق…ويحل الديمقراطية فيه..!!
ومثلما يضخم الاعلام ( العروبي ) دور بوش في الموضوع..متناسيا واقع الماساة التي كان يعيشها شعب العراق في ظل صدام..ومعاونة العرب له في خنق صوت الحضارة العراقية الاصيلة التي تجلت باسم حركي جديد يدعى :
كربلاء
في سياق لاشعوري جمعي لسكان العراق الاصليين في ثورتهم الاسطورية المنظمة ضد جاهلية الصحراء قام المؤرخ الاسلاموي – القومي بتغييب وتغريب واقع التداعيات التي كان يحياها المواطن العراقي في ظل الدولة العثمانية مكيلا للشيعة ابشع النعوت متهما لهم بالعمالة والتامر..وعض الايادي التي مدت لهم..باتخاذهم مذهبا مبتدعا لدجال كبير يدعى الشاه اسماعيل !!
على الرغم من سخافة احتجاج الشاه…وبوش والتذرع بهما كمسوغ يشرعن امتهان الشيعة والتشنيع بهم في اصل الموضوع برمته ، الا ان قضايا كثيرة تمكن الصوت القومي العربي بتجاهلها واخفائها عن شارع الفكر الاجتماعي من تسويف الثوابت التاريخية وتزييف الحقائق بما يتلائم وميول السلطات التي حكمت من استبدادية او مستعمرة وكل حسب اغراضه ومصالحه.. حيث استغل الحكام العرب احتلال أمريكا للعراق لتغييب الحقائق وتسييس التاريخ من جديد والتذرع بالفرس كأعداء تاريخيين للأمة.. تحديدا ما يتعلق منها بخصوصية الهوية الحضارية العراقية الماقبل إسلامية ..!
وهاهم اليوم يحاولون التمترس بعروبة العراق ضد الهجمة الأمريكية على المنطقة ليدفع شعب العراق ثمن هذه المتاجرة المنافية لقيم الاصالة والتحضر التي كانت تتحلى بها الحضارة الإسلامية زمن الرشيد ..!
انظر للايساجيل ( اللفظة البابلية لبرج بابل او الباب العالي ) ….لقد ظل الاثاريون الغربيون يعتقدون ولاكثر من قرن ان ملوية سامراء هي برج بابل المذكور في الصحف الاولى ؟
لقد بنى الملوية مهندس ( نصراني ) يدعى ابن اسحق في زمن المعتصم على نسق الزقورات السومرية والبابلية حيث كان النبط ( اهل العراق) دخلو المسيحية فيما بعد واحتفظوا بتراثهم العميق الذي كان يمتد في تلك الفترة لالاف السنين.
الإسلام شرفنا كأمة ، فهو ديننا الذي نعتز به ، لكن هذا لايعني ابدا تبرير قتل الهوية الحضارية لانسان الرافدين تحت مسميات عديدة حاولت طمس الهوية العراقية وتغييبها في ظلال الهوية العروبية ذات الموروث المحصور في حقبة الخلافة الاسلاموية …بما فيها السلطنة العثمانية ، وكل ما عدا ذلك يتم واده في رمل تاريخ الصحراء بمختلف الذرائع والحجج الواهية ..وبالذات من قبل ورثة التشويه الطائفي العثماني لتفريس الشيعة ونفي الانتماء الوطني لهم خدمة لمصالح الدولة العثمانية [1] سابقا وأمراء البترول حاليا !
في هذا المقال الذي هو جزء من مسودة لكتاب قيد التحرير يتعلق بحقيقة الهوية العراقية الشاملة ، عرض لحقيقة التشيع الصفوي للشاه اسماعيل وجذوره الضاربة في التصوف العثماني نفسه الذي شنع بالتشيع وحاول قتله وسلخه عن هويته الحضارية الوطنية البالغة في القدم ..تحت مسمى الانتماء الى المجوسية الجديدة المارقة عن الاسلام ..في خلط غير مسؤول لاوراق السياسة ادى الى تمزيق الوطن وهويته الجامعة…المتمثلة في التراث ” الشيعي ” الذي وان تبدلت صورته الا انه احتفظ بنفس جوهره التاريخي العريق الذي صنعه المجتمع العراقي طيلة الآف ٍ مؤلفة ٍ من السنين..ونسبته الى اهل البيت ليست الا وشاحا جديدا ارتداه فكر الانسان في ارض ما بين النهرين بعد حلول عقيدة التوحيد ( الاسلامية ) في ارضه…فجذور التشيع تعود لديانة الكواكب السومرية.. والمندائية [2] ..والمانوية البابلية…والنسطورية المسيحية [3] .
..هذه الثقافة وجدت في ارض النهرين قبل الإسلام …وفي العرض القادم أدلة كثيرة توحي بان ” الإسلام ” مر بمخاضات متعددة لم تعرفها العقلية البدوية للعرب ولا يمكنها ادراكها بسبب الفارق البيئي والاجتماعي – الحضاري الكبير بين شعب الرافدين..وسكان شبه الجزيرة العربية .
اصل التشيع
يجمع المؤرخون بان التشيع الحقيقي بدا بعد واقعة الجمل وان الخوارج هم اول من اطلق تسمية ( شيعة علي ) على الذين وقفوا في صفه ربما بعد واقعة صفين..ولا عجب ان يدعي علي بن ابي طالب انه من قريش وهي اصلا من نبط السواد ( العراق ) ومن منطقة نهر كوثى ( الكوفة ) …!
لاحظ تفكير بن ابي طالب…عند توليه للخلافة..فهو كان يمثل اليسار الاسلامي المعتدل الداعي لاول نظام سياسي اشتراكي ..وهو ما كان يخشاه عرب الجزيرة المحافظين..وما كان يميل اليه ( موالي ) العراق الذين تشيعوا فيما بعد كلهم ..وقدسوا عليا..مثلما كانوا يقدسون المسيح…وماني البابلي…..ومردوخ …وعشتار المقدسة مثل البتول مريم والبتول فاطمة الزهراء ..علما ان كوكب الزهرة يرمز لعشتار لدى البابليين ..!
وعلى كل حال فان التشيع تطور الى مستويات جديدة من ممارسة الطقوس في عهد البويهيين واستمر هذا المذهب مستترا وقد انقسم الى مذاهب اخرى تفرقت في مشارق البلاد الاسلامية ومغاربها الا ان اقوى ما تطور هنا نوع من التصوف تطور في العهد التركي …إلى النهج الصفوي ممتزجا مع المذهب الجعفري..الذي استمد جذوره من تراكم تحولات كثيرة في المسيرة الثقافية لإنسان ما بين النهرين امتدت لآلاف السنين..!
بالتأكيد لا يتسع المقال بهذا الموضوع…الذي جعلته مجرد ” جزء صغير” من الكتاب لكن سأحاول الإشارة إلى أهم الأدلة على عراقية التشيع…وتأثره بالإسلام .
هل الشيعة ُ حقا ً… صفويون..إيرانيون ؟
يكثر اللغط هذه الايام حول هذا الموضوع بالتحديد ، ومثلما حاولت الكنيسة الكاثوليكية ذات الجذور الرومانية طمس اي معلم ٍ للحضارة اليونانية في عهود الامبراطورية الرومانية المسيحية….التي اعتبرت اليونان حضارة وثنية جهدت على تغييبها بكل وسيلة تحت جدث الماضي غير المشرف ، حسدا لما اثرته تلك الحضارة في قيمها التي استمد منها عالمنا المتحضر الكثير…للعداوة التاريخية المعروفة بين روما واثينا…، قامت الحضارة الاسلامية بنفس الدور …تجاه حضارة الخمسة الاف سنة في ارض ما بين النهرين…بل واستزادت في حنقها وعصبيتها الجاهلية الى الحد الذي جعلت المؤرخ الاسلاموي يكتب عن اهل العراق على انهم ” مجرد” عجم كانوا منضوين تحت حكم الفرس….خصوصا في العهد الحديث حيث اعتبر هؤلاء القوميون وبهوس مرضي فاضح كل موروث العراق القديم شعوبيا فارسيا مجوسيا …وهذه الايام يجري هذا التنظير على قدم وساق في الصحف والاصدارات المتعددة خصوصا على صفحات الانترنت التي تكتب وبعناوين بارزة….نعم انهم صفويون !
ان هؤلاء القوميين كعادتهم ..لايتوانون عن ” عنترياتهم ” الفارغة مغيبين دور الامة ممجدين دور فرد واحد مستبد في رسم التاريخ..، لقد جعلوا من اسماعيل الصفوي بعبعا تمكن من زرع كل هذا الخبث في حدائق حضارتهم ، فبعد ان رسموا لنا صورة العراق بعد تحريره ( او احتلاله ) من قبل الجيش الاسلامي ايام الخليفة عمر وكانه بقعة مهجورة هيأ الله جنانها لقبائل الصحراء التي استوطنتها..مغيبين حقائق تاريخية ثابتة كانت تتحدث عن ( سبعة ملايين ) انسان كانوا يسكنون العراق قبل الفتح الاسلامي [4] في حين كان غالبية سكان العراق في تلك الفترة من النساطرة المسيحيين مع اقليات من اليهود والصابئة المندائيين والمانوية ، بعد كل هذا ..راحوا ينسجون التاريخ كما يحلو لهم …وعلقوا اخطاء عصبيتهم في فقد الاسلام والدولة على شخوص معدودين كان لدور ( الشيعة الروافض ) الدور البارز في التامر معهم لاسقاط الحضارة الاسلامية وتدنيس فكرها الطاهر المقدس وهم :
ابن العلقمي….واسماعيل الصفوي ، ونظرا لاهمية الشاه اسماعيل في هذا المبحث فسنحاول التعريج على اهم المفاصل في حياته من جوانبها ذات الصلة بالموضوع فقط لعدم امكانية التوسع اكثر في هذا المقال المقتضب .
من هو اسماعيل الصفوي؟
اسماعيل الصفوي…ذي الجذور ” التركية” …مؤسس الدولة الصفوية في ايران( حدود 1503 للميلاد )..تؤكد اثار سلوكه الى انه كان بكتاشيا في الاصل…اي يتبع الطريقة البكتاشية وهي طريقة صوفية اسس فكرها رجل صوفي علوي النسب اسمه الحاج محمد بكتاش ولي الذي جاء الى تركيا من خراسان …في بداية تاسيس الجيش الانكشاري التركي في عهد السلطان اورخان الذي سمع باخبار الحاج بكتاش وكراماته …قرر السلطان الانتفاع بهذا الشيخ ليكون ابا روحيا لجيشه الانكشاري الذي كان غالبيته من الجنود الذين تربيهم الدولة التركية بعد خطفهم صغارا من مناطق غير اسلامية وتنشئهم منذ الصغر تنشئة عسكرية ..واصبح الجيش منذ ذلك الحين مرتبطا بالطريقة البكتاشية واخذ الناس يطلقون عليهم اسم اولاد الحاج بكتاش [5] .
ان من يتتبع تاريخ اسماعيل الصفوي جيدا قبل تاسيسه للدولة الصفوية يجد بانه يتحدر من عائلة دينية اذربيجانية متصوفة لاعلاقة لها بالسياسة..فقد كانت الطريقة الصفوية مزيجا من التصوف والمذهب الاثنا عشري ( الجعفري ) شانها شان البكتاشية التركية حيث يذكر الدكتور بيرج الذي اختص بدراسة البكتاشية قصة عن احد مشايخ البكتاشية خلاصتها ان السلطان سليم العثماني والشاه اسماعيل الصفوي كان كلاهما من اتباع الطريقة البكتاشية وقد حدث مرة في شبابهما انهما كانا جالسين معا بحضور ” بالم سلطان ” الشيخ البكتاشي المشهور فاتفقا فيما بينهما على انهما حين يصلان الى الحكم يسعيان نحو توحيد المسلمين في عقيدة واحدة…والمفروض انها العقيدة البكتاشية ..فلما وصلا الى الحكم فعلا كتب اسماعيل الى سليم يذكره بوعده فاجابه سليم معتذرا بان وزراءه من السنة وهو مضطر للتباطؤ في تحقيق وعده ، فكان هذا الاعتذار سببا لغضب اسماعيل واشتداد العداء بينهما [6] يقول الدكتور علي الوردي في ذلك :
لاندري مدى صحة هذه القصة ، انما هي على اي حال تعطينا وجهة نظر البكتاشيين وتشير بعض القرائن التاريخية ان السلطان كان يخشى ولاء الانكشاريين للشاه اسماعيل وكان يخشى ان ينقلبوا ضده اثناء المعركة للتشابه العقائدي بينهم وبين الشاه..!!
ثمة شاهد اخر على جذور الشاه اسماعيل البكتاشية الانكشارية :
كان الجيش الانكشاري التركي معروفا بطقوس الطبخ المقدسة…حيث يقدس الجيش الانكشاري حسب تعاليمه البكتاشية قدور الطبخ ولا يفارقونها حتى اثناء حروبهم لابل انهم يدافعون عنها دفاعا مستميتا اذ هم يعتبرون ضياعها اكبر اهانة لهم …واذا ارادوا اظهار عدم الرضا من اوامر رؤسائهم قلبو القدور امام بيوتهم ..ويسمون ضابطهم الاعلى ” شوربجي باشي ” اي طباخ الحساء او الشوربة …وقيل ان السبب في ذلك هو ان الانكشاريين يعتبرون انفسهم متنعمين بمائدة السلطان فلا جذور لهم الا الدولة ..!
وهي صورة تقارب الى حد بعيد تقديس الشيعة اليوم في كل من العراق وايران ولبنان لقدور الطبخ وما يطبخ فيها ” ثوابا” في عاشوراء وبعض المناسبات الدينية الاخرى…التي اضيفت على المذهب الاثنا عشري في عهد الشاه اسماعيل الصفوي .
ان عقيدة الجيش الانكشاري البكتاشية كانت من اهم اسباب قوته التي بثت الرعب وفتحت اوربا التي كلما توسع الجيش فيها بالفتوح زادت اعداده من الاطفال المخطوفين من ” بلاد الكفر” ..!
هذه العقيدة التي انبثقت من واقع التصوف الاسلامي واثرت في فكر الدولة العثمانية…وفكر الشاه اسماعيل الصفوي الذي تطور التصوف عنده الى الحد الذي بات فيه خاضعا لــ” قوى” روحية غيبية جعلته ينفذ اوامرها بنشر التشيع بقوة السيف في فارس ..!
فهو كان يعتقد بان هاتفا غيبيا هو الذي كان يرشده الى اعماله سيما وهو رجل صوفي بالاساس والمتصوفة تؤمن بالكشف او الالهام الغيبي ولذلك كان يخبر مريديه انه لايتحرك الا باوامر الائمة الاثني عشر [7] وربما كانت جميع الامور المستحدثة التي ادخلها اسماعيل في التشيع الايراني قد انبعثت من هذه النزعة الصوفية ، فليس بامكان احد فرض مثل تلك الامور دفعة واحدة دون ان يسندها للكشف ودعوى الالهام الروحي..ومن ضمنها سب الخلفاء الثلاثة .
ولهذا السبب فان شق الخلاف كبير بين السنة والشيعة..الذين تم احتسابهم ” ايرانيين ” مع ان جذور عقيدتهم عراقية تمتد الى عصور فجر السلالات السومرية الاولى..مرورا باكد وبابل الدولة العالمية العظيمة كما وصفتها التوراة ، انتهاءا بالدولة العثمانية وتاثيرها ” الصوفي ” في الفكر الاسلامي وتزواج هذا التاثير برواسب ومعتقدات فكر العراق القديم ليظهر المذهب الجعفري بالشكل الذي نراه عليه الان..!
فواقعة كربلاء ربما لم تستمر سوى ساعة واحدة …الا ان الشيعة جعلوها عشرة ايام في عهد الشاه اسماعيل …والان نسال :
لماذا عشرة ايام ..؟ ولماذا هذا المط في طول فترة التعزية …لتتحول الى كرنفال سنوي ؟
لقد كانت السنة البابلية تبدا باحتفال كرنفالي يشارك به عامة الشعب بمن فيهم الملك…وكانت تعمل فيه ” التشابيه ” على طريقة الشيعة اليوم باقامة مراسم عزاء الحسين…الا ان الذي ينوح عليه اهل بابل كما كانت تؤكد الرقم المسارية كان ” الاله ” مردوخ او بعل حيث تندفع عربته بلا سائق وسط الجماهير التي تضج بالعويل والنواح بمنظر شبيه الى حد بعيد بمنظر فرس الحسين وهي تندفع بلا فارس في مشهد يثير عواطف الشيعة ويهيجها…. [8]!
هل إسماعيل الصفوي…أو الشيخ الكركي الموالي للصفويين هو الذي ابتدع كل هذه البدع…ام ان جذور هذه التقاليد بقيت ملاصقة لذهنية العراقي على مر التاريخ لتظهر بصورة مستعارة من جديد مرتدية الحلة الاسلامية التي عرفت فيما بعد بالمذهب الجعفري..!!
لقد كان الشاه اسماعيل الصفوي…بميوله التصوفية تلك خاضعا لقوة عليا….امرته باحياء هذا المذهب على الطريقة التي نراها اليوم ….فما هي هذه القوة العليا ..؟؟
ساحاول طرح نظرية جديدة الان…فلا اقول ان الرجل كان محتالا في نفس الوقت الذي انفي فيه انه كان على اتصال باي قوة روحية مقدسة …سوى…اللاوعي الجمعي لسكان بلاد ما بين النهرين..!
يقول النص في ملحمة كلكامش :
” صرخت عشتار كامراة في مخاض..كيف انتهت الى طين تلك الايام القديمة..! ”
الملاحظ من شخصية الالهة عشتار التي يرمز لها بكوكب الزهرة هي نفس شخصية الزهراء لدى الشيعة ، وصدى هذا الاسى على الايام الماضيات حاضر المعالم في الفكر الشيعي الذي يصف الزهراء بذات الموقف وهي تتاسى على ايام عاشتها مع ابيها ، ويتعدى هذا الترميز اللاشعوري الشيعي الى شخصية ابنتها زينب كلسان حال ٍ للمنظومة الاجتماعية لسكان ما بين النهرين .
المشكلة في اهل السنة من العرب وغيرهم هي فهم هذه الرموز اللاشعورية للفكر الاجتماعي العراقي القديم بدلالاتها الظاهرية ..!
وبصراحة ، لهم الحق في ذلك ، فبكاء الزهراء وآلامها…وسقوط جنينها كلها تعابير اقتناها الشعب من مصادر تاريخية حقيقية او غير حقيقية ( لافرق ) للتعبير عن هويته الكلية الجامعة التي تتناسب والعمق الحضاري التاريخي .
فلو تاملنا مقولة عشتار….نجد فيها الزهراء وابنتها زينب ، حيث انتهت وبصرخات كانها المخاض…ايامهن القديمة…الى طينة تدعى…تربة كربلاء..حيث قتل الحسين ، الذي تقمص شخصية ( الاله ) مردوخ البابلي وهو يفقد ملكه في اليوم السادس من كرنفال السنة البابلية ، فكان عاشوراء كرنفال الالم والحزن الذي تطور من بابل الى النسطورية المسيحية التي ادخلت عليه المبالغة بالعزاء ومعاقبة النفس …التي كانت معروفة في التقاليد المسيحية القديمة .
هذا اللاشعور العميق ، القديم ، الذي بنى حضارته بالطين…ونقش اولى ابجديات المعرفة بالطين ..هو نفس اللاشعور الذي يقدس تربة كربلاء [9] ( الأرض المجاورة لبابل ) كرمز لاشعوري لهوية انسان ما بين النهرين..
اسماء المدن
كربلاء…هي بالاصل كرب ايل…اي قرية الاله في البابلية
اربيل….هي بالاصل اربع ايل…اي اربع الهة في البابلية
بابل…باب بيل…باب الرب
بغداد…..وهنا تسكب العبرات….حيث صيرها ( العروبيون ) اسما فارسيا…مع انها اصلا
بعل داد……مدينة بعل [10]
منظومة اللاشعور العراقي القديم
تترشح من كل ما سبق ، منظومة سيكولوجية ” اجتماعية ” عامة لسكان بلاد ما بين النهرين ، استعارت هذه المنظومة اسماء ومفاهيم سهلة التقبل في ذهنية العراقي القديم ..فهي الالهة في بابل…والائمة واهل البيت في العهد الحديث..، تطفو هذه المفاهيم وما انتجته من قيم ودينامية فاعلة تحرك المجتمع الذي يحرك التاريخ على بحر لا منتهي من الاحساس بالحزن والاسى ..على فقد رموز المقربين الذين يرمزون لاصالة الانتماء لهذه المنظومة مثل ائمة اهل البيت ، والكره الشديد لاعداء افتراضيين يحملهم الشعب مسؤولية الملاحم التي يندب الشعب حاله بها متاسيا على مر التاريخ..واخص بالذكر شخصية خلفاء الرسول…ويزيد ..والشمر , علما ان مثل هذه الثوابت موجودة في كرنفالات العراق القديم كما اشرنا سابقا وبالاخص مردوخ وهو يفقد ملكه…واضطراب الشعب بالبكاء في تلك اللحظة التي يعمل فيها مسرحة الحدث بممثلين شعبيين ويكون من بينهم المجرمون الذين يعيثون في المدينة فسادا ( يزيد والشمر ) ..!
ماساتنا الكبرى ان العرب لم يفهموها كرموز لمنظومة او شخصية عراقية خاصة لازمت انسان ما بين النهرين لاكثر من ستة الاف عام ..!
العراقيون ( الشيعة ) لم يشاهدوا عمر بن الخطاب ..وقضية عداءه ليست الا اسقاطا Projection او استعارة لابد منها في الفكر اللاشعوري الجمعي العراقي ..؟
تربة الحسين هي الاخرى جزء من هذه الرموز التي تحكي عن دلالات ما ورائية باطنية في انسان ما بين النهرين ، كذلك الحال بالاضرحة المتعددة…والحج الكرنفالي الذي يحدث في ايام كثيرة من السنة لها انما تعكس ثوابتا تجريدية للبعد السيكولوجي العميق لانسان ما بين النهرين والتي نوجزها بالاتي :
1- تعدد المنظومات الكونية التي تؤثر في هذا العالم من خلال العلاقات فيما بينها
اذ يصعب على العراقي تخيل ” الاله ” كموجود اناني آثر ان يتحكم باصابعه زمام كلشيء..مثل اله الصحراء!
لابد وان يكون هذا الاله ( ابسو الاول لدى البابليين والله الواحد الاحد لدى الشيعة ) قد خول سواه صلاحيات واسعة لادارة المملكة السماوية العليا كانعكاس للملكة الارضية ..ففي بابل كانت الالهة…وفي عراق اليوم نقشت اسماء اهل البيت على ساق العرش كما يعتقد الشيعة !
من ناحية التحليل النفسي فان هذا ناتج من طبيعة النظم السياسية التي حكمت ما بين النهرين والتي توحي بوجود ” التخصص الفردي وارتفاع قيمة الفرد ” وهو اهم علامة من علامات حضارتنا المعاصرة في القرن الحادي والعشرين ..، على النقيض من القيم البدوية التي يتحكم فيها الموروث والقيم الجماعية التي تغيب الفرد تحت ظلالها فيظهر المتحكم الاعلى بالكون ( الله ) وكانه غيور لايرضى ان يسود نمط من المفاهيم غير التي وضعها هو ( القبيلة هي التي وضعتها )
2- وجود نظرة ما ورائية رومانسية تظهر عمقا في الاحساس منقطع النظير في الحياة اليومية البسيطة
ويظهر ذلك من طابع الحزن الواضح والمميز لشخصية العراقي حتى في غناءه او قراءته للقران سنيا كان او شيعيا ..!
ويكفي ان تستمع لاي مطرب عراقي لتلتمس طابع الحزن والالم في كلماته وصوته ..!
المشكلة اننا نهمل دائما قراءة الباطن من الطقوس والاعراف ونولي اهتمامنا لظاهرها ومجمل مسمياتها التي خطتها اقلام السلاطين التي كانت تدون واقع الخلاف بين السلطة العثمانية الحاكمة والدولة الصفوية …دون اي اعتبار لواقع التاريخ الحقيقي الذي لايرسمه الا الشعب بمعاناته وتطورات فكره..، فالرقم 12 كان مقدسا لدى البابلين…وكذلك لدى شيعة العراق اليوم ولدى المسيحيين وهو عدد اشهر السنة وعدد الايام التي كان يجري فيها الاحتفال السنوي الذي كان يمر من بوابة عشتار كل عام ، عشتار الهة الحب…او كوكب الزهرة لدى البابليين هي نفسها ولا غير..الزهراء…ومردوخ هو نفسه علي او الحسين ..وكلكامش الذي خرج طالبا للخلود….حاز عليه اخيرا في شخص ” الامام رقم 12 ” المهدي الذي يعتقد الشيعة لحد هذا اليوم انه لازال حيا وسيبقى حتى يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا..؟
مشكلة العراق كما يقول مفكر علم الاجتماع الدكتور علي الوردي هي خضوعه لتصادم عاملين فكريين ثقافيين….الحضارة المتاصلة فيه منذ فجر التاريخ…والبداوة وتقاليد المحافظة التي زحفت عليه من الصحراء…!!
ومهما تكن الاسباب ففي النهاية ، لايمكن نسبة التشيع الى فارس ..او الى تركيا..بل ان التشيع مجرد اسم حركي..لمنظومة ثورية حضارية كامنة في اللاشعور الجمعي العراقي ضد قيم مخالفة لبيئة العراق الاجتماعية الحقيقية…التي كانت تعطي لكل مدينة دينها والهتها الخاصة الحامية..، وكل تلك الطقوس…وكل ذلك التاريخ الذي امتد لاكثر من اربعة الاف سنة قبل المسيح…هل من المعقول انه تبخر هكذا فجاة..ولم يجد الفرس ارضا مسكونة عندما احتلو العراق قبل الاسلام..؟
للاسف…ان المؤرخ الاسلاموي قد ” قتل ” الهوية الحضارية لشعب الرافدين الذي استوطن على ضفتي دجلة والفرات وتمركز في الجنوب خصوصا عندما بين ان الخليفة الثاني هو الذي هجَّــر العرب إلى هناك ..وكأن الأرض كانت خالية الا من الفرس..!
ان اسم كلكامش..مثلا..مشتق من كول ( GOOL أي الورد باللغة الكردية) وكاميش ( اي الثور او الجاموس بنفس اللغة ايضا )..وهذا المخلوق كان مقدسا لدى البابليين..وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد عراقية الكورد المرتبطة بتاريخ العراق منذ فجر حضارته الاولى.. وبالتالي فان للعراق هويته الوطنية الخاصة التي حرص المؤرخ الاسلاموي على ” تفريسها ” اي جعلها فارسية …او تكريدها كنسبة غير عربية حتى انتهى الحال…الى بزوغ فجر ما اثارته تلك الاقلام الماجورة.. والمريضة من بدايات تشكل الكيان الكردي في الشمال والشيعي في الجنوب..!
لكون الموضوع في غاية الاهمية والخطورة هذه الايام..لذا قررت ان افرد له ” كتابا ” قد يوفقني الله لاتمامه نهاية هذا العام ..ساحاول فيه التفصيل الوافي لاسس ثقافة العراق القديم وعلاقتها بالفكر المسيحي والفكر الشيعي..الذي يمثل بحق قــِرانا مقدسا بين ( بابل و الاسلام ) ، هذا القـِـران ( بكسر القاف) المنسوب زورا وبهاتانا لفارس ..بل ان فارس هي التي استوحته من ثقافة العراق ، والازمة الحقيقية التي يعيشها العراق اليوم هي :
تغييب الهوية الوطنية…الخاصة…الانسانية…العالمية…التي تكون العروبة جزءا منها..ولا يمكن طي العراق بكل تاريخه كجزء من العروبة..!
فالعراق كيان تاريخي سابق للكيان الحضاري العربي الاسلامي باكثر من اربعة الاف عام…والعروبيون كعادتهم سيعتبرون هذا الكلام محاولة لسلخ العراق عن هويته العربية..والحقيقة..ان العراق بحد ذاته ” هوية” يشرف العرب إنهم جزء منها..من شاء فليؤمن..ومن شاء فـ( .. ) ..فهذا بلد التاريخ وفيه حاضرة الخلافة ” بغداد ” التي حاول المؤرخ الاسلاموي كما يقول سليم مطر تفريسها هي الاخرى ومحاولة نسبة ما فيها من حضارة الى الفرس وبيان دور العرب كقادة حرب…وكأن العراق كان خاليا الا من عرب الصحراء الذين هاجروا اليه…او الفرس الذين أصبحوا تحت الحكم الاسلامي..اما تاريخ شعب الخمسة الاف سنة..وبقاياهم السبعة ملايين انسان..فقد ذهبوا جميعا مع الريح..!
رغم هذا كله…لم تزل بابل تتنفس…ولم تزل زقوراتها ومعابدها تجول مدن العراق بمسميات حركية جديدة..حيث تنتشر الأضرحة والمزارات بشكل كثيف ملف للنظر في المدن الشيعية من جنوب العراق ..لماذا..؟
فكربلاء…هو الاسم الحركي الجديد لثورة الحضارة العراقية القديمة والحديثة ضد جاهلية الصحراء.
في يوم من الأيام…ستعود ( بابل ) للتصريح باسمها الصريح وتحلق عاليا في فضاء الحضارة من جديد….يومها سينطق التاريخ اسمها ويتغنى بها للأبد..ويعود للعراق وجه الحضاري المشرق وتعلي صرحه من جديد ( بعد قطيعة طويلة) هويته الوطنية القومية الموحدة…وعاجلا او اجلا…سيتم ( تعريــــق ) العراق بعد ان تم تعريبه في العهد العربي الاسلامي….و تفريسه …في عهود الظلام العثمانية
وستعود ( جمهورية بابل الاتحادية ) لتحكم العالم من جديد…وتغني للتاريخ والزمن :
انا هي بابل…التي قتلتها التوراة
انا هي بابل التي خنقتها العروبة
انا هي بابل المجد……ام التاريخ والقدر
وقسما بالقلم المسماري…و( الكيبورد ) الذي اطبع به هذا المقال…سابذل ما في وسعي ليترحم علينا احفادنا لاننا كتبنا لهم في هوية الاحوال المدنية :
الهوية عراقي
القومية….بـــــــابــــــلــيـــــــــــــــة
unhumededeu@hotmail.com
الهوامش :
[1] سليم مطر، الذات الجريحة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت .ص 137
[2] وجود أتباع الديانة المندائية في العراق إنما يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعتقدات السومرية التي تقدس الماء وتعتبر ألمعرفه الأولى إنما جاءت لأهل العراق القدامى من الماء أو البحار..!
[3] تقاليد الاعتراف الموجودة في المسيحية …موجودة بصورتها الأعم والاشمل في الثقافة البابلية الدينية…حيث كان الملك يعترف بخطاياه أمام الآلهة كل سنة
[4] شارل عيساوي – تاملات في التاريخ العربي / مركز دراسات الوحدة / بيروت 1991
[5] John K .Brige (the bectashi order of dervishes) – Bristol 1937- P.74
[6] علي الوردي ، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، كوفان للنشر (1991) ص 46 .
[7] كامل مصطفى الشبيبي ، الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري ، بغداد 1966 ، ص 413 .
[8] حنا عبد الأحد روفو ،الأعياد الدينية في العراق القديم وكيفية الاحتفال بها/ مجلة (المثقف الكلداني) التي تصدر عن الجمعية الثقافية الكلدانية – عينكاوة، 2001
[9] تربة كربلاء..قطع من الطين يستخدمها الشيعة للصلاة والتبرك..ويعتبرونها مقدسة لان دم الحسين قد سال عليها، توحي المبالغة في تقديسها إلى اعتزاز أهل العراق بهذا الطين الذي كان مضربا لأمثالهم ورمزا لثقافتهم ومقدساتهم زمن البابليين الذين اعتبروا السماء لوحة أو طينة الآلهة وهي تنقش عليها بالنجوم القدر..ينما يقوم الاله شمش بتدوين ارادته في احشاء الخروف ، انظر ) F. Martin, Textes religieux, p. 109.(.وكذلك الطين والكتابة المسمارية عليه إنما كانت مقدسة لديهم لان كتابة الشيء أو مجرد لفظه تعني خلقه واقعيا.
[10] وبالامكان مراجعة الجذور التاريخية لهذه الكلمات من مصادرها الموجودة في ” الذات الجريحة” للاستاذ سليم مطر