اسم الكاتب : موفق نيسكو
الدكتور خزعل الماجدي هو أديب وشاعر ومؤرخ قدير له كتب عديدة في تاريخ ما قبل الميلاد، لدول وأقوام وحضارات العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية، ومنها تاريخ الأديان القديمة وأصولها ومعتقداتها، ويحق لنا القول أنه متميز ومتمكن منها، وأنا شخصياً استشهدت في كتاباتي بكتابات الماجدي، ومن تلك الحضارات التي كتب وتحدث عنها في بعض المنابر الإعلامية والثقافية، هي الحضارة الآشورية القديمة، وقبل حوالي شهر قامت بعض المؤسسات في السويد التي تُسمِّي نفسها آشورية (الآشوريون الجدد)، بدعوة الماجدي لإلقاء محاضرات عديدة عن الآشوريين، وكالعادة روَّجَ الداعون للمحاضرات على أنها تاريخية، لكن هدفهم وأسلوبهم هو سياسي بحت كما سنرى، وقد حضرتُ أنا أول وثالث محاضرة، وجرى نقاش بيني وبين الدكتور الماجدي، وبيني وبين الداعين أيضاً، سأتطرق لأهمه وأُبيِّن وأصحح وبوثائق بعض المعلومات المهمة والأساليب التي يستعملها الآشوريون الجدد، والتي هي سبب هذا المقال.
معروف أنَّ الآشوريين الحاليين لا علاقة لهم بالقدماء، إنما هم آراميون أو سريان، نساطرة المذهب، سمَّاهم الإنكليز آشوريين سنة 1876م لأغراض سياسية طائفية، بهدف إقامة إقليم آشورشمال العراق وجزء من تركيا وإيران وسوريا، ومن يومها بدءوا يستعملون ويروجون اسم الآشوريين ويهتمون بمن يتكلم عنهم، زاعمين أنهم سليلو الآشوريين القدماء، ولتقاسم الكعكة السياسية معهم فقد ساندهم بعض الكلدان مُدعين أنهم آشوريون (علماً أنَّ الكلدان أيضاً هم آراميون سريان، انشقوا عن السريان النساطرة وتكثلكوا في القرن 16م، فسمتهم روما كلداناً، وثبت اسمهم في 5 تموز 1830م)، وسنة 1930م تقريباً ادعى بعض السريان الأرثوذكس أيضاً في سوريا خاصة (القامشلي) وبعض مناطق تركيا القريبة من العراق، مُدعين أنهم آشوريون، وأسسوا سنة 1952 أحزاباً سياسية بأفكار آشورية.
ومع أن الدكتور الماجدي يتحدث عن دولة آشور القديمة إلى سقوطها سنة 612 ق. م.، وليس عن آشوري اليوم، لكن بالطبع هلل له الآشوريون الجدد، لأنه على الأقل يتحدث عن آشوريين، لذلك استغلوا وجيَّروا ما يقوله لصالحهم ويثبت زعمهم، ونظَّموا له عِبر مؤسساتهم: لقاءات تلفزيونية، يوتوبات، دعوات شخصية لإلقاء محاضرات وندوات، نشر أقوله في المواقع الثقافية والتواصل الاجتماعي..إلخ، وبدوره فإن الماجدي نتيجة الحفاوة والاهتمام به من الآشوريين الجدد، أخذ يسهب، بل يبالغ في التحدث عن الآشوريين القدماء وحضارتهم، ويبدو أنه أمسك العصا من المنتصف معهم، فهو يقول دائماً إنه يتحدث عن الآشوريين القدماء فقط، لكنه يعلم يقيناً أن الآشوريين الجدد الذين يستضيفونه ويسمعونه هدفهم الوحيد أنَّ كلامه هو عن أسلافهم، وهو يثبت صحة زعمهم أنهم آشوريون، وواضح للماجدي وغيره أنَّ هؤلاء لا يهمهم تاريخ العراق: السومري، البابلي، الكاشي، الجوتي، الآرامي، الميدي، الساساني، العربي، العباسي..إلخ، بل يهمهم الآشوريين فقط، وإذا سُئل الماجدي خاصة من مسيحيين آخرين يعلمون زور إدعاء الآشوريين الجدد أنهم امتداد للقدماء: (هل آشوريي اليوم هم أسلاف القدماء؟)، أجاب ماسكاً العصا من المنتصف وبشكل (لا الإضرار بالناس ولا الشرك بالله)، وبما معناه: هذا موضوع ثان، وموضوعنا هو الآشوريون القدماء، أو (إجابة عاطفية أو سياسية) هي: إنَّ التعصب لا يقود لنتيجة ويجب على الجميع، سريان وكلدان وآشوريين، الوحدة ونبذ الطائفية..إلخ، وبما أنَّ الماجدي يفتخر بحضارات العراق ويدافع عنها، فالمفروض أن يتصدى لمن يحاول انتحالها لأغراض سياسية وطائفية، فلماذا لا يقول الحقيقة لهؤلاء؟، وهنا يوجد ثلاثة احتمالات، الأول: رغم أنَّ السيد الماجدي موسوعة في تاريخ قبل الميلاد، لكن ملاحظتي عنه أنَّ معلوماته عن المسيحيين وانشقاقاتهم وطوائفهم ولغتهم بعد الميلاد متواضعة جداً، ومع ذلك اعتقد أنه يعلم حقيقتهم، والثاني واعتقد أنه الصحيح: أنَّه يعلم حقيقة أنَّ الآشوريين الحاليين مُزوَّرين، لكنه يجاملهم لعدة أسباب، والثالث وهو ضعيف: أنه فعلاً يعتبرهم سليلي القدماء، وعندها نُطالب الماجدي الذي كتب مئات الكتب والمقالات عن الآشوريين القدماء، أن يكتب (صفحة واحدة فقط)، وبوثائق قديمة من مصادر وبلغة من يُسمُون أنفسهم اليوم آشوريين، عن الآشوريين وآثارهم من القرن الأول إلى سنة 1876م، ولو باختصار، مثلاً: الآشوريون في العصر: الأموي، العباسي، الصليبين، هولاكو، العثماني، يتحدث (ليس بمدلول جغرافي لأن شمال العراق وبالذات مدينة الموصل، وأحياناً وأربيل، يرد اسمهم جغرافياً في التاريخ، آشور)، بل على الماجدي ذكر آشوريين بوضوح مثل: رجال دين، كنيسة، لغة ومؤلفي قواميس ونحويين، شعراء، زعماء، محاربين، فلاسفة، أطباء، مترجمين، موسيقيين، أخبار آشوريين: حروب، حرائق، فيضانات، نزاعات..إلخ.
وسأتحدث باختصار عن اللقائين مع ذكر بعض الوثائق، والأهم هو اللقاء الأول في 7/9/2024م في النادي الآشوري، حيث افتتح الداعي السيد عمانوئيل عوديشو بتقديم الماجدي للحضور بخطبة سياسية متهجماً على مؤسسات العراق وحكوماته والتربويين والمثقفين، ومختصرها: أنَّ هؤلاء علمونا الكذب وعنترة وعبلة وقيس وليلى، وحجبوا عنَّا تاريخ الآشوريين، ويبدو أنه وبعض الآشوريين الجدد لا يعلمون أنَّ هناك مسيحيون قبل غيرهم يفتخرون بالمتنبي الحكيم، والعاشق قيس بن الملوح، أكثر من آشور بانيبال الذي يعتبر أعظم سادي ودموي ومجرم في التاريخ، لذلك أثناء الاستراحة قلتُ له: نحن في محاضرة تاريخية معلنة منكم للعموم، ومن حق العرب والمسلمين الذين يفتخرون بمن تستهين بهم أن يحضروا، لذلك يجب عدم التهجم على الآخرين، بل أقول لك: أنا شخصياً افتخر بالمتنبي وليس بآشور بانبيال، أمَّا بشأن تجنيه على مؤسسات العراق وحكوماته وتربويه ومثقفيه، فللإنصاف قلتُ للسيد عوديشو أن كل حكومات ومؤسسات العراق أعطت حضارة آشور حقها وأكثر، بداءاً من مناهج التربية إلى الآثار والمتاحف، بل أدخل صدام حسين آشور في النشيد الوطني، واليوم برلمان العراق تزين جدرانه الكتابة المسمارية التي استعملتها دولة آشور، أمَّا بالنسبة للمداخلات فلم يسمحوا لي إلاَّ بواحدة قصيرة حاولوا فيها عدة مرات مقاطعتي، وتحدث بعض الآشوريين الجدد معي وكالعادة بشخصنة وتسيس، لكني طلبتُ الإجابة على مداخلاتي التاريخية وما أقوله فقط.
1: لم يذكر الماجدي أمراً مهماً (واعتقد أنه يتحاشى ذلك)، وهو: من أين جاء الآشوريين القدماء قبل أن يسكنوا أو بالأحرى يحتلوا شمال العراق الحالي الذي كان اسمه بلاد سوبارتو؟، فالآشوريون أقوام أكدية نزحوا من جنوب بابل حوالي القرن 25 ق.م.، وقبل بابل كانوا قد نزحوا من الهضبة أو الصحراء السورية- العربية غرب الفرات، وسوبارتو هي حضارة كاملة لم تأخذ حقها التاريخي، لكن الآن بدأت الكتابات عنها، وأنَّ الآشوريين تحاشوا استعمال اسم سوبارتو لأنه كان يعني (عبد) عن البابليين حيث عمل السوبارتيون بكثرة كعبيد في بابل، ومع ذلك أطلق الآشوريون على أنفسهم مصطلح سوبارتو إلى آخر عهدهم، وحتى عندما أسقط نابو بلاصر والد نبوخذ نصر دولة آشور سنة 612 ق.م، سمَّاها بلاد سوبارتو.
2: صوَّرَ وذكر الماجدي أن الحضارة الآشورية هي أعظم حضارات العراق والعالم، وهو ليس صحيحاً تاريخياً، وأمرٌ مبالغ فيه لأغراض المجاملة، فالحضارة الآشورية ليست أعظم من السومرية والأكدية والبابلية، وغيرها، ربما الآشورية مشهورة أكثر، وذلك يعود لسببين، الأول قسوتها المفرطة وكثرة غزواتها العسكرية، والثاني هو الكتاب المقدس الذي ذكر كثيراً من أحداث الآشوريين التي انتشرت بين اليهود والمسيحيين عِبر التاريخ، فلولا الكتاب المقدس، لما عرَفَ أحد شيئاً عن الآشوريين إلى اكتشاف الآثار في القرن 19م، أسوةً بالسومريين والاكديين والسوبارتيين، وغيرهم.
3: هي نقطة مهمة جداً: ذكر الماجدي مصطلح لغة آشورية، وعارضتهُ أنا بشدة، حيث لا يوجد في التاريخ لغة اسمها آشورية، فلغة دولة آشور القديمة هي الأكدية، التي كانت بلهجتين جغرافيتين، لهجة بابل وآشور، وذكرتُ للماجدي بالوثائق أنه إلى آخر أيام دولة آشور، كانت تُسَمَّي لغتها، الأكدية وليس الآشورية، مع ملاحظة أن اللغة الآرامية، اجتاحت آشور منذ القرن الثامن ق.م.د تقريباً إلى سقوطها سنة 612 ق.م. وطغت على الأكدية التي أصبحت لغة عسكرية ولغة المعابد، أمَّا لغة الآشوريين الحاليين الجدد، فهي الآرامية السريانية لأنهم آراميون سريان أصلاً.
4: انفرد الماجدي بذكر رأي واحد عن مصدر ومعنى اسم آشور وقال إنه سامي من كلمة شوريا ويعني البداية، وهذا غير صحيح، فكلمة آشور ليست سامية، ويقول قاموس الكتاب المقدس ص78، ليس لآشور معنى، وهناك عدة صيغ وآراء في معنى آشور، فصيغة A-Uasr، غير سامية معناها البقعة المروية، وبالأرمنية كلمة սար تُنطق Sar، Sary ومعناه جبلي، وبالسريانية مصدر كلمة أثور هو من ثور، بمعنى هائج، همجي، متوحش، وثَّاب (انظر قاموس دليل الراغبين في لغة الآراميين للمطران الكلداني أوجين منا، ص833. وقاموس كنز اللغة السريانية، لمطران الكلدان توماأودو، ص617)، وربما كلمة تتر (المغول) مأخوذة من تور السريانية، وهكذا يأتي اسم آشور في الأدب السرياني بمعنى: أعداء، غزاة، خنازير..ألخ، ويُلِّقب السريان أعدائهم مثل كسرى وزنكي وبعض خلفاء المسلمين القساة، بأنهم آشوريين، والأمر الطريف الذي لا يعلمه الماجدي، هو أنَّ أغلب الآشوريين الجدد الجالسين في محاضرته، يُصلُّون في كنيستهم مساء الأحد في الاشحيم ص15 (يا رب أنقذنا من الشيطان والآشوريين)، وفي صلاة ظهر جمعة الآلام، يُشبِّه السريان اليهود صالبي المسيح بالآشوريين، أمَّا قديسهم مار أفرام السرياني فيقول في قصائده النصيبنية رقم 6 و 53: أشور الدنسة هي مصدر العهر، والجحيم ملئي بالآشوريين والسدوميين (اللوطيين)، وفي قاموس ابن بهلول من القرن 10م وهو نسطوري من أسلاف من يُسمون أنفسهم اليوم آشوريين، يقول معنى آشوريين: الأعداء ص322، وتقول دائرة المعارف الكتابية: إن الآشوريين قساة لا يعرفون التسامح، وتشبِّه دولتهم بالأتراك العثمانيين ج1 ص332، وفي الكتابات السومرية والأكدية غالباً ترتبط كلمة آشور بالمستنقعات، وآخر الأبحاث العلمية لجامعة كامبريدج، لندن، قسم الآشوريات، منشورة في مجلة العراق بالإنكليزية سنة 2015م، تقول: معنى آسور هو: (مرافق صحية أو بالوعة المياه القذرة)، علماً أنه لأهمية هذا المعنى، فهو الوحيد الذي أدرجته المجلة مترجماً بالعربية، وقد أعطيتُ نسخة من البحث للدكتور الماجدي، وهذا هو:
5: ذكر الماجدي سيراً على منوال غيره أن السريانية هي لهجة أرامية، والسريان هم امتداد للآراميين، وهذا تعبير خاطئ علمياً، فالسريان ليسوا امتداداً للآراميين بل هم الآراميون أنفسهم (آرامي= سرياني)، مثل هنكاريا ومجر، أثيوبيا حبشة، يونان إغريق..إلخ، واللغة السريانية ليست لهجة آرامية، بل السريانية هي الآرامية نفسها، لكن لهجة الرها (الآرامية أو السريانية) سادت منذ القرن الثاني الميلادي وأصبحت الكتابية الفصحى، مثلما سادت لهجة قريش العربية على سائر لهجات العرب وأصبحت الفصحى الكتابية، لذلك من الخطأ القول إنَّ السريانية هي لهجة الرها الآرامية، والصحيح إن السريانية أو الآرامية الكتابية الحالية، هي لهجة الرها، فمصطلحا (آرامي وسرياني) استعملا بشكل مترادف على الشعب واللغة من قبل الميلاد والى اليوم، فقبل الميلاد استُعمل الآراميون والعبرانيون والبابليون والآشوريون مصطلح آرامي ، بينما استعمل اليونان مصطلح سرياني على نفس الشعب واللغة، أمَّا دينياً في العهد القديم فكلمة آرامي ولغة آرامية في النص العبري، تُرجمت في السبعينية اليونانية سنة 280 ق.م. إلى سرياني ولغة سريانية، ومؤرخو اليونان القدماء حتى قبل تأسيس مملكة الرها، استعملوا مصطلح سرياني على الآراميين ولغتهم، كهيرودوتس وزينفون وسترابو وبوسيدونيوس وأقليديس ويوسيفوس..إلخ، وبما أنَّ الآراميين استعملوا الاسم السرياني بكثرة بعد الميلاد، فقد طغى اسم سرياني على آرامي، لكن السريان بعد الميلاد أيضاً وإلى اليوم استعملوا الاسم الآرامي أيضاً بشكل ملحوظ.
6: الشيء المهم الذي ذكره الماجدي في معرض إجابته على التعليقات والأسئلة والذي خيَّب آمال الآشوريين الجدد ونسف زعمهم وانتحالهم اسم آشور، فبعدما عقَّبتُ أنا أنَّ الآراميون أو السريان يختلفون عن الآشوريين، حسباً ونسباً، دولاً وملوكاً ، لغة وثقافةً، تاريخياً وجغرافياً، بل هما شعبان عدوان، ذكر الماجدي: أنَّ الآراميين أقاموا عشرات الإمارات الآرامية، وكانوا مقاومين شرسين للآشوريين، ومنذ سقوط دولة آشور سنة612 ق.م. إلى مجي الإسلام وبعده، سادت الثقافة واللغة الآرامية الهلال الخصيب، وأنه سيكتب لاحقاً كتاباً خاصاً عن الحضارة الآرامية.
7: المحاضرة الثانية أُقيمت في 9/10 في كنيسة متى وبهنام للسريان الأرثوذكس، ولأنَّ الحاضرينيتبعون الخط الآرامي، فقد رَتَّب الداعون للماجدي محاضرة غير مختصة بالآشوريين (نساء من بلاد الرافدين قبل الميلاد)، ومع ذلك كرَرَ الماجدي ذكر مصطلح لغة لآشورية، فرديتُ عليه: لا توجد لغة باسم آشورية، وطالبته ذكر وثائق وآثار، وليس آراء، وأدرج نموذج لوثيقة تقول، لغة دولة آشور هي أكدية، وليس آشورية.