الكاتب : فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله سبحانه “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ” كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ” حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ” قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ” (الأعراف 38) “قال” تعالى لهم يوم القيامة “ادخلوا في” جملة “أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار” متعلق بادخلوا، “كلما دخلت أُمة” النار “لعنت أختها” التي قبلها لضلالها بها، “حتى إذا ادَّاركوا” تلاحقوا “فيها جميعا قالت أخراهم” وهم الأتباع “لأولاهم” أي لأجلائهم وهم المتبوعون “ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا” مضعفا “من النار قال” تعالى، “لكل” منكم ومنهم “ضعف” عذاب مضعف “ولكن لا يعلمون” بالياء والتاء ما لكل فريق.
تكملة للحلقة السابقة عن مركز تفسير للدراسات القرآنية للكاتب رضا زيدان: هل تطورت كلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم؟ نقد أطروحة المستشرق مونتجمري وات حول التطور الدلالي لكلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم: ن بين هذا الطيف الواسع من المعاني يركّز المستشرقون على معنى الدِّين ومعنى الإِمامة، وأنكر معظمهم إمّا المعنى الديني أو الإمامي من معاني الكلمة، أو قالوا بأن الكلمة غير عربية أصلًا ومستعارة من لغة ساميّة أخرى. فقد أنكر يوليوس فلهاوزن معنى الإِمامة، يقول: (كلمة الأمّة وكلمة الإمام لا ترتبطان ارتباطًا مباشرًا، وربما لا يكون بينهما ارتباط على الإطلاق، فالأُمّة مشتقة من الأُمّ، أمّا الإمام فمِن فِعل (أَمَّ) بمعنى: تقدَّمَ)، لكنه لم ينكر المعنى الديني، وأقرّ بوجود هذا المعنى عند العرب قبل الإسلام، يقول: (وكلمة (الأمّة) هنا (بعد الهجرة) ليست اسمًا للجماعة العربية القديمة التي تربطها رابطة النَّسَب، بل هي تدلّ على الجماعة بالمعنى المطلق. وهي تدلّ في العادة على جماعة تقوم على الدِّين، ولم يكن ذلك منذ ظهور الإسلام فحسب، بل كان قبل ذلك أيضًا)، (ويستشهد ببيت النابغة المذكور أعلاه). أمّا آرثر جيفري فيعتبر أن الكلمة غير عربية، وأنها (على ما يبدو مستعارة من اليهود. فالكلمة العبرية אמה تعني: قبيلة أو ناس)، بل يعتبرها غير ساميّة! إِذْ يعتبر أنّ كلمة (أُمّة) العربية وما يقاربها من العبرية والآرامية والسريانية والأكادية (تبدو مستعارة من السومريين)، ومن ثم ينتهي إلى أن العربية إمّا استعارت هذه الكلمة بواسطة أو مباشرة من هذا المصدر السومري. ينقل مونتجمري وات تأثيل جيفري للكلمة، ويضيف أنه (عُثِر على الكلمة في الكتابات العربية دون أن يثبت انتشارها وشيوعها على نطاق عريض، كما لم يَعْثُر الكُتّاب المعاصرون على أمثلة لها في الشعر الإسلامي على الأقل)، وحيث إنّ الكلمة لها استخدام محدود في عربية ما قبل الإسلام وموجودة في لغات سامية أخرى بمعنى (القبيلة)، يذهب وات إلى أن الكلمة لا بد أن تعني القبيلة في القرآن الكريم، ويبني على ذلك حجّته، ومفاد هذه الحُجّة أنّ (مفهوم المجتمع الديني (فَهْم المسلمين واللغويين العرب لكلمة “أمة”)، هو “اختراع” لا يمكن أن يوجد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمان ومكان يسود فيه الهياكل القبَلية فقط: فمع ظرف بيئته الثقافية، لم يكن بإمكان النبيّ إلا تصور الكيانات القَبَلية، وبالتالي عرض أيدولوجية (قومية) وليس أيدولوجية دينية)). وذلك لأنه ليس هناك إلّا (فارق ضئيل بين الكلمتين (الأمة والقوم)، فكلتاهما كانت تمثّل مجموعة أو جماعة طبيعية، وكان يُظَنّ أن الأنبياء أُرْسِلوا إلى هذه الجماعات الطبيعية، ومن المحتمل أنّ يهود المدينة كانوا في عُرْفِ صحابة محمد صلى الله عليه وآله وسلم جماعة غير دينية، بل جماعة أو مجموعة (لغوية أو عِرقية) طبيعية. وإِذْ يتحدّث القرآن عن “أمّة” من أهل الكتاب فلا مندوحة عن فهم الكلمة على هذا النحو، والافتراض الشائع لدى عرب تلك الفترة أن تشترك الجماعة بأسرها في الشعائر الدينية. وإذا تبيّن أنّ هناك تغييرًا في معنى “الأمة” فهو عائد إلى طابع تطوّر الجماعة الفعلية لأَتْباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحلفائهم وتابعيهم).
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ” ﴿الأعراف 38﴾ قوله تعالى: “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ” (الأعراف 38) الخطاب من الله سبحانه دون الملائكة وإن كانوا في وسائط في التوفي وغيره، والمخاطبون بحسب سياق اللفظ هم بعض الكفار وهم الذين توفيت قبلهم أمم من الجن والإنس إلا أن الخطاب في معنى: ادخلوا فيما دخل فيه سابقوكم ولاحقوكم وإنما نظم الكلام هذا النظم ليتخلص به إلى ذكر التخاصم الذي يقع بين متقدميهم ومتأخريهم، وقد قال تعالى: “إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ” (ص 64). وفي الآية دلالة على أن من الجن أمما يموتون بآجال خاصة قبل انتهاء أمد الدنيا على خلاف إبليس الباقي إلى يوم الوقت المعلوم. قوله تعالى: “كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا” (الأعراف 38) هذا من جملة خصامهم في النار وهو لعن كل داخل من تقدم عليه في الدخول، واللعن هو الإبعاد من الرحمة ومن كل خير والأخت المثل. قوله تعالى: “حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا” (الأعراف 38) إلى آخر الآيتين، اداركوا أي تداركوا أي أدرك بعضهم بعضا اللاحقون السابقين أي اجتمعوا في النار جميعا. والمراد بالأولى والأخرى اللتين تتخاصمان ما هو كذلك بحسب الرتبة أو بحسب الزمان فإن الأولى منهم مقاما وهم رؤساء الضلال، وأئمة الكفر المتبوعون أعانوا تابعيهم بإضلالهم على الضلال، وكذا الأولى منهم زمانا وهم الأسلاف المتقدمون أعانوا متأخريهم على ضلالتهم لأنهم هم الذين جرءوهم بفتح الباب لهم وتمهيد الطريق لسلوكهم. والضعف بالكسر فالسكون ما يكرر الشيء فضعف الواحد اثنان وضعف الاثنين أربعة غير أنه ربما أريد به ما يوجب تكرار شيء آخر فقط كالاثنين يوجب بنفسه تكرار الواحد فضعف الواحد اثنان وضعفاه أربعة، وربما أريد به ما يوجب التكرار بانضمامه إلى شيء كالواحد يوجب تكرار واحد آخر بانضمامه إليه لأنهما يصيران بذلك اثنين فكل واحد من جزئي الاثنين ضعف وهما جميعا ضعفان نظير الزوج فالاثنان زوج وهما زوجان وعلى كلا الاعتبارين ورد استعماله في كلامه تعالى، قال تعالى كما في هذه الآية “فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا” (الأعراف 38) وقال تعالى: “ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ” (الأحزاب 68).
عن علاقة القضاء بالأمة جاء في المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: إنَّ الأحكامَ القضائيِّة في الإسلام من تعزيرٍ وحدودٍ وقصاصٍ وغيرها، كما يفترِض المُسلِم إنبثاثها عن روح الشريعة الخاتمة، ينظرُ إليها كقانونٍ إلهي يجب مراعاته والحكم على أساسه، الأمر الذي يتصادَم مع المُواطَنة لأسباب أقلُّها ثلاثة: الأوَّل: إنَّ مراعاة القانون الإسلاميّ يفترض قضاة مسلمون، فلا يحقُّ لغيرهم ممارسة هذه المهنة، ما يخلُّ بمبدأ المساواة في العمل بين أعضاء المجتمع الذي تفرضه المُواطَنة. الثاني: وجوب تطبيق الحكم الإسلاميّ يُلزم بقيام حكم إسلاميّ على أساسه أي دولة إسلاميِّة، ما يجعل من العقد الإجتماعي المُفترَض بين مؤسّسي الوطن ـ بالمعنى الحديث ـ عُرضةً للتآكُل. ويجدر بالمُسلِم أن يفكِّر بقيام حكم إسلاميّ، وإن كان تطبيقُه منوطاً بموافقة بقيَّة أعضاء المجتمع، ما يؤدِّي إلى شلل آخر في مفهوم المُواطَنة الجديد. الثالث: القانون الإسلاميّ يتعارض ومبدأ (وحدة القانون) بين أفراد الشعب، وذلك لأنّه وفي موارد عديدة يُفرِّق ما بين المُسلِم وغيره، والذي منها: 1 ـ في الإرث، حيث لا يرثُ الذِّمي (الذي كان لـه عقد ذِمَّة مع المُسلِم) من المُسلِم، ويُحرَم من ذلك. 2 ـ الشهادة، حيث لا تُقبَل شهادة غير المُسلِم على المُسلِم مُطلقاً، وتُقبل في دينه إذا لم يكن هناك شهود من المُسلِمين. 3 ـ لو أتلفَ الذِّمي الخمر أو الخنزير لصاحبهما المُسلِم لا يَضمن قيمتها، أمَّا لو أتلف المُسلِم الخمر أو الخنزير للذميّ فعليه أن يدفع لـه قيمتها. 4 ـ إذا باع المُسلِم أرضاً للذميّ كان عليه دفعُ خُمسِها (خُمس ثمنها)، أمَّا لو باع الذِّمي للمُسلِم أرضه فليس عليه شيء. يُمكن أن نستخلِص أنَّ الفقهَ التقليديّ يتعارَض مع مفهوم المُواطَنة الحديث كونه يفترض حُكماً إسلاميّاً. ولكن يجب الإشارة إلى أنَّ بعض فقهاء المذهب الجعفريّ تخطَّوا كثيراً من عوائق الفقه المُحيطة بالمواطَنة، خاصّة مسألة المُشاركة السياسيّة لغير المسلمين. نقرأ ذلك بدون لَبسٍ في خطاب مرجع الشيعة في مطلع القرن العشرين (الميرزا النائينيّ) الذي يُوضِح بأنَّ (عضويَّة المجلس (الشورى) لا تقتصر على المسلمين، بل لا بُدَّ أن تتمثّل الأقليّات غير المُسلِمة في المجلِس، ولا بُدَّ أن تُشارِك في الانتخابات، لأنَّ أتباعها شركاء في الوطن، وشركاء في أموال الدولة).ويمكن الالتفات إلى أنَّ تجربةَ الجمهوريّة الإسلاميِّة في إيران قد أعطت هذا الفقه بُعداً عمليَّاً، وحاولت قانونيِّاً أن تجعلَ الفقهَ يتعايش ـ ولو بالحدِّ الأدنى ـ مع مفهوم المُواطَنة الحديث. وسيأتي ذكر ذلك في مورده.