الكاتب : فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى “وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” (الأعراف 159) “ومن قوم موسى أمَّةٌ” جماعة “يهدون” الناس “بالحق وبه يعدلون” في الحكم.
تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تبارك وتعالى “وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 159﴾ عن أبي علي الجبائي، وأنكر القول الأول، وقال: لو كانوا باقين، لكانوا كافرين بجحد نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وليس هذا بشيء، لأنه لا يمتنع أن يكون قوم لم يبلغهم دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يحكم بكفرهم، ويمكن أن يكون بلغهم خبر النبوة وآمنوا وثالثها: إنهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل عبد الله بن سلام، وابن صوريا، وغيرهما. وفي حديث أبي حمزة الثمالي، والحكم بن ظهير: (إن موسى عليه السلام لما أخذ الألواح، قال: رب إني لأجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، فاجعلهم أمتي؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني لأجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة، فاجعلهم أمتي؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني لأجد في الألواح أمة كتبهم في صدورهم يقرأونها، فاجعلهم أمتي؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني لأجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول، وبالكتاب الآخر، ويقاتلون الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة، إذا هم أحدهم بحسنة، ثم لم يعملها، كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرة أمثالها، وإن هم بسيئة، ولم يعملها لم يكتب عليه، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلهم أمتي؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون، وهم المشفوع لهم، فاجعلهم أمتي؟ قال: تلك أمة أحمد. قال موسى: رب اجعلني من أمة أحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟). قال أبو حمزة: فأعطي موسى آيتين لم يعطوها يعني أمة أحمد. قال الله: “يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي”، وقال: “ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون” قال: فرضي موسى عليه السلام كل الرضا.
عن شبكة تبيان (مفهوم الأمة في القرآن) للكاتب ناصيف نصّار: لقد شعر المفسرون بشيء من الحرج أمام آيات كهذه “ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم”. “كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم”. “ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله”. ومصدر الحرج من الناس، صعب تبين من هم الرسل في جميع الأمم، وإذا كان محمداً مرسلاً إلى أمة واحدة، فكيف تتحدد هذه الأمم؟ وكيف التوفيق عند ذاك بين خصوصية الرسالة وشموليتها الإنسانية؟ وفي الحقيقة، لم يدرس المفسرون بصورة منهجية نظامية هذه الجوانب من معنى الأمة، ولم يتعمقوا في درس مفهوم الأمة مجرداً عن مفهوم الطريقة أو الملة. لقد غلب على أذهانهم الارتباط القائم بين الجماعة والشريعة، فأهملوا الاهتمام النظري بماهية الأمة قبل ورود الشرع. إلا أنهم ميزوا في هذا السياق بين ما أسموه أمة الدعوة، وهي الأمة التي بعث فيها رسول، وما أسموه أمة الإجابة، وهي مجموع المؤمنين بذلك الرسول. وانه لمن الواضح أن لا تطابق بين أمة الدعوة وأمة الدعوة يتحددون بشيء آخر غير الإيمان، ويمكن أن يظل بينهم من لا يستجيب لدعوة الرسول نتيجة لمبدأ عدم الإكراه في الدين.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى “وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 159﴾ جانب من نعم الله على بني إسرائيل: في الآيات الحاضرة إشارة إلى حقيقة رأينا نظيرها في القرآن الكريم، وهذه الحقيقة هي تحري القرآن للحق، واحترامه لمكانة الأقليات الدينية الصالحة، يعني أنّه لم يكن ليصف جميع بني إسرائيل بأسرهم بالفساد والإفساد، وبأنّ هذا العزق القومي برمته ضالّ متمرد من دون استثناء، بل اعترف بأن منهم أقلية صالحة غير موافقة على أعمال الأكثرية، وقد أولى القرآن الكريم اهتماما خاصا بهؤلاء فيقول: “وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”. إنّ هذه الآية قد تشير إلى فريق صغير لم يسلّموا للسامريّ ودعوته، وكانوا يدافعون عن دين موسى دائما وأبدا، أو إلى الفرق والطوائف الصالحة الأخرى التي جاءت بعد موسى عليه السلام. ولكن هذا المعنى يبدو غير منسجم مع ظاهر الآية، لأن “يهدون” و “يعدلون” فعل مضارع، وهو على الأقل يحكي عن زمان الحال، يعني عصر نزول القرآن، ويثبت وجود مثل هذا الفريق في ذلك الزمان، إلّا أن نقدّر فعل “كان” فتكون الآية إشارة إلى الزمان الماضي، ونعلم أن التقدير من دون قرينة خلاف الظاهر. وكذلك يمكن أن يكون ناظرا إلى الأقلية اليهودية الذين كانوا يعيشون في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذين اعتنقوا الإسلام تدريجا وبعد مطالعة دعوة النّبي ومحتوى رسالته، وانضموا إلى صفوف المسلمين الصادقين. وهذا التّفسير ينسجم أكثر مع ظاهر الفعلين المضارعين المستعملين فيها. وما جاء في بعض روايات الشيعة والسنة من أنّ هذه الآية إشارة إلى فريق صغير من بني إسرائيل يعيشون فيما وراء الصين، عيشة عدل وتقوى وتوحيد وعبودية الله تعالى فغير مقبول، لأنّه مضافا إلى عدم موافقته لما نعلمه من جغرافيا العالم اليوم، ومضافا إلى أن التواريخ الحاضرة الموجودة لا تؤيد هذا الموضوع، فإنّ الأحاديث المذكورة غير معتبرة من حيث السند، ولا يمكن أن يعتمد عليها كأحاديث صحيحة حسب قواعد علم الرجال.
تكملة للحلقة السابقة عن علاقة المواطنة بالأمة جاء في المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: مفهوم المواطنة: يمكن الولوج إلى هذا الفهم من خلال أمور: الأوّل: تعريف المواطنة: لا بُدَّ قبل الدخول في تعريف مُفرَدَة المُواطَنة وبيان معناها ودلالتها، أن نُحاكي الجذر الذي انطلقت منه وهو الوطن. يُعرَّف الوطن لغةً بالمنزل تُقيم به، وهو موطن الإنسان ومحلُّه، وفِعل أوطنَ أي أقامَ، وأوطنه اتخذه وطناً، ويُقال أوطنتُ الأرض ووطنّتها توطيناً واستوطنتها أي إتخذتها وطناً. ويبدو أنّ الداءَ الذي اعتوَر مفهومَ الأُمَّـة أصابَ مُفردَة الوطن، الأمر الذي أعقب تشويشاً في دلالته وتشويهاً في معناه، فاختلطَ بمصطلح النظام وتماهى مع الدولة وارتبطَ مع الأُمَّـة، ما جعل حدوده عُرضةً للعبور والتآكل. والفرد قد يكون في ذهنه (وطنٌ خاص) يتحدَّد بحدود كلِّ دولة، و(وطنٌ عام) يشمل جميع الأراضي التي تسكنُها شعوب الأُمَّـة على اختلاف دولها وأوضاعها السياسيّة، و(وطنٌ فعليّ) تعترف به الدُوَل و(وطنٌ مثالي) تنشده نفوس المواطنين، وذلك لأنَّ هذا المفهوم أخذ حيِّزاً من الربط العاطفي بين المواطن وأصله اللُّغوي، وعاضدت ذلك النصوص الدينيَّة التي ألقت المسؤوليّة على المُكَلَّف لحفظ وطنه. يُعرِّف رفاعة رافع الطهطاوي الوطن بأنّه (عُشُّ الإنسان الذي فيه درَج، ومنه خرَج، ومجمعُ أسرته)، ويُعرِّفه آخرون بأنَّه الدار والمسكَن والمحلّ والبيت الكبير ومسقط الرأس، ويُمكن القول بأنَّه الحيّز الجغرافيّ الذي تعيش وتعتاش عليه مجموعة بشريَّة معيَّنة، حيث يَتفاعل الأفراد مع بعضهم ومع الأرض التي يقطنون عليها. وهو مصطلح قديم، وردَ ذكرُه في رواياتٍ عديدة، تحُثُّ على حُبّهِ والزود عنه والعيش فيه بكرامة أو الرحيل عنه. لكنَّه أُهمِل لصالح مفردة (الأُمَّـة) لاعتبار ورودها في القُرآن، ولكونها أكثر ثباتاً منه. بدأ استخدام المفرد فعليَّاً مطلع القرن التاسع عشر، فيُقال في أحد النصوص (يريدُ العساكر أن يرجعوا إلى أوطانهم). ومع أنّ المُسلِمين ـ العرب والترك ـ عرفوا المُفرد الفرنسي patric في وقت مُبكِّر، لكنَّهم لم يستعملوا المفرد (وطن) أو أنَّهم لهم يخرجوا عن الاستعمَالات التقليديّة للمصطلح في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، لكنّه ورد في فرمانٍ سلطانيّ هو خطّ كلخانة عام 1839، حيث وردَ مصطلح الوطن في موقعين: الأوّل عندما تحدَّثَ الخطُ عن الإنسان العثمانيّ الذي تتزايد غيرته يوماً فيوماً على دولته وملَّته ومحبّته لوطنه، والثاني عندما اعتبر مهمّة العساكر هي (محافظة الوطن). أمّا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فإنَّ النسبة إلى وطن: وطني استُخدمت في مواجهة الأجنبيّ أو الغريب غير العثمانيّ في الشام مصر، فقد سمَّى بطرس البستاني مدرسته 1863: المدرسة الوطَنِّية، قاصداً بأنَّها عربيَّة تركيَّة في لغة التدريس وليست من مدارس الإرساليَّات. وتأتي الثورة العربيّة فيكثُرُ الحديث عن حبِّ الوطن وعن الغيرة الوطَنِّية ويُسمِّي العرابيّون أنفسهم (الوطنيون).