ديسمبر 7, 2024
download (2)

الكاتب : عبد الخالق حسين

* توضيح لا بد منه
نشرتُ هذا المقال عام 2007 على حلقتين، (وهذه هي الحلقة الثانية والأخيرة.)، وقد أثار في وقته جدلاً بين الكتاب الإسلاميين والعلمانيين. وبمناسبة عزم البرلمان العراقي تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، بتطبيق الشريعة الإسلامية التي تسمح للرجل بالزواج من أربع نساء، وحتى بالرضيعة بعمر السنتين، والاستمتاع بها مفاخذة، والولوج بها في التاسعة، وتسليم هذا القانون لرجال الدين ومنحهم الحرية الكاملة بالتصرف في قضايا الأحوال الشخصية، وحسب المذاهب التي يعتنقونها بعد ان كان بيد القضاء العراقي، الإجراء الذي من شأنه تكريس الطائفية، وتفتيت المجتمع المفتت أصلاً، وتجريد الدولة من مسؤولياتها في هذا الخصوص… لذلك رأيت من المفيد إعادة نشر المقال، فكما تفيد الحكمة: (في الإعادة إفادة !).
***********
مقدمة
بعد نشر الحلقة الأولى من هذه المقالة (الربط رقم1 في الهامش)، استلمت ردود أفعال متباينة وخاصة فيما يخص عملية التفخيذ، أو المفاخذة على حد تعبير الإسلاميين، وهي عملية جنسية يجريها رجل بالغ ومهما كان عمره مع الطفلة ومهما كان عمرها وحتى الرضيعة، باسم النكاح (الزواج)، لفظاً أو كتابة، بشكليه الدائم والمؤقت، حتى السن التاسعة، وبعدها يحق للزوج ممارسة الجنس معها ولوجاً. ونظراً لأهمية الموضوع وما نال من اهتمام بالغ من جمهرة واسعة من القراء الكرام، وعدد من الكتاب الأفاضل، أرى من المفيد مواصلة النقاش والبحث، والتوسع فيه وذلك خدمة للحقيقة والمصلحة العامة.
يمكن تصنيف ردود الأفعال على المقالة إلى ثلاثة أقسام. الأول، يضم الأغلبية، حيث وصلتني رسائل إلكترونية ومحادثات هاتفية بالعشرات وما زالت، إضافة إلى العديد من المقالات نشرت في صحيفة (صوت العراق) الإلكترونية، معظمها تدعم مضمون المقال ما عدا واحدة. وقال البعض من أصحاب الرسائل الإلكترونية أنهم لأول مرة يسمعون بجواز هذه الطريقة من الممارسة الجنسية في الإسلام، وأنهم يدينونها بشدة لأنها مقززة لا اخلاقية وتتعارض مع القيم الإنسانية، ومع قوانين حقوق الإنسان في عصرنا الحاضر، وانتهاك صارخ لحقوق الطفولة وبراءتها.

المطالبة بعدم الخوض في المسائل الدينية
أما القسم الثاني من أصحاب الردود، فقد أدانوا العملية ولكنهم نصحوا بعدم إثارة هذا الموضوع لحساسيته، وأنه يجب توجيه طاقاتنا الكتابية في هذه المرحلة العصيبة إلى الجانب السياسي والمحنة التي يمر بها العراق، وشعوب المنطقة، بدلاً من الخوض في القضايا الدينية، لأن هكذا سجال يستفز الإسلاميين ويدفعهم إلى التخندق، ردود أفعال عنيفة ومتشنجة نحن في غنى عنها، ونحن نريد إرضائهم بدلاً من إثارتهم.
وهنا أود أن أذكر هؤلاء الأخوة من أصحاب النوايا الحميدة، بالحكمة القائلة: أن “الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة”. ففي وقتنا الحاضر اختلط الديني بالسياسي، بحيث صار الإسلاميون سياسيين يوظفون النصوص الدينية لفرض تسلطهم السياسي على الشعوب، وبذلك تسببوا في جلب الكوارث على مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فنحن نمر الآن بنفس مرحلة النهضة والتنوير الأوربية في صراع المثقفين مع الكنيسة، وسيطرتها على مصائر ورقاب الناس. وبسبب تلك السيطرة أعاقت الكنيسة تقدم أوربا في القرون الوسطى، والتي سميت بحق بالعصور المظلمة. واستمر نضال المثقفين الليبراليين الإصلاحيين إلى أن انتصروا في فصل الكنيسة عن الدولة، ونجحوا في إقامة أنظمة علمانية ديمقراطية. ونتيجة لهذا الفصل بين الدين والسياسة، انطلقت أوربا في مسيرتها التاريخية وحررت العقل من القيود، وفجرت الطاقات الخلاقة لشعوبها في مختلف المجالات، وحققت هذا التقدم المذهل في العلوم والتكنولوجية والفنون والديمقراطية وحقوق الإنسان…الخ.
لذلك، فإني استميح الأخوة عذراً في هذا الخصوص، إذ أرى من واجبنا ككتاب لبراليين، أن لا نتردد في طرح هذه المسائل وإن بدت قضايا دينية، إلا إن لها علاقة مباشرة بالسياسة وبحقوق الإنسان، وفي هذه الحالة (المفاخذة) اعتداء صارخ على حقوق المرأة والطفولة البريئة التي هي بحماية المجتمع، والساكت عن الحق شيطان أخرس، أو كما قال مارتن لوثر كنغ: “المصيبة ليس في ظلم الأشرار، بل في صمت الأخيار”. ويجب أن يعرف أصحاب النوايا الحسنة، أنه كلما تنازلنا للإسلاميين في أمر ما، فإنهم يتمادون ويطلبون منا المزيد من التنازلات إلى أن يسيطروا على كل شيء، وننتهي نحن بلا شيء. مثلاً طلب منا البعض بعدم استخدام مفردة (العلمانية)، واقترحوا (النظام المدني) بدلاً منها، لأن العلمانية تستفز الإسلاميين الذين يعتبرونها كفراً، وبذلك سيتهموننا بالكفر أيضاً. وهذا النهج هو الآخر أثبت خطأه. فالمطلوب منا الإصرار على استخدام مصطلحاتنا مثل العلمانية، والليبرالية، والديمقراطية وحقوق الإنسان…الخ، وعدم التنازل عنها أبداً. أما سلاحهم البائس وهو توجيه تهمة الكفر لنا، أو تهمة الإساءة للإسلام، والمقدسات، فهو ديدنهم الدائم المعروف في كل زمان ومكان، وسلاحهم القديم يشهرونه في وجوه المفكرين الأحرار، وكل من يتجرأ ويوجه نقداً لهم، إذ ينقل عن الشيخ محمد عبدالوهاب، مؤسس الحركة الوهابية قوله: “الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف”. لذا يجب عدم الخضوع لابتزازهم، بل مواصلة السير قدماً وحتى النصر المؤزر، فمسار التاريخ في صالحنا.
كذلك نؤكد للمرة الألف أن النظام العلماني الديمقراطي الليبرالي ليس ضد الأديان، بل هو الضامن الوحيد للأديان وحرية ممارسة شعائرها وطقوسها. والإسلاميون يعرفون هذه الحقيقة الساطعة جيداً ويستغلونها أبشع استغلال لأغراضهم كما نراهم في البلدان الغربية. إذ قارن بين حرية الأديان والطوائف في الدول ذات الأنظمة الإسلامية مثل إيران والسعودية والسودان مع الدول الأوربية العلمانية الديمقراطية. فالأنظمة الإسلامية هي طائفية، تبيح حرية العبادة لطائفة الفئة الحاكمة فقط، وتمنعها على أصحاب الأديان الأخرى والطوائف الإسلامية الأخرى في ممارسة شعائرها. ولذلك نرى معظم الإسلاميين الهاربين من جور أنظمة حكوماتهم الإسلامية يفضلون اللجوء إلى الدول الغربية التي يتهمونها بالكفر على العيش في الدول ذات الأنظمة الإسلامية ويطبق فيها حكم الشريعة.

جدال حول التفخيذ أول المفاخذة
أما القسم الثالث من الردود فكان ضد المقال، ولحسن الحظ ضم لحد الآن ولحد علمي، شخصاً واحداً فقط ، وهو السيد أسامة النجفي (ليس النجيفي)، الذي أيد عملية التفخيذ وراح يدافع عنها بحرارة في مقال مطول له نشر في صحيفة (صوت العراق) الإلكترونية يوم 16/2/2007 ومواقع أخرى، بعنوان: (حول الزواج من الصغيرة: رد على عبد الخالق حسين ).
بادئ ذي بدء، أود أن أشكر جميع الأخوة والأخوات الذين بعثوا برسائل التأييد وشاركوا في النقاش وأغنوا الموضوع بآرائهم القيمة بما يحفز على التفكير ومواصلة السجال في هذا الموضوع الخطير. كما وأشكر الأخوة الذين عبروا عن آرائهم ومواقفهم من هذه القضية على شكل مقالات نشرت في صوت العراق، ومواقع أخرى، وأخص بالذكر منهم: الأستاذ حسن أسد في مقاله (اُسامة النجفي … أراد يكحلها عماها )، والدكتور لبيب سلطان (التفخيخ والتفخيذ – النفاق واجتماع المذاهب عند اسامة النجفي )، والدكتور عزيز الحاج ( الدعاة الإسلاميون وكرامة الأطفال.. )(6)، وابن العراق (الاخ اسامة النجفي المحترم )، والسيد سعد الفحام (المفاخذه: سلاح دمار شامل بحق الطفولة) وآخرون، سأضع روابط بعض مقالاتهم في نهاية هذه المداخلة لمن يرغب الإطلاع عليها.
كذلك أود أن أشكر السيد أسامة النجفي على رده المعارض لي، والذي لم يؤيد فقط صحة ما أوردته عن فتوى السيد الخميني (رحمه الله) بإباحة المفاخذة مع الرضيعة في الإسلام، بل ودافع عنها وبررها ووفر لي وللباحثين الآخرين عناوين مصادر إسلامية عديدة، مؤكداً صحة الخبر الذي أوردته، وأن هذه العملية عليها إجماع من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية. ولكنه تعامل مع الموضوع كما لو أني أتهم الإمام الخميني وحده بأنه أتى ببدعة غريبة عن الإسلام. ولذلك ركز جل رده على الإثبات بأن ما جاء في كتاب الخميني (تحرير الوسيلة) هو أمر مسموح به وعليه إجماع من جميع الفقهاء المسلمين. لذا أود التأكيد بأني لست ضد الإمام الخميني، بل ضد عملية ممارسة الجنس مع الأطفال، وحتى لو كانت تحت ذريعة الزواج. أما إذا كان عليه إجماع فالمصيبة هنا أعظم. وقد أسهب الكاتب كثيراً وأطال في مقاله البالغ 2450 كلمة، فيه تكرار ممل، لا يخرج عن محتوى الفقرة الأولى من المقال والتي يقول فيها:
” مرة اخرى يخرج لنا عبد الخالق حسين في مقاله (الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ…!) المنشور في صوت العراق، محاولا الاساءة لأحكام الاسلام الفقهية. ولتوهيم القارئ يضيف ما يسميه هو الاسلام السياسي (ولا ادري ما علاقة الاسلام السياسي بزواج الصغيرة!). فهل هنالك اسلام سياسي وغير سياسي؟. فأحكام الاسلام غطت كل جوانب الحياة ابتداءً من ولادة الانسان وحتى موته وما السياسة وهي فن الحكم الا جزء من الحالات التي عالجها الإسلام. والواقع فان هناك هجوم منظم وحملة قوية للوهابية وبعض الليبراليين او كما يسمون انفسهم كذلك من أجل تشويه وتسقيط مذهب أهل البيت (ع)، والاسلام، ويريدون من ذلك اظهار صورة للإسلام مشوهة عموما. تركز مقال عبد الخالق حسين حول مسالة نكاح البنت الصغيرة والاستهزاء بفقهاء المسلمين. ونحن ان شاء الله ندحض جميع حججه ونثبت له ان ما تقوله ليس له اثبات وان زواج البنت الصغيرة كعقد لفظي أو كتابي هي مسالة قانونية بحتة عليها إجماع المسلمين بكل طوائفهم. بل حتى احكام الدين اليهودي والمسيحي تجوز الامر من قبيل ولاية الاب على البنت الصغيرة.” انتهى.
نلاحظ من هذا الرد المتشنج، ذات الطريقة التقليدية المعروفة عند الإسلاميين في مساجلاتهم مع الآخرين، إذ دائماً وأبداً يلجؤون إلى سلاحهم الوحيد وهو توجيه تهمة ” الاساءة لأحكام الاسلام الفقهية”. والسؤال هو: هل مناقشة أحكام فقهية والاختلاف معها يعني الإساءة لها والإستهزاء بالفقهاء؟ كذلك يتساءل الكاتب ” فهل هنالك اسلام سياسي وغير سياسي؟” وقد رد الأخ الدكتور لبيب سلطان على هذا السؤال مشكوراً في مقاله المشار إليه أعلاه قائلاً: (وكأن القاعدة وحركات الجهاد والشورى وجيوش الخلفاء والأئمة- هي جمعيات خيرية دينية- وأحزاب مثل التوافق والإسلامي والدعوة والمجلس – هي أندية فقهية لا علاقة لها بالحكم .)
وإضافة إلى ما ذكره الدكتور لبيب، أود أن أوضح للسيد أسامة النجفي ما يلي:
نعم هناك إسلامان، الإسلام الديني والإسلام السياسي. الأول، هو دين المسلمين البالغ عددهم نحو مليار وأربعمائة مليون نسمة، والذي جاء في كتابه المقدس، القرآن الكريم، (لا إكراه في الدين قد تبن الرشد من الغي)، وأنه جاء رحمة للعالمين، والدين هو مسألة خاصة بين الإنسان والخالق ولا يحتاج إلى وسيط. أما الثاني، أي الإسلام السياسي، فهو نقمة على العالمين، ولم نر منه سوى الإرهاب المنظم المختص بالمفخخات والتفجيرات والقتل العشوائي للأبرياء بالجملة لنشر الرعب في أوساط المدنيين، وأرجو من السيد أسامة أن ينظر إلى شاشات التلفزة ليرى بعينيه ما فعله الإسلام السياسي بالعراق وأفغانستان ولبنان وغزة وبالي ومدرسة بسلان في جنوب روسيا ومدريد ولندن وباريس ونيويورك وغيرها من المناطق في العالم، حيث حول هؤلاء الإسلام إلى آيديولوجية للإرهاب وجعلوا من كل مسلم إرهابياً في نظر العالم إلى أن يثبت براءته، وهذا بفضل الإسلام السياسي الذي تدافع عنه.
يقول السيد النجفي موجهاً خطابه لي: “… ونحن ان شاء الله ندحض جميع حججه ونثبت له ان ما تقوله ليس له اثبات وان زواج البنت الصغيرة كعقد لفظي او كتابي هي مسالة قانونية بحتة عليها اجماع المسلمين بكل طوائفهم…” فكما رد عليه الأخ حسن أسد: “أراد أن يكحلها عماها”.
ولا أدري ماذا أراد أن يدحض، فالكاتب أيد كل ما ذكرته، بل وزاد عليه قائلاً: ” ان زواج البنت الصغيرة كعقد لفظي او كتابي هي مسالة قانونية بحتة عليها اجماع المسلمين بكل طوائفهم..”. ويضيف في مكان آخر من رده: ” وإني أتحدى أي فقيه سني او شيعي او اي مذهب اخر يقول أن هذه الفتوى خلاف الفقه بكل المذاهب .. فعلى صعيد المذاهب الأربعة (كما سنذكر ذلك) يرون في زواج رسول الله (ص) من عائشة وعمرها ست سنين ودخوله بها وهي تسع سنين دليل على أن المسألة مسلمة ومتفق عليها بالاجماع، فقد روى الإمام مسلم عنها في صحيحه المشهور أنها قالت ( تزوجني النبي (ص) وأنا بنت ست سنين وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ” (صحيح مسلم ج2 ص1039)) . وفي مكان ثالث يقول: (فإذا كان الاعتراض على تزويج الرضيعة بالخصوص (وهو أمر نظري بحت) فهو من مسلمات المسلمين).
إذنْ “تزويج الرضيعة هو من مسلَّمات المسلمين”. وهنا لا يسعني إلا وأن أتقدم بالشكر الجزيل للكاتب على هذا التأكيد. ولكن اختلافي معه هو أنه لماذا يتهمني بـ” الاستهزاء بفقهاء المسلمين.” يا أخي، أنا لم استهزئ بأحد، بل غاضب وناقد وأرفض الاعتداء الجنسي على الصغيرة وحتى في حالة الزواج، ولأن الزواج من الرضيعة هو اغتصاب بكل معنى الكلمة. أما لكونه عليه إجماع من جميع المذاهب الإسلامية، فهذا لا يعني أن هذه العملية صحيحة ومن المسلَّمات، بل يثبت أن الجميع شركاء في الجريمة. وهذه دعوة إلى الشاذين جنسياً من الرجال الذين يميلون إلى الجنس مع الأطفال ويسمونهم في الغرب بـ pedophiles يُمنعون من العمل في الأماكن التي يتواجد فيها الصغار، مثل المدارس ورياض الأطفال. فلو يعلم هؤلاء الشاذون في الغرب أن ممارسة الجنس مع الصغيرة مباحة في الإسلام ويمكن الزواج حتى مع الرضيعة لتحول أعداد كبيرة منهم إلى الإسلام وهاجروا إلى بلاد المسلمين لإشباع شبقهم الجنسي، وحبهم بممارسة الجنس مع الصغيرات هناك. وقصة المغني البريطاني (Gary Glitter) باتت معروفة في الغرب، حيث افتضح أمر شذوذه الجنسي مع الأطفال، وخسر مجده، فرحل إلى فيتنام حيث الفقر، على أمل أنه يمكن استغلال وضعهم الاقتصادي لإشباع نهمه الجنسي، ولكن هناك أيضاً افتضح أمره بممارسة الجنس مع القاصرات، فألقي القبض عليه وحوكم وهو يقضي الآن ما تبقى من محكوميته بالسجن.
وقد وجه الدكتور لبيب سلطان، وابن العراق، وآخرون، سؤالاً فيما إذا يقبل الشيخ أسامة النجفي وغيره من الفقهاء المسلمين بتزويج بناتهم دون التاسعة والتمتع بهن تفخيذاً من قبل الرجال، أم أنهم يبيحونها فقط لبنات الخايبة (الفقراء)؟ وكعادته، أجاب بإسهاب ولكن بغموض شديد تهرباً دون أن يوضح لنا ما أراد قوله.
ففي عالمنا المتحضر الراهن، للإنسان كرامة ومهما كان صغيراً، بمعنى ليس من حق الأب تزويج الصغيرة ويعاملها كبضاعة، أو نعجة يحق له بيعها متى شاء. الطفلة الرضيعة إنسانة لها كرامتها، وحقها بالحياة والعيش والرعاية والتربية والحماية من العدوان بشتى أنواعه إلى أن تصل سن الرشد وهي 18 سنة. وعندها هي التي تختار شريك حياتها، وما دور ولي الأمر في هذه الحالة غير مساعدتها وتقديم النصح لها بما ينفعها، وحمايتها، وليس بيعها وهي رضيعة، وممارسة الجنس معها متى ما اشتهى الرجل.

الإسلاميون يمارسون الإرهاب الفكري
يتظاهر الإسلامويون بأنهم مسالمون يدعون إلى الحق بالحوار الهادئ، وإقناع الخصم بالأدلة والمنطق، وطالما رددوا بعض النصوص مثل، “إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن.” ولكن عملياً، ما أن يعجزوا في مواجهة الآخر بالمنطق، حتى تراهم يلجؤون إلى أخس أساليب الابتزاز وتوجيه اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك باتهام الخصم بالتجاوز على الله والرسول والمقدسات. وفي زماننا هذا نعرف عواقب هذا التحريض، حيث صارت حياة الإنسان عندهم أقل قيمة من الحشرة. وهذا التهديد واضح فيما كتبه الشيخ أسامة النجفي في القسم الأخير من رده قائلاً: “نعم يُشم من استهزاء عبد الخالق حسين للفتوى رائحة اعداء الاسلام في شتمهم لرسول الله (ص) بتجويز الزواج من الصغيرة، ورد هذا الاعتداء ليس تكليفنا فقط و إنما هو تكليف كل مسلم يدافع عن إسلامه ونبيّه أمام هذه الهجمة الكافرة غير المنطقية ..”. فأي نقد إلى السيد الخميني صار شتماً لرسول الله، معاذ الله. أليس هذا تهديد وإرهاب فكري؟ أليس في هذا الاتهام تحريض على القتل؟ ونحن نعرف أن الإسلاميين عندهم مقولة: “الذي يجادلنا بالقلم نرد عليه بالرصاص”. فهل يتفق هذا الكلام مع (وجادلهم بالتي هي أحسن؟). إن هذا التهديد وحده يكفي لتقديم الشيخ النجفي إلى القضاء بتهمة التحريض على القتل.

الدين والعقل وحق النقد
يبدو أن حوارنا مع الإسلاميين أشبه بالحوار بين الطرشان. فنحن كعلمانيين ولبراليين نستخدم العقل والعقلانية، والمنطق في التحقيق من صحة الأشياء، ونضع دائماً الشك واحتمال الخطأ نصب أعيننا، وعلى استعداد تام أن نغير مواقفنا وآرائنا من أية مسألة حالما تتوفر أدلة جديدة تثبت صحة الجديد فنأخذ به، ولا نرى عيباً في ذلك. أما الإسلاميون فلا يعترفون بالعقل، بل بالنقل، وتصديق كل ما قاله السلف في غابر الأزمان، والأخذ به دون تمحيص وإعمال العقل، وبذلك أعطوا عقولهم إجازة دائمة، أي بتعبير آخر، أن الموتى هم وحدهم يحكمون. وهذا هو أحد أهم أسباب تخلف العالم الإسلامي. وما جاء في رد الشيخ أسامة النجفي يؤكد موقف الإسلاميين من العقل. إذ يعتبر ما قاله السلف وأجمعوا عليه هو من “المسلَّمات” أي البديهيات التي لا يجوز لنا حتى مجرد مناقشتها، وإذا ما تجرأنا وناقشناها فنكون قد أسأنا إلى المقدسات، ويجب أن نعاقب عليها. نعم هناك قوانين في الإسلام تبيح زواج الصغيرة وحتى الرضيعة والاستمتاع بها مفاخذة، على حد تعبير فتوى آية الله خميني، ولكن حتى لو كان عليها إجماع من قبل فقهاء المسلمين، فهذا الإجماع في عصرنا الراهن لا يجعل من هذه القوانين “مسلَّمات” لا يحق لنا حتى مناقشتها ونقدها.
وإصرار الشيخ أسامة النجفي على الأخذ بما قاله السلف دون مناقشة، هو تأكيد لما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو: “الدين عقل مجتمع لا عقل له”. ففي رأيي ورأيي الملايين من أمثالي أن التمتع مفاخذة مع الرضيعة ليس خطأً فحسب، بل وجريمة يندى لها الجبين، ويجب معاقبة من يمارسها، وحتى لو كان بذريعة الزواج، لأنه لا يجوز الزواج من الصغيرة، وفق القوانين المدنية في العصر الراهن، ناهيك عن الرضيعة. فكيف يمكن اعتبار التمتع بالصغيرة من “المسلمات” التي لا تقبل النقاش والمساءلة؟ ألا يدل هذا على عدم عقلانية هذا الرأي؟ أقول ذلك وأنا واثق من صعوبة تغيير موقف الشيخ أسامة من هذه المسألة، إذ يقول ألبرت آينشتاين: “إن فلق الذرة أهون من اقتلاع قناعة مسبقة لدى أحدهم”.
فككتاب ليبراليين، من واجبنا النقد، نقد كل شيء دون استثناء بما فيها المقدسات. إذ كما قال كارل ماركس أن “النقد أساس التقدم، ونقد الدين أساس كل نقد”. فالغرب لم يحقق هذا التطور المدهش والمذهل في الحضارة وجميع المجالات إلا بعد أن تبنى حق النقد وبالأخص نقد الدين، وحق الاعتراض، وتحرير الإنسان من هيمنة الكنيسة، وفصل الدين عن السياسة، وتبني النظام العلماني الديمقراطي، وسن قوانين حقوق الإنسان والحيوان وحتى البيئة وحمايتها من عبث العابثين.

الثابت والمتغيِّر
نعم، نحن نعرف أن الدين ثابت والسياسة متغيرة مع الوقت كما الحياة نفسها. فالمتدين يؤمن بدون مناقشة أو دليل، والعالِم يشك ويبحث عن الدليل. ولهذا السبب نرى أنه من الواجب فصل الدين الثابت عن السياسة والعلوم المتغيَّرة. ففي العلم والفلسفة والسياسة كل شيء يخضع تحت مجهر النقد والتمحيص والمراجعة وقابل للتغير. ولذلك إذا كان المسلم يقول (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)، فمقابل ذلك يقول الفيلسوف البريطاني برتدراند راسل: (لست مستعداً أن أموت في سبيل أفكاري، لأنها قد تكون خاطئة). فالدين مع اليقين من صحة موقفه إلى الأبد، بينما العلم يشك ويبحث ويغيّر المواقف من وقت لآخر، يعنى التجديد المستمر بدون توقف، وهذه هي سنة الحياة. ولهذا السبب لا يمكن للمجتمع أن يعيش بسلام ويتقدم إلا بفصل الدين الساكن عن السياسة المتغيّرة وإطلاق حرية العقل.
موقف الإسلاميين من الديمقراطية
هنا يجب التأكيد على حقيقة مفادها أن الإسلامويين لا يؤمنون بالديمقراطية وإن تظاهروا بقبولها. فالتجارب التاريخية الحديثة تؤكد صحة ما نقول. إذ قال قادة الإسلاميين الجزائريين إثناء الانتخابات البرلمانية عام 1992 عندما بدت لهم تباشير فوزهم، أن الديمقراطية “كفر وإلحاد”، وأنهم سيلغونها حين استيلائهم على السلطة، لأنها بضاعة غربية استعمارية مستوردة ضد الإسلام. كذلك نلاحظ ما عمل حسن الترابي زعيم الإسلاميين في السودان عندما تحالف مع الجنرال حسن البشير، وقاموا بانقلاب عسكري ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطياً. كذلك نشاهد ما عمله النظام الإسلامي في إيران. أما ما يعلنه قادة الأحزاب الإسلامية في العراق، سنة وشيعة، من تأييدهم للديمقراطية، فما هو إلا خدعة وبسبب وجود القوات الأمريكية وعلمهم الأكيد أن وجودهم في السلطة مرتبط بالحماية الأمريكية وتأييدهم للديمقراطية، شأنهم شأن الأحزاب الشمولية، مثل حزب البعث، ما أن يضمنوا السلطة حتى يتنكروا للديمقراطية. وأصدق إسلامي شيعي عبَّر عن رأييه بهذا الصدد هو الشيخ محمد الطباطبائي، إمام مسجد الكاظمين عندما قال في إحدى خطبه: «الغرب ينادي بالحرية والتحرر، الإسلام لا ينادي بذلك. الإسلام يرفض هذه الحرية. الحرية الحقيقية إطاعة الله». أما من هو ممثل الله على الأرض لطاعته فهو الحاكم بأمر الله، مثل الملا عمر أيام حكم طالبان في أفغانستان، والسيد علي خامنئي، مرشد النظام الإسلامي في إيران في الوقت الحاضر، وهكذا.
لذلك نحن نختلف عن الإسلاميين في الأمور الدنيوية، وندعو إلى تحرير الدولة من الدين وتحرير الدين من الدولة، وبدون فصل الدين عن الدولة هناك المزيد من الكوارث. إذ كما قال الرئيس الباكستاني الأسبق برفيز مشرف: “لقد دهورنا الإسلام إلى الحد الذي جعل شعوب العالم تعتبره مرابطاً للأمية والتخلف والتعصب».

الخلاصة والاستنتاج:
1-أتمنى لو كان السيد الخميني (رحمه الله) لم يصدر فتوى المفاخذة وخاصة مع الرضيعة، لكان أفضل له وللدين والمذهب، وكفانا هذه الجدال،
2- من الأفضل للإسلاميين السياسيين في العراق، أن يتوقفوا عن محاربتهم لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 الذي اعتبر أرقى قانون في وقته ولحد الآن، وإذا كان هذا القانون يحتاج إلى تعديل، فليكن لتحسينه ولصالح المرأة وحماية الطفولة، وليس ضدهما، وأن يتجنبوا المطالبة بزواج القاصرات، لأن هذه المطالبة تجلب عليهم تهمة الشبق الجنسي بالأطفال (paedophilia)، وهي تهمة شنيعة تسيء لسمعة الدين والمذهب وسمعتهم أيضاً.
3- الزواج مسؤولية كبرى تتطلب النضج البدني والعقلي، وهو (أي الزواج) في رأيي، أهم من الولادة، لأننا نولد بدون إرادتنا، أو اختيار آبائنا، ولكن الزواج يجب أن يتم باختيارنا. فالزواج دون سن الرشد محكوم عليه بالفشل.
4- الإسلام، (وكافة الأديان الأخرى)، سيكون بخير في ظل حكم العلمانيين الديمقراطيين، ومهدد بالخراب إذا زج به في السياسة، لأن في هذه الحالة سيتحول إلى الإسلام السياسي، وهو حركة فاشية دينية لا تختلف عن الفاشية القومية والعنصرية. إذ كما قال رجل الدين الشيعي آية الله السيد حسين الخميني، (حفيد المرحوم آية الله الخميني): “الدين يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين”.
العلمانية الديمقراطية هي الحل، وليكن شعارنا: (الدين لله والوطن للجميع).
ــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع:
1- عبدالخالق حسين: الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ (1-2)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=838991

2- مهند حبيب السماوي: التفخيذ ونقد الدكتور عبد الخالق حسين
https://www.c-we.org/ar/show.art.asp?aid=90695

3-اسامة النجفي :حول الزواج من الصغيرة: رد على عبد الخالق حسين –

4-حسن أسد: اُسامة النجفي . أراد يكحلها عماها –

5- د. لبيب سلطان: التفخيخ والتفخيذ – النفاق واجتماع المذاهب عند اسامة النجفي
https://akhbaar.org/home/2007/02/25511.html

6- عزيز الحاج: الدعاة الإسلاميون وكرامة الأطفال..
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=89152

7- سعيد الفحام: المفاخذه: سلاح دمار شامل بحق الطفولة –
8- فائق الطالقاني: المسلمون هم من يسيئون الى الاسلام –
9-ابن العراق: الاخ اسامة النجفي المحترم

ملاحظة: للأسف الشديد معظم الروابط التي من موقع صوت العراق قديمة وغير فاعلة، لذلك حذفتها لعدم فائدتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *