الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أمة “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” ﴿آل عمران 110﴾ أمة اسم، أنتم يا أمة محمد خير الأمم وأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم، لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة، منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها، وهم قليل، وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته.
إن مفاتيح الأرض اعطيت الى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فعن ابن الحنفية قال الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء)، فقلنا يا رسول الله، ما هو؟ قال (نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الارض، وسميت احمد، وجعل التراب لي طهورا، وجعلت امتي خير الأمم). قال الله جل وعلا “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (ال عمران 110). المؤمن لا ينازع اخاه المؤمن انما يدعو له بالغفران”رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ” (الحشر 10). والامة التي يتشاحن فيها الفرقاء ليست هي خير الامم كما قال الله جل جلاله”كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (ال عمران 110). جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). اعداد القوة فرض كفائي ليكون المنتظر مستعد بأنه جندي الامام المهدي ضد الاعداء كما قال الله عز وجل. فالمظلوم عليه ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلا خير في امة منتظريها ينظرون الى المنكر ولم يفعلوا شئ كما قال الله عز من قائل”كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” ( آل عمران 110). فمنتظري الامام المهدي الحجة عليهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما جاء في الحديث النبوي الشريف.
اختلف أهل التأويل في تأويل “كنتم خير امة أخرجت للناس” فقال بعضهم هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة، وآخرين قالوا الامة الاولى وليست الاخرة كما جاء في سورة الدخان “ولقد اخترناهم على علم على العالمين” ولكن اخرين قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (الا انكم وفيتم سبعين امة، انتم اخرها وأكرمها على الله) وقيل اصحاب رسول الله، وقيل خير الناس للناس، وقيل لانهم اكثر الامم استجابة للناس، وقيل كنتم خير امة عند الله في اللوح المحفوظ أخرجت للناس
تكملة للحلقة السابقة عن المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: التجربة النبويَّة المدنيّة، حيث شكّل المُسلِمون رابطة ائتلافيّة تعاقديّة فيما بينهم أوّلاً، ومع غيرهم ثانياً. حيث تمتّع يهود المدينة بالمساواة مع المُسلِمين، وبالحقِّ في ممارسة نشاطهم الاقتصاديّ والدينيّ والاجتماعيّ بدون تحفُّظ من المُسلِمين، شريطة الانتماء الصادق إلى المدينة وعدم مساعدة الخصوم على السلطة السياسيّة القائمة. ويرى المُستشرقون أنَّ صحيفةَ الحُديبيَّة أكثر قُرباً لمفهوم المُواطَنة بمعناه الحديث، حيثُ اتَّفق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومُشركو مكَّـة كشُركاء في الوطن/ الدولة/ الأُمَّـة. خاصّة أنها جَّسدَت اتِّفاقاً بصبغةٍ دُنيَويَّة وليست دينيّة بين فئاتٍ متساوية في القوّة والتأثير عندما وافقَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التوقيع عليه باسمه أي بدون ذكر صفته الدينيَّة… حينها تمَّ الاتِّفاق بمحض إرادة المساهمين فيه وبدون إكراه وقتال. صحيح أنَّ الصلح كانت له طبيعة دينيّة، ولكنَّه برأي المستشرقين أرسى إتِّجاهاً جرى تثبيته بمرور الزمن لقبول مبدأ التعدديّة والعمل على أساسة، من خلال قبول مبدأ (الشراكة في الوطن) بين المُسلِمين وغيرهم. كان تعاملُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع غيرِ المُسلِمين وسيرته مع المُكَلَّفين، أي ما يُصطلَح عليه بالسُنّة أساساً لتعامل المُسلِمين ورؤيتهم للحكم، وقد أفردَ حقوقاً لأبناء الأُمَّـة وغيرهم، وفرض عليهم واجبات وأرسى قواعد المشاركة من خلال الشورى بين المُسلِمين ولو كانت غير مُلزِمة. هذه هي بعض عناصر مفهوم المُواطَنة الحديث. لكنَّ العناصر الباقية ظلَّت في إطار الخصوصيَّة الإسلاميِّة، فالمُسلم يَنتمي إلى دينٍ يجب الدفاع عنه، وانتماؤه للأرض وحبِّه لها يجب أن لا يتعارض مع واقع دينه، كما أنَّ المشاركة لا تعني القدرة على انتخاب الخليفة بالطرق الديمقراطيّة الحديثة. إستمرّ التاريخُ الإسلاميّ على صيغة الخلافة، حيث أخفقَ الحاكِمون في الحفاظ على بعض عناصر المُواطَنة التي أقرَّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فاختلف تطبيقهم للحقوق ما بين مدٍٍّ وجزر حتَّى حُكْم السلطنة العثمانيّة، حيث فُرِضَت إشكاليَّة المُواطَنة بمعناها الحديث على الفكر الإسلاميّ بسبب واقع التجزئة والتحدِّيَات الخارجيّة. وبعد انقسام السلطنة إلى دُوَل متعدِّدة، برزَ التضادّ بين مفهوم المُواطَنة الإسلاميّ والحديث، الأمر الذي استطاعت بعض الحركات الإسلاميِّة التعايش معه وبقيَت أُخرى في طَور التصادم لكونها تؤمِن بالمصطلح الإسلاميّ (الأُمَّـة) الذي يتعارض برأيها مع واقع التجزئة الحديث. وتشكَّلت الدُوَل المُقسَّمة وفقاً للنظريَّات الوضعيَّة، واضعة في دساتيرها هذا المفهوم كأساس ثابت نظريَّاً. أمَّا الدُوَل الإسلاميِّة (إيران) فقد تعاملت مع الأمر الواقع، وبنَت دستورها بائتلاف ما بين مفهوم المُواطَنة الحديث والمفهوم الإسلاميّ.