الكاتب : ضياء الشكرجي
بلا شك نبقى نتطلع إلى التغيير الشامل، وإلى بلوغ الديمقراطية الحقيقية، القائمة على مبدأ المواطنة، والفصل بين الدين والسياسة، واعتماد التعددية السياسية والأغلبية السياسية.
لكن بما أن الواقع ينبئنا حتى هذه اللحظة أن تحقيق ذلك يمكن أن يكون بعيد المنال، وليس من الممكن في ضوء المعطيات الحالية أن يتحقق عاجلا، وبدفعة واحدة، بالرغم من أننا يجب أن نواصل النضال لتحقيق ذلك؛ لا بد لنا كبديل أو خطة موازية، أن نفكر بالتغيير التدريجي، بجعله على شكل مراحل، يمكن أن يكون عددها أربع مراحل، يجري تصورها على النحو الآتي:
١) المرحلة الأولى: المكوناتية التوافقية التحاصصية المتساترة (المطلوب طيّ صفحتها).
٢) المرحلة الثانية: ديمقراطية الأغلبية الوطنية.
٣) المرحلة الثالثة: ديمقراطية المواطنة والأغلبية السياسية.
٤) المرحلة الرابعة: الديمقراطية العلمانية الراسخة.
المرحلة الأولى – (المكوناتية التوافقية التحاصصية المتساترة): هو ما نعيشه في العراق منذ ٢٠٠٣، وعلى وجه التحديد منذ ٢٠٠٥، وربما سيبقى الأمر كذلك حتى ٢٠٢٥ أو ٢٠٢٦، أي لغاية الانتخابات النيابية القادمة، وهذا أي موعد الانتخابات القادمة، يتوقف على يوم انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب المنتخب في ١٠/١٠/٢٠٢١ من جهة، وعما إذا كانت هذه الدورة النيابية والحكومة المنبثقة عنها ستكمل الأربع سنوات أو لن تكملاها. وصفت هذه المرحلة التي مازالت قائمة بأربع صفات، فتوصيفي لها بالمكوناتية لأن المنظومة السياسية أسست بما يمكن نعته بدولة المكونات، بدلا من دولة المواطنة، لاسيما المكونات الثلاثة الرئيسة، وما انبثق منها من مصطلحات (القوى الشيعية، القوى السنية، القوى الكردية)، أو (البيت الشيعي، البيت السني، البيت الكردي)، والذي يجري الكلام هذه الأيام بعد انتخابات ١٠/١٠ عن وجوب التئام كل بيت منها على انفراد، ثم التفاوض بين البيت الأول المشكِّل للحكومة، وكل من البيتين الثاني والثالث المطلوب التفاوض والائتلاف معهما لتشكيل (حكومة الكل)، وكمقدمة، وورقة ضغط لائتلاف البيت الأول، جرى ائتلاف كل من البيتين السني والكردي، كما يقال بضغط بل تهديد من وراء الحدود الشرقية، وهذا متوقف على أي الإرادتين ستفرض نفسها، إرادة زعيم الكتلة الصدرية، أم إرادة إيران والولائيين والحشديين والخاسرين.
المرحلة الثانية – (ديمقراطية الأغلبية الوطنية): بعد الانتخابات النيابية القادمة في آخر ٢٠٢٥ أو مطلع ٢٠٢٦. أما لماذا الأغلبية الوطنية كمقدمة لتحقيق الأغلبية السياسية في المرحلة الثالثة، وما المقصود بالأغلبية الوطنية التي تطرحها اليوم بعض الكتل النيابية المنتخبة أيضا، والتي لا نلتقي وإياها فيما دون ذلك، ولماذا وجوب المرور بهذه المرحلة، فلأننا لو اعتمدنا الأغلبية السياسية في هذه المرحلة، التي نكون بعد لم نتخلص من الواقع المريض بوجود أحزاب شيعية وأخرى سنية وثالثة كردية، بدل الأحزاب القائمة على مبدأ المواطنة والتعددية السياسية، لا المكوناتية، فلأننا خلال الدورة النيابية هذه لن نستطيع أن نغير القوانين، أو نُفعِّل ما هو نافذ منها، لنمنع وجود أحزاب مكونات، أي أحزاب طوائف وأعراق، والأغلبية السياسية يمكن إذا طبقت حرفيا أن تتشكل من خلالها حكومة شيعية محضة، أو ربما حكومة كردية، فإذا فاز حزب شيعي بأكثرية مقاعد مجلس النواب، وكلف مرشحه لرئاسة السلطة التنفيذية بتشكيل الكابينة الوزارية، فبإمكانه نظريا أن يأتلف مع حزب شيعي آخر أو أكثر من حزب شيعي، ويشكل حكومة من الشيعة حصرا، حتى لو كان احتمال حصول ذلك ضعيفا جدا، بينما المعني بالأغلبية الوطنية حاليا، ولحين التحول إلى أحزاب سياسية وليست مكوناتية، أن يشكل الحزب الشيعي الفائز بالانتخابات حصرا، وليس التحالف الشيعي المتشكل بعد الانتخابات؛ أن يشكل حكومة ائتلافية مع حزب سني، وآخر كردي، حسب قرب كل منهما من برنامجه السياسي، علاوة حسبما يشكل معهما أكثرية نيابية مريحة، ولا يكون مُلزَما لا بإشراك بقية الأحزاب الشيعية، ناهيك عن إشراك كل السنة، أو كل الكرد، كما يراد الآن. وخلال هذه الدورة النيابية يكون قد شرع القانونان اللازمان والصالحان للأحزاب والانتخابات، وجرى السعي على تفعيل المادة (٥) أولاً من قانون الأحزاب ٢٠١٥، والتي تنص على أن «يؤسس الحزب او التنظيم السياسي على أساس المواطنة»، والمادة (٨) ثالثاً بـ «أن لا يكون تأسيس الحزب او التنظيم السياسي وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة».
المرحلة الثالثة – (ديمقراطية المواطنة والأغلبية السياسية): وهذه يمكن أن تتحقق بعد انتخابات ٢٠٣٠، فتطبيق ما ذكر من المادة الخامسة من قانون الاحزاب الحالي، فيما ذكر إنجازه في المرحلة الثانية، سيعني منع الأحزاب الشيعية والأحزاب السنية، لعدم تحقيقهما لمبدأ المواطنة الذي يشترطه قانون الأحزاب، وتطبيق ما ذكر من المادة الثامنة سيعني حظر كل الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة، باسم الحشد الشعبي، أو بأي عنوان آخر. عندها لن تكون هناك أحزاب طوائف وأعراق، بل أحزاب سياسية، يكون الاختلاف بينها فقط في فكرها السياسي، كأن تنتمي إلى الاتجاه الليبرالي، أو إلى اليسار الديمقراطي، أو إلى الوسط الوطني، أو الاتجاه المحافظ. ووفق التعديلات التي أراها لقانون الانتخابات، فيجب حظر كل حزب ثبت عليه أنه زاول سياسة مناوئة للمبادئ الديمقراطية والمصالح الوطنية، من قبيل تنفيذ أجندات لدولة أخرى، لتحقيق مصالحها على حساب المصالح الوطنية، أو مارس العنف، أو تورط في سرقة المال العام، أو بأي مستوى من الفساد المالي، أو الذي اعتمد الإسلام السياسي، والطائفية السياسية، أو نسق مع الإرهاب، أو مع حزب البعث المنحل.
المرحلة الرابعة – (الديمقراطية العلمانية الراسخة): وهذه يمكن أن تنجز أثناء الدورة النيابية من ٢٠٣٠ إلى ٢٠٣٤. بعد ما يكون قد أنجز ما مر ذكره في المرحلة الثالثة، حيث سيكون مجلس النواب مؤهلا لإجراء التعديل الدستوري الجذري والشامل، لتحقيق الدولة الديمقراطية العلمانية العادلة الحديثة، تتنافس فيها الأحزاب السياسية، وفقا للفكر السياسي لكل منها، وبرنامجه السياسي وأولويات ذلك البرنامج، ووفق مقدار ما تمنحه له الجماهير من ثقة، بعيدا عن الانتماء الطائفي والديني والقومي. فلا يهمنا عندئذ أن يكون رئيس السلطة التنفيذية سنيا أو شيعيا أو من أتباع ديانة غير دين الأكثرية، أو كان كرديا أو تركمانيا أو آشوريا أو عربيا، وهكذا لا يهمنا ما يكون عليه كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وسائر الوزراء. عندها ستكون لدينا دولة مواطنة، لا دولة مكونات، وسنلحق بالدول الديمقراطية العريقة سياسيا، وبالدول المتقدمة على صعيد الخدمات، ونحقق أقصى الممكن من العدالة الاجتماعية والرفاه لمجتمعنا.