جمال الناصري
في مثل هذه الأيام وقبل ثلاثة وثلاثون عاما، فك أسري واطلق سراحي من الخطف في سجن ابو غريب، وكان ذلك معجزة!
خرجت منه بعد ان قضيت حوالي عشر سنوات في ظروف تفوق الخيال، مهما قيل عنه او كتب، فلا يرقى ذلك الى الحقيقة المطلقة..
دخلت السجن صحيحا ، معافى، و خرجت منه، نصف كائن، بنصف سمع، بنصف عين، بنصف رئة بعد ان نخرتها الأمراض، بكتف مخلوع، وأنف مكسور، نصف جسد عليل و بنصف روح وبنصف ذاكرة معطوبة وقلب مجروح!!
فقدت نصفي خلال عشر سنوات ، ولو بقيت عشر أخرى، لفقدت كلي، لامست الموت مرات ومرات حتى سأم الموت وجودي، فأهملني في قائمة النسيان.
كان ذلك اليوم يوما عسيرا، بعد ان قضيت ايام عدة في المعسكرات و مراكز الأنضباط من اجل أعادتي الى وحدتي العسكرية التي صارت مجرد أسم !
ومن تلك الوحدة اصبحت طليقا، ولأول مرة اركب سيارة الأجرة ولكن الى أين ؟
الى عنوان لا اعرفه بالضبط في حي من احياء مدينة الناصرية !
انزلني السائق في شارع،ا وبقيت ادور في شوارع عدة ساعات ، ابحث عن بيت أخي !
بصعوبة شاقة اوصلني رجل جاء صدفة ليزور احد معارفه الذي اطلق سراحه ايضا وهو السيد المرحوم ابو عمار الذي وصل قبلي بعدة أيام !
كنت اعرف ان بيته، قريب من بيت اخي، وعندها استطاع الوصول ، فصاح الرجل ينادي بصوت عال وهو يطرق الباب:
– يا أهل الدار، ، اطلعوا وينكم ،هذا ابنكم يدور عليكم؟
(مشهد ليس في سجن صيدنايا، بل في سجون العراق) ..