رياض سعد
وانا اشاهد الفيلم الروسي الاحمق (بالروسية: Дурак) – وهو فيلم دراما تم إنتاجه في روسيا وصدر في سنة 2014 ؛ من إخراج يوري بيكوف، ويعتبر ثالث أفلامه ؛ وتدور احداثه حول سمكري (سبّاك) بسيط يقف بمفرده ضد نظام بيروقراطي ممتلئ بالفساد، لأجل إنقاذ مبني سكني قديم من خطر الانهيار وذلك لإنقاذ حياة 800 مواطن ممن يسكنون فيه ؛ اذ يحكي الفيلم قصة رجل سمكري بسيط يكتشف وجود عيب في إحدى المباني وأنه مهدد للسقوط خلال 24 ساعة ؛ ثم يبدأ محاولاته لإقناع رئيسة البلدية بأن المبنى سيسقط ، لكن يصطدم بواقع الفساد المتفشي في جميع فروع البلدية ، حتى تهدد القصة حياته وحياة أسرته ؛ ورغم حصوله على فرصة للنجاة والهرب، يرفض ذلك ويتوجه للمبنى الذي يسكنه 800 شخص ليعلمهم بأنه سيسقط … ؛ وعندما خرج السكان من المبنى لم تقنعهم حجج السمكري مما أدى لضربه وعدم تصديقه … ؛ فهو يُجسد الصراع بين الاكتراث والاهتمام بحياة الناس المهمشين او الفقراء او المسحوقين واللا اكتراث واللامبالاة لحفنة من الحثالات البشرية التي تسكن مبنى خَرب آيل للسقوط ؛ يكتشفهُ احد ساكني المبنى بالصدفة … الخ ؛ اثارت انتباهي عبارة : ((لا تحاول تنظيف الزريبة فتتسخ ملابسك و تُغضب البهائم)) وهذه العبارة قريبة من المقولة الشهيرة : (( لا تصارع خنزيرا في الوحل فتتسخ انت ويستمتع هو )) بنحو من الانحاء وليست طبق الاصل ؛ وقد نسب المصريون هذه المقولة بعد اجراء التعديلات عليها تارة بالفصحى العربية واخرى باللهجة العامية المصرية الى الفنان المصري عزت امين وغيره او رددوها كثيرا : (( لا تحاول تنظيف اي زريبة فكرية , ستضيع جهدك و توسخ نفسك و أيضا ستزعج البهائم … ؛ متحاولش تنضف اي زريبة , مجهود ضايع , وهتوسخ نفسك , وهتزعل البهايم … ؛ لا تحاول تنظيف اية زريبة فكرية , ستهدر طاقتك , وتضيع وقتك , وتلوث نفسك , وتزعج البهائم , ولربما يقومون بنطحك … الخ )) .
حظيرة الحيوانات تتصف بانتشار الروائح الكريهة والروث والفضلات , و زريبة البهائم تتكاثر فيها النجاسات والاوساخ والبكتيريا والبرغوث والفيروسات ؛ وعليه سيكون تنظيفها الدائم من سابع المستحيلات ؛ وذلك لوساخة الحيوانات وعدم اهتمامها بالنظافة ؛ فالمهم والاهم بالنسبة للبهائم تناول الاعلاف ومن ثم اخراج الفضلات ؛ وكل من يحاول تغيير اوضاع الحظيرة او يعمل على تنظيف الزريبة ؛ يصاب بخيبة الامل , اذ تتسخ ثيابه ويتلوث جسده وتتعفن رائحته , وتبقى الحظيرة هي هي , فالوساخة من السمات الذاتية للزريبة وليست العرضية او الطارئة ؛ والطبع يغلب التطبع ؛ ولعل الالحاح في تنظيف الحظيرة قد يؤدي الى هجوم الحيوانات والفتك بالشخص الذي يستهدف تنظيف الزريبة ؛ فكراهة وعداوة الاشرار للأخيار , والادعياء للأصلاء , واللؤماء للنبلاء , والمجرمين للصالحين , والخونة للوطنيين ؛ والعملاء للشرفاء ؛ فضلا عن كراهة الوسخ للنظيف والعار للشريف ؛ طبع لا يستطاع تغييره .
وكلما استخدمت المطهرات والمعقمات في تطهير حظيرة الحيوانات ؛ كلما تكرر خروج الفضلات منها , و رجعت الاوساخ والروائح الكريهة الى المكان مرة اخرى , عندها سوف تدرك ان الزريبة انما وجدت من اجل الوساخة والقذارة فحسب ؛ فلا هي تليق بالطهارة ولا النظافة تليق بها , اذ بينهما بعد المشرقين ؛ وان جهودك في تنظيفها ذهبت ادراج الرياح , وانك رجعت منها بخفي حنين ؛ ومن المحتمل ان تصاب فيها بالجروح والكدمات جراء هجوم الحيوانات ؛ وقد تحيط بك المنغّصات والمكدّرات والتحديات وتحاصر من قبل البهائم والحيوانات ؛ وقد تقع في خير اعمالك وتدفع ثمن نواياك الطيبة , وتعاقب على ذنب لم تقترفه … !!
إياك ثم إياك ثم إياك ان تحاول تغيير طبائع الاشياء او تحدي السنن الكونية والقوانين الطبيعية , او تدافع عن قضايا اصحابها قد باعوها او لا يكترثون لها , فالنية الطيبة والارادة الخيرة وحدها لا تفيد , واليد الواحدة لا تصفق ؛ ومَن لَم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ مِن نفسِهِ واعِظاً ، فإنَّ مَواعِظَ النّاسِ لَن تُغنيَ عَنهُ شيئاً ؛ والتغيير الايجابي ينبع من داخل الانسان , و المواعظ والنصائح الخارجية لا تجد سبيلا للإنسان ؛ ان كان قلبه مغلقا ؛ و الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم .
ألا تُـبّـاً لمـجـتـمـع دنـيء *** تـكـوّن جـنـسـه مـن كل رجس
أتـيـت لأنشر الإصلاح فيه *** فلم أصلحه بل أفسدت نفسي