متطرفون بالرأي أو ليس لهم رأي

كامل سلمان

متطرفون بالرأي أو ليس لهم رأي .

كامل سلمان

أجمل شيء في هذه الحياة أن يكون لكل إنسان رأي ينم عن إدراك و وعي ، فوجود الرأي دليل الثقة بالنفس والقدرة على القرار خاصة إذا كان هذا الرأي غير بعيد عن موازين المنطق والعقل والأخلاق . خلال أيام الحرب الإسرائيلية الإيرانية أظهرت هذه الحرب تطرفاً غير معهوداً عند غالبية العراقيين ( طبعاً تطرف حسب الطائفة ) فأما يكون تطرفاً لصالح إيران والتمني بإنتصار إيراني على حساب إسرائيل أو تطرف ضد إيران ( شماتة ) وليس حباً بإسرائيل أن تخسر إيران الحرب وتُذل ، وكلا الفريقين لم يكونا يبالون لوضع العراق و لأجواء العراق التي هتكت من الطرفين أي أن العراق عند المتطرفين ليس في حساباتهم ، كل فريق يمثل ميول مذهبية دينية أو أحقاد قديمة أو غاية في نفس يعقوب كما يقال وهذه بديهية لا تحتاج إلى تدبر وتفكير في مجتمع مثل المجتمع العراقي وقد تكون هناك بعض المواقف المختلفة هي مواقف شخصية بالأساس . الكورد غالبيتهم رغم تعاطفهم الديني مع إيران إلا أنهم لم يميلوا بالرأي والموقف لأية جهة نظراً لأن مصلحة كوردستان تستوجب الوقوف على الحياد أو عدم الانجرار وراء الهياج العاطفي . أما مثقفوا العراق في الوسط والجنوب وخاصة المدنيون والعلمانيون كانوا يتمنون إنتكاسة تصيب الجانب الإيراني لدرجة ترتخي فيها قبضتهم على العراق ليتنفسوا الصعداء وبنفس الوقت تضعف فيها إسرائيل لدرجة أنها تعيد حساباتها في التوسع واحترام حقوق الشعب الفلسطيني ، إذاً العراقي في كل الأحوال لم يكن له دور كعادته سوى أن يرقص ويصفق فرحاً أو يبكي حزناً مع هذا أو مع ذاك ويعبر عن مشاعره من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ، غالبية المتطرفين بالرأي كما عودونا يعبرون عن آراءهم بأسلوب حاد وجارح وعاطفي ، وهذا شيء متوقع نظراً لأن عقلية الإنسان المتطرف في الرأي دائماً تكون مبنية على أسس الهلوسة الفكرية التي جعلته يتطرف . فمثلاً المتطرفون لصالح إيران يتهمون من يخالفهم بالرأي بأنهم أولاد زنا ، أو يجب عليهم فحص ( دي أن أي ) أو يسمونهم أتباع يزيد أبن معاوية أو من هذا القبيل مع كم من الشتائم والسباب والوعيد بقطع الألسن ، أما الطرف الأخر الذي يعادي إيران فمفرداتهم ضد من يخالفهم بالرأي لا تتعدى مفردة الذيول ، العملاء ، أولاد المتعة ( معذرة للقراء لذكر هذه الألفاظ لأنني أنقل الحقيقة كما هي ) فهل نتخيل بأن مثل هؤلاء المتلفظين بهذه الألفاظ ممكن أن يفيضوا خيراً لبلدهم ولمجتمعهم ؟ فقد وصلت الأمور لدرجة أن وسائل التواصل الاجتماعي عندنا تحولت إلى مزبلة للألفاظ البذيئة ، وكما هو متوقع انتعشت الطائفية من جديد مع تصاعد الأحداث . هنا علينا أن نتوقف قليلاً وننتبه بأن مثل هذه النفوس المريضة التي تمثل السواد الأعظم من أبناء المجتمع العراقي لم تعد تصلح للعيش كبشر طبيعي وأن الثقافة والأخلاق عندهم أصبحت عديمة القيمة والأكثر من ذلك انتقال هذا الوباء السيء خارج الحدود ليصل إلى العراقيين المقيمين في الدول الأوربية والأمريكية ، أما العرب غير العراقيين فغالبيتهم رفعوا شعار نريدها خاسر خاسر لأن غالبيتهم ينظرون لإسرائيل وإيران بمنظار واحد فيتمنون الضرر لكلا الطرفين المتحاربين . القلة القليلة من الناس لم تشغل بالها ما تفضي إليه تلك الحرب بنتائجها وتلك الفئة هي التي شغلتها همومها ومعاناتها مع الحياة فلم تعد تهتم بما يصيب العالم حتى لو أصاب العالم الفناء لشدة همومها . . لا أحد يستطيع أن يجزم من هو الطرف الصح ومن هو الطرف الخطأ ؟ لكننا نستطيع أن نجزم بأن الخطأ هو ضياع الأخلاق وإندثار الثقافة وضمور الوعي وزوال الشعور الوطني وهذه كلها توفرت عند جميع الأطراف المتشاكسة عبر منصات التواصل ، وأكاد أجزم بأن الأخلاق تعرضت للهتك من أبناء البلد أنفسهم أكثر مما تعرضت له اجواء البلد للهتك من طرفي الحرب . هذا الواقع فيه الكثير من الألم لأن المفروض أن يكون العراقي همه الأكبر بلده الذي أصبح مجرد أسم على الخارطة .

Kamil.salman@gmail.com