حسن درباش العامري
في الوقت الذي تشهد فيه بعض القوى السنية حراكًا انتخابيًا نشطًا مبكرًا، من خلال المؤتمرات والتحالفات وتصعيد الخطاب السياسي، يغيب المشهد الشيعي – بشكل لافت – عن دائرة الفعل الانتخابي، رغم اقتراب موعد الاستحقاق النيابي، ما يفتح باب التساؤلات حول حقيقة هذا الفتور، وهل هو عزوف تكتيكي، أم انعكاس لتحولات أعمق في المزاج السياسي والمجتمعي للشارع الشيعي؟
فقدان الثقة ومخلفات 2021
المراقب للمشهد السياسي الشيعي لا بد أن يلحظ الأثر العميق الذي خلفته انتخابات عام 2021، التي وُصِمت بظلال ثقيلة من الشك والاتهامات بالتزوير، لا سيما بعد الانهيار الصريح لبعض القوى الكبرى مثل “الفتح”، وتصاعد الاحتجاجات من جمهور “الإطار التنسيقي”، والتي انتهت باقتحام الخضراء ثم بصفقات التسوية، ما جعل الكثير من الجمهور يشعر بأن صندوق الاقتراع لم يعد وسيلة مجدية للتغيير.
اليوم، لا توجد خطابات تعبئة انتخابية واضحة من القيادات الشيعية الكبرى، ولا مؤتمرات ترويجية جادة، بل يبدو أن هناك نوعًا من “الصمت الاستراتيجي”، مدفوعًا بحسابات دقيقة، تتعلق بإعادة ترتيب التحالفات، وامتصاص النقمة الشعبية، وقراءة الموقف الإقليمي والدولي قبل الاندفاع نحو المشهد الانتخابي مجددًا.
إحباط عميق وقلق من فقدان المناصب
يبدو أن الإحباط من أداء النواب والسياسيين الشيعة بلغ ذروته، ما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور الشيعي بممثليه. وهذه المرة، لا يتعلق الأمر فقط بالتشكيك بالنتائج، بل بعدم القناعة بأصل المشاركة، وكأن الرسالة أصبحت: “لن نمنح شرعية لمن خذلنا”.
وفي المقابل، يُلاحظ اتساع رقعة الحماسة السنية لخوض الانتخابات، وتزايد الرغبة في استعادة التمثيل السياسي الفاعل. وهنا تبرز مخاوف مشروعة لدى البعض، مفادها أن استمرار العزوف الشيعي قد يؤدي – لأول مرة – إلى خسارة منصب رئيس الوزراء، وهو المنصب الذي بقي تقليديًا في البيت السياسي الشيعي منذ 2003.
إن تراجع المشاركة الشيعية، مقابل تعبئة سنية واسعة، سيقلب المعادلة العددية داخل البرلمان، وربما يفرض واقعًا سياسيًا جديدًا لا يمكن التنبؤ بنتائجه بالكامل.
في المقابل: الحراك السني يعود للواجهة
بالمقابل، تنشط القوى السنية، خصوصًا في نينوى والأنبار وصلاح الدين، في رسم خريطة تحالفاتها مبكرًا، وهي تتحرك بثقة وتنسيق واضحين. وهذا يعكس شعورًا بأن الانتخابات المقبلة تمثل فرصة ذهبية لتقوية الحضور السياسي واستثمار ثغرات وضعف خصومهم التقليديين.
هل هناك تأجيل قادم؟
في ظل هذا الجمود، تتزايد التكهنات حول وجود نية لتأجيل الانتخابات، خاصة مع تلميحات غير رسمية من داخل أروقة السلطة بوجود تفاهمات مؤجلة أو تحولات إقليمية مرتقبة، قد تفرض معادلات جديدة أو تعيد توزيع خارطة النفوذ قبل الذهاب لصناديق الاقتراع.
خاتمة: هل نشهد تحولًا تاريخيًا؟
الهدوء الشيعي أمام الضجيج السني قد لا يكون مجرد فتور ظرفي، بل لعله مؤشر على تحول تاريخي في توازن القوى داخل الدولة العراقية. إن لم تتحرك القيادات الشيعية بسرعة لامتصاص الغضب، وتجديد خطابها، واستعادة ثقة جمهورها، فقد تجد نفسها أمام صدمة سياسية غير مسبوقة، تبدأ من خسارة الأغلبية… ولا تنتهي عند خسارة رئاسة الوزراء.