رياض سعد
لم يكن يخطئ لأنّه لا يعرف … ؛ بل لأن المعرفة نفسها كانت عبئه الأثقل …!!
كان يرى الطريق بكامله … ؛ يرى الحفرة قبل أن يصلها … ؛ ويرى العتمة قبل أن تُطفأ المصابيح … ؛ ومع ذلك كان يسير… ؛ كأن وعيه لم يكن نعمة … ؛ بل لَعنة مؤجَّلة …!!
تُكشف له الحقيقة مبكراً … ؛ ثم تُترك له حرية السقوط متأخراً … ؛ ليختبر الفرق بين أن تعرف … ؛ وأن تنجو …
كل تجربةٍ لم تكن حادثة … ؛ بل سؤالاً وجودياً متنقّلاً … ؛ وكل خذلانٍ لم يكن خيانة … ؛ بل برهاناً إضافياً على هشاشة المعنى … ؛ وكأن الحياة كانت تمتحنه لا في قدرته على الاحتمال … ؛ بل في قدرته على الاستمرار رغم سقوط المبررات واحداً تلو الآخر …!!
كان يكرّر أخطاءه … ؛ لا لأن الذاكرة خانته … ؛ بل لأن الذاكرة أصبحت عبئاً ثقيلاً … ؛ ولأن الإنسان حين يعرف هشاشته تماماً … ؛ قد يختار تحطيم نفسه بوعي … ؛ بدلاً من أن يتحطّم على حين غفلة …!!
هو لم يكن محكوماً بالحب … ؛ بل محكوماً بالسؤال: هل نحب لأننا نؤمن بالنجاة … ؛ أم لأننا نخاف من العدم؟
هل نتمسّك بالآخر … ؛ لأننا نريده حقاً … ؛ أم لأن الفراغ الذي فينا أكثر قسوة من أي خيانة؟
كان يدخل العلاقات كما يدخل الفيلسوف التجربة : وهو يعرف النتيجة … ؛ لكنّه يحتاج إلى الألم دليلاً عملياً … ؛ لا برهاناً نظرياً …!!
ومع كل سقوط … ؛ كان يخسر جزءاً من وهمه، ويربح سؤالاً جديداً، إلى أن صار جسده خريطةً للفقد، وروحه متحفاً للمعاني المكسورة، وقلبه حقل تجارب لحدود الاحتمال الإنساني …!!
بلغ في لحظة ما قناعةً مرعبة : أن الإنسان لا يبحث عن السعادة بقدر ما يبحث عن تفسيرٍ منطقي لألمه … ؛ وحين يعجز عن التفسير … ؛ يعيد الألم من جديد علّه يفهمه هذه المرّة …!!
لم يعد يسأل : لماذا يتكرّر الفشل؟
بل صار يسأل: هل التكرار لعنة؟
أم هو الشكل الوحيد الذي تأخذه الحقيقة … ؛ حين تعجز عن الدخول من باب آخر؟
وحين ينظر الآن إلى نفسه ، لا يرى ضحيةً ، ولا بطلاً … ؛ بل كائناً معلقاً بين العبث والرغبة … ؛ بين المعرفة والاندفاع … ؛ بين إدراك النهاية والتصرف كأنها لا تخصّه …
هو لا يخسر لأنه ساذج… ؛ بل لأنه واعٍ أكثر مما يحتمل قلبٌ بشري … ؛ ولأن الوعي حين يتجاوز طاقة الاحتمال لا يُنقذ، بل يُثقل السقوط بمعناه …!!