د. قحطان الظالمي _صحفي
عند سقوط صدام وحزب البعث المجرم ابتهج ابناء الشعب العراقي وخرجت أفواههم تلهج بالأمل ظنا أن باب الخلاص قد فتح أخيرا وأن زمن الذل والدم قد ولى بلا رجعة وعلّقوا قلوبهم على وعد كبير أن رجال السياسة ممن تصدروا المشهد سيكونون أوفياء لشعبهم حراسا على الوطن وخدامة للمواطن.
امتلأ حديث الشارع آنذاك بمفردات الشرف والحداثة القادمة وبناء الدولة والعلاقات الدولية الجديدة تحترم السياسة الداخلية والديمقراطية الحديثة التي تحترم الإنسان وتصون كرامته كانت الكلمات كبيرة والشعارات براقة والطموح بلا سقف لكن ما إن مرّ الوقت حتى اصطدمت الأحلام بجدار الواقع وانهار الوهم تحت ثقل سوء الإدارة وغياب الرؤية وانكشاف النوايا.
صُدم المواطن العراقي لا من عدوٍ خارجي بل ممن ادّعوا تمثيله صُدم من طريقة إدارة الدولة من الإهمال المنهجي للوطن من تهميش المواطن ومن تحويل الدولة إلى غنيمة فئات قليلة استفادت وفئات أُنهكت وأغلبية سُحقت بين الفقر والخوف والخذلان حتى بات الوطن يُدار بلا روح والمواطن بلا قيمة.
كان الظن أن التنافس سيكون على من يخدم العراق أكثر فإذا بالواقع يكشف أن الصراع كان ولا يزال على من ينهب أكثر ومن يسيطر أكثر ومن يرضي الخارج على حساب الداخل التفّ بعض السياسيين من أصحاب النفوذ والسلطة على فكرة الخدمة العامة وحوّلوها إلى خدمة مصالحهم الشخصية وربطوا قوتهم بدولٍ تمنحهم الدعم مقابل القرار والسيادة.
تحوّل السيف من سيف مواجهة الطغيان إلى سيفٍ مسلّط على رقاب المواطنين باسم الأمن تارة وباسم السياسة تارة أخرى وباسم المصلحة العليا لم تُبنَ دولة بل أُديرت أزمة لم تُحترم كرامة بل أُخضعت ولم يُصن دم الشهداء بل استُثمر في بازار السياسة.
إن أخطر ما يمرّ به العراق اليوم ليس الفقر ولا الإرهاب ولا التدخل الخارجي فحسب بل سقوط المعنى وانهيار الثقة وغياب المحاسبة حين تصبح السلطة هدفا بحد ذاتها وتفرغ الشعارات من مضمونها فإن الوطن يدفع الثمن والمواطن يُترك وحيدا في مواجهة مصيره.
هذا المقال ليس ضد أشخاص بل ضد نهج ليس ضد تاريخ بل ضد انحراف حاضر فالدولة لا تُبنى بالشعارات ولا تُدار بالولاءات ولا تُحمى بتكميم الأفواه الدولة تُبنى بالعدل وتُصان بالمحاسبة وتعيش باحترام المواطن… وما دون ذلك هو إعادة إنتاج للخذلان بثوب جديد ويبقى السؤال عن هذه الفوضى من باع ومن اشترى؟