نوفمبر 21, 2024
download

اسم الكاتب : هادي الخزاعي

مناسبة أربعينية الراحلة الفنانة الشيوعية زكيه خليفه…..
كل شيء ممكن الحدوث ، حتى لو لم نفترض حدوثه ، بما فيه موت الذين ينحدرون من مدينة العمارة ، فهؤلاء قد رفضوا موت بنيهم حتى لو إن أجلهم جاء بأمر من السماء، وهذا يشكل واحد من تراث تحدياتهم المطلقة ، وقد تحول هذا التحدي الى لازمة لبني هذه المدينة المتخمة بالفقراء من فلاحين وكادحين ، فصيروا لهم اهزوجة يترنم بها حتى الوليد منهم ( شلون تموت وانته من اهل لعماره ) . حتى لو وصل بهم الأمر الى تحدي حتى قوانين البقاء والفناء الأرضية والسماوية على حد سواء .
إنها الصرخة والظلامة التي يطلقها أبناء العمارة بكل ما يحتوي القلب والوجدان من حرقة إن مات واحد من بنيهم … فما بالك إن ماتت سعديه بت خليفه.. سعديه خليفه التي اختارتها السماء والأرض وهي في عنفوان الحياة لتكون صوتا وممثلا لبنو طبقتها من المحتاجين والفقراء من بني مدينتها والعراق عندما يتعاظم الظلم ، وترتفع صرخة جوع لجائع ويسمع أنين متألم .. عندها يوجب التحدي حتى التضحية براحتها إن لم نقل بحياتها إن تطلب الأمر ذلك . كيف لا وهي سليلة الآباء والجدود الذين صرخوا بوجه الموت وهم ينعون موتاهم بالأهزوجة المتوارثة ( شلون تموت وانته من اهل العماره ) .
والتحدي هنا هو مسألة لا يلقحها كفر بقيم السماء ، ولا خروج عن مألوفٍ قد طبع الحياة الأنسانية . ولكن من أجل تبيان حجم الخسارة من ذلك الفقدان .
واليوم وقد ترجلت عن سرج الحياة المرأة الأنسانة والفنانة والسياسية الراحلة زكيه خليفه فأن الأهزوجة المتحدية واجبة القول والسماع ( شلون تموتين وإنتي من أهل العماره ) .
فقد تسارعت خطا الموت فجاة ، فوصل اليها قبل ان تكتمل إشراقات الحياة التي تغنت بها بنت العمارة التي لونها إنحدارها الطبقي بلون الأرجوان وشكلها الوجود لتبدو بشوشة مطواعة لكل نخوة ، فهي التي حين تنتخى تهب بكل ما فيها من أنسانية لتقوم بالواجب .

كانت عمه زكيه شبية بشهرزاد ، فكانت كلما داهمها الأجل كما كان يداهم الملك شهريار ليالي شهرزاد بموت مؤجل ، تفرش عمه زكيه بضاعة حكاياتها عن الفقراء وسبي النساء وموت الطفولة . فتطوي كل غصة من تلك الغصات بحكاية من حكايا زمان الورد الآتي .. زمان الحلم المنتظر .. ذلكم الزمن الذي تتلون فيه جميع العتم بلون الشمس والأقحوان .

كم من الحكايات التي تشبه الهديل ، كانت تشرق بها علينا عمه زكيه ، ولا يهمها مكان الحكاية . فتارة تحاكينا من على دكة المسرح وهي تشرب الشربت الأنكليزي فنضيع بين الضحك وبين الدموع ، وأخرى من مذياع ينطق منه ريف العراق كله رفقة شمران الياسري ( أبو كاطع ) بحكاياته التي تتناسل هموم الفلاحين والمحتاجين .. ومرة تطل علينا من أجتماع حزبي بحكاية عن حب الوطن والناس وهي تفترش الأرض في بيت متهالك لا يملك صاحبه الرفيق غير بساط موروث من الفقر .. وكم من المرات تراها تنسل حكايا الطين والماء والفقراء في قلب تظاهرة تطالب بالحقوق وسيادة الوطن .. كثير من المرات سمعتها وهي تقص حكايات زمان الورد الآتي ، سمعتها من الراديو ومن التلفزيزن ومن على المسرح ومن على الأرصفة ومن فوق المنابر وهي تغور في الروح بلهجتها ونبرات صوتها الموغلة بتأريخ البسطاء …

عمه زكيه قبل ان اعرفك شخصيا وقبل أن تتلاقح عيوني بوجهك الباسم ، كانت امي تقول عنك بما يشبه التفاخر : آخ لو جنت مثل زكيه جان أكّلب الدنيه .. وحين عرفتك عن قرب وتكحلت عيوني بمدامع فرحتي بهذا اللقاء أدركت كم كانت أمي محقة . انت يا عمه زكيه أثريتنا في المسرح الريفي بكياستك وتواضعك وصمتك الخجول المعبر بلا كلمات . وأثريتنا وانت تجوبين البيوت لتلحقي بأجتماعاتك الحزبية والتي قالت زوجتي عن احداها : حين تكون عمه زكيه المشرفه نعرف من تكون هذه القائدة الشيوعية والأجتماعية التي تنقلنا بتلاوين أحاديثا الى روابي أحلامنا …

لم يبق لي وأنا أحمل إليك أبتساماتي التي تآكلت لفقدك ، وأحلامي التي زرعتها شخصيتك في روحي .. أنا أبنك ورفيقك وليس أمامي وأنا أنبأ الروح حزني ، غير ان أستعير منظومة التحدي التي ورثتها أنت وبنوا مدينتك البسطاء فأهزج
عمه زكيه شلون تموتين وانتي من أهل العماره !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *