اسم الكاتب : رياض سعد
ما من احتلال اجنبي او غزو خارجي الا ويترك خلفه تداعيات سلبية تنعكس على حياة وثقافة اهل البلد ؛ ولكن نسب تلك التداعيات تختلف بين احتلال واخر , و من أشد وأكثر الاحتلالات الاجنبية تأثيرا على العراق والعراقيين ؛ الاحتلال العثماني سيء الصيت والسمعة ؛ نعم قد تعرض العراق لبعض الاحتلالات التركية قبل مجيء الدولة العثمانية , الا إن الدولة العثمانية تعد هي الأحط حضاريا والأسوأ أثرا رغم أنها قد حازت الشهرة الأكبر بين قريناتها السابقات , اذ لم يكتف العثمانيون بإهمال شؤون البلاد والعباد , والاضرار بالبنى التحتية العراقية بما فيها الاثار التاريخية المهمة , حتى تحولت بلاد الرافدين الى مجموعة من الخرائب والقرى البائسة والمدن المهملة في ظل الاحتلال العثماني الغاشم , بل اصبح العراق أشبه بالسجن الكبير او الغابة او الجزيرة النائية , بحيث اضحى مكانا لمعاقبة الولاة والقادة والساسة العثمانيين , فكل من غضبت عليه السلطات العثمانية العليا في اسطنبول وسلاطين الباب العالي , رحلوه الى العراق واناطوا به احدى المسؤوليات السياسية والعسكرية هناك . واضطراب الاوضاع المحلية وانتشار الفوضى والهرج والمرج , وغياب القانون وضعف السلطات الداخلية , وتعدد مصادر القوة والقرار … الخ , ادى الى هجرة الاعراب والمجرمين والشاذين والمنبوذين والمتسولين والدجالين وقطاع الطرق والصعاليك والمطاردين وسقط المتاع وشذاذ الافاق وشراذم الاقوام من الاجانب والغرباء والدخلاء الى بغداد والمدن الدينية ومناطق شمال بغداد وشمال العراق وغيرها .
فضلا عن ذلك قام الاتراك العثمانيين بتهميش واقصاء الاغلبية العربية الشيعية العراقية بل وابناء القومية العربية قاطبة ؛ لانهم كانوا يرون ان العرب وسكان البلدان العربية لا يجيدون سوى الزراعة ، ولا يصلحون للجندية والالتزام العسكري , ويتسمون بالتمرد والعصيان والغدر ؛ وقد يضطرون الى تجنيدهم في بعض الاحيان للظروف الاستثنائية … ؛ والاستعانة بمرتزقتهم وموظفيهم , وعبيدهم وسباياهم والذين يطلق عليهم مصطلح ( المماليك ) , وهم مجموعات عرقية اجنبية وغريبة ولا تمت للعراق والعراقيين بأية صلة , اذ جاؤا بالمغول والتتار والشركس والازوبك والقرج والفرس والكرد والتركمان والارمن والشيشان والداغستان والصقالبة وباقي شعوب واقوام القوقاز وكذلك الاوربيين والاسيويين , فقد فتح الاتراك ابواب العراق امام الغرباء والاجانب والدخلاء وجلبوا المماليك بكل طوائفهم ونِحلهم وأعراقهم , الا ان اعدادهم كانت قليلة قياسا بأعدادهم في الشام ومصر وغيرهما , نظرا لصعوبة وقسوة الاوضاع في العراق وقتذاك , الا ان الغريب في الامر , ان اغلب المماليك والسبايا قد تم استغلالهم جنسيا من قبل اسيادهم الاتراك وغيرهم , حتى قيل فيهم : (( في الليل عرائس وفي الصبح فوارس )) و ادعى السويدي ان اعجازهم قدمتهم للصدور , اي ان دبر المملوك ومؤخرته الجميلة هي التي هيأته لتبوء المناصب العليا فيما بعد …!!
كان الاتراك والولاة والحكام العثمانيين يشجعون المرتزقة المجندين والجنود العثمانيين على حياة العزوبية ؛ اذ كان الجندي الانكشاري يصل الى البلدان العربية البعيدة عن موطنه الاصلي ؛ مراهقا وحيدا جميلا , لا يجد امامه سوى اقرانه من المجندين و الرجال الذين هم اكبر سنا منهم و المسؤولين عنهم ؛ مما يؤدي الى انغماسه في المجون واللواط ؛ اذ كان الجيش الانكشاري معروفا بهذه السلوكيات المشينة , فرغم تقنين السلطنة العثمانية للبغاء و وجود بائعات الهوى ، الا انهم كانوا يفضل معاشرة الصبية الصغار الذين يشترونهم من أسواق النخاسة أو يخطفونهم من الشوارع، وكانوا يتغنون ويتغزلون فيهم كالنساء … ؛ وقد سجل الأسير الإنجليزي جوزيف بيتس رحلته إلى الحجاز برفقة سيده الخزناجي عام 1680، وأكد أن الجندي الإنكشاري كان يحمل الطفل باللين أو بالقوة إلى ثكنته ، حيث يصبح ضحية له ولرفاقه دون أن يستطيع أحد التدخل ؛ لأن مقرات الجند تتمتع بالحصانة، وشدد على أن العثمانيين شجعوا ذلك لإبعاد قواتهم عن الزواج والاستقرار الاجتماعي ؛ وإباحة اللواط من طرف الدولة العثمانية وغض طرفها عن جرائم اغتصاب الاطفال والغلمان ؛ شجع على عدم خجل الإنكشاري من ممارسته وتصريحه بذكر مغامراته الجنسية امام الناس من دون حياء ، ولم تكن معاشرة الغلمان مقتصرة على الإنكشارية فحسب ، بل انتشرت بين العثمانيين في الجزائر وغيرها ، وقد أشار الى ذلك الرحالة الفرنسي لوجي دو تاسي بقوله :”إن البايات والدايات يملكون عبيدا أوروبيين ، وكانوا يختارون الأصغر والأجمل ، وبما أن الأتراك لم يكونوا متزوجين في معظمهم ، فإنهم يمارسون الجنس مع الشبان وهي عادة منتشرة”، ويضيف أن “برتغاليا في الثامنة عشر طعن سيده بسبب محاولته الاعتداء عليه جنسيا”.
لذلك تشاهد ان المحلات البغدادية القديمة وغيرها من التي يسكنها بقايا العثمنة والاجانب والغرباء والدخلاء من ذوي الاصول الاجنبية والجذور غير العراقية , يتغزلون بأغانيهم واشعارهم بالغلمان والحلوين , ويجنحون الى ممارسة اللواط ومنذ زمن طويل ؛ حتى قبل ان تنتشر المثلية في اروبا .
بدأ فرسان المماليك وغلمان الاتراك يتقدمون رويدا رويدا حتى صار وجودهم مرادفا للقوة العسكرية والقدرة السياسية في العراق وغيره , وعلى الرغم من تبوء هؤلاء المناصب السياسية والعسكرية واستلامهم لزمام السلطة في العراق الا انهم احاطوا انفسهم بأسيجة عازلة تفصل بينهم وبين العراقيين الاصلاء الا ما ندر , لذلك لم يندمجوا في الثقافة العراقية والهوية الوطنية ولم يتفاعلوا مع عادات وتقاليد العراقيين الاصلاء ولم ينخرطوا في الفعاليات الشعبية والانشطة الاجتماعية العراقية ؛ الأمر الذي تسبّب في زعزعة استقرار بلاد الرافدين بل ونشوء الحكومات العملية الهجينة الحاقدة عام 1920 والى 2003 .
وطوال وجود هؤلاء في العراق لم يستعرقوا ( اي يتلبسوا بالهوية العراقية ) وسار ابناءهم ولقطائهم واحفادهم على نفس السيرة الهجينة والمسيرة المنكوسة , ومن شبه اباه فما ظلم ؛ اذ لم يختلط الاتراك ومرتزقتهم ومماليكهم بالعراقيين الاصلاء ولم يحاولوا ولو مجرد محاولة , ولم يتأثروا بقيمهم الحضارية والثقافية وشمائلهم الاخلاقية وتقاليدهم الاجتماعية كما مر عليكم انفا ؛ إلا في حالات قليلة وبقسط محدود , اذ تواصل البعض منهم مع البعض من ابناء الطائفة السنية الكريمة ؛ وقد ساعد على هذه العُزلة وترتّب عليها أن الاتراك و طبقة المماليك فيما بعد قد أكثروا من شراء الرقيق الابيض حتى تكون لهم عصبية يعتمدون عليها في حُكم البلاد ؛ اذ اشتروا الشباب والمراهقين والاطفال من بلاد المغول والتتار وبلاد القوقاز ورسيا والقرم وجورجيا وارمينيا والبانيا واليونان … الخ ؛ مما شكل جاليات اجنبية تتكلم بالتركية ولا تقفه شيئا من اللغة العربية او الثقافة المحلية ؛ بل وصل الامر برجال الدين من السنة العرب بالتكلم باللغة التركية مع السلاطين والولاة والحكام والعسكر وهجر اللغة العربية , ومن هذه الطينة خرج النجدي او الحجازي المدعو عبدالمحسن السعدون الذي كان يجيد التكلم بالتركية الا انه لا يفقه قواعد اللغة العربية ؛ والهجين مجهول الاصل والهوية الطائفي ساطع الحصري التركي او القوقازي الذي يتكلم العربية بلهجة تركية نافرة حتى وفاته ؛ والمصيبة ان هذا الهجين هو من وضع اسس التعليم باللغة العربية في العراق , ولا غرو بعد ذلك ان يكون السوري افصح من العراقي واللبناني ابلغ من الفراتي والمصري افهم باللغة العربية من الجنوبي العراقي ؛ فماذا يتوقع المرء من اجنبي يعلم جماجم العرب قواعد اللغة العربية ؟!
وما عشت اراك الدهر عجبا , وصدق الشاعر عندما قال :
ومن عجب الدنيا حكيم مصفر * وأعمش كحال وأعمى منجم
وقارئنا تركي وهندي خطيبنا * تعالوا على الإسلام نبكي ونلطم
ولو عاد بنا الزمن الى الوراء, ودخلنا احد مساجد او تكيات بغداد ؛ لوجدنا المؤذن الباني وامام الجماعة افغاني , وخادم المسجد شيشاني , والخطيب داغستاني , والخط الاول من المصلين شركس وقرج واتراك وعجم وكرد وتركمان … الخ ؛ اذ كان العراقي الاصيل يعيش الغربة في ديار اهله وموطن اسلافه , بينما يرتع أولئك الدخلاء كما ترتع الدواب في المرعى الخصيب ؛ وما أغرب أن يضطر العربي العراقي والمواطن الاصيل في بغداد إلى أن يستغيث بالأجنبي الهجين والدخيل الذليل ويطلب منه قضاء حوائجه … ؟؟!!
كانوا يأتون بصغار السن والاطفال والغلمان ؛ ويتم تدريبهم على القتال وغيره ؛ اذ يجندون منذ نعومه اظافرهم ليكونوا جنودا أقوياء وموالين للحكام والولاة , وكانت لهم أماكنهم المخصصة والبعيدة عن عامة الشعب , ومع مرور الزمن وارتخاء يد السلطة بسبب النزاعات الداخلية وظفت هذه القوة نفسها لتمسك زمام الأمور والحكم في الوقت المناسب فيما .
والبعض منهم يتم تعليمهم فنون الغناء والرقص والاغراء , ثم اغتصابهم وممارسة الجنس معهم , لكسر ارادتهم واذلالهم وتسخيرهم , وبهذا الشكل كان يتم استغلال الاغتصاب كوسيلة للإخضاع، وكما هو الأمر في الجيش الانكشاري حيث كان الاغتصاب يستخدم كإحدى سبل الهجوم والاعتداء ؛ وهكذا تشكل الجيش الانكشاري من أبناء الشعوب المستعمرة والمحتلة ممن كانوا يتعرضون للاغتصاب الفكري والجسدي , وكان البعض من الجنود الانكشاريين في الجزائر من المشردين والمجرمين الأتراك الفارين من الأحكام القضائية , وتميز أفراد الإنكشارية بعنجهية واضحة ، فبمجرد وصولهم إلى البلدان العربية الواقعة تحت نير الاحتلال العثماني يمارسون حياة العظمة وروح الاستعلاء والعنصرية ، فكان “أحط الأتراك قدرا وأوضعهم شأنا يرفض باحتقار أية فكرة للمساواة مع الأهالي ، كما أن أبسطهم كان يجبر الناس على مناداته بلقب أفندي وعظمتكم” ؛ واتبعوا سياسة التهميش وانتهاك الحرمات، بمنح الحقوق والامتيازات للجنود والمرتزقة على حساب العرب وسكان البلد ، فإذا وقع شجار وضرب المواطن الجزائري أحد الإنكشارية – كما يذكر ذلك احد الكتاب والمؤرخين – ، فإن عقابه قطع يده ، وإذا تسبب في وفاته يكون جزاؤه حرقه أو تقطيعه حيا أو قتله بالخازوق، ما شجع قوات الاحتلال العثماني على التمادي في الفجور والعبث بأرواح وممتلكات الناس الا انهم في العراق لم يكونوا بهذه القسوة والاجرام بسبب خوفهم من ابناء وعشائر الاغلبية والامة العراقية , لذا تراهم يبطشون في المدن بينما يهربون من مواجهة العشائر العربية والمعارضين العراقيين في الصحاري والبراري والارياف والجبال ؛ نعم قد فعل الاتراك والمماليك الافاعيل الشنعاء وقتلهم للأبرياء في لبنان ومصر والجزائر والشام وغيرها ؛ حيث قتلوا و شردوا و اضطهدوا الشيعة في لبنان و ضيقوا عليهم كثيرا ، حتى انهم سمحوا للمسيحيين بأخذ بيوتهم و اراضيهم في كسروان و بعض مناطق جبل لبنان التي كانت شيعية و بعدها هرب الشيعة الى جبل عامل و الجنوب و البقاع و استقروا هناك … ؛ واما في مصر فقد حصروا الاسلام بالمذاهب الاربعة فقط وحاربوا كل من خرج عن هذه الدائرة … الخ .
على الرغم من ان بقايا العثمنة والمماليك عاشوا في العراق والبعض الاخر منهم ولد فيه , الا انهم كانوا غرباء عن المجتمع وعاشوا فيه كالغزاة الدخلاء ؛ فضلا عن ان اغلب اسلافهم عبيد بكل ما لهذه الكلمة من معنى دوني على الرغم من جمال اشكالهم وبياض بشرتهم ؛ والبعض الاخر سبايا وغنائم حرب اغتنمهم التركي العثماني الهمجي , والبعض الثالث مرتزقة لا تعرف لهم هوية محددة , اذ كان المماليك مجموعة من الغرباء والاجانب والدخلاء واللقطاء لا اصل لهم ولا عائلة ولا اصدقاء ولا عشيرة ؛ فكان الشيء الوحيد الذي يمكن ان ينتموا اليه هو الحاكم العثماني والسيد التركي والجيش فقط , وبما ان عبد السلطان كالسلطان والوكيل كالأصيل ؛ عزلوا انفسهم عن عامة الاغلبية والامة العراقية واستغلوا السلطة اسوء استغلال , و سيطروا على جميع الوظائف العسكرية والإدارية واستولوا على الاراضي والاملاك , وصاروا يمثلون طبقة متميزة فيما بعد , والمتتبع للتاريخ العراقي الطويل , يعرف ان حكم الاجانب والغزاة والغرباء ومن يمثلهم ؛ عبارة عن طبقة أوليجاركية او أوليغارشية – ” حكم أقلية” – لها سمات ميّزتها عن الامة العراقية ؛ وقد حرصت تلك الطبقات الحاكمة والسلطات الاجنبية على النأي بنفسها عن الشعب والابتعاد قدر الامكان عن جماهير الاغلبية والامة العراقية ؛ وأدركت هذه الفئة الهجينة ضرورة التكتل والتماسك بين أجزائها، وعرفت كيف تحصر ما وقع من منازعات داخلية في دوائرها الطائفية والعنصرية الضيقة ؛ وقد سارت كل الحكومات الهجينة بهذه السيرة الخبيثة فيما بعد , وعلى الرغم من وضوح هذه الحقائق لكل باحث منصف ومؤرخ محايد , اذ ان قضية الجذور الاجنبية والغريبة لكل حكام و ولاة وموظفي ومرتزقة الدولة العثمانية في العراق والعوائل المقربة من دائرة العثمنة – ( عوائل ال چي ) – من الواضحات والبديهيات ؛ الا ان البعض من المنكوسين والدجالين والمؤدلجين عمل على اخفاء اصول هؤلاء الدخلاء وأولئك الغرباء واستدال الستار على جذور الجاليات الاجنبية وبقايا العثمنة ؛ واسباغ الهوية العراقية والقومية العربية عليهم على الرغم من بغضهم الشديد للعرب وحقدهم الدفين عليهم , بل والتمجيد بالأتراك العثمانيين والمماليك المأبونين على الرغم من ظلمهم وحقارتهم وعنصريتهم وطائفيتهم … ؛ لاسيما بعد سياسة التعريب الخبيثة بعد العام 1920 والتي تزامنت مع انبثاق الحكومات الغريبة والهجينة برعاية الاحتلال البريطاني وبتوصية من الاتراك , و كل الشعارات التي تنادي بالقومية العربية والتي رفعت من قبل ( لملموم) وفلول الفئة الهجينة من بقايا العثمنة ورعايا الاحتلال الانكليزي كاذبة وتدليسية ؛ واليكم مثالا واحدا من مئات الامثلة : اذ ذكر الكاتب والاعلامي التكريتي هاتف الثلج في احدى لقاءاته – ( برنامج نيران في ذاكرة الثلج (5) / موقع اي نيوز ) – ان المجرم صدام بن صبحة قال بحق المدعو حاتم العزاوي رئيس الديوان وباللهجة التكريتية في احدى المرات : (( اربي نمس )) اي عربي وسخ , واستطرد المدعو هاتف التكريتي ان اهالي تكريت كانوا يطلقون هذه العبارة على القرويين ؛ بل وصل التبجح ببعض التكارتة الدخلاء بأن يفتخروا بالمدعو عبد السطيع الذي حارب المسلمين وفضل الانتحار على دخول الاسلام ؛ لا لكونه عراقيا اصيلا بل لكونه عدوا مبينا للأغلبية والامة العراقية والعربية والاسلامية ؛ و هذه التصريحات العنصرية تكشف لنا حقد الفئة الهجينة الدفين ضد العرب والاسلام والعراقيين القدامى من ابناء القرى والارياف وتسلط الضوء على حقيقة الاصول الاجنبية و الجذور الغريبة لهذه الشرذمة اللعينة الاجرامية … .
المتأمل في سلوكيات وتصرفات وسياسات ابناء الفئة الهجينة ؛ يلاحظ تشابه نمطهم مع نمط اية اقلية ذكية تعيش وسط اغلبية ساذجة ومظلومة ومضطهدة ومغيبة , لذا تراهم دائما يقدمون انفسهم على انهم حماة البوابة الشرقية وفرسان الامة العربية والمدافعين عن السنة والاسلام ورافعي راية الوطن … الخ ؛ كوسيلة لإضفاء الشرعية على حكمهم الذي قام على قانون القوة فضلا عن وجودهم الطارئ ؛ وهي سيرة تنم عن مشكلة نفسية في الوجدان الجمعي لأبناء الفئة الهجينة ؛ ، فلكأنما يستشعرون نقصاً في شرعية وجودهم وضعفا في تجمعاتهم وجماعاتهم المتناثرة والمتناشزة احيانا ؛ اذ ان وجودهم قائم على السلطة والسلاح والدعم الخارجي والمعونة الاجنبية ؛ لذا تجدهم يتشبثون بمختلف الشعارات والآراء والنظريات لإضفاء شرعية زائفة على وجودهم القلق في العراق ؛ وكلما تعرضوا للسخط الشعبي والثورات الجماهيرية العراقية الاصيلة ؛ وشعروا باقتراب فقدان سيطرتهم على مقاليد الامور في العراق ؛ قلبوا ظهر المجن , وذرفوا دموع التماسيح , يستجدون الدعم من القريب والبعيد , ويقدمون فروض الطاعة والولاء للأجانب والقوى الخارجية من اجل البقاء في السلطة والقضاء على الاغلبية والامة العراقية ؛ فان عجزوا اظهروا تقية تفوق تقية الشيعة بأضعاف مضاعفة , وكلنا شاهد بأم العين ان الكثير من ابناء الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة ادعوا التشيع والنسب الهاشمي بعد سقوط النظام الهجين عام 2003 , والبعض الاخر منهم اظهر التسامح الديني والدعوة للوحدة الاسلامية والوطنية ؛ وكأن السامع وقتها يسمع من الجلاد احاديث الرحمة ومن العاهرة وصايا الشرف .
فالفئة الهجينة بشقيها السني , والشيعي – على ندره وقلته – ؛ بل والمسيحي ايضا ؛ لم تتكئ في بُنيتها الداخلية واستمرارها وعلاقاتها الخارجية وتعريفها لذاتها على مفهوم “الوطنية المحلية او الهوية العراقية ” قط ، لذا رأيناها ولا زلنا تتشبث بكل ما هو خارجي واجنبي وتنفر من كل ما يمت للهوية الوطنية والاصول العراقية العريقة ؛ وان ادعت الوطنية الناقصة احيانا – كذبا و زورا – لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون ؛ وهذا التدليس والالتباس مقصود , اذ يُراد عدم التفريق بين الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة والقومية العربية والهوية العراقية , وبعدها اصبح الدخيل اصيلا وامسى الاصيل دخيلا …!!
نعم قد يشكل البعض على هذه الآراء , بالقول : أن الدولة القومية الحديثة التي انبثق منها مفهوم القومية والوطنية والعِرق الواحد، داخل الحدود الحالية ؛ إنما أُنشئت بعد انهيار الدولة العثمانية بأيدي الاحتلال الأجنبي بريطانيًّا كان أم فرنسيًّا أم إسبانيًّا أم روسيًّا أم غير ذلك ، والهوية الوطنية انما هو وعي “متخيل” بالذات , وليس حقيقيا ولا واقعيا ولا تاريخيا ؛ ويرد هذا الاشكال بأبسط تأمل وأدنى مراجعة للتاريخ , فقد حددت حدود العراق منذ القدم , والقاصي والداني يعرف تلك الحدود التاريخية الشهيرة , و وجدت الدولة في بلاد الرافدين قبل ان يخلق الانكليز وقبل ان تأتي القبائل الهمجية التركية الى الاناضول , واما بخصوص الوعي بالذات فلا اعتقد ان هنالك امة تردد اسمها بين الشعوب والاقوام وفي كتب التاريخ والادب وغيرهما فضلا عن المعارف الدينية ؛ اكثر من العراق والعراقيين , وقد لهج العراقيون باسمهم اكثر من غيرهم , مما جعل اسمهم واسم وطنهم دالة تاريخية مميزة ؛ نعم قد ينطبق الاشكال السابق على بعض الدول والشعوب والامم الا انه لا ينطبق على العراق والعراقيين بتاتا ؛ ففي اوج الهيمنة الدينية على بلاد الرافدين لم تغب الهوية العراقية عن المشهد قط , على خلاف الحالات الاخرى , فليست الامة العراقية من الامم المتخيلة او حديثة النشوء انما هي امة ضمت جماعات وفئات محددة بصفات وسمات ميزتها عن الاخرين سابقا وحاليا , وهذا لا يمنع من وجود المشتركات مع البعض , حتى ان اغلب النزاعات الاهلية والثورات المحلية والصراعات العراقية و التي حدثت في بلاد الرافدين و ان كانت مغلفة بالسمة الدينية والطابع المذهبي ؛ الا انها كانت عبارة عن صراعات مستمرة بين الاصلاء والدخلاء واهل البلد والغرباء وبين الشعب والجماعات و بين الحكومات والسلطات .
ومن هنا نعرف ان الوعي بالخصائص الوطنية والهوية العراقية والاعتزاز بها ؛ وجد قبل عصر الحداثة وانبثاق الدول القومية , نعم قد تختلف نسب الوعي والشعور بالهوية بين الاجيال , فمما لا شك فيه ان الوعي بالهوية العراقية قبل الاسلام يختلف عن فترة الاسلام , والاحساس بالهم العراقي في العهد الاموي يختلف عنه في العهد العباسي , والشعور بالهوية المحلية في ظل الاحتلال المغولي يختلف عن نفس الشعور في عهد الاحتلال العثماني وهكذا , فالشعور الوطني والوعي بالذات العراقية قد يتطور كما تتطور سائر المفاهيم والمعاني السياسية والثقافية والاجتماعية ؛ الا ان القاسم المشترك بين كل تلك الاجيال والقرون الاحساس بعظمة العراق واختلاف العراقيين عن غيرهم ومعرفتهم بذلك الاختلاف والتمايز الحضاري والاخلاقي والثقافي ؛ واستمر هذا الشعور الى يومنا الحاضر , لذا لا تجد الان شعب يشبه الشعب العراقي بتاتا .
وفي السابق كان الناس لا شيء يثبت انتماءهم للوطن سوى ولادتهم فيه وكذلك ولادة اباءهم واجدادهم واسلافهم الغابرين , اذ لم تكن الاوراق الثبوتية – الجنسية او هوية الاحوال المدنية – موجودة وقتذاك , وكان اول احصاء للسكان والذي ادى الى انشاء اول دائرة للنفوس في بغداد عام سنة 1870 حيث تم ذلك زمن حكم الوالي مدحت باشا لبغداد وقد ظهر من الاحصاء ان عدد النفوس , و المساكن او البيوت كما ورد في الاحصاء في بغداد بما فيها منطقة الكاظمية ومنطقة الأعظمية 63272 وعدد المساكن 18407 ويلاحظ ان العدد متواضع جدا بحيث ان هذا العدد من المساكن ومن السكان أقل من عدد سكان ومساكن محلة من محلات بغداد في الوقت الحاضر , وكانت دائرة النفوس صغيرة وتسمى ب( قلم النفوس ) وتابعة لاحدى شعب دائرة الاركان في الفيلق السادس العثماني المرابط في بغداد , وكان هنالك كاتب واحد للنفوس في كل بلدية من بلديات مدينة بغداد الثلاث حتى سنة 1883 ؛ وفي نفس العام تحولت هذه الدائرة الى دائرة مستقلة يرأسها موظف يدعى ( باش كاتب ) ويتم تعيينه من السلطات العثمانية في اسطنبول ؛ ثم توسعت هذه الدائرة شيئا فشيئا , لتشمل اقضية ولاية بغداد ثم فتحت لها فروع في بعض المحافظات العراقية ؛ وكانت هذه الدوائر تتولى اصدار دفتر للنفوس اي هوية الاحوال المدنية وجوازات السفر وتذاكر المرور التي بمثابة موافقه على السفر بين الولايات العثمانية ؛ وكانت الغاية الرئيسية من انشاء هذه الدوائر في بداية الامر ؛ تسهيل عمليات التجنيد الاجباري وترتيب خطوات سوق البغداديين وغيرهم الى الخدمة العسكرية الالزامية , اذ ان عمل هذه الدوائر الوحيد هو تسجيل الولادات والوفيات واثبات البيانات العائلية والشخصية لسكان بغداد كالزواج والطلاق وعنوان السكن وتاريخ الولادة وغير ذلك من المعلومات التي تثبت اعداد السكان المكلفين بالخدمة الالزامية ؛ ذلك ان الوالي العثماني مدحت باشا عندما باشر وظيفته كوالٍ لمدينة بغداد عقد العزم على تطبيق الخدمة الإلزامية العسكرية على اهل بغداد وتم اتخاذ ما يلزم لعملية تسجيل النفوس في بغداد غير انه واجه معارضة شديدة من سكان بغداد وقاد هذه المعارضة بعض وجهاء بغداد حيث يرون ان عملية التسجيل هذه تمثل هتكا للحرمات وفضحا لأسماء النساء لذلك واجه تمردا منهم على التجنيد ولجأ مدحت باشا الى القرعة لتحديد من سيتم سوقهم للخدمة العسكرية وانشأ دائرة النفوس في بغداد ثم تولى تسجيل النفوس في المدن الاخرى في ولاية بغداد … .
وبما ان عملية تسجيل النفوس اقترنت بالتجنيد الاجباري وسوق البغداديين والعراقيين الى محارق المعارك العثمانية والبعيدة كل البعد عن الوطن ؛ شاعت ظاهرة العزوف عن التسجيل والهروب من دائرة النفوس , والتخفي عن اعين الموظفين العثمانيين , بل ان الكثير من العراقيين سعى جاهدا للحصول على التبعية الايرانية , هروبا من العسكرية والخدمة الالزامية ؛ وكثر استخدام مصطلح التبعية بعد تأسيس الدولة العراقية 1920م ؛ لغايات سياسية منكوسة وطائفية خبيثة , اذ كان هذا المصطلح موجودا قبل ذلك بعدة عقود ولا يثير اية حساسية فيما يتعلق بالهوية الوطنية ؛ وكان الحصول على الجنسية الدولة القاجارية الايرانية بمثابة ميزة كبيرة لا يحصل عليها إلا كبار رجال الدين وكبار التجار والميسورين والعوائل الثرية وكانت الأسر ترغب بهذه الجنسية لأنها تعفي حاملها من التجنيد في الجيش العثماني ويحصل بموجبها على نوع من الحصانة والامتياز … ؛ إذ كان قبل ذلك – اي قبل عام 1920 – يقسم سكان العراق او المواطن العراقي على قسمين : الأول حمل جنسية عثمانية ويسمى (تبعية عثمانية)، والثاني حمل الجنسية القاجارية الحاكمة لإيران ويسمى (تبعية إيرانية) والتي مَنْ يحملها يُعفى مِنَ التجنيد الإلزامي في الجيش العثماني كما مر سابقا ، وهو ما دعا الكثير من العرب والفيلية وغيرهم لتسجيل أنفسهم تبعية إيرانية لكي لا يشملوا بالخدمة الاجبارية , وبعد سقوط الدولة العثمانية ودخول القوات البريطانية الى العراق , ومع دخول معاهدة لوزان حيز التنفيذ في 6 آب 1923؛ كان العراقيون يقسمون الى تبعيتين وكلمة تبعية حينها كانت تعني (جنسية) كما مر عليكم انفا : تبعية عثمانية وتبعية فارسية … ؛ علما ان اغلبية قاطني الاراضي العراقية وقتذاك لم يحصلوا على كلتا الجنسيتين ولأسباب عديدة …!! ؛ وبما ان الذين انخرطوا في العملية السياسية الجديدة وشكلوا اركان الدولة العراقية الحديثة والتي قامت على انقاض الاحتلال العثماني وتداعياته السلبية وبرعاية الاحتلال البريطاني وبمعارضة الاغلبية العراقية ؛ كانوا من رعايا ومرتزقة وموظفي الدولة العثمانية البائدة ومن عملاء وخدم الاحتلال البريطاني الجديد ؛ فقد شيدوا حكما هجينا غريبا عنصريا طائفيا مقيتا لا يمت بأية صلة للعراق والهوية الوطنية , فقد ورثوا احقاد الاحتلال العثماني الطائفية واحقاد الاحتلال البريطاني السياسية , ومن الواضح ان جذور هذه الاحقاد الطائفية والعنصرية تعود الى أوائل القرن السادس عشر الميلادي ، إذ كانت بغداد حينها مسرحاً مفتوحاً للمواجهة الضروس بين السلالة العثمانية والسلالة الصفوية، إذ كلما ظفرت إحداهما بسلطة بغداد كانت تنزل الويلات بالأخرى، ولما استقر أمر الحكم للعثمانيين استخدموا اساليب الظلم والتعسف على الطرف الآخر، ونكلوا بالشيعة وقاموا بإقصائهم وتهميشهم وابعادهم عن مراكز القرار وكافة السلطات العسكرية والادارية , وسار ابناء الفئة الهجينة من بقايا العثمنة الدخلاء ورعايا الانكليز الغرباء بنفس السيرة المنكوسة واتبعت الحكومات الهجينة العميلة نفس خطوات الاحتلالين الحاقدة , اذ قاموا بمحاربة كل ما يمت للهوية الوطنية الاصيلة بصلة , واستئصال كل ما يمت بصلة للأغلبية العراقية , وممارسة سياسات التهميش والاقصاء والافقار والاضطهاد بحق العراقيين الاصلاء وتفضيل الغرباء والاجانب والدخلاء عليهم , واتهام وتعنيف كل ما من شأنه أن يعبر عن خصوصية شيعية عراقية، وإدراجه ضمن مفهوم التبعية الايرانية والطابور الخامس والتآمر الاقليمي المحاك ضد السلطة الحاكمة الوطنية واعداء الحكم الوطني …!!
وقد قام ساسة الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة وبرعاية تركية سرية ودعم بريطاني واضح , بعد استلامهم للحكم في العراق , بعدة اجراءات منكوسة تهدف الى تجنيس الغرباء والاجانب والدخلاء , وعدم الاعتراف بالهوية العراقية للمواطنين العراقيين الذين يحملون التبعية الايرانية القديمة , بينما اعترفوا بالتبعية العثمانية التي حصل عليها الشركسي والقرجي والمغولي والتركماني والكردي والارمني والألباني واليوناني والداغستاني والشيشاني … الخ ؛ فضلا عن قيامهم بتجنيس الكثير من الهنود الذين جاءوا مع الانكليز وتوطينهم في بغداد وغيرها ؛ بالإضافة الى اعطاء الجنسية العراقية لكل مواطني البلدان العربية وبغض النظر عن اصولهم العرقية وجذورهم القومية والدينية بحجة العروبة والقومية العربية ؛ من اجل احداث التغييرات الديموغرافية والطائفية وتقليل نسب الاغلبية وزيادة اعداد الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة على حساب الوطن والمواطن الاصيل والهوية العراقية العريقة .
ومع تأسيس الدولة العراقية الحديثة صدر قانون خاص بمنح الجنسية العراقية , وهو قانون الجنسية العراقي رقم 42 لسنة 1924 , ونص القانون على منح الجنسية العراقية للساكنين في العراق وفي المادة الثانية منه ، عرف الساكن في العراق بأنه : (كل من كان محل إقامته المعتادة في العراق منذ يوم الثالث والعشرين من آب سنة 1921) ؛ لكنه بنفس الوقت وفي فقرات أخرى أعتبر ضمناً إن حامل التبعية العثمانية مواطن من الدرجة الأولى وحامل التبعية الفارسية مواطن من الدرجة الثانية ؛ فقد كرم الاجانب والغرباء والدخلاء من بقايا العثمنة والعجم والكرد السنة ورعايا ومرتزقة الانكليز من الهنود والبنغلاديش وغيرهم بالجنسية العراقية ومن الدرجة الاولى ؛ فكل شخص غريب ومهاجر اجنبي وموظف مرتزق تواجد في العراق قبل هذا التاريخ ولو بيوم واحد ؛ حصل على الجنسية العراقية فضلا عن بقايا العثمنة من الذين حصلوا على التبعية العثمانية ؛ بينما تم معاملة العراقيين الاصلاء وغيرهم من الذين حصلوا على التبعية الايرانية على انهم مواطنون من الدرجة الثانية ؛ بل عجم وغرباء وغير عراقيين , وكانت مئات الأسر الشيعية العربية فضلا عن الفيلية والرعايا الايرانيين من الذين سكنوا العراق منذ عشرات السنين بل مئات السنين بالنسبة للبعض لاسيما سكان المدن الدينية من حملة التبعية الايرانية كما مر عليكم انفا , و رغم ولادتهم في العراق وسكن عوائلهم في العراق حتى قبل تأسيس الدولة العراقية ؛ تمت معاملتهم بصورة عنصرية مجحفة وبطريقة طائفية حاقدة ؛ لإفراغ العراق من كل عناصر القوة المحتملة والتي قد ترفع من مناسيب الوعي السياسي للأغلبية العراقية المغيبة وقتذاك , وبعد انقلاب 1963 وصعود القوميين المنكوسين للحكم عام 1963 وتسلم الطائفي النتن المجرم عبد السلام عارف مقاليد السلطة ؛ صدر قانون 43 لسنة 1964 والذي يمنح وزير الداخلية حق منح وإسقاط الجنسية حسب قناعاته الشخصية ؛ وقد سارع بإسقاط الجنسية العراقية عن العديد من رجال الدين الشيعة … !!
وبعد مجيء مجرمي تكريت وقتلة البعث الى السلطة عام 1968 ؛ اتجهت سلطة البعث منذ تسنمها مقاليد الحكم بَدء المحاولات لمحو كل ما من شأنه الإشارة لمفهوم التشيع وإن كان في معناه المقتصر على الطقسي أو الثقافي، فبغداد حينها أقرّت ولو إجمالاً بوجود حقوق للأكراد في شمال العراق ومنحتهم على وفق ذلك حكماً ذاتياً باتفاق اذار لسنة 1974م، لكن مثل هذا الإقرار كان مستحيلاً على أهل الفرات الاوسط والجنوب بسبب تبعيتهم الإيرانية حسب نظر السلطة … ؛ وتوسع مفهوم التبعية الايرانية ليشمل كافة ابناء الاغلبية وبلا استثناء , فحتى المواطن الذي لم يحصل على التبعيتين بسبب بعده عن مراكز المدن او بسبب هروبه من القيود الحكومية والخدمة الالزامية , والمواطن الشيعي الحاصل على التبعية العثمانية ؛ تمت معاملتهم على كونهم من القومية الايرانية , وبهذا الاجراء المنكوس قفز جهلة تكريت ورعيان العوجة على حقائق التاريخ ومعطيات الواقع الدامغة , اذ ارادوا الإيحاء للعرب والرأي العام بأن القبائل العربية والعشائر العراقية الاصيلة وابناء مملكة الحيرة العربية ومملكة ميسان العربية وابناء الكوفة رمح الاسلام وجمجمة العرب وابناء البصرة واحفاد عرب ذي قار قد اختفوا وانقرضوا كالديناصورات وحل محلهم العجم والكرد والهنود والغجر؛ بينما تحول سكان مناطق التركمان والكرد وبقايا العثمنة والقرج والشيشان والشركس والداغستان والتتار … الخ الى عرب اقحاح وعراقيين اصلاء …!!
وبلغت عنصرية وشوفينية واجرام البعث لدرجة أنه صدر قرار من مجلس قيادة الثورة المنحل بالرقم 666 وينص على (تُنزع الجنسية العراقية عن العراقي الذي لا يثبت ولائه لتربة الوطن وأهداف الثورة) في الوقت الذي كانت فيه عمليات التهجير للشيعة العرب والفيلية مستمرة وحالات اسقاط الجنسية العراقية عن الشخصيات العراقية الاصيلة متوالية ؛ كانت عمليات تجنيس المصريين والسوريين والفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين والسودانيين وغيرهم قائمة على قدم وساق , والطامة الكبرى ان هؤلاء الغرباء قد طالبوا الحكومات العراقية المنتخبة بعد عام 2003 بحقوقهم في التقاعد , واخذوا رواتب مجزية بحجة التقاعد بينما يعاني العراقي الاصيل الامرين , وهذه احدى ثمار الشجرة البعثية التكريتية اللعينة .
ولا زال تجنيس الغرباء والاجانب والدخلاء مستمرا , وذلك لإلحاق افدح الاضرار بالأغلبية والامة العراقية ؛ ولابد لهذه المهازل والمؤامرات التي تستهدف الهوية الوطنية والثقافة المحلية والثروات والمقدرات العراقية ؛ ان تتوقف , وذلك من خلال منع عمليات التجنيس المشبوهة واسقاط الجنسية العراقية عن الاجانب وسحبها من الغرباء والدخلاء كما تفعل اغلب الدول في الظروف الصعبة والاستثنائية او تلك التي تمس الامن القومي والهوية الوطنية مع مراعاة الطرق الانسانية والقانونية .
…………………………………………………
المصادر :
- جميلة معاشي: الإنكشارية و المجتمع ببايلك قسنطينة في نهاية العهد العثماني .
- تأسيس أول دائرة أحوال مدنية وإجراء أول إحصاء في بغداد سنة 1870 في العهد العثماني / طارق حرب .
- التبعية بوصفها مفهوماً ازدرائياً لدى سلطة البعث / نصير كريم كاظم .
- جذور قصة “التبعية” وتوظيفها السياسي.. التبعية المصطلح البعثي المقزز/ محمد البدر .
- اشكالية الجنسية واللاجنسية/ د. عبد الحسين شعبان.
- جريمة تهجير الكرد الفيليين/ عبد الأمير الجيزاني.
- الحقيقة المُغيبة / د. محمد بزي
- انتهاكات النظام العراقي لحقوق الأكراد الفيليين/ د. جابر الجابري.