الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله عز وعلا “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” ﴿النحل 120﴾ أمة اسم، أُمَّةً: إماماً جامعا لخصال الخير و هو يعدل أمة. كان أمّة: معلِّما للخير، أو مؤمنا وحده. إن إبراهيم كان إمامًا في الخير، وكان طائعا خاضعًا لله، لا يميل عن دين الإسلام موحِّدًا لله غير مشرك به، وكان شاكرًا لنعم الله عليه، اختاره الله لرسالته، وأرشده إلى الطريق المستقيم، وهو الإسلام، وآتيناه في الدنيا نعمة حسنة من الثناء عليه في الآخِرين والقدوة به، والولد الصالح، وإنه عند الله في الآخرة لمن الصالحين أصحاب المنازل العالية.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وعلا “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” ﴿النحل 120﴾ الآية، وما يتلوها على اتصالها بما تقدم من حصر محرمات الأكل في الأربع وتحليل ما وراءها، وهذه الآية إلى تمام أربع آيات بمنزلة التفصيل لما تقدمها كأنه قيل: هذا حال ملة موسى التي حرمنا فيها على بني إسرائيل بعض ما أحل لهم من الطيبات، وأما هذه الملة التي أنزلناها إليك فإنما هي الملة التي تحقق بها إبراهيم فاجتباه الله وهداه إلى صراط مستقيم وأصلح بها دنياه وآخرته، وهي ملة معتدلة جارية على الفطرة تحلل الطيبات وتحرم الخبائث يجلب العمل بها من الخير ما جلبه لإبراهيم عليه السلام منه. فقوله: “إن إبراهيم كان أمة” قال في المفردات، وقوله: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ” أي قائما مقام جماعة في عبادة الله نحوقولهم: فلان في نفسه قبيلة، انتهى. وهو قريب مما نقل عن ابن عباس، وقيل: معناه الإمام المقتدى به، وقيل: إنه كان أمة منحصرة في واحد مدة من الزمان لم يكن على الأرض موحد يوحد الله غيره. وقوله: “قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” القنوت: الإطاعة والعبادة أو دوامها، والحنف: الميل من الطرفين إلى حاق الوسط وهو الاعتدال.
جاء في موقع طريق الاسلام وحدة الأمة في القرآن الكريم للكاتب عبد الله بن علي بصفر: على أي شيء تكون الوحدة والاعتصام؟: اجتماع المسلمين إنما يكون على الاستعانة بالله، والوثوق به وعدم التفرُّق عنه، والاجتماع على التمسك بعهده على عباده، وهو الإيمان والطاعة، أو الكتاب والسنة، لأن من أطاع الرسول فبفرض الله ذلك في كتابه كما قال عز وجل: “مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ” (النساء 80). أنواع الاعتصام: قال ابن القيم رحمه الله: “الاعتصام نوعان: اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله. قال الله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران 103)، وقال: “وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ” (الحج 78). ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين. فأما الاعتصام بحبله: فإنه يعصم من الضلالة، والاعتصام به: يعصم من الهَلَكَةِ، فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصدِهِ، فهو محتاج إلى هداية الطريق، والسلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له” ا. هـ. من (مدارج السالكين). عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ… الحديث وفيه: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله) (رواه مسلم). وعن مالك بن أنسٍ رحمه الله بَلَغَه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتابَ الله وسنةَ رسوله). فوائد الوحدة والاجتماع بين المسلمين: 1- تحقيق وعي الأمة بفهم ذاتها فهمًا صحيحًا، مما يساعد على توحيد أنماط التفكير والسلوك، وأساليب البحث والنظر على أساس إسلامي صحيح. 2- الوحدة تساعد المجتمع الإسلامي على مواجهة التحديات. 3- تحقيق الاتصال الجماعي بالنماذج الإسلامية المثالية. 4- الوحدة تساعد المجتمع الإسلامي على التحرر من التبعية الفكرية والحضارية، والتي تتولد عن عدم فهم الذات فهمًا صحيحًا واعيًا. 5- تساعد على صياغة صحيحة من أجل الإبداع الحضاري وتثير طاقاته الإبداعية، وتقدم النموذج الإسلامي السليم للإنسان الحضاري. 6- تساعد على إبراز ما للإسلام من آثار عظيمة على المسلم، إذ يورثه القوة والعزة والمنعة. 7- تحقيق المفاهيم الإسلامية الحقيقة للأمة، بعقيدتها وأخلاقها، مما يتبلور في النهاية في شكل حضارة إسلامية حقيقة معبرة عن المجتمع الإسلامي. 8- تحقيق الألفة والعدالة والمحبة وكل العوامل المؤدية إلى الترابط في المجتمع الإسلامي. 9- المحافظة على التراث الثقافي واللغة العربية (لغة القرآن) واستمرارها. 10- القضاء على العصبية القبيلة، وعدُّ القاعدة الدينية الاجتماعية أساسًا يتسع لجميع الأمم والشعوب. 11- تتحقق البركة في الاجتماع على الطعام وغيره من أمور البِرّ. 12- الاجتماع والوحدة يحققان مطلبًا إسلاميًا أصيلًا، حَثَّ عليه الإسلام في صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة، وأداء الحج. 13- يُؤدِّي الاجتماع والوحدة إلى تحقيق الألفة بين المسلمين، وانتشار التعارف فيما بينهم، وبذلك تتحقق المودة ويسود الإخاء ويعم التعاون. 14- في الاجتماع والوحدة تقوية لجانب المسلمين، ورفع روحهم المعنوية، انطلاقًا من الاعتقاد بأن يد الله مع الجماعة، ومن كانت يد الله معه كان واثقًا من نصر الله عز وجل. 15- الاجتماع والوحدة قوة متجددة للفرد والأسرة والمجتمع، بل ولكل العالم الإسلامي. 16- الاجتماع يخيف الأعداء ويلقي الرعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين، ومن ثم يكون في الاجتماع عزةٌ للمسلمين في كل مكانٍ. 17- إن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة، ودوام دولتها، ونجاح رسالتها. 18- الاجتماع والوحدة وسيلة من وسائل الأخلاق الفاضلة وذلك بانغماس الفرد في البيئات الصالحة، وذلك لأن من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة التي ينغمس فيها، ويتعايش معها ومع ما لديها من أخلاق وعادات وسلوك. 19- بوجود الإنسان مع الجماعة تنشط روح المنافسة. 20- الوحدة والاجتماع يُذكي في الأفراد روح التفوق والرغبة في إظهار ما لديهم من قدرات، وهذا الدافع لا يتحرك إلا من خلال الجماعة. 21- في وجود الفرد داخل الجماعة وازع أساسي له كي يبتعد عن الرذائل خشية ما يصيبه من ضرر لو اطَّلع الآخرون على هذه الصفات القبيحة، ومن هنا يكون للاجتماع دوره الفعال في مكافحة الجريمة والرذيلة. 22- بالاجتماع وخاصةً مع الصالحين والأسوياء ما يجعل المرء يشعر بأخلاق الجماعة ويحاول تقليدها واكتساب أخلاقها، ثم يتحمس للدفاع عنها. 23- في الاجتماع دواءٌ ناجعٌ لكثير من الأمراض النفسية: كالانطواء والقلق، إذ أن وجود المرء مع الآخرين يدفع عنه داء الانطواء ويُذهب القلق، وخاصة إذا علم أن إخوانه لن يتخلوا عنه وقت الشدة، فالمرء قليلٌ بنفسه كثير بإخوانه. 24- وأخيرًا فإن مجالسة أهل الذكر والاجتماع بهم- وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم- غالبًا ما يكون سببًا لمغفرة الله عز وجل ورضوانه. 25- في الاجتماع طرد للشيطان، وإغاظة له، لأنه يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة (وهو أقل الجمع) لم يهم بهم الشيطان، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.