فاضل حسن شريف
جاء في صحيفة الوطن عن رجب فـي القرآن الكريم: قد فضّل الله تعالى بعض الشهور على بعض، لما في تلك الشهور من أحداث عظيمة ونفحات ربانية كريمة، خاصة وإن كان شهرا ذات صبغة مباركة، كشهر الله رجب، والذي اختصه الله تعالى بذكره في كتابه العزيز، كما أن أيام هذا الشهر شهدت أحداثًا مباركة عبر التاريخ، وعلى سبيل المثال نبي الله نوح عليه السلام ركب السفينة في هذا الشهر الفضيل، فـ(عن عبد العزيز بن عبد الغفور، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في أول يوم من رجب ركب نوح السفينة، فصام هو وجميع من معه. إنّ معنى رجب في اللغة: جاء في كتاب (العين 6/ 113):(رَجَبٌ اسم الشهر، فإذا ضمُّوا إليه شَعبان فهما الرَّجَبانِ. وكانت العربُ تُرَجِّبُ، وكان ذلك لهم نُسُكاً وذبائِحَ في رَجَبٍ. والرَّجَبُ والرَّجَبَة، والجميعُ الرِّجابُ)، (وَكَانَت الْعَرَب تُرَجِّبُ، وَكَانَ ذَلِك لَهُم نُسُكًا أَو ذَبائِح فِي رَجَب. وعَن الأصمعيّ وَالْفراء: رَجَبْتُ الرَّجُلَ رَجَباً، إِذا هِبْتَهُ وعَظَّمْتَه، أرْجَبَهُ، أَي أُعَظِّمهُ. ومِنه سُمِّي شهر رَجَبَ) (تهذيب اللغة 11/ 38)، وجاء في (غريب الحديث للخطابي 2/ 126): (إنّ العرب كانوا يعظمون الأشهر الحرم، ويتحاجزون فيها فلا يتقاتلون، يرى الرجل منهم قاتل أبيه فلا يمسه بسوء ولا ينداه بمكروه ولذلك كانوا يسمون رجبًا شهر اللَّه الأصم، وذلك لأن الحرب تضع أوزارها فلا تسمع قعقعة سلاح ولا صوت قتال، ويسمونه كذلك منصل الأسنة، لأن الأسنة كانت تنزع من الرماح، فلا يزال هذا دأبهم ما بقي من أشهر الحرم شيء، إلى أن تكون آخر ليلة منها فما أن تنصرم عَنْ يقين فيكثر الفساد في تلك الليلة وتسفك الدماء وتشن الغارات)، ويقول القرطبي:(وكانت العرب قد جعل الله لها الشهر الحرام قوامًا تعتدل عنده، فكانت لا تسفك دمًا، ولا تغير في الأشهر الحرم، وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة سرد وواحد فرد) (تفسير القرطبي 3/ 45)، (فقرر الله في قلوبهم حرمتها، فكانوا لا يروعون فيها سربًا – أي نفسًا – ولا يطلبون فيها دمًا ولا يتوقعون فيها ثأرًا، واقتطعوا فيها ثلث الزمان، ووصلوا منها ثلاثة متوالية، فسحة وراحة ومجالًا للسياحة في الأمن والاستراحة، وجعلوا منها واحدًا منفردًا في نصف العام دركًا للاحترام، وهو شهر رجب الأصم ويسمى (مُضر)، كانوا إذا دخل رجب نزعوا أسنة الرماح ونصال السهام إبطالًا للقتال فيه، وقطعًا لأسباب الفتن لحرمته، وهو شهر قريش، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم شهر الله، أي: شهر آل الله، وكان يُقال لأهله الحرم:(آل الله)، ويحتمل أن يريد شهر الله، لأن الله متنه وشدده إذ كان كثير من العرب لا يراه) (المرجع السابق 6/ 326). وقد ذكر الله تعالى هذا الشهر في القرآن الكريم على سبيل الإفراد والتخصيص، وذكره الله تعالى مجملًا مع الأشهر الحرم أيضًا، فأما عن ذكره وحده فقد قال تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (البقرة 217)، يقول الطبري في (جامع البيان، ت: شاكر 4/ 307): (عن مجاهد في قول الله: (يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه)، قال: إن رجلًا من بني تميم أرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سرية، فمرَّ بابن الحضرميّ يحمل خمرًا من الطائف إلى مكة، فرماه بسهم فقتله، وكان بين قريش ومحمد عَقْدٌ، فقتله في آخر يوم من جُمادى الآخرة وأول يوم من رجب، فقالت قريش: في الشهر الحرام ولنا عهد فأنزل الله ـ جلَّ وعز: (قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل الله وكُفرٌ به والمسجد الحرام وإخراجُ أهله منه أكبرُ عند الله..) من قتل ابن الحضرميّ، والفتنة كفرٌ بالله، وعبادة الأوثان أكبر من هذا كله).. يتبع في العدد القادم.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” ﴿الإسراء 3﴾ تطلق الذرية على الأولاد بعناية كونهم صغارا ملحقين بآبائهم، وهي على ما يهدي إليه السياق منصوبة على الاختصاص ويفيد الاختصاص عناية خاصة من المتكلم به في حكمه فهوبمنزلة التعليل كقوله تعالى: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ” (الأحزاب 33) أي ليفعل بكم ذلك لأنكم أهل بيت النبوة. فقوله: “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ” يفيد فائدة التعليل بالنسبة إلى ما تقدمه كما أن قوله: “إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” يفيد فائدة التعليل بالنسبة إليه. أما الأول فلأن الظاهر أن تعلق العناية بهم إنما هو من جهة ما سبق من الله سبحانه لأهل سفينة نوح من الوعد الجميل حين نجاهم من الطوفان وأمر نوحا بالهبوط بقوله: “يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ” (هود 48) ففي إنزاله الكتاب لموسى وجعله هدى لبني إسرائيل إنجاز للوعد الحسن الذي سبق لآبائهم من أهل السفينة وجرى على السنة الإلهية الجارية في الأمم فكأنه قيل: أنزلنا على موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل لأنهم ذرية من حملنا مع نوح وقد وعدناهم السلام والبركات والتمتيع. وأما الثاني فلأن هذه السنة أعني سنة الهداية والإرشاد وطريقة الدعوة إلى التوحيد هي بعينها السنة التي كان نوح عليه السلام أول من قام بها في العالم البشري فشكر بذلك نعمة الله وأخلص له في العبودية – وقد تقدم مرارا أن الشكر بحقيقته يلازم الإخلاص في العبودية – فشكر الله له، وجعل سنته باقية ببقاء الدنيا، وسلم عليه في العالمين، وأثابه بكل كلمة طيبة وعمل صالح إلى يوم القيامة كما قال تعالى “وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” (الصافات 77-80). فيتلخص معنى الآيتين في مثل قولنا: إنا جزينا نوحا بما كان عبدا شكورا لنا أنا أبقينا دعوته وأجرينا سنته وطريقته في ذرية من حملناهم معه في السفينة ومن ذلك أنا أنزلنا على موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل. ويظهر من قوله في الآية: “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ” ومن قوله: “وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ” أن الناس ذرية نوح عليه السلام من جهة الابن والبنت معا، ولو كانت الذرية منتهية إلى أبنائه فقط وكان المراد بقوله: “من حملنا مع نوح” أبناءه فقط كان الأحسن بل المتعين أن يقال: ذرية نوح وهو ظاهر. وللقوم في إعراب الآية وجوه أخرى كثيرة كقول من قال: إن “ذرية” منصوب على النداء بحذف حرفه، والتقدير يا ذرية من حملنا، وقيل: مفعول أول لقوله: تتخذوا ومفعوله الثاني قوله: “وكيلا” والتقدير أن لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلا من دوني، وقيل: بدل من موسى في الآية السابقة وهي وجوه ظاهرة السخافة. ويتلوها في ذلك قول من قال: إن ضمير “إنه” عائد إلى موسى دون نوح والجملة تعليل لإيتائه الكتاب أو لجعله عليه السلام هدى لبني إسرائيل بناء على رجوع ضمير “وجعلناه” إلى موسى دون الكتاب.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تبارك وتعالى “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” ﴿الإسراء 3﴾ ” ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ “. حمل نوح معه في السفينة أولاده الثلاثة، وهم حام وسام ويافث، ونساءهم، ومنهم تناسل الناس بعد الطوفان، ومنهم الإسرائيليون في عهد موسى، وفي هذا النداء تذكير لبني إسرائيل بأنعم اللَّه التي جحدوها وكفروا به وبها. ” إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً “. ضمير انه يعود إلى نوح ( عليه السلام ) أي كونوا أيها اليهود شاكرين ذاكرين كما كان نوح. ولكن لا يشكر النعمة إلا أهل الصدق والوفاء، وما عرف الإسرائيليون منذ كانوا إلا الكذب والغدر والخيانة. وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام إن نوحا كان إذا أصبح أو أمسى قال: اللهم إني أشهدك ان ما أصبح وأمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فهو منك لا شريك لك، لك الحمد، ولك الشكر بها عليّ حتى ترضى.
جاء في مؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر عن حدث في مثل هذا اليوم (1 رجب): في كتاب (أعيان الشيعة) أنّ في أوّل رجب من سنة 138 هجرية تُوفّي أبو إسماعيل أبان بن أبي عيّاش البصري الزاهد، مولى عبد القيس. واسم أبيه ابو عيّاش فيروز، وقيل: دينار. قال صاحب الأعيان: عن أبان، أنّ الشيخ ذكره في رجاله في أصحاب الأئمة الثلاثة: زين العابدين والباقر والصادق(عليهم السلام). قال: ويَنسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس الهلالي إليه، وأنّه كان سبب تعريف أبان هذا الأمر سليم بن قيس حيث طلبه الحجاج ليقتله، لأنّه من أصحاب عليعليه السلام، فهرب إلى ناحية من أرض فارس، ولجأ إلى أبان بن عيّاش هذا، فلمّا حضرتْه الوفاة قال لأبان: إن لك عليَّ حقّاً، وقد حضرني الموت، وإنه قد حصل من الأمر بعد رسول اللهصلى الله عليه وآله كيت وكيت، وأعطاه كتابه، فلم يروِ عن سليم بن قيس أحدٌ من الناس غيره. قال أبان: وقد كان سليم بن قيس شيخاً متعبّداً، له نور يعلوه([25]). رحم الله الجميع برحمته وأسكنهم فسيح جنتّه. وفيه من سنة 1098 هجرية تُوفّي بأصبهان المحقق الخوانساري اُستاذ الحكماء والمتكلّمين، ومربّي الفقهاء والمحدّثين، صاحب المصنّفات النافعة والمؤلّفات الممتعة، منها كتاب (شرح الدروس). ولد في شهر ذي القعدة سنة 1016، وتُوفّي في 1 / 7 / 1098 هجرية، ودُفن بمقبرة تخت فولاد، وبنى عليه الشاه سليمان الصفوي قبّةً عالية. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنّته. وفي هذا اليوم من سنة 1303 هجرية توفي الشيخ علي ابن الشيخ أحمد السبيتي العاملي الكفري؛ نسبة إلى بلدة (كَفْري) من بلدان جبل عامل. قيل عنه: إنه كان عالماً فاضلاً، ثقة ثبتاً صالحاً. قال السيد الأمين في كتاب (الأعيان): رأيناه، فشاهدنا فيه الزهد والتقوى والصلاح، والمجاهرة بالحق، وكان حسن النادرة، ظريف المعاشرة، له من المؤلفات (الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الأسعد) يحتوي على كثير من تاريخ جبل عامل وتراجم جملة من علمائه المتأخرين، وله كتاب (شرح ميمية أبي فراس)، وله رسالة في الرد على فتوى الشيخ نوح الذي حلل فيها دماء الشيعة وأموالهم([27]). وقد قيل عنه: إنه ولد بتاريخ 25 / 12 / 1236هـ؛ وعليه يكون عمره 67. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.