فبراير 5, 2025
download (1)

يحيى دايخ

في مشهدية التحرير الثالث الشعبية في ٢٦ الشهر الحالي التي سطّرها الجنوبيون بلحمهم العاري لتحرير ما تبقى من بلداتهم وقراهم المحتلة أمام آلة الإجرام والقتل الصهيونية، تبرز الإشكالية القديمة المتجددة حول الإنقسام الحاد بالمجتمع اللبناني الكلي بين فئتين متمايزتين من حيث رؤى والتطلعات السياسية:

*١- فئة وطنية تعمل على بناء وطن مستقل سيادي خارج عن التبعية والتدخل الخارجي بسياساته وآداءه الداخلي.*

*٢- فئة إنعزالية مصالحية تدار بإملاءات خارجية تتماهى وتتناغم مع توجهات قوى التأثير السفاراتي والأهداف الإسرائيلية.*

تظهر هذه التمايزات من خلال عدة محطات شهدناها في الأيام القليلة الماضية من أهمها:

*١- مقابل الهبة الشعبية التي قام بها أهل الجنوب بمساندة إخوانهم من أهل البقاع والجيش اللبناني لتحرير بلداتهم وقراهم عند نهاية مهلة ال٦٠ يوم لانسحاب الاحتلال وأمام الدماء الزكية التي بُذلت من الشعب والجيش اللبناني.*

*نرى صناع القرار السياسي اللبناني يرضخون للضغوطات الخارجية بتمديد فترة الاحتلال إلى ١٨ شباط القادم، عوضاً عن التمسك بالمهلة التي انتهت وعدم إعطاء المحتل أي مكسب يحفظ له ماء وجهه، نراهم يوافقون على تمديد المهلة مما زاد في غطرسة العدو الذي واصل إعتداءاته على القرى والبلدات والغارات الجوية وإيقاع المزيد من الضحايا بين المدنيين والجيش اللبناني.*

*٢- مقابل الفرحة العارمة التي عاشها أهلهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بهذا الإنجاز الوطني والإنتصار الإستراتيجي والتي عبروا عنها بمظاهرات سلمية سيارة في معظم بيروت وضواحيها.*

*نرى بالمقابل بعض السياسيين المعروف إنتماءاتهم ومنابع قراراتهم وطموحاتهم الإنعزالية في بناء الكانتونات الفئوية والطائفية والتي تخدم مصالحهم الشخصية، ينبرون إلى مهاجمة هذه المسيرات ويصفونها بالإستفزازية ويصورونها بأبشع الصور في تحريض طائفي ظاهر ولهدف واضح، وكأن لبنان عبارة بؤر طائفية يمنع على أي مواطن من طائفة ثانية الدخول إليها إلا بتأشيرة.*

بالتالي وكما أن الأحزاب الوطنية قالت وذكرت مراراً وتكراراً أنها مع محاسبة قانونية وجزائية لأي فرد ولأي عمل لا يجيزه القانون اللبناني، ورفعت الغطاء عن أي مخالف.

نرى بعض النواب (مستحدث وقديم ومجنس) وسياسي غب الطلب وبعض الإعلاميين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض سائل الإعلام كانوا وما يزالوا يتجرئون على طائفةٍ عريقةٍ مشهودة التاريخ قديماً وحديثاً وعلى رموزها وعلى معتقداتها الدينية دون ملاحقة أو مسائلة قانونية بحسب مواد الدستور اللبناني.

علماً بأنه وبحسبة بسيطة نرى في آخر إنتخابات نيابية والتي تعتبر إستفتاءً شعبياً أن أقل نائب من نواب هذه الطائفة حصل على أصوات توازي أكثر نائب منهم إذا لم يكن أكثر أصواتاً فما بال الذين دخلوا المجلس “فرق عملة”.

إن الجور والغبن الذي يلحق بأهل الجنوب والبقاع من النظام السياسي في لبنان ليس جديد لقد صوّر التاريخ اللبناني أبطاله المقاومين من أمثال ادهم خنجر وصادق حمزة وغيرهم من أهل البقاع على انهم قطاع طرق.

كما طالهم الحرمان الخدماتي والاجتماعي للدولة حتى عهد قريب.

مازال ورثة تلك الطغمة السياسية يعملون على تشويه سردية المقاومة في الجنوب بنفس المنهاج ولكن بإسلوب حديث وإدارة جديدة لإحتلال مُحدثْ.

وعليه يمكن أن نتوقع أن لا قيامة للبنان العادل الحديث السيادي المعاصر إلا من خلال تطبيق القانون والدستور على هؤلاء الشرذمة التي تمتطي الطائفية والتحريض الطائفي وتتبنى منطق وفكر الكانتونات والفدرالية والإنعزالية لتحقيق مصالحها الشخصية على حساب الوطن وأبناءه.

*فالى متى ستبقى أبواق الفتنة ومرتهني التبعية ولعاق أعتاب السفارات دون محاسبة، وإلى متى ستبقى السياسة اللبنانية رهناً بمتطلبات وأوامر خارجية، وإلى متى سيبقى بعض صناع السياسة في لبنان أولويتهم مصالحهم حتى لو أدت تلك المصالح إلى صدام أهلي (وهذا ما يريده الأمريكي والإسرائيلي).*

*وأخيراً إلى صناع القرار السياسي المنادين بالوطنية والسيادية ولبنان العادل المزدهر الواحد في أرضه وشعبه لبنان بجمال طوائفه وتركيبته الفريدة، لبنان بساحله وجبله وجرده، لبنان بشرف ووفاء جيشه، بعزة مقاومته وشموخها ورجالها أمانة بين يديكم أرونا وسجلوا للتاريخ ما أنتم فاعلون.*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *