
الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في موقع الزيدي عن إعلام البرية ببطلان خرافة انقسام الزيدية: وببيان حقيقة الجارودية: لطالما أثار استغرابي وأنا أقرأ الكتب التي تحدثت عن أحوال الفِرَق الإسلامية وانقساماتهم، البعد عن الطريقة العلمية في الحكم على الآراء، والإجحاف في نقل النصوص والتحريف والتهويل عند التحدث عن أصول وفروع تلك المذاهب، مع أن الله تعالى يقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (المائدة 8)، وأحياناً تجد من هؤلاء المصنفين التجني على بعض مذاهب المسلمين وهضم حقوقهم وطرح أفكارهم بصورة مشوهة وممسوخة خلافاً للواقع. وأحياناً أخرى كنت أرى مقدار السفاهة والبعد عن العقل في اختراع الطوائف والملل والأهواء، في سبيل ملء خانات الثلاثة وسبعين فرقة ما يجعلك تجزم في تلك الأثناء أن المصنف بين اثنتين أحلاهما مرّ: إما تعمد الكذب واختلاق الروايات لإيذاء الخصوم علماً بأنهم جميعاً من هذه الأمة وعلى ذات القبلة، لينطبق على هؤلاء المصنفين قوله تعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً” (الأحزاب 58)، وإما أنهم مدفوعون بأحقادً شخصية وسياسية، جاءت موافقة لسياسات الدول الظالمة التي كانت تحكم في أزمانهم، والتي كانت تحارب التشيع العلوي، ومن يقولون بوجوب الأخذ على يد الظلمة والخروج على أئمة الظلم والجور، وهم الزيدية والمعتزلة. فيما كان هؤلاء الكتاب يمثلون تيار الانبطاح وتسويغ ظلم الظلمة، بعذر الجبر، وكون الشر والخير كله من الله، ولا يد للبشر فيه. وقد رغبتُ في ردِّ بعض عدوان هؤلاء الكتاب، وتبيان جسيم خلطهم وتقليدهم لغيرهم ممن سبقهم في التصنيف في الفرق والملل، في باب الزيدية فقط، وردّ ما زعموه عن انقسام المذهب الزيدي لعدة فرق، من بينها الفرقة المسماة بالجارودية، التي نسبوا لها أقوالاً متناقضة عظيمة الخطر، ليس أقلها تكفير الصحابة، وشتمهم، مما يعلم أي ناظر في كتب الزيدية والعترة الطاهرة على كثرتها، بطلان هذه التهمة، وأنها خلاف سيرة أئمة أهل البيت الزيدية عليهم السلام من عهد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، مروراً بالحسن والحسين عليهما السلام وعلي بن الحسين وابنه الإمام الأعظم زيد الشهيد عليهم سلام الله تعالى ومن بعدهم وسنأتي على ذكر أقوالهم عليهم السلام في الباب لاحقاً بإذن الله. ولو تكلف هؤلاء الكتاب أي عناءٍ في البحث والنظر في كتب الزيدية، ولو نظروا لأي من كتب العترة الطاهرة، بتقوى وورع عن الكذب، لعلموا بطلان ما نسبوه لهذه الفرقة النبيلة التي امتثلت أوامر الله تعالى ووصايا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، برعاية حق عترته ومودتهم. وإنما اكتفوا بتقليد من كتب قبلهم، ناقلين غير أمينين لها، أو ناقلين لآرائها من كتب المشهورين بالزندقة والانسلاخ عن الدين لدى جميع فرق المسلمين، والله تعالى المعين.
جاء في موقع الكاظم الزيدي عن ما معنى قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ” (المائدة 104)، وعلاقة ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أنّ مُتابعَة سياقَ الآيَات إذا استشكلَ فهمُ الآيَة مُنفردةً مطلبٌ عَزيز ومهمّ وبالغفلَة عنه يكون سُوء التدبّر، فنظرنَا إلى سياقِ الآيَة التي ذكرها السّائل، فوجدنا الله تعالى يقول: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (المائدة 104-105)، ثمّ وجدَنا الإمَام محمّد بن القاسم عليه السلام قد سألَ أباه الإمَام القاسم بن إبراهيم عليه السلام عن هذه الآيَة، فقال الإمَام القاسم عليه السلام: “إنّمَا قَال سُبحانه للذين قالوا: “حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا”، مِن دِينهِم، وأكثَروا الاتّباع لدِين غَيرهم، عَليكُم بأنفُسِكُم خَاصّة، فَليس يَضركم إذا اهتدَيتُم ضلال مَنِ اعتقدَ ضَلالَة، كَان أبَاً أو غَيرَه لأنّ كُل امرئ إنّما يُحَاسَبُ بمَا عَمِلَه ومَالَه، فَإن اهتدى نجَا سَالماً، وإن ضَل هَلَك ظَالِمَا، لأنّه “لا تزِر وَازرة وِزر أخرَى* وأن لَيسَ للإنسَان إلاّ مَا سَعَى” (مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم). قلتُ: ومعنى كلامِه عليه السلام أنّ الآيَة مُتعلّقة بالآيَة التي قبلَها،فإنّ الكفّار إذا دُعوا إلى الإيمان بالله وبالرّسول قالوا نَكتفي بما كانَ عليه آباؤُنا، فأخبرَ الله تعالى المُؤمنين بأنّ عليهِم أنفُسَهم والتمسّك بالحقّ، فإنّه لا يضرّهم تمسّك الكفّار بضلالِهم ودينِ آبائهم بعدَ إقامَة البَلاغ عليهِم، نعم وإنّما قُلنا بإقامَة البَلاغ لأنّ الله تعالى لم يُخاطب المُؤمنين بأنّ عليهم أنفُسهَم إلاّ بعد أن قالَ جلّ شأنُه للكافِرين بما أصلُه بَلاغ: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ” (المائدة 104)، فعاندَ الكفّار وعتَوا ولجّوا في كِبرهِم، عندهَا قالَ جلّ شأنُه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ”، نعم فالحاصلُ أنّ الآيَة لا تؤصّل لعدَم الإبلاغ، ولا لِعدَم التأكيد في الإبلاغ، وإنّما تؤصّل للتمسّك بالحقّ والهُدى إذا اختار المُصرّون على الكُفر أو الفِسْق التمسّكَ بضلالتهم، فلا تُسقطُ الآيَة أصل الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، ولا تُعارضها البتّة.
عن شبكة الثقلين الثقافية: الإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام: عدالته وحكومته: مثلت حكومة الإمام الهادي مظهراً من مظاهر العدالة وكانت دولته مثالاً للدولة الرشيدة القائمة على العدل والإنصاف والمساواة يقول الدكتور العلامة محمد أبو زهرة ـ وهو عالم مصري معاصرـ وهو يتحدث عن دولة الإمام الهادي وسيرته: “وقد سار الهادي في حكم البلاد اليمنية على سنة العدل مما جعل الأهلين يرون فيه مظهراً لحكم الإسلام ومصدراً لعهد الخلفاء الراشدين الأولين”. لم تكن هذه هي الشهادة الوحيدة التي تشهد للإمام الهادي بالعدالة وحسن السيرة فهذه الذهبي يقول في ترجمته في كتاب تاريخ الإسلام: ” وتسمي بالهادي أبي الحسن وملك نجران وتلك النواحي وخطب له بأمير المؤمنين وكان حسن السيرة”.(الذهبي تأريخ الإسلام ج22/ ص321) لم تكن هذه الشهادات عن الهادي عليه السلام مقصورة على علماء متأخرين عنه فقد شهد له علماء عصره ممن عايشوه وسنورد شهادة أحد علماء الشافعية في عصره “روى السيد أبو طالب بإسناده عن أبي الحسين الهمداني وكان رجلاً فقيهاً على مذهب الشافعي، يجمع بين الفقه والتجارة، قال: قصدت اليمن وحملت ما أتجر فيه هناك ابتغاء لرؤية الهادي -عليه السلام- لما كان يتصل بي من أخباره فلما وصلت صعدة قلت لمن لقيت من أهلها: كيف أصل إليه؟ وبم أصل؟ وبمن أتوسل؟ فقيل لي: الأمر أهون مما تقدَّر، ستراه الساعة إذا دخل الجامع للصلاة بالناس، فإنه يصلي بهم الصلوات كلها، فانتظرته حتى خرج للصلاة فصلى بالناس وصليت خلفه. فلما فرغ من صلاته تأملته فإذا هو قد مشى في المسجد نحو قوم أعِلاء في ناحية منه فعادهم، وتفقد أحوالهم بنفسه، ثم مشى في السوق وأنا أتبعه فغيرَّ شيئاً أنكره، ووعظ قوماً وزجرهم عن بعض المناكير، ثم عاد إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه من داره للناس، فتقدمت إليه فسلمت فرحبَّ بي، وأجلسني وسألني عن حالي ومقدمي؟ فعرفته أني تاجر، وأني وردت هذا المكان تبركاً بالنظر إليه، وعرف أني من أهل العلم فأنس بي. وكان يكرمني إذا دخلت إليه إلى أن قيل لي (في) يوم من الأيام هذا يوم الظلامات وإنه يقعد فيه للنظر بين الناس فحضرت فشاهدت هيبة عظيمة ورأيت الأمراء والقواد والرحالة وقوفاً بين يديه على مراتبهم. وهو ينظر في القصص ويسمع الظلامات، ويفصل الأمور فكأني شاهدت رجلاً غير من كنت شاهدته، وبهرتني هيبته، فادعى رجل على رجل حقاً فأنكره المدَّعى عليه وسأله البينة، فأتى بها فحلَّف الشهود، فعجبت من ذلك. فلما تفرَّق الناس دنوت منه، وقلت له: أيها الإمام، رأيتك حلَّفت الشهود. فقال: هذا رأي آبائي تحليف الشهود احتياطاً عند التهمة، وما تنكر من هذا، وهو قول طاووس من التابعين، وقد قال الله تعالى: “فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا” (المائدة 107). قال: فاستفدت في تلك الحال منه مذهبه، وقول من قال به من التابعين والدليل عليه، وما كنت قد عرفت شيئاً من ذلك، قال: وأنفذ إليَّ يوماً من الأيام يقول: إن كان في مالك حق زكاة فأخرجه إلينا، فقلت: سمعاً وطاعة من لي بأن أخرج زكاتي إليه. فلما كان بعد يومين بعث إليَّ واستدعاني، وإذا هو يوم العطاء قد جلس (له) والمال يوزن ويخرج إلى الناس، فقال: أحضرتك لتشهد إخراج زكاتك إلى المستحقين. فقمت وقلت: الله الله أيها الإمام أتظنني أرتاب بشيء من فعلك؟ فتبسم وقال: ما ذهبت إلى ما ظننت، ولكن أردت أن تشهد إخراج زكاتك. قال: وقلت له يوماً من الأيام: أول ما رأيتك وأنت تطوف على المرضى في المسجد تعودهم، وتمشي في السوق، فقال: هكذا كان آبائي، كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وأنت إنما عهدت الجبابرة والظلمة”.