الكاتب : د. ابو عبد الدليمي
—————————————
إلى أين؟
بقلم: د. أبو عبد الدليمي
أما تعبَ القطارُ من اختيالي؟
أما ملَّ الدروبَ من ارتحالي؟
أكلَّ العمرُ من وجدٍ وحُزنٍ،
وسُرّحتُ الليالي للزوالِ؟
ركبتُ الدربَ والأنفاسُ بردى،
وراءَ القلبِ ظلٌّ لا يبالي
تساقطَ من يدي زهرُ الأماني،
وعادَ الحلمُ مقطوعَ الظلالِ
يا قطارَ العمرِ، أعدني للطفولةِ، فهي بيتٌ،
بلا جُدرانِ قهرٍ أو جدالِ
أعدني حيثُ كان القلبُ نهرًا،
يُصافحُ ضوءهُ ظلَّ الخيالِ
أعدني، فالزمانُ هناك أنقى،
كأنّي فيه لم أذقِ الليالي
فيا قطارَ عمري، لا تُسابق،
خطى أيّامي المجهولةِ التالي
أنا في الغربةِ السوداءِ وحدي،
أقاسي من حنينٍ لا يُقالِ
غريبُ الوجهِ واللغةِ انتزعتُ،
من الأوطانِ قلبي والجمالِ
أحنُّ إلى الديارِ بكلِّ شوقي،
إلى ظلِّ الجدارِ، إلى احتمالي
إلى ضحكِ الرفاقِ، إلى ترابي،
إلى زيتونةٍ بينَ التلالِ
أعدني يا زمانَ الحلمِ يومًا،
لأهلي، للدفاترِ، للمجالي
لأطيافِ الطفولةِ حين كانت،
تُراوغُني وتَحضنُني بدلالِ
أعدني للحقائبِ والدفاتر،
لأوّلِ مقعدٍ بينَ السؤالِ
لجامعتي التي ضاعت سنينًا،
كأنّي ما مشيتُ بها خلالي
وذاكَ العملُ، ذاك النبضُ فيه،
حُرمنا منه في دربِ النضالِ
وشهاداتٌ عَلتْ حيطانَ صمتٍ،
ولم يُنصفْ بها هذا النضالِ
أعدني للبلادِ، فقد تعرّت،
من الأفراحِ في ليلِ النضالِ
بلادي لا تزالُ أسيرةَ الجرحِ،
تُصلبُ بين أوجاعِ الرجالِ
أريدُ رحيلتي فيها بوجهٍ،
يُبشّرُ أن صبحَ الحقّ آلي
فلا أمضي، وجرحُ الأرضِ باقٍ،
ولا حلمي بها صارَ المُحالِ
وكم حلمٍ صنعناهُ اشتياقًا،
تكسّرَ في جدارِ الإحتمالِ
فصرنا بينَ ماضينا أسارى،
وفي أوطانِنا نُنفى كِلالي
فيا قطارَ عمري، إن بقيتَ،
فأشعلْ من رجوعي بعضَ آلي
أعدني – لا أُريدُ سوى رجوعي –
فمنفايَ الطويلُ بلا مآلِ
وإن طالَ المسيرُ وشقَّ دربي،
فإنَّ اللهَ مقصودي ووالـي
هوَ الرحمنُ إن ضاقتْ يديّا،
يبُثُّ النورَ في قلبي الخَالي
سأمضي ما حييتُ على يقينٍ،
بأنّ الخيرَ يأتي بعدَ تَالِي
فما دامَ الرجاءُ يضيءُ صدري،
فلن يُطفئْهُ جرحُ الاغتِسالِ
إلهي، أنتَ أدرى بالمُنى، فامنحْ،
لقلبِ الغُرباءِ بعضَ الوصالِ