لا دولة مع سلاح خارجها… ولا أمن مع دمج ميليشيا مؤدلجة

الكاتب : د. ابو عبد الدليمي
—————————————
لا دولة مع سلاح خارجها… ولا أمن مع دمج ميليشيا مؤدلجة

بقلم: د. أبو عبد الدليمي

في خضم الدعوات المتكررة لحصر السلاح بيد الدولة العراقية، ترتفع أصوات تحاول خلط التضحيات بالواقع، ودم الشهداء بالمصالح الحزبية، فتُطرح مقولات مثل: “سلاح الشعب ضمانة لسيادة الدولة”، وكأننا نعيش في جمهورية شعارات لا في دولة قانون تسعى لبناء مؤسسات سيادية محترفة.

دعوني أقولها بوضوح:
لا دولة مع السلاح الموازي، ولا استقرار مع الميليشيا العقائدية، ولا مستقبل مع مشروع عابر للحدود.

الميليشيات لم تحمِ الدولة… بل عطّلتها

لا يمكن أن نقبل سردية أن من “دافع عن العراق” يجب أن يُمنح شرعية دائمة لحمل السلاح خارج إطار الدولة. فقد رأينا من استخدم ذلك السلاح لقصف مصفى بيجي، وكركوك، ورادارات الدفاع الجوي. تلك لم تكن معارك شرف، بل ضربات غادرة ضد البنية التحتية الوطنية، من أجل تبرير بقاء السلاح، وإضعاف هيبة الدولة، وإثبات أن العراق لا يمكنه أن يعيش دون الميليشيا.

“من يقصف رادارات دولته، لا يحمي سيادتها. ومن يستهدف مصافيها، لا يبني أمنها.”

الحشد… كيان مؤدلج لا يمكن دمجه

نعم، الحشد الشعبي تشكّل في لحظة طارئة، وشارك في المعركة ضد داعش، ولكن هذه الحقيقة لا تُغيّر من طبيعة تكوينه:
كيان عقائدي، يحمل ولاءً أيديولوجيًا خارج الدولة، وينتمي إلى مشروع عابر للحدود.

ولذلك فإن أي محاولة لدمجه داخل المؤسسة العسكرية أو الأمنية، كما يُروّج بعض السياسيين، هي جريمة استراتيجية بحق العراق، لأنها تعني زرع خلايا عقائدية داخل بنية يُفترض أن تكون وطنية ومحايدة ومهنية.

“المؤسسة الأمنية تُبنى على الولاء للدولة، لا للمرجعية، ولا للحزب، ولا للولي الفقيه.”

سلاح الخارج لا يبني الداخل

من يطلق الصواريخ من العراق باتجاه إسرائيل دون قرار من بغداد، لا يفعل ذلك من أجل فلسطين، بل من أجل فرض واقع جديد على الدولة العراقية، وتحويلها إلى ساحة مفتوحة لمشروع إقليمي خطير.
إن دمج الحشد في الجيش سيعني ببساطة نقل الصواريخ إلى الثكنات، والمليشيا إلى الوزارات، ولكن بعلم الدولة هذه المرة.

فهل هذا ما نريده؟ دولة تُدار بسلاحٍ لا تملكه فعليًا، بل تستضيفه على مضض؟

حصر السلاح لا يكفي… بل حلّ المليشيا بالكامل

ليس المطلوب فقط نزع السلاح من الميليشيات، بل المطلوب حلّ هذه الكيانات العقائدية بالكامل، وتجريم وجود أي تنظيم مسلح خارج القانون، مهما كانت خلفيته التاريخية، أو دوره السابق.

لقد انتهت المعركة مع داعش، ولكن معركة السيادة مستمرة.
ومن لا يؤمن بالدولة، لا يمكنه أن يكون جزءًا منها.

من باع القرار، لا يؤتمن على السلاح

المؤسف أن كثيرًا من قادة هذه الفصائل لا يُخفون ولاءهم لطهران، ويصرّحون علنًا بأنهم “جنود في جيش الولي الفقيه”، فكيف يمكن دمج من يرى العراق مجرد ساحة في صراع إقليمي؟ كيف نُدخل إلى الجيش من لا يعترف بمرجعيته الوطنية؟

“من حمل عقيدة خارج الحدود، سيُقاتل يومًا خارج إرادة الوطن.”

لا دولة مع المليشيا… ولا إصلاح دون محاسبة

الحل ليس في دمج الحشد، بل في تفكيكه.
ولن تُبنى دولة مدنية قوية إلا حين يُجرّم السلاح الموازي، وتُحاسب القيادات التي استهدفت الاقتصاد، والجيش، والسيادة، والشعب.

فليُفتح ملف:
• من أطلق الصواريخ على دول الجوار؟
• من قصف المنشآت الوطنية؟
• من اخترق القرار العراقي؟
• ومن حوّل العراق إلى رهينة للمشروع الإيراني؟

“لا كرامة لوطن يُدار بسلاح طائفي. ولا سيادة لدولة تعيش تحت عباءة ميليشيا.”

إن الدولة التي نخوض من أجلها المعركة اليوم ليست مجرد جغرافيا، بل مستقبل.
إما أن يكون العراق سيدًا على قراره، أو تابعًا بألف وجه.

بقلم: د. أبو عبد الدليمي
أكاديمي وباحث في شؤون الأمن والسيادة الوطنية