العراق في يوم 14 تموز (ح 11) (فنقبوا في البلاد)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
العراق بلد مرت على شعبه محن وابتلاءات نتيجة بطش حكامه والتمييز العنصري والطائفي والمناطقي والعشائري، قليل من دول العالم مر بها. جاء في مجمع البحرين للشيخ الطريحي: قوله تعالى: “فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ” (ق 36) أي طافوا وتباعدوا، ويقال نقبوا في البلاد: صاروا في نقوبها، أي في طرقها طلبا للهرب، والنقاب: الطريق. قوله: “وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا” (المائدة 12) نقيب القوم كالكفيل والضمين: ينقب عن الاسرار ومكنون الاضمار، وإنما قيل نقيب لأنه يعلم دخيلة أمر القوم ويعرف الطريق إلى معرفة أمورهم أي أمرنا موسى بأن يبعث من الأسباط الاثني عشر رجلا كالطلائع يتجسسون ويأتون بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين، واختار من كل سبط رجلا يكون لهم نقيبا. وفي الخبر (إن النبي كان قد جعل ليلة العقبة كل واحد من الجماعة الذين بايعوه نقيبا على قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الاسلام ويعرفونهم شرائطه) يعني رئيسا متقدما عليهم، وكانوا اثني عشر نقيبا كلهم من الأنصار، وكان سهل ابن حنيف من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان بدريا عقبيا أحديا وكان له خمس مناقب. ونقب ينقب نقابة مثل كتب يكتب كتابة. و النقابة بالكسر الاسم وبالفتح المصدر كالولاية والولاية. والمناقب: الفضائل. والمنقبة: المعجزة. و نقاب المرأة بالكسر، والجمع نقب ككتاب وكتب. وانتقبت وتنقبت: غطت وجهها بالنقاب. والنقيب: موضع قرب المدينة. و الناقبة في حديث الشجاج هي التي تنقب اللحم أو العظم أو هما معا. ونقبت الحائط نقبا: خرقته. ونقب الخف: خرق. و نقب البعير بالكسر: رقت أخفافه، ومنه ناقة نقباء.

تابع للحلقة السابقة: جاء في الموسوعة الحرة عن انقلاب 14 تموز أو ثورة 14 تموز: اتخذ عبد السلام عارف مجموعة من التدابير داخل اللواء العشرين لضمان نجاح الحركة، حيث أمر باعتقال قادة القطعات العسكرية التي ستشارك في الحملة وتعيين ضباط من تنظيم الضباط الوطنيين بدلاً منهم. كما أصدر عدة أوامر هامة، ومنها: تعيين العقيد عبد اللطيف الدراجي قائدًا للواء العشرين، ليتمكن عبد السلام عارف من قيادة العمليات وتحريك القطعات. تكليف الرائد بهجت سعيد بالتحرك إلى قصر نوري السعيد للقبض عليه. تكليف الكتيبة الثانية بقيادة المقدم عادل جلال بالسيطرة على وزارة الدفاع ومحاصرة معسكر الحرس الملكي. تعيين المقدم فاضل محمد علي قائدًا للكتيبة المدرعة الثالثة المكلفة بالسيطرة على الكرخ بالتعاون مع معسكر الوشاش. تكليف الرائد عبد الجواد حامد الجومرد بحصار قصر الرحاب في الحارثية. وبعد تنفيذ هذه المهام، توجه عبد السلام عارف بنفسه لإذاعة البيان الأول. نجحت الخطة المحكمة لعبد السلام عارف في إحكام السيطرة على بغداد، حيث ألقى بيان الثورة من مبنى الإذاعة. وبذلك، سقط النظام الملكي في العراق. وعندما بدأ التحرك، كانت الأمور تسير حسب المخطط، إلا أن تحرك اللواء أحمد حقي، الذي مر عبر الفلوجة، أدى إلى تنفيذ الخطة تنفيذًا غير متوقع. تولى العقيد الركن عبد السلام عارف قيادة القطعات بنجاح، مما أسهم في الإطاحة بالنظام الملكي. كتب رسالة لوالده يطلب فيها رضاه ودعاءه بالنصر أو أن يتقبله الله شهيدًا في حالة وفاته، ثم أذاع بنفسه البيان الأول للحركة في صباح 14 تموز 1958. في هذا الوقت، كان العميد الركن عبد الكريم قاسم يتابع سير العمليات من معسكر المنصورية في ديالى، وعندما علم باحتلال عبد السلام عارف لبغداد، لحِق به وسماع البيان عبر مذياع سيارته، مما أدى إلى انطلاق المظاهرات الشعبية في شوارع العاصمة تأييدًا للثورة.

ما بعد الثورة: ردود الأفعال العربية والدولية: كان وقع الحدث عربيا ودوليا كبيرا وبدرجات متفاوتة حسب مواقف هذه الدولة أو تلك، فتلقت الجمهورية العربية المتحدة النبأ كالصاعقة وبعث قادتها برقيات التأييد والدعم حتى أن عبد الناصر ألقى خطابا خاصاً أعلن فيه أن أي اعتداء على ثورة العراق يعتبر اعتداء على اتحاد (مصر وسوريا) كما أرسل الوفود الرسمية والشعبية لدعم الحركة بضمنها وفد الأحزاب الشعبية بعد أقل من أسبوع داعين ومرحبين لدخول العراق في الاتحاد العربي (الجمهورية العربية المتحدة)،. أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أصدرت أوامرها بإنزال قوات الأسطول السادس المتواجد في البحر المتوسط في لبنان للتأهب للدخول إلى بغداد وإعادة النظام الملكي بناء على إستراتيجية أميركية وضعت بشكل بيان سري وقعة الرئيس الأميركي ايزنهاور عام 1952 يتضمن ضرورة تطويق الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط بعدد من الدول الحليفة والحفاظ على منابع النفط ولو استلزم احتلالها أو إحراقها. أما الاتحاد السوفيتي فقد كان من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية الجديدة. أما بريطانيا التي تلقت صفعة كبيرة وهي التي خططت للهيمنة على العراق لفترة ثلاثمائة سنة من خلال تطوير علاقاتها التجارية والعسكرية وإرسال المبعوثين والتجار والجواسيس ودعم الثورة العربية الكبرى وغير ذلك، فكانت تعتبر العراق جزءًا من بقايا مستعمراتها أو الكومنولث، فقد كان وقع الخبر عليها كالصاعقة وباديء الأمر فقدت توازنها السياسي فقامت بإعلان إنذار لقطعاتها العسكرية في الخليج وخصوصا الكويت والبحرين وبإنزال قوات عسكرية أخرى في الأردن بغية التدخل لإعادة الأوضاع في العراق وحماية الأردن من عمل ثوري مشابه، ثم لاحقاً فضلت استخدام سياسة امتصاص الغضب والتخطيط الهادئ للحفاظ على مكانتها ومصالحها في العراق خصوصا النفطية، فاستناداً إلى مركز الوثائق البريطانية وُقّع على اتفاقية بموجبها تحافظ بريطانيا على مصالحها في العراق بضمنها استمرار عمل شركات النفط البريطانية. ثم اتفقت بريطانيا مع فرنسا وإسرائيل بلعب أدوار سياسية لتقويض الحركة فأخذت في تفتيت التحالف الثوري والوحدوي، فحرّكت ضدهم التيارات الدينية الإسلامية وأظهرت من خلال وسائل الإعلام الموالية لها الموجهة للتيارات الماركسية والشيوعية بأن اللعبة أمريكية وأدعت للوطنيين ارتباط الحركة بالخارج، وبالفعل بدأ الخلاف يبدأ بين أفراد الشعب العربي والعراقي خصوصا الذي انعكس على قادة الحركة المنتمين إلى تيارات مختلفة.

جاء في جريدة الحقيقة عن منجزات ثورة 14 تموز 1958 للكاتب عبد الخالق حسين: في السياسة الخارجية: 1 – لقد حررت ثورة 14 تموز 1958 سياسة العراق الخارجية من كل سلطان وتوجيه خارجي، وأصبحت لا تستهدف إلا مصلحة العراق ومصلحة العرب والحرية والسلام في العالم. 2 -الإنسحاب من الأحلاف العسكرية، وإقامة العلاقات المتوازنة مع التكتلات الإقليمية والدولية والأفرو-آسيوية. حيث تم الإنسحاب من حلف بغداد يوم 24 آذار 1959. وفي الحقيقة أعتبر الحلف ميتاً من أول يوم الثورة. أما تأخير الإعلان الرسمي فكان لأغراض سياسية وتكتيكية لصالح العراق، منها مثلاً، ضمان عدم تدخل دول الحلف ضد الثورة، وعلى الأخص بعد الإنزال الأمريكي في لبنان والبريطاني في الأردن بعد أيام من تفجير الثورة لوأدها والقضاء على الجمهورية الفتية. ولضمان اعتراف دول الحلف بحكومة الثورة وبالنظام الجمهوري في العراق. وعدم قطع العلاقة بدول الجوار. كذلك كتكتيك ذكي من الزعيم قاسم ورغبة حكومة الثورة استمرار الحصول على الأسلحة من الدول الغربية. حيث ذكر الزعيم في 20 آب 1958: ” إن المساعدات العسكرية الأمريكية ستصل في الإسبوع القادم، وإن مبدأنا أن نكون أصدقاء مع دول العالم لذلك لا يوجد سبب لرفضه”. كذلك إن تجميد نشاطات العراق في الحلف منذ اليوم الأول للثور، أعتبر بمثابة الإنسحاب منه، وعدم رغبة العراق في إثارة الحكومة البريطانية ضدها وخلق المشاكل السياسية والإقتصادية لها عن طريق شركات النفط والأرصدة العراقية هناك. 3 – ساهم العراق بدور فعال في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، والذي صار سلاحاً ماضياً لحماية حقوق الدول النفطية. 4 – توقيع معاهدة صداقة مع الإتحاد السوفيتي والدول الإشتراكية.

جاء في موقع الاتحاد الوطني الكردستاني عن 14 تموز انعطافة سياسية في تاريخ العراق: التمييز العرقي والطائفي: لو تأملنا ملياً لرأينا إن أغلب سياسات صدام حسين في التمييز العرقي والطائفي، هي امتداد لما كان يجري في العهد الملكي ببشاعة، وتشهد بذلك مذكرة الملك فيصل الأول نفسه يعترف في الفقرة الثالثة منها: “بأن العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسَسَة على أنقاض الحكم العثماني وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً.. وأكثرية شيعية منتسبة عنصرياً إلى نفس الحكومة. إلا إن الاضطهادات كانت تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الإشتراك في الحكم وعدم التمرن عليه والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي المنقسم إلى هذين المذهبين”. ويخاطب الملك النخبة السياسية قائلاً: “أخشى أن أتهم بالمبالغة، لكنه من واجبي أن لا أدع شيئاً يخامرني، خاصة لعلمي بأنه سوف لا يقرأ هذا إلا نفر قليل، ممن يعلمون وجائبهم ومسؤولياتهم. ولا أرغب أن أبرر موقف الأكثرية الجاهلة من الشيعة (كذا)، وأنقل ما سمعته ألوف المرات، وسمعه غيري من الذين يلقون في أذهان أولئك المساكين البسطاء من الأقوال التي تهيجهم، وتثير ضغائنهم، إن الضرائب على الشيعي، والموت على الشيعي، والمناصب للسني، ما الذي هو للشيعي؟ حتى أيامه الدينية لا اعتبار لها، ويضربون الأمثلة على ذلك، مما لا لزوم لذكرها”.

قانون الجنسية العراقية: كان قانون الجنسية العراقية الذي تم تشريعه في عام 1925 مجحفاً بحق الأغلبية الساحقة من الشيعة العرب والتركمان والأكراد الفيليين. لقد تناوبت على احتلال العراق دولتان عظميان في المنطقة آنذاك وهما: الدولة العثمانية التركية السنية والدولة الصفوية الفارسية الشيعية. وبذلك فكان الناس يحملون إما جنسية هذه الدولة المحتلة أو تلك. ولكن بعد إحتلال العراق من قبل الإنكليز خلال الحرب العالمية الأولى، وتأسيس الدولة العراقية كنتيجة لثورة العشرين، قررت النخبة الحاكمة اعتبار حملة الجنسية العثمانية (المحتلين الأتراك السابقين) هم عراقيون أصليون. علماً بأن أغلب هؤلاء كانوا من العراقيين يلجئون إلى الجنسية الإيرانية من أجل تجنب الخدمة العسكرية في الجيش التركي. لا بل تجاوز الأمر حملة الجنسية الفارسية، واستغل القانون ضد الشيعة من العرب والأكراد الفيلية والتركمان. وعلى هذا القانون اعتمد صدام حسين في تهجير نحو مليون عراقي بحجة التبعية الإيرانية وإسقاط الجنسية عنهم. ومن الجدير بالذكر أن النظام الملكي هو الذي دشَّن سياسة التهجير وإسقاط الجنسية عندما قام بتهجير الشيخ مهدي الخالصي وعائلته وأسقطتْ عنهم الجنسية بتهمة التبعية الإيرانية وهم عرب من قبيلة بني أسد العربية العريقة. كذلك نفي عدد من قيادة الحزب الشيوعي العراقي وحزب الإستقلال وأسقط عنهم الجنسية. فالتمييز الطائفي وإسقاط الجنسية كان علناً وصراحة في العهد الملكي خلافاً للدستور، ولو بشكل أخف مما في عهد صدام حسين غير القابل للمقارنة.