جماعة القربان والعلاهية وقرعة الموت: طقوس الغلو بين القداسة الزائفة والانتحار المقدّس

حسين شكران الأكوش العقيلي

 مدخل 

حين يتحول الإيمان إلى أداة للهيمنة، وتُستبدل العقيدة بالأسطورة، تظهر جماعات تتقن صناعة القداسة الزائفة، وتُلبس الموت ثوبًا من التضحية المضللة. جماعة (القربان) أو ما يُعرف بـ(العلاهية) ليست مجرد انحراف فكري، بل هي تجلٍّ مأساوي لخلل مركّب في الوعي الديني والاجتماعي، يستدعي تفكيكًا عميقًا وتحليلًا إصلاحيًا جريئًا.

 النشأة والهوية الغامضة

انبثقت هذه الجماعة من رحم الغموض، متخفية خلف شعارات شيعية، لكنها سرعان ما كشفت عن عقيدة غالية تُضفي صفات الألوهية على الإمام علي عليه السلام، في تجاوز صارخ لحدود التشيّع الأصيل. ويُعتقد أن مؤسسها، المعروف بلقب “(المولى) ، يحمل جذورًا صوفية باطنية، ويعتمد خطابًا رمزيًا مشحونًا بالأسطرة والتأويلات المنحرفة.

 طقس (قرعة الموت) : انتحار باسم القربان

من أبرز مظاهر الانحراف في هذه الجماعة ما يُعرف بـ(قرعة الموت) ، حيث يُختار أحد الأتباع ليكون (قربانًا بشريًا) ، يُضحى به عبر الانتحار أو القتل، بزعم التقرب إلى الذات المقدّسة التي يؤمنون بها. وقد سُجلت حالات مأساوية في محافظات جنوب العراق، راح ضحيتها شباب في مقتبل العمر، وسط صمت مجتمعي وذهول ديني.

 الموقف الديني والقانوني

أعلنت المرجعيات الدينية في النجف الأشرف رفضها القاطع لهذه الجماعة، ووصفتها بأنها منحرفة عن نهج أهل البيت عليهم السلام. كما باشرت الجهات الأمنية العراقية بإجراءات قانونية صارمة، شملت اعتقالات وتحقيقات موسعة، بعد توثيق جرائم قتل وانتحار مرتبطة بطقوس الجماعة.

 تحليل إصلاحي: بين الغلو والفراغ الروحي

إن جماعة القربان تمثل نموذجًا لانحرافات دينية تتغذى على الجهل، وتُوظف الدين كأداة للسيطرة النفسية. “قرعة الموت” ليست سوى تجسيد لسلطة رمزية مريضة، تُمارس باسم القداسة، وتُغلف الانتحار بغلاف التضحية. وهنا تبرز الحاجة إلى خطاب إصلاحي يعيد الاعتبار للعقيدة النقية، ويواجه الغلو بالوعي، ويُحصّن المجتمع من الانزلاق في متاهات الأسطرة.

 خاتمة: الحياة هي القربان الحقيقي

في زمن تتعدد فيه الأقنعة الدينية، وتُستغل الرموز لأغراض سلطوية، لا بد من تجديد الخطاب الديني، وتفعيل دور الفكر الإصلاحي، وتكريس ثقافة الحياة بدل ثقافة الموت. فالقربان الحقيقي ليس في الانتحار، بل في بذل الحياة من أجل العدالة، والكرامة، والحق.