صباح البغدادي
تابعتُ، عبر شاشات التلفزة، مهزلة خطاب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في الأمم المتحدة، ويا لعار الفضيحة! قاعة خاوية كقبر مهجور، لا مندوبين ولا قادة، والرئيس يهذي كمن يخاطب جثثاً لا عظماء العالم. شيخوخته تُثقل لسانه، يتعثر كالطفل في قراءة خطاب مكتوب، يتلعثم في كلمات معدة سلفاً، في مشهد يُجسد عجزاً مُذلاً لدولة تنهار. هذا ليس مجرد تقصير شخصي، بل وصمة عار على حكومة مُشلّعة، تُدار كدمية بيد مليشيات إيران، عاجزة عن إثبات وجودها إلا ككيان منبوذ في المحافل الدولية. وفيما يتضور العراقيون جوعاً، غارقين في فقر وانهيار الخدمات، يتفرغ جيش المستشارين المرافق للوفد لنهب متاجر مانهاتن الفاخرة، يجمعون العطور والملابس ومستحضرات التجميل كلصوصٍ محترفين، يدفعون فواتيرهم من خزينة دولة مفلسة عبر بنود “نثريات السفر” المفتوحة كخزائن علي بابا للرئاسات الثلاث. هؤلاء ليسوا مستشارين، بل عصابة تسرق كرامة شعب، تُمعن في استهتارها بمأساة العراقيين، وتُثبت أن “أبو الخرك” ليس مجرد مثل شعبي، بل لقبٌ رسمي لهذه النخبة الفاسدة التي تدفن العراق حياً في قبر العار الدولي.
في سياق الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة هو “قمة المستقبل” (Summit of the Future)، التي عُقدت يومي 22-23 سبتمبر 2025 في نيويورك، على هامش الجلسات الرئيسية للجمعية العامة. هذه القمة ركزت على قضايا عالمية مثل التنمية المستدامة، تغير المناخ، وحوكمة الأمم المتحدة، بحضور أكثر من 150 زعيماً عالمياً. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الدورة اجتماعات جانبية، مثل اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة دول عربية وإسلامية لبحث قضية غزة، والذي لم يُدعَ إليه الوفد العراقي!!؟.
النخلة الباسقة نادية مراد تُعري عجز العراق الدبلوماسي وفي قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تجمع أكثر من 150 زعيماً عالمياً في الدورة الـ80، ألقت الناجية اليزيدية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، نادية مراد، كلمةً أذهلت العالم بلغتها الإنجليزية المتقنة، حضورها المُلهم، وكاريزمتها التي هزت أروقة الأمم. هذه المرأة، النخلة الباسقة التي نجت من جحيم داعش، وقفت كصوتٍ حقيقي للعراق، مُجسدةً كرامة شعبٍ مُحطم. لكن، في مشهدٍ يُثير الغثيان، اختار الوفد العراقي، بقيادة الرئيس عبد اللطيف رشيد، أن يُلقي كلمةً باهتة، متعثرة، من رجلٍ منهك صحياً، يبدو كالمُكره على تمثيل بلدٍ يتآكله الفساد والتبعية. لماذا لم يُسند هذا الدور إلى نادية مراد، رمز العراق الأصيل، بدلاً من رئيسٍ يتلعثم في خطابٍ مكتوب؟ الإجابة تكمن في جيش المستشارين العاطلين، الذين لا يعرفون أبجديات الدبلوماسية، ويُفضلون التسوق في متاجر مانهاتن والتقاط الصور في فنادق فاخرة على حساب خزينة دولة مفلسة، تاركين العراق يغرق في عارٍ دولي.
نادية مراد صوت الكرامة في مواجهة عجز الوفد والتي نجت من العبودية والإبادة الجماعية على يد داعش، لم تكن مجرد متحدثة في الأمم المتحدة؛ بل كانت رمزاً للصمود العراقي. كلمتها، التي ألقتها في الثلاثاء 23 سبتمبر 2025، تناولت قضايا العدالة، حقوق الإنسان، وإعادة إعمار المجتمعات المنكوبة، بلغة إنجليزية فصيحة وحضورٍ كاريزمي أسر الحضور. هذه المرأة، التي حولت معاناتها إلى منارة أمل، كانت الأجدر بتمثيل العراق، بلد الحضارات، أمام العالم. لكن الوفد العراقي، بقيادة الرئيس رشيد، اختار تقديم مشهدٍ مخزٍ: خطابٌ متعثر، ألقاه رجلٌ مرهق، يبدو كمن يُساق إلى منصة الإعدام لا منصة الأمم. القاعة، التي كانت شبه خالية، عكست مدى الإحراج: لا أحد يصغي، ولا أحد يهتم، لأن العراق، تحت قيادة هذا الوفد، أصبح شبحاً بلا وزن. هذا العجز ليس صدفة؛ إنه نتيجة حتمية لنخبة سياسية فاسدة، تُدار كدمية بأيدي مليشيات إيران، ومستشارين لا يملكون سوى شهية للنهب. بدلاً من تسخير رمزٍ عالمي مثل نادية مراد لإعادة العراق إلى صدارة المحافل الدولية، ترك الوفد الرئيس المنهك يُعرّي هشاشة البلد، في خطابٍ تحول إلى مادة للسخرية بدلاً من الفخر. وجيش المستشارين: عصابة التسوق على حساب الشعب فيما كانت نادية مراد تُلهب مشاعر العالم بدعوتها للعدالة، كان جيش المستشارين المرافق للوفد العراقي – بقيادة فؤاد حسين وقاسم الأعرجي ولكمان الفيلي – منشغلاً بمهمة “دبلوماسية” أخرى: نهب متاجر مانهاتن الفاخرة. هؤلاء، الذين يُفترض أنهم حماة مصالح العراق، تحولوا إلى لصوصٍ محترفين، يجوبون مراكز التسوق القريبة من مقر الأمم المتحدة، يشترون العطور والملابس ومستحضرات التجميل، ويدفعون الفواتير من خزينة دولة تتضور شعبها جوعاً. هذه النفقات، الممولة عبر بنود “نثريات السفر” المفتوحة للرئاسات الثلاث، ليست مجرد إسراف؛ بل خيانة صارخة لشعبٍ يعاني انقطاعات الكهرباء، نقص المياه، ومستشفيات بلا أدوية. أي دبلوماسية هذه التي يقودها مستشارون لا يعرفون أبجديات العمل السياسي؟ همهم الوحيد التقاط الصور أمام ناطحات مانهاتن، والإقامة في فنادق خمس نجوم، بينما يتركون العراق يغرق في مستنقع الفساد والتبعية. لو كان لهؤلاء ذرة كفاءة، لأدركوا أن نادية مراد، بقوتها ورمزيتها، كانت القادرة على إعادة العراق إلى الواجهة، لا رئيسٌ متعب يُلقي خطاباً كالتلميذ المُرتبك أمام قاعة خاوية. والرفض الدولي: العراق خارج الحسابات خطاب نادية مراد لم يكن مجرد كلمات؛ بل كان صرخة شعبٍ مظلوم، لكن الوفد العراقي، بعجزه وفساده، حوله إلى فرصة ضائعة. بينما أصغى العالم لمراد، تجاهل الجميع خطاب الرئيس رشيد، في دليلٍ واضح على أن العراق أصبح “أبو الخرك” الحقيقي، كما يقول المثل الشعبي، منبوذاً خارج الحسابات الدولية. اجتماع ترامب مع قادة عرب ومسلمين حول غزة، دون دعوة العراق، كان صفعةً أخرى، تؤكد أن واشنطن ترى الحكومة العراقية كياناً بلا فائدة، مُسيطراً عليه بمليشيات إيران. هذا الإقصاء يعكس حقيقة مرة: العراق، تحت قيادة هذه النخبة الفاشلة، لم يعد بلداً ذا وزن، بل شبحاً يتسول الاعتراف في أروقة الأمم.
صرخة من الهاوية.. نادية بدلاً من أبو الخرك نادية مراد كانت الصوت الذي يستحقه العراق، لكن الوفد الرسمي، بمستشاريه اللصوص وأدائه البائس، اختار دفن كرامة البلد في قاعة خاوية ومتاجر مانهاتن. أي عار هذا؟ بلد الحضارات، الذي علّم العالم القراءة، يُمثله اليوم رئيسٌ منهك ومستشارون نهّابون، بينما رمزٌ عالمي كنادية مراد يُهمل. إن لم يستفق العراق من غيبوبة هذه النخبة الفاسدة، ويمنح صوته لأمثال نادية، فسيظل “أبو الخرك” الحقيقي، يترنح على حافة القبر، ينتظر أن تُهال عليه التراب بينما يُصفق العالم لأبطاله الحقيقيين. استيقظوا، أيها العراقيون، قبل أن يدفنكم عجز قادتكم أحياء!