البعد الأخر لصانع الحرب والسلام : المخلص المنتظر “ترامب” بين خطابه بالكنيست وشرم الشيخ وتأكيد عظمة الدور الأمريكي لتعزيز السلام بالقوة العسكرية؟

صباح البغدادي

غدآ الاثنين 13 ت1 2025 سوف تتجه أنظار مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية والغربية تغطية مباشرة لقمة دولية استثنائية في سياقها التاريخي تعقد في مدينة “شرم الشيخ” لوضع اللمسات النهائية والأخيرة على صياغة اتفاق يهدف إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة، وبحضور زعماء وقادة اهم دول العالم، ومن أبرز التحدّيات التي ينتظرها الجميع في خطاب “ترامب” المرتقب سواء في “الكنيست” أو في “شرم الشيخ ” حول فهم حقيقية وأسلوب الحياد الأمريكي المنصف؟ لان الساعات القادمة ستكشف مدى التزامه بوعده بالحياد بين “جميع الأطراف المتحاربة”، دون تفضيل لجهة على أخرى. مع ذلك، نستبعد أن يكون الحياد الأمريكي “منصفًا ونزيهًا وشفافًا”، نظرًا للتاريخ السياسي لـ”ترامب” الذي يُميل بشدة نحو إسرائيل، وكما يتّضح لنا سابقآ من رفضه الاعتراف بدولة فلسطينيّة ودعمه لتوسّع المستوطنات , وبما أننا قد تكلمنا عن الوعد الذي قطعه حول حيادتيه ونزاهته ؟ فهل سيقوم “ترامب” في خطابه المرتقب “الكنيست” بانتقاد علني وصريح لا لبس فيه أو تأويل حول أسلوب وطريقة معاملة الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات والسجون إسرائيلية , بعد أن نشرت وسائل الإعلام العبرية قبل ساعات وأظهرت مقاطع مصور متداول في وسائل إعلامهم , بتنكيل عناصر أمن إسرائيليين بأسرى فلسطينيين، ويظهر بوضوح شديد في الفيلم المصور مجموعة من الأسرى الفلسطينيين وهم مقيدو الأيدي إلى الخلف، ويجبرون على المشي في طابور معصوبي الأعين، ورؤوسهم منحنية نحو الأسفل، في حين يحيط بهم جنود وعناصر من الشرطة الإسرائيلية. وفي معرض وصفه للفيديو، قال “مكتب إعلام الأسرى الفلسطيني” بإنه يوثق مشهدا مؤلما يظهر تنكيل الاحتلال بوحشية بأسرى من المقرر الإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل . وكتب كذلك مدير نادي الأسير الفلسطيني السيد “أمجد النجار” على حسابه بموقع فيسبوك :” أن ترجمة الفيديو تشير إلى أنهم من ذوي الأحكام المؤبدة ويجري نقلهم إلى سجن النقب تمهيدا لإبعادهم إلى غزة ضمن الصفقة”. ولذلك نحن بدورنا نستلهم من هذا الاجراء العقابي التعسفي غير المبرر ؟ فماذا لو كانوا هؤلاء الأسرى لدى مقاتلين حركة حماس , وقد سربت لهم الصور فماذا سيكون موقف “ترامب” الشخصي ؟ فهل سوف يتجاهل هذا الفعل في خطابه المرتقب يوم غدا الاثنين ؟ وكذلك كيف سيكون ردت فعل كافة وسائل الإعلام اليمين المتطرف العبرية والغربية !؟ لذا على المتحدثين من رؤساء وملوك الدول العربية غدآ ستكون على عاتقهم مسؤولية أخلاقية وأن يبادروا الى عرض مثل تلك الانتهاكات غير الأخلاقية التي يتعرض لها الأسير الفلسطيني ويتم انتقادها بأشد العبارات والجمل ! ولكن مع الأسف نستبعد هذا الفعل من حكام ورؤساء وملوك ! همهم الوحيد أن تظهر صورهم مع الرئيس “ترامب” مبتسمين أكثر من أن يظهروا امام شعوبهم بأنهم لديهم الجرأة لانتقاد بشدة مثل تلك الأفعال؟.

“ترامب” بدوره سوف يسعى حثيثا وسيستغل هذه الفرصة المثالية لمحاولة تعزيز إعادة رسم صورته ليصبح مرآة للإرث الشخصي كـ”صانع سلام” والذي طالب علنًا مرارا وتكرارا بجائزة نوبل للسلام ,ولكن قد ذهبت الى غيره , ومع هذا فهو لن ولم يستسلم وينتظرها في السنة القادمة باحر من الجمر ووسط توقعاتنا كذلك بأن يزور الأسرى الإسرائيليين الذين أُفرج عنهم حديثًا في المستشفيات او في أماكن تواجدهم ومع كل ذلك، فإن هذا الاتفاق ما يزال يثير الكثير من التكهنات والتساؤلات حول مدى وفعالية وصدقية الحياد الأمريكي . فمن جهة أبدى “ترامب” دعمًا غير محدود بمدة وقويًا لإسرائيل، ومحذّرًا في الوقت نفسه حركة “حماس” من “عواقب وخيمة” وإجراءات عقابية إذا لم تلتزم بالاتفاق ، وبينما أكد على “التوازن” بين الجانبين. وفي تصريحاته، قال إن الاتفاق “لا يُفضّل جهة على أخرى”، لكنه رفض الضغط على إسرائيل لوقف القصف الكامل، معتبرًا ذلك “مكافأة للإرهاب” وأن هذا النهج يعكس سياسة ترامب التقليدية، التي تُفضّل إسرائيل، وكما حدث في اتفاقيات أبراهام خلال ولايته الأولى، مما يُثير شكوكًا حول “الحياد المنصف والشفاف” الذي وعد به ؟.

خطاب الرئيس ترامب سوف يفرق في صياغته وديباجته ومن حيث شدة عباراته وجمله بين قاعتين “الكنيست” و”شرم الشيخ” فالأول قد يبدأ بخطاب عاطفي جياش ويستدعي معها الذكريات التوراتية والتاريخية، وقد يكون مستلهمًا فيه من خطابه في وادي الجحيم عام 2017، حيث قال في حينها بأن : “إسرائيل هي نور للعالم”، ويربطها بدوره بالذكرى اليهودية لـ”سِمْحَةْ تُورَاهْ” (عيد التوراة المبهج، الذي سوف يبدأ غدآ مساء الاثنين، أما من الناحية الاستشراقية، وهذا ما سوف يعكس معه فهمًا مغايرآ وعميقًا للثقافة اليهودية-الإسرائيلية، من حيث سعيه وليُقدّم ترامب نفسه كـ”صديق أبدي” (كما وصفه رئيس الكنيست أمير أوهانا في الدعوة الرسمية)، ومشيرًا إلى إرث سابق له وفي إنجازاته وعلى سبيل المثال وليس الحصر : قراره بنقل السفارة الامريكية إلى القدس واتفاقيات توقيع أبراهام. ومع هذا الافتتاح الذي سيُمهد لتبرير “السلام من خلال القوة العسكرية والغطرسة الامريكية ”، ومحذرًا من “الأعداء الذين يختبئون في الأنفاق” (في إشارة منه إلى مقاتلين حركة حماس)، وليُعزز الشعور بالفهم وبالأمان لدى الجمهور الإسرائيلي. وفي خطابه المرتقب قد يُكرر عبارات مثل “أنا الوحيد الذي يمكنه فعل ذلك”، وليُبرز دوره الشخصي الفعال والحيوي بمقابل “فشل الإدارات الامريكية السابقة” ( وهي كذلك ستكون إشارة ضمنية إلى الرئيس السابق بايدن واوباما ، وعلى الرغم من تجنب الأسماء للحفاظ على اللغة الدبلوماسية التي نعتقدها نحن بانه يتجاوزها ولا يعير اليها أي أهمية تذكر) وقد يُدمج سردًا عن “معاناة الأسرى” وهذا هو المتوقع أكثر من غيره من ما سوف يأتي في الخطاب ومستلهمًا من الروايات التوراتية عن الخروج من مصر، ليُعزز روابط العاطفية مع الجمهور الإسرائيلي والذي سوف يرونه أنه هو المخلص المنتظر والموعد وليس رئيس وزرائهم نتنياهو . وختام خطابه والذي سوف يتخللها التصفيق المتقطع الطويل المفتعل بصورة اكيدة غير قابلة للتأويل والجدل والوقوف أعضاء الكنيست والذي سينتهي بـ استعارة عبارة و”بركة” مزدوجة: “الله يبارك إسرائيل، الله يبارك أمريكا”، وكما حدث في بياناته المشتركة مع”نتنياهو” في 29 أيلول 2025. وهذا الختام لن يكون مجرد إغلاق، بل دعوة لـ”سلام أبدي” يمتد إلى إيران والتي ان حاولت الى إعادة برنامجها النووي فانه سوف يقصفه مرة ثانية لذا ستكون له دعوة مباشرة الى طهران لغرض الانخراط في محادثات السلام الجدية مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وعودتها الى المجتمع الدولي وكذلك سوريا ولبنان ولا نعتقد بان العراق سيكون من ضمن أولوياته او حتى الحديث عنه فاذا ذكر سيكون بالسلب وليس بالإيجاب كما حدث في مناسبات سابقة اثناء تعليقه حول أسئلة الصحفيين في البيت الأبيض ، صحيح بان الخطاب قد يثير معه جدلاً داخليًا في الكنيست، حيث من المتوقع جدا وهذا ما نراه قادم ومن خلال تصفيقًا حادا وحتى مبالغ فيه من اليمين (بقيادة نتنياهو) وتوترًا من جهة اليسار (مثل المعارض الحكومي يائير لابيد، الذي رحّب بالصفقة ولكنه يطالب بالوقت نفسه بالمزيد من إجراءات الشفافية والوضوح بتطبيقها فعليا على ارض الواقع ومن دون أي معوقات او ذرائع قد تظهر على سطح الأحداث من قبل أعضاء حكومة اليمين المتطرف).

وكما هو مرجح لنا أو على الا ما نتوقعه شخصيا ومن خلال متابعتنا السابقة عن كثب في أن يُعزز خطاب الرئيس ترامب ويركز بصورة أكثر على رؤيته الاستراتيجية المستقبلية لتعزيز الوحدة الإبراهيمية، ومؤكدًا التزامه التام بالعمل وتوسيع إطار “الديانة الإبراهيمية الجديدة” و إطار دبلوماسي جامع يجمع الأمم تحت مظلة السلام والتعاون. وسيُشدد على أن هذا المشروع يمهد الطريق لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول إقليمية إضافية، ومعلنًا التزامه الشخصي بتسريع وتيرة هذه العملية مستغلا اتفاق السلام ــ والتي نعتبرها هدنة مؤقته لوقف الحرب لان الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت وبعد إصدار وإصرار تام من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي بان يتم تدمير كافة انفاق حماس في قطاع غزة ــ وحتى قبل انتهاء ولايته الثانية في يناير 2029. ومن خلال هذا النهج، يسعى ترامب إلى ترسيخ إرثه كمهندس وصانع للسلام والازدهار العالميين، مُبرزًا دوره كقائد يُعيد تشكيل التحالفات الدولية لتعزيز الاستقرار، بعيدًا عن إرث الصراعات، وذلك في إطار رؤية استراتيجية تُعزز مكانة أمريكا كوسيط محوري في الشرق الأوسط وخارجه.

وسائل الاعلام الإسرائيلية والغربية سوف تتحين أقرب فرصة لغرض إبراز ومن خلال العمل بكل وسائلها المتاحة لغرض الفوز بمقابلات شخصية مع هؤلاء الأسرى، والذين نعتقد بأنهم نجوا من ظروف قاسية وصعبة في مدينة متروا الأنفاق تحت قطاع غزة وطوال ما يقارب من 742 يومآ ، وسيُمنحون فرصة لرواية قصص معاناتهم أمام وسائل الإعلام العبرية والعالمية، ولكن الأهم والمهم من أن الصحفيين يجب أن يكونوا منصفين و حياديين و تزيين من نقل الأحاديث الأسري والعلاقات الاجتماعية التي تطورت مع مقاتلي حماس طوال فترة الأسر والذين كانوا دون شك يتقاسمون معهم رغيف الخبز وعلى قلته وكذلك المحافظة على حياتهم الشخصية أكثر من أنفس وحياة مقاتلي حركة حماس الشخصية وبالأخص الاستهداف المتكررة التي كانت يتم قصف أماكن تواجدهم من قبل الجيش الإسرائيلي سواء بتعمد أو دون سابق معرفة ؟ وهذه الخطوة نتمنى على أن لا يتم استغلالها , ولكن يُرجّح لنا بأن تُستغل قصص معاناة الاسرى في المستقبل ومن قبل صحافة اليمين الأمريكي ووسائل الإعلام ولتعزيز صورة “ترامب” كوسيط مثابر وناجح وصانع للسلام وبالتالي مما يعزز من حظوظه الشخصية للسنة القادمة لنيل جائزة نوبل للسلام .
فإذا نجحت هذه الزيارة التاريخية في تعزيز بنود وتطبيق الاتفاق حرفيا من دون أن تكون هناك أي عوائق ، فقد تُمثّل معه بداية حقيقية وموعده لسلام دائم بالمنطقة وأمّا إذا فشلت في معالجة الشكاوى الفلسطينيّة، فقد تُعيد إشعال التوترات من جديد ولان هذه الزيارة التاريخية بنظرنا ستكون دون شك اختبارًا حقيقيًا لدبلوماسيّته، من حيث تترقّب العيون وتتجه أنظار العالم عن كيفية سيُطبّق وعده بالسلام العادل والمنصف والشامل ، وسط آمال بأن تُنهي سنوات من القتل والخراب والدمار إلى غير رجعة ؟.