حين يبكي الشيخ… وتنهزم الدولة

حسن درباش العامري

اليوم صادفني مقطع مؤلم لرجل كبير، شيخ بملامح تعب العراق كلّه، يناشد السيد السيستاني دامت أنفاسه وظلّه من أجل الحصول على قطعة أرض سكنية.بعد ان ذاق مرارات الايجار والسكن في العشوائيات والتجاوزات فهدر قطرة تكاد تسقط من جبينه وهو يداريها ،

لستُ هنا بصدد تقييم المقطع، ولا انتقاد الرجل الذي هدّد بالانتحار إن لم يحصل على ما يسدّ رمقه ويستر عيالة ! في وطن يوصف بأنه من أغنى دول العالم. المؤلم فعلًا هو مؤشرات اليأس التي ترتسم على وجه هذا الشيخ العراقي الكريم والذي ربما يكون من سلالة حمورابي او نبوخذنصر الذي حكم العالم ، وكأن العمر كلّه انقضى بحثًا عن كفّ ترحّم وحقّ بسيط في العيش.

العراق الذي تمتلك ميزانياته ما يكفي لجعل شعبه من أغنى شعوب الأرض،

العراق الذي تكفي عوائده النفطية وحدها لرفع الفقر عن كل بيت خلال سنوات معدودة،

العراق الذي تستطيع واردات دوائره المدنية— من المرور إلى الضرائب إلى الأمانة إلى المنتجات النفطية الى المطارات والمنافذ الحدوديه وغيرها — أن تغطي رواتب دولة كاملة بلا أن تتعب.

لكن يبقى السؤال الذي لا يريد البعض سماعه:

أين تذهب كل تلك الأموال الطائلة؟

قد يعتبره البعض سؤالًا ساذجًا أو “غبيًا”، لكن الحقيقة أنّ العراقيين جميعًا يعرفون الجواب… ويعرفون أين تُهدر، وكيف تُنهب، ولصالح من تُهرّب.وكل تلك الاسئلة سنجد جوابها يوما ، لكن المرارة ليست في الجواب؛ المرارة في أننا جميعًا حلمنا يومًا بزوال الطاغية، حلمنا أن نتحرر من الظلم والجور والاضطهاد، فإذا بنا نقف اليوم أمام ظلمٍ يلبس لونًا مختلفًا… فنصمت!

هل لأن العنوان تغيّر؟ هل لأن الظالم أصبح من “أهلنا” فصار ظلمُه مقبولًا؟ ولكن الظلم ظلم من اين ما جاء

لقد وعدونا بالحرية…

وبالرفاهية…

وبالحياة السعيدة…

وبعصر الديمقراطية…

وبأن التغيير كل أربع سنوات يكفي لخلق نهضةٍ لا تتوقف.

فإذا بنا أمام مجلس نواب لا يشبه إلا نفسه،

ورئيس مجلس نواب، ونواب للرئيس، ورئيس جمهورية، ورئيس وزراء،

حتى أصبح أصغر عامل رئيسًا لمجرد أنّه يُنسب لحزب أو تيار أو تحالف!

كل حكومة تأتي… يحمل رئيسها سجلّ المفردات ويبتسم وهو يقرأ برنامجه الجديد.

يحلف، ويقسم، ويتعهّد بأن يجعل الابتسامة لا تفارق وجوه الأطفال، والرضا يسكن قلوب العجائز، والأمل يضيء عيون الشباب، وصورة الفارس على جواده الأبيض تسكن خيال الشابات.

سنقضي على الفساد!

فيهلّل النواب، ويبتهج الشعب،وترتفع الهلاهل  ونتخيّل القائد المغوار يقتحم قلاع الفاسدين… فطالما وعدنا بأنه سيضرب بيد من حديد!

لكن القلاع تبقى كما هي، والقائد يختفي خلف دخان الوعود.

سنرفع المستوى المعاشي!

لكن بأي مستوى؟ وكيف؟

فإذا بالمستوى يسقط من يدية ليهبط دون مستواه الأول!

سنقضي على البطالة!

فيقف الشباب في طوابير تتقاطع مع خطوط اليأس.

وسنحلّ أزمة السكن!

وإذا بالشعب ينام في العراء، على الحواسم،او في العشوائيات التي طال بقائها ولم نجد لها حلا  أو بجانب الحاويات، بين حرّ الصيف وزمهرير الشتاء.

ويبقى الشيخ واقفًا… يناشد… ويتوسّل…

في وطنٍ قيل لنا إنه سيكون جنة الأرض.

فإلى متى يظل العراقي يصرخ، ولا يسمع صوته أحد؟

وإلى متى تبقى الوعود حبرًا على ورق، بينما يتحوّل الشعب إلى مجرد رقم في سجلات الفقر؟

الكاتب والخبير السياسي

حسن درباش العامري