من هم المدنيون ؟
قلم ( كامل سلمان )
مصطلح المدنيون ظهر كنقيض للإسلاميين أو الإسلام السياسي بعد موجة التغيير التي اجتاحت العراق والمنطقة بفعل إسقاط نظام صدام حسين ، هذا المصطلح لم يكن مناسباً للواقع الجديد لأنه لا يوجد مصطلح المدني في القاموس السياسي فنحن البشر مدنيون بطباعنا ولسنا وحوشاً أو برابرة وإنما القصد من لفظة المدني جاءت كهوية تعريفية للناشط الذي يطالب ببناء الدولة المدنية العصرية التي تؤمن بسلطة الدستور وهي أيضاً تسمى الدولة العلمانية لأنها تعتمد العلم في بناءها وتفصل المعتقدات عن الدولة ولا تؤمن بالنظام الشمولي ولا بالنظام الديني ولا بالنظام الدكتاتوري ولا بكل الأنظمة القهرية لأن مثل هذه الأنظمة تكون فيها سلطة القائد أو الرمز فوق سلطة الدستور والقانون بينما في الدولة العلمانية فأن الدستور والقانون فوق الجميع . ومفردة العِلماني ( بكسر حرف العين ) تعني ذلك الإنسان الذي يؤمن بنظام الحكم الدستوري العلماني وهذه المفردة لا تشبه مفردة العَلماني ( بوضع الفتحة على حرف العين ) والتي تعني الدنيوي الذي لا يؤمن بالله ، أصل كلمة عِلماني مأخوذة من العِلم أو المعرفة وهي مفردة محمودة دينياً وأخلاقياً وعقلياً وكلمة العلم مذكورة في القرآن مدحاً لا ذماً ، مفردة المدني التي يستخدمها العلمانيون هي مفردة محاباة للجمهور الذي يتخوف من شبح أسمه العلماني لأن الجمهور تشبعت عقليته بأن العلماني يعني الكافر والحقيقة العلماني تعني الإعتقاد بالدولة المدنية الدستورية التي تنصف الجميع بغض النظر عن عقائدهم ودياناتهم وأعراقهم ، فعندما يعلن العلماني نفسه بأنه مدني ويهرب من مصطلح العلماني صراحة فهذه هزيمة أمام الواقع . يجب على المدنيين إعلان أنفسهم بوضوح ومطالبة جميع القوى السياسية والأحزاب توضيح موقفهم من الدولة المدنية الدستورية لكي يكون المواطن على دراية إلى أين يذهب البلد لأن المواطن يسعى لدولة مدنية دستورية لكنه أختلطت عليه المفاهيم فأصبح يفهم المدنية هي التمرد على الدين وهذه الفكرة زرعتها الأحزاب الدينية في ذهن المواطن ، خلط الأفكار هي مشكلة المواطن التي استغلتها الأحزاب الدينية . فعندما تعلن أحدى الأحزاب السياسية الدينية بأن هدفها إقامة دولة القانون فأنها تقصد إقامة الدولة العلمانية إن كان هدفها فعلاً دولة القانون لكنهم يريدونها دولة القانون وليست الدولة العلمانية وهذه أشبه ما تكون بالنكتة ، فكيف تبني دولة القانون في دولة ليست مدنية دستورية . هذه المشكلة قائمة منذ عام 2003 م ولحد الأن والمدنيون عاجزون عن حل هذا اللغز وإيصال الفكرة الصحيحة للمواطن فيتخبطون في الطرح الإعلامي فمرة يتهجمون على العمامة الدينية وينسبون لها تجهيل الناس ومرة يسيئون للدين بأنه العائق لتطلعاتهم ومرة يتهمون الأحزاب الدينية بالخيانة وبيع الوطن ولا يدرون بأن هدفهم يجب أن يكون مع المواطن حصراً فهدفهم هو بالأساس نفس هدف المواطن لكن بشكل غير واضح وغير مفهوم ولا يريدون الاعتراف بأنهم لا يعرفون طريق الالتقاء سوية مع المواطن وكلاهما لهما نفس التطلع . أستطيع القول بأن المدنيين وأنا غير مقتنع بهذا المصطلح لم يكونوا موفقين طوال السنين الماضية في نقل رسالتهم الحضارية للجمهور بسبب ضعف خبرتهم وبسبب الخوف من السلاح الذي بيد الإسلاميين وبسبب عدم الأخذ بنظر الاعتبار وجهة نظر المواطن ، فالمواطن لحد اللحظة يصدق بأن الأحزاب الدينية الإسلامية تمثل دينه ومعتقده الذي تربى عليه منذ أن فتح عينيه على الدنيا . المواطن في قرارة نفسه يرغب بدولة مدنية لكنه يعتقد يقيناً بأن الإسلاميين قادرين على توفير مقومات هذه الدولة ، فهو يجهل بأن الأحزاب الدينية هي أحزاب تحمل أفكاراً شمولية تتقاطع مع الدولة المدنية فهو لم يفهمها ولم يفهم دعاتها لأنه أضاع البوصلة إضافة إلى وجود من يشوش عليه المفاهيم عن عمد . المواطن يريد أن يعيش نفس الحياة التي يعيشها المواطن الألماني والإيطالي والأمريكي وغيرهم ولا يعرف بأن هؤلاء أختاروا الدولة المدنية العلمانية للعيش . لو حاول أي حزب ديني أو شمولي طرح نفسه في انتخابات أحدى الدول المتطورة ديمقراطياً لخرج مخذولاً لأن المواطن هناك عنده الوعي التام لمفهوم الدولة المدنية وما يحدث عندنا مناقض لما هو صحيح والسبب هو جهل المواطن لكيفية بناء الدولة وهذا ما يتحمل مسؤوليته ضعف إداء العلمانين . من المعيب في دولة يفترض أن دستورها مدني علماني يفشل فيه العلمانيون في كسب صوت المواطن رغم التلاعب والخوف والحيلة التي تمارسها الأحزاب الدينية . فهذه كلها إشارات بأن الناس معزولين عن المفاهيم ومعزولين عن الحضارة الإنسانية فكرياً ومعلوماتياً ودليل واضح على أن الناس لم يعدوا يميّزوا بين تطلعاتهم المدنية و ولاءاتهم للدين وللطائفة والعشيرة فقد تلخبطت الأفكار والمفاهيم حتى أن مفهوم الوطن أصبح عند غالبية الناس هو ذلك الجزء الموجود في ضمائرهم يتحسسونه عند سماع النشيد الوطني في المناسبات الرياضية وخاصة كرة القدم . نحن أحوج ما نكون إلى نشر ثقافة الحياة المدنية الدستورية وثقافة القانون لأننا جزء من المجتمع البشري الذي يسارع الخطى نحو تعزيز دور المواطن في بناء الدولة فلا عذر لأي مثقف في التنصل عن أهمية دوره في هذه المهمة فالعار سيلاحقه بسبب خذلانه وضعف عزيمته ، وأخيراً وللتذكير جميع دول العالم المتقدم لم تعد تستخدم هذه المصطلحات التي تشغل بال مثقفينا ليل نهار ك( الدولة العلمانية والمدنية والقانونية والدستورية ) وإنما مصطلح الأنظمة الليبرالية ( التحررية ) هي الأكثر تداولاً في التعبير عن طبيعة حياة المجتمعات المتقدمة في جميع المجالات وقد كان لنصب الحرية المقام في مدخل مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يسمى ايضاً بنصب الليبرالية أو ما يسمى بالإنكليزية( Statue of Liberty) . هذا التمثال أصبح الرمز الحقيقي لليبرالية لجميع دول العالم الحر .
من هم المدنيون ؟