غزو أمريكي لفنزويلا والدوافع الحقيقية للتصعيد بين الواجهة العلنية والمخفية ؟ فهل يمكن أن تكون”العراق الجديد”؟

صباح البغدادي

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم السبت 29 ت2 إنه ينبغي اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا وبالقرب منها مغلقا، وسط تصاعد المواجهة مع رئيسها اليساري نيكولاس مادورو وكتب ترامب في منشور على منصة تروث سوشيال “إلى جميع شركات الطيران والطيارين وتجار المخدرات ومهربي البشر، فلتأخذوا في الاعتبار أنه سيتم إغلاق المجال الجوي فوق فنزويلا ومحيطها بالكامل” وبالفعل بعد ساعات قليلة تبين بان المجال الجوي قد اخلي من قبل شركات الطيران العالمية بعد إلغاء الرحلات المسافرين لتجنب المجال الجوي وفي هذا السياق سنبدأ بتحليل بعض الشيء حول السيناريو المحتمل للغزو على وقع ما تم معايشته لحظة بلحظة أثناء غزو العراق واحتلاله وما نتج عنها من فوضى القتل والفساد ولغاية الآن وبمقارنة أوجه الشبه والاختلافات، ثم أقيم إمكانية الغزو، وأخيرًا أتنبأ بالسيناريوهات المستقبلية مع التركيز على المخاطر مثل الفساد والتكالب على السلطة، كما حدث في العراق. التحليل يعتمد على مبادئ الاستراتيجية الدولية (مثل نظرية “الضغط الأقصى” لترامب ودروس “الغزوات الفاشلة” من العراق وأفغانستان).1. أوجه الشبه بين الحالتين: حجج التدخل ودروس التاريخ ولان هناك تقارب ملحوظ بين الحالتين، خاصة في كيفية استخدام الولايات المتحدة للحجج الأخلاقية والأمنية لتبرير التدخل وحسب هذا الجدول

الجانبالعراق (2003)فنزويلا (2025)
النظام الحاكمدكتاتوري (صدام حسين)، قمعي، اتهامات بجرائم ضد الإنسانية.دكتاتوري (نيكولاس مادورو)، قمعي، اتهامات بتزوير الانتخابات (2024) وانتهاكات حقوقية (827 سجين سياسي حتى سبتمبر 2025).
الحجة الأمنيةأسلحة دمار شامل (كيميائية/بيولوجية)، ربط بالإرهاب بعد 11 سبتمبر.تهريب المخدرات (“كارتل الشمس” التابع للجيش)، تصنيف مادورو كـ”إرهابي” (مكافأة 50 مليون دولار له)، ربط بـ”ترين دي أراگوا” كتهديد أمني أمريكي.
الأزمة الاقتصاديةعقوبات أممية بعد حرب الخليج (1991)، أدت إلى كارثة إنسانية.عقوبات أمريكية منذ 2017، أدت إلى انهيار اقتصادي (هجرة 7 ملايين، تضخم هائل).
الدعم الإقليميمعارضة داخلية (أحمد الجلبي) وزمرة المعارضة ، ودعم من دول خليجية.معارضة قوية (ماريا كورينا ماتشادو، فائزة حقيقية في 2024)، لكن معزولة إقليميًا بسبب سياسات ترامب.
الدافع الجيوسياسينفط (احتياطيات هائلة)، مواجهة إيران.نفط (أكبر احتياطيات في العالم)، مواجهة روسيا/إيران/الصين (دعم عسكري لمادورو).

والتشابه الرئيسي في كلا الحالتين، تستخدم الولايات المتحدة “التهديد الأمني” كغطاء لتغيير النظام . في العراق، كانت الأسلحة الوهمية مبررًا؛ في فنزويلا، أصبح تهريب المخدرات “الأسلحة الجديدة”، كما يصفها محللون مثل ستيفن كينزر (مقارنة بغزو بنما 1989 لاعتقال نورييغا بتهمة المخدرات). هذا يعكس نمطًا استراتيجيًا أمريكيًا: “الضغط الأقصى” لإجبار النظام على الانهيار، مع تجاهل التبعات الإنسانية.

ولكن الاختلافات حاسمة: فنزويلا ليست في قلب الشرق الأوسط، بل في الفناء الخلفي الأمريكي (مبدأ مونرو). العراق كان جزءًا من “الحرب على الإرهاب” بعد 9/11، بينما فنزويلا ترتبط بـ”الحرب على المخدرات”، وهي أقل إجماعًا داخليًا في الولايات المتحدة (ترامب يعد بـ”لا حروب أبدًا”، لكنه يصعد عسكريًا). كذلك، العراق كان مدمرًا عسكريًا بعد حروب سابقة؛ فنزويلا لديها جيش ضعيف (125 ألف جندي، معدات متآكلة) لكن ميلشييات “كولي كتيفوس” (100 ألف مقاتل) ودعم روسي/إيراني يجعل الاحتلال أكثر تعقيدًا.

وعلى الرغم من أن الإجابة هي لا غزو بري كامل وغير محتمل على المدى القريب، لكن التصعيد قائم ويحمل مخاطر التصرف غير المتحكم فيه فمنذ يناير 2025، أرسل ترامب أسطولًا بحريًا هائلًا إلى الكاريبي (حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد فورد، 15 ألف جندي، غواصات نووية) تحت غطاء “عملية جنوبية الرمح” لمكافحة المخدرات. نفذت الولايات المتحدة 21 ضربة جوية على قوارب مشتبهة (قتل 83 شخصًا)، وتصنيف الحكومة الفنزويلية كـ”منظمة إرهابية أجنبية” يوم 24 نوفمبر. وزير الدفاع بيت هيغسيث أمر بـ”قتل الجميع” في إحدى الضربات، مما أثار اتهامات بجرائم حرب من الديمقراطيين في الكونغرس. ترامب أغلق المجال الجوي الفنزويلي جزئيًا، ويضغط لإطلاق سراح معارضين أمريكيين مقابل تخفيف العقوبات، لكن الخطاب الرسمي يركز على “الضربات المستهدفة” لا الغزو. والرئيس مادورو حشد 4 ملايين من “الميليشيا البوليفارية” و200 ألف جندي، وأعلن “حرب شعبية” مع تدريبات على “المقاومة المطولة” (غوريلا في الجبال والأمازون). يدعم إيران (إعلان دعم كامل في سبتمبر) وروسيا (أسلحة ومستشارين)، مما يرفع تكلفة أي تدخل. الخبراء يقولون إن القوات الأمريكية الحالية (10 سفن، 15 ألف جندي) غير كافية لغزو بري (فنزويلا أكبر من تكساس، مع تضاريس صعبة). يمكن ضربات جوية سريعة لإسقاط النظام، لكن الاحتلال يتطلب 100-200 ألف جندي، ويواجه مقاومة من ميليشيات وكولومبيين مدعومين من مادورو. الولايات المتحدة تفضل “التغيير من الداخل” (تشجيع انقلاب عسكري) أو اعتقال مادورو كـ”نورييغا جديد”.

وعلى الرغم من ان الدعم الدولي فيه رسالة واضحة لترامب بانه لا إجماع إقليمي؛ البرازيل وكولومبيا يعارضان الغزو، خوفًا من هجرة جديدة (7 ملايين مهاجر بالفعل). الأمم المتحدة ناقشت التصعيد في أكتوبر، ووصفته بـ”دبلوماسية السفن الحربية”

والسيناريوهات الاستباقية لتكرار سيناريو العراق؟بناءً على نماذج استراتيجية مثل “نظرية الفوضى بعد الغزو” (من دراسات العراق)، إليك ثلاث سيناريوهات محتملة بنسب احتمالية تقريبية (بناءً على تحليلات من Crisis Group وCSIS):

  • سيناريو 1: الضغط ينجح دون غزو (احتمال 60%): ضربات مستهدفة تؤدي إلى انقلاب داخلي أو هروب مادورو (إلى تركيا أو إيران، كما يلمح ليندسي غراهام). ماتشادو تأخذ السلطة، مع رفع عقوبات جزئي. المخاطر: تكرار “التكالب على السلطة” كالعراق؛ فنزويلا ليست مقسمة عرقيًا، لكن الولاءات (بين الجيش والميليشيات) قد تؤدي إلى حرب أهلية خفيفة. الفساد المالي (نهب النفط) محتمل، خاصة مع نفوذ صيني/روسي باقٍ.
  • سيناريو 2: غزو محدود يتحول إلى فوضى (احتمال 30%): إذا فشل الضغط، ضربات جوية تُسقط النظام، لكن الاحتلال يواجه غوريلا (مثل فيتنام أو أفغانستان). التشابه مع العراق: إسقاط سريع (أسابيع)، ثم فساد إداري (عقود نفطية فاسدة)، تكالب سلطوي (معارضون يتقاتلون)، وانهيار اقتصادي أسوأ (زيادة هجرة بـ2 ملايين). تكلفة: 100 مليار دولار أمريكية، آلاف القتلى، وانتشار “ترين دي أراگوا” كـ”داعش جديدة”.
  • سيناريو 3: التصعيد يتوقف (احتمال 10%): مفاوضات سرية (ترامب يلمح إليها) تؤدي إلى تخفيف، مقابل إصلاحات فنزويلية. الاستباق: إذا حدث، يمنع تكرار العراق، لكن يعزز مادورو داخليًا.

والدروس الاستباقية من العراق: الغزو أدى إلى 200 ألف قتيل مدني، 4 تريليون دولار تكلفة، وصعود إيران. في فنزويلا، الاحتلال سيكون “فيتنام أمريكا الجنوبية”، مع تدخل إيراني/روسي يوسع الصراع إقليميًا (تأثير على كولومبيا/البرازيل). الولايات المتحدة تفتقر إلى خطة ما بعد الإسقاط (كما في تمارين عسكرية 2025)، مما يزيد من خطر الفساد (نهب احتياطيات النفط 300 مليار برميل).

والنظرية التي نحاول ان نطرحها ونسلط الضوء عليها تتجسد بالتالي – أن المخدرات والتهريب مجرد واجهة للسيطرة على النفط وقطع أذرع الصين وروسيا، مع خطر تكرار “العراق الفنزويلي” – لها أساس قوي، لكنها تتداخل مع عوامل جيوسياسية أوسع. ونحاول أن نجيب على الأسئلة “الغائبة” التي قد تثيرها الصحافة والمواطنين، والمخاطر الاستباقية. وبالأخص بالنسبة المواطن الأمريكي يبدو غير متحمس لأي تصعيد عسكري، وهذا يعكس إرهاقًا من “الحروب الخارجية” بعد أفغانستان والعراق. استطلاعات حديثة تظهر رفضًا ساحقًا، مع تركيز على “الأسئلة الغائبة” مثل: هل هذا حقًا عن المخدرات، أم عن النفط والجيوسياسة؟ومن المتوقع لنا أن تتصاعد الأسئلة في وسائل التواصل: “لماذا لا نركز على المكسيك بدلاً من فنزويلا؟” (حيث يأتي 90% من الفنتانيل). الرأي العام يميل إلى “الضغط الاقتصادي” لا الغزو، خوفًا من تكلفة 100 مليار دولار وآلاف القتلى، كما في العراق وللولايات المتحدة الذي ركز على الدبلوماسية الإقليمية (مع البرازيل) ودعم المعارضة دون عسكرة، لتجنب “عراق 2.0”. الكونغرس يجب أن يطالب بخطة انتقالية واضحة.ولفنزويلا: المعارضة (ماتشادو) تحتاج تحالفات إقليمية لتعزيز الشرعية، مع التركيز على إصلاحات اقتصادية لمنع التكالب. وعالميًا: الأمم المتحدة يجب أن تتدخل لمراقبة الانتخابات، ودول مثل السعودية/الإمارات يمكنها الوساطة لتجنب التصعيد. وفي الختام، التصعيد يبدو “لعبة خطرة” حيث الواجهة تخفي الغاطس، والرأي الداخلي الأمريكي هو الفرمل الوحيد. إذا تكرر العراق، سيكون بتعديلات: فوضى أسرع، نفط أكبر، وصين/روسيا أقوى. إذا كنت تريد تحليلًا لسيناريو محدد أو مصادر إضافية، أخبرني! .

وبالنسبة لنا تبقى فنزويلا بالنسبة لأمريكا هي المنقذ الاقتصادي لها ومن خلال الحجة وهي على سبيل المثال وليس الحصر ولكنها تعتبر ثلاث نقاط رئيسية:

(*) النفط كمحرك رئيسي: فنزويلا تمتلك 20% من احتياطيات العالم، وترامب يهدف إلى “صرف أصول” لدعم الاقتصاد الأمريكي (تكاليف عجز الميزانية 2 تريليون دولار). محللون مثل ألاستير كروك يقولون: “أمريكا بحاجة إلى موارد لتعزيز الميزانيات، والنفط الفنزويلي الرخيص هو الجواب”. الصين (دائن رئيسي بـ60 مليار دولار) وروسيا (أسلحة ومستشارين) يسيطران على عقود النفط؛ الغزو يقطع ذلك، كما في العراق (نهب النفط بعد 2003).

(*) قطع أذرع الصين وروسيا: فنزويلا “عميل” لـ”المحور الشرقي” (إيران أيضًا). روسيا أرسلت مستشارين، والصين تقدم قروضًا ومساعدات طبية. التصعيد “مونرو 2.0” لمنع “التدخل في الفناء الخلفي الأمريكي”.

إعلان مادورو “إرهابيًا” (24 نوفمبر) يوسع الخيارات العسكرية لـ”التحرير”.

(*) التهريب البشري/المخدرات كغطاء أخلاقي: 7 ملايين مهاجر فنزويلي، وعصابة “ترين دي أراگوا” في الولايات المتحدة. لكن الخبراء يشككون: الفنتانيل من الصين، والمكسيك المصدر الرئيسي. هذا يشبه “أسلحة الدمار الشامل” في العراق – حجة للتغيير الإقليمي.