سيرة السقوط بوعي كامل

رياض سعد

سيرة السقوط بوعي كامل

كان يمشي في العمر كما يُمشى في حلمٍ مثقوب،

يسقط منه الوعي قطرةً قطرة،

ثم يستيقظ في كل مرّة على الخيبة ذاتها

بوجهٍ جديد، وبقناعٍ مختلف …

كلما ظنّ أنه تعلّم … ؛ داهمه الدرس من النافذة الخلفية للخذلان … ؛ وكلما أقسم أن قلبه صار حجراً … ؛ اكتشف أنه ما زال إسفنجاً … ؛ يتشرّب الخسارات بشراهة عجيبة …!!

كان يعرف… نعم، يعرف كل الإشارات التحذيرية … ؛ ويحفظ خرائط الأرواح المكسورة … ؛ ويقرأ نوايا البشر كما تُقرأ نشرات الطقس … ؛ ومع ذلك … ؛ كان يخرج كل صباح دون مظلّة … ؛ ويمدّ صدره للعاصفة كأنه يتواطأ مع الريح و البلل…!!

غريبٌ هو؛ يبني من وعيه سلّماً … ؛ ثم يصعد به نحو الهاوية … ؛ وكأن في داخله حنيناً سرياً للسقوط … ؛ رغبةً غامضة في اختبار القاع ؛ مرّة تلو مرّة … ؛ ليتأكد أن الألم ما زال قادراً على المفاجأة…!!

لم يكن ساذجاً…؛ كان مرهقاً فقط ، ومنهكاً من النجاة المتكرّرة … ؛ فتارةً يقع لأنه يثق، وتارةً لأنه يتظاهر بعدم الثقة … ؛ وفي كل الأحوال كان قلبه يدفع الفاتورة كاملةً ، دون تقسيط ، ودون اعتراض… ؛ كأنه خُلق ليكون مختبراً للأرواح المتعبة والعلاقات السامة ، وساحة تدريبٍ للأقنعة ، وذاكرةً جماعية لكل الخذلان البشري…!!

يمرّ الناس به … ؛ ينقذون أنفسهم … ؛ ويتركون فيه شظاياهم… ؛ وحين ينظر إلى المرآة، لا يرى رجلاً فشل في الحب، بل يرى أرشيفاً حيّاً للانكسارات المؤجّلة، ويرى قلباً لم يتقن فنّ النجاة بقدر ما أتقن فنّ الغرق بكرامة .