د. فاضل حسن شريف
جاء في موقع طريق الإسلام عن خمسون كلمة في القرآن يشيع الخطأ في فهم معناها إلى معنى دارج: “فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ” (الأعراف 4): من القيلولة أي في وقت القائلة، وليست من القول.
تفسير الميسر: قوله تعالى “فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ” (الأعراف 4) بياتا اسم، قائلون اسم. بياتاً: ليلاً، بائتين وهم نائمون. و البياتُ: قصدُ العدو ليلاً. بياتاً: بائتين أو ليلاً و هو نائمون. قائلون: مستريحون وقت القيلولة، و هو وقت استراحة المرء في منتصف النهار. قائِلونَ: عند القيلولة نهاراً. وكثير من القرى أهلكنا أهلها بسبب مخالفة رسلنا وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولا بذلِّ الآخرة، فجاءهم عذابنا مرة وهم نائمون ليلا ومرة وهم نائمون نهارًا. وخَصَّ الله هذين الوقتين؛ لأنهما وقتان للسكون والاستراحة، فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ” (الأعراف 4) لما تقدم الأمر منه سبحانه للمكلفين، باتباع القرآن، والتحذير من مخالفته، والتذكير، عقب ذلك تذكيرهم ما نزل بمن قبلهم من العذاب، وتحذيرهم أن ينزل بهم ما نزل بأولئك، فقال: (وكم من قرية) أي: من أهل قرية، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. (أهلكناها) بعذاب الاستئصال (فجاءها بأسنا) أي: عذابنا (بياتا) بالليل (أو هم قائلون) أي: في وقت القيلولة، وهي نصف النهار، وأصله الراحة، ومنه الإقالة في البيع، لأنه الإراحة منه بالإعفاء من عقده، والأخذ بالشدة في وقت الراحة أعظم في العقوبة، فلذلك خص الوقتين بالذكر.
وردت كلمة بيت ومشتقاتها في القرآن الكريم: الْبَيْتَ بَيْتِيَ الْبُيُوتَ بُيُوتِكُمْ بَيْتٍ يُبَيِّتُونَ بَيْتِهِ بَيَاتًا بُيُوتًا بَيْتِكَ بَيْتِهَا بِالْبَيْتِ بُيُوتٍ لَنُبَيِّتَنَّهُ بُيُوتُهُمْ بَيْتًا لَبَيْتُ بُيُوتَنَا بُيُوتِكُنَّ لِبُيُوتِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ وَالْبَيْتِ بُيُوتِهِنَّ. جاء في معاني القرآن الكريم: بيت أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل؛ لأنه يقال: بات: أقام بالليل، كما يقال: ظل بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه، وجمعه أبيات وبيوت، لكن البيوت بالمسكن أخص، والأبيات بالشعر. قال عز وجل: “فتلك بيتوهم خاوية بما ظلموا” (النمل 52)، وقال تعالى: “واجعلوا بيوتكم قبلة” (يونس 78)، “لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم” (النور 27)، ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر، وبه شبه بيت الشعر، وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته، وصار أهل البيت متعارفا في آل النبي عليه الصلاة والسلام، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (سلمان منا أهل البيت) (أخرجه الحاكم 3/598 وقال الذهبي: سنده ضعيف، وقال العجلوني: رواه الطبراني والحاكم عن عمرو بن عوف، وسنده ضعيف انتهى. قال الهيثمي: فيه عند الطبراني كثير بن عبد الله المزني ضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ” (الأعراف 4) الأقوام التي هلكت وبادت: هاتان الآيتان تشيران إلى العواقب المؤلمة التي تترتب على مخالفة الأوامر التي تمّ بيانها في الآيات السابقة، كما أنّهما تعدّان ـ في الواقع ـ فهرستا إجماليا عن قصص الأقوام المتعددة أمثال نوح، وقوم فرعون، وقوم عاد وثمود، وقوم لوط التي ستأتي فيما بعد. إنّ القرآن الكريم يحذر وينذر بشدّة في هذه الآية كل أولئك الذين يتمردون على تعاليم الأنبياء ويقومون بزرع الفجور والفساد بدل إصلاح أنفسهم وإصلاح الآخرين، بأن يتدبروا قليلا في حياة الأقوام السالفة وينظروا كم من قرية عامرة أبادها الله، وأهلك سكانها الفاسقين: “وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها” (الأعراف 4). ثمّ يبيّن كيفية هلاكهم بأنّ العذاب الأليم جاءهم في منتصف الليل وهم يقضون ساعات الراحة والسكون، أو في وسط النهار وهم يمضون لحظات الاستراحة والاسترخاء بعد رحلة من العمل والنشاط اليومي الدّائب: “فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ” (الأعراف 4).