جريمة في المنصور: انعكاس لجروح إقليمية عميقة وتحولات في طبيعة العنف بين سوريا والعراق

رياض سعد

على مدار أكثر من عقدين، شكلت العلاقة بين سوريا والعراق نموذجاً معقداً للصراعات الإقليمية، حيث تتداخل فيها الخطوط السياسية والدينية بالاجتماعية والجنائية… ؛ و تُعيد حوادث الجريمة المنظمة والعابرة للحدود فتح نقاشٍ حساس في العراق، لا سيما عندما تتقاطع الأبعاد الجنائية مع السياقات الاجتماعية والسياسية والأمنية كما اسلفنا… ؛ وفي هذا الإطار يأتي خبر إلقاء القبض على مجموعة من العمّال السوريين في جانب الكرخ من بغداد / ، بتهمة سرقة عجلات من نوع “لاندكروز” سوداء من منطقة المنصور، ومحاولة تهريبها باتجاه محافظة الأنبار تمهيداً لإخراجها خارج البلاد… ؛ وهي حادثة، وإن بدت جنائية في ظاهرها، إلا أنها تطرح أسئلة أوسع تتعلق بالهشاشة الأمنية، واستغلال العمالة الوافدة، وشبكات الجريمة المنظمة، وحدود التداخل بين الجريمة والسياسة… .

نعم , فما بدا جريمة جنائية عادية يكشف عن طبقات متراكمة من العنف البنيوي، وصراعات الهوية، وتداخل الملفات الأمنية بين البلدين جراء سنوات من الحروب المتشابكة والنزاعات الطائفية الدموية.

 لا يمكن تجاهل حقيقة أن بعض العصابات المنظمة تسعى إلى استغلال أو تجنيد أفراد من الجاليات الاجنبية والعربية والعمالة الوافدة … ؛ مستفيدة من ضعف الرقابة، أو من الفوضى التي خلّفتها الصراعات في المنطقة… ؛ وفي هذا السياق تحديداً، تُثار بين الحين والآخر اتهامات بل تأكيدات حول وجود صلات بين شبكات إجرامية ناشطة في التهريب والسرقة والاجرام والارهاب ، وبين جماعات مسلحة أو حركات إسلامية متطرفة، أو أطراف سياسية أجنبية وخارجية ؛ ومن بينها الجهات المرتبطة بـ“حكومة الجولاني” في سوريا… ؛ و هذه الصلات، لا تعكس فقط بعداً جنائياً، بل تكشف عن اقتصاد ظلّ عابر للحدود، تتداخل فيه الجريمة المنظمة مع التمويل غير المشروع، واستغلال الفوضى الأمنية لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.

ومن هنا، تصبح الجريمة ليست مجرد سرقة عجلات، بل حلقة ضمن سلسلة أعقد: تهريب، تبييض أموال، تمويل جماعات مسلحة، وإضعاف الاستقرار الداخلي… ؛ وهذا ما يفرض على الدولة العراقية مقاربة شاملة، لا تكتفي بالمعالجة الأمنية، بل تمتد إلى تنظيم سوق العمل، وتشديد إجراءات الإقامة، وتعزيز التعاون الاستخباري مع دول الجوار، إلى جانب خطاب إعلامي مسؤول يوازن بين كشف الحقائق ومنع التحريض والكراهية… .

الخلاصة: نحو فهم أعمق

حادثة سرقة سيارات المنصور بواسطة عمال سوريين هي أكثر من مجرد خبر بوليسي. إنها نافذة على واقع معقد حيث:

1. الجريمة البحتة قد تكون الغطاء الوحيد الظاهر، لكنها تحدث في بيئة مشبعة بـالشك الأمني التاريخي بين العراق وسوريا.

2. الارتباط بتنظيمات مثل “هيئة تحرير الشام” ليس حتمياً في كل جريمة، لكن الخلفية المشتركة للصراع تجعل هذا الارتباط هو الإطار التفسيري الأول الذي تتبناه الأجهزة الأمنية والرأي العام أحياناً.

3. الدولة العراقية الهشة، التي تعاني من انهيار اجتماعي وفساد وإفلات من العقاب، تُسيّس أحياناً القضايا الجنائية أو تستخدمها في صراعاتها الإقليمية، مما يعمق الأزمة بدلاً من حلها.

الخبر إذن هو حلقة في سلسلة طويلة، تبدأ بسيارة مسروقة في بغداد، وتمتد إلى معتقل في النجف، وتتصل بمعارك في ريف إدلب، وجذورها كلها غارقة في تربة واحدة من العنف الإقليمي المزمن الذي لم تُحصد منه سوى المزيد من المآسي والجرائم والظلم.