اسم الكاتب : محمد مصطفى علوش
الوعي صفة أساسية ملازمة للإنسان، فالذي يتميز به الإنسان عن الحيوان هو الوعي. يبدأ المرء بوعي حاجياته الأساسية التي تكفل له بقاءه ونماءه ثم يتطور هذا الوعي عبر التأمل والتفكير ليدرك المرء العلاقة بينه وبين محيطه ومن ثم إدراك الكون أو المكان الذي يعيش فيه.
وكما أن هناك وعيا فرديا ذاتيا، ينبثق من تصور كامل للمرء عن نفسه ومجتمعه ومكانته داخل هذا المجتمع ومركزه من الكون المحيط به فهناك وعي جماعي أو وعي اجتماعي يتشارك فيه كل فراد المجتمع تجاه تاريخ الجماعة وواقعها ومكانتها بين المجتمعات الأخرى ويحدد نظرتها للكون والحياة أيضًا.
والوعي السياسي هو فرع من فروع الوعي الاجتماعي، كما يقول “ك. أوليدوف” في كتابه (الوعي الاجتماعي) “إن الوعي السياسي يمثل أحد أنواع الوعي الاجتماعي، وفي العادة تدرس أنواع الوعي بالارتباط مع أشكال المعرفة، لأنها نتاج لها، كما تدرس بالارتباط مع المجالات الثقافية، لأنها تتموضع فيها”.
وتوافر الوعي ذاته ليس أمرًا منشودًا لأنه متحقق وإنما نوعه ومستوياته هي التي تحدد هوية الجماعة ومستقبلها. ويعتبر الوعي السياسي مؤشرا شديد الوضوح على درجة رقي المجتمع ومناعته الداخلية وقدرته على ضبط التناقضات في داخله وتجييرها من أجل الصالح العالم.
وتعاني المجتمعات المتخلفة من تفشي الوعي الزائف أي ذاك الوعي المتوهم والمتخيل وغير المطابق للوقائع. وتكريس الوعي الزائف أصبح علمًا يُدرس، له قوانينه واستراتجياته. ونشره يهدف لخلق وعي يخدم الأيديولوجيا التي ترغب الجهات النافذة والمتحكمة في تثبيتها في المجتمع. وتعمل أذرع الدولة المتنوعة على خدمة هذا الهدف، عبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة والمؤسسات الدينية الرسمية والمناهج التربوية التي تدرس في المدارس والجامعات. وقد يكون صاحب الأيديولوجيا مدركا هشاشتها وزيفها، لكنه غير معني بحقيقة ما يطرح بقدر ما هو مهتم بتحقيق الولاء والتبعية المناسبة لبقاء مشروعه، أيا كان ذلك المشروع.
ففي كتابه “الإنسان الحائر بين العلم والخرافة” الصادر عن عالم المعرفة، يشير الدكتور عبدالمحسن صالح إلى دور المعارف أو الوعي الزائف في عرقلة نمو المجتمع والحد من وعيه المعرفي، ضاربًا مثلًا ببعض المعتقدات الزائفة في المجتمعات العربية: «الخرافات الحديثة هي – بلا شك- نتيجة للأنشطة المختلفة التي يعيش فيها الإنسان الحالي. وقد يكون لهذه الخرافات جذور قديمة، لكنها اتخذت نغمة أخرى لتساير عصرنا هذا، ومما زاد الطين بلة أن الغالبية العظمى من أجهزة التثقيف والإعلام عندنا، وفي كثير من دول الشرق والغرب أيضًا، ما زالت تروج للعديد من الخزعبلات أو المزاعم الضارة.. فبدلًا من أن تكون أداة توجيه وترشيد وتحكيم بين الغث والسمين، والحق والباطل، والصواب والخطأ، بدلًا من ذلك نراها تنشر بين الناس مزيدًا من أمور الدجل والشعوذة، وتحاول ربطها بعلومنا الحديثة».
وكما هو الحال مع المعتقدات الدينية أو الغيبية يكون أيضا مع العقائد أو التوجهات السياسية. ففي النظم المستبدة، تعمل أذرع الدولة على نشر الوعي الزائف أي تكريس ذلك الوعي الذي يريده النظام الحاكم من أجل خلق مواطن مطواع، يحترم القانون مهما كان فاسدًا، يحترم وسائل ضبط المجتمع التي تعتمدها الدولة حتى لو كانت تنتهك حرية الإنسان وكرامته طالما أنها من أجل الصالح العام، وفق التسويق اللحظي الذي تمارسه أذرع الدولة على مواطنيها.
ونشر الوعي الزائف يفكك المجتمع إلى طبقات متناحرة، متشككة، متحاربة على المصلحة الخاصة، وتفسد لديها روح المبادرة، كما يضعف محصولها الإنتاجي من العمل. وتعمل لاهثة خلف تحقيق الذات للفرد فيها دون الوعي الحقيقي بروح الجماعة والمصلحة العامة.