اسم الكاتب : فارس حامد عبد الكريم
الجزء الاول
فارس حامد عبد الكريم
مقدمة:
يعتبر تقديم المشورة القانونية او العلمية لمن يطلبها أمانة ثقيلة ، والكذب والتزوير فيها خيانة للأمانة ، لما يترتب على هذه الخيانة من سقوط لضحايا وضياع لحقوق للناس، فكانت عقوبتها الاخروية شديدة اشارت اليها النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة .
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (1).وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) .(2)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المستشار مؤتمن، فإن شاء أشار، وإن شاء سكت، فإن شاء فليشر بما لو نزل به فعله( وقال عليه أفضل السلام وأحسنه (من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ).
وقد جرى العمل في اغلب دوائر الدولة على الإفتاء بعدم الجواز في حالة عدم وجود نص قانوني يحكم حالة معينة، والحال ان تلك الفتاوى والتفاسير لا سند لها من القانون ، بل انها ،في حقيقتها ومعناها، إنكارا للحق وللعدالة.
فضلا عن ان الكثير من الهيئات الإدارية تتعامل مع النصوص القانونية وكأنها نصوص جامدة ميتة فتفرغها في كثير من الأحيان، عند التطبيق، من محتواها الإنساني وغايتها المنشودة ، واذا كانت هي غير قادرة على الفهم الصحيح لحكمة ودور القانون في الحياة الاجتماعية، فانها رغم ذلك تعارض بل وتقف بحزم بوجه كل من يحاول ان يبث في تلك النصوص الحياة والمرونة وروح العدالة ،على خلاف إرادة المشرع العراقي .
واذا كان هذا هو حال من يتلمس العدالة في النصوص القانونية النافذة ، فما هو حال من يحاول ان يتلمسها عن مصادر القانون الأخرى كالعرف او قواعد العدالة كما هو مقرر في الأنظمة القانونية جميعاً ومنها الشريعة الإسلامية وكذلك القانون العراقي الذي نص على مصادر القانون ومنها العرف وقواعد العدالة وهي نصوص شبه معطلة ، عجزت الإدارات التقليدية عن استيعاب حكمتها ومضمونها العميق.وعلى تفصيل من الامر.
موقف المشرع العراقي من التفسير
تأثر المشرع العراقي بالاتجاهات الحديثة في تفسير القانون ومنها اراء المدرسة التاريخية التي انشأها الالمانيان سافيني وفيخته،التي ترى ان التشريع يستقل عن المشرع ويعيش حياته المستقلة في الجماعة ذاتها ويخضع في تفسيره لكل التطورات التي تحدث داخل الجماعة، وكما يوضح الأستاذ السنهوري رحمه الله، ان القانون هو نبت البيئة وغرس الأجيال المتعاقبة يتطور من مرحلة الى اخرى ويتخطى اعناق القرون يسلمه الاباء للابناء والابناء للأحفاد وهو في كل مرحلة يصطبغ بصبغتها وينضح بلونها. (3)
وعلى هذا النحو نصت المادة (5) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 على انه ( لا ينكر تغير الاحكام بتغير الأزمان )
كما اخذ المشرع العراقي بالتفسير الموسع المتطور للقانون في المواد(1، 2، 3) من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979.
حيث نصت المادة (3) منه على انه ( الزام القاضي باتباع التفسير المتطور للقانون ومراعاة الحكمة من التشريع عند تطبيقه )، ولاشك في ان ما قرره المشرع في هذا المقام هو قاعدة عامة تسري على كل فروع القانون العام والخاص ، ما لم يتعارض ذلك مع طبيعة القانون ، كما سنوضح ذلك لاحقاً عند التمييز بين القواعد الجزائية الايجابية والسلبية. الا ان تطبيق هاتين المادتين محدود للغاية على خلاف ارادة المشرع العراقي ولا يزال التمسك بحرفية النصوص هو السائد. رغم ان القضاء الفرنسي والقضاء المصري قد اخذا منذ امد بعيد بالتفسير المتطور للقانون دون ان يسعفهم في ذلك المشرع بنص صريح كما هو حال المشرع العراقي الذي نص على الزامية التفسير المتطور للقانون.
ومن اشهر القائلين بالتفسير المتطور للقانون الفقيه الفرنسي سالي الذي لخص مذهبه في عبارة شهيرة ( الى ما وراء القانون المدني ولكن عن طريق القانون المدني ) أي ان التفسير يبدأ من النصوص ولكن دون ان تكون قيوداً أبدية على إرادة المفسر بل عليه ان يتخطاها اذا اقتضت ذلك حاجات المجتمع وسنة التطور. (4)
مطلب تمهيدي: تطبيقات خاطئة في تفسير القانون
يعتقد الكثيرون ان التفسير والاجتهاد في تحصيل الاحكام هو من عمل القضاء حصراً ، وهذه فكرة خاطئة بالمرة ، فالتفسير والاجتهاد الاداري الذي تقوم به الهيئات الادارية الاستشارية التي تعرف عادة في اغلب الدول باسم مجلس شورى الدولة، وكذلك تفسيرات واجتهادات رجال الادارة وهم يواجهون يوميا الآلاف من الحالات والوقائع التي تستدعي تطبيق القانون وتفسيره وهم يمارسون صلاحياتهم القانونية بالنظر في حاجات وطلبات المواطنين والموظفين ، فضلا عن تفسيرات لجان التحقيق الاداري عندما يوكل اليها مهمة التحقيق في المخالفات الادارية وبيان مدى توفر العنصر الجزائي فيها من عدمه ، انما تشكل العدد الضخم والأوسع بين كل انواع التفسيرات، واذا كان التفسير الإداري يعد بمثابة رأي شخصي غير ملزم للقضاء ويقتصر الزامه على من وجه اليهم سواء كانوا من رجال الادارة او من المواطنين المتعاملين مع الادارة ، فان أهميته تبدو في انه يمثل حاجة يومية ملحة أكثر من الحاجة الى التفسير والاجتهاد القضائي ، لان القضاء لا ينظر في تفسير وتطبيق القانون الا بناءا على دعوى ، والدعوى ليست امرا لازما وحتميا في كل الأحوال ،وهو يأتي بعد تحقق الخطأ او اللامشروعية ، في حين ان معرفة القانون وتطبيقه تستدعي معرفة القانون وتفسيره قبل الوقوع في الخطأ او اللامشروعية ، أي قبل رفع الدعوى. ولو كان المفروض ان يكون التفسير القضائي امرا لازما وحتميا في كل الأحوال لتوقف الناس عن أي نشاط قانوني وعدم مباشرة أي عمل الا بعد رفع الدعوى لمعرفة الإحكام الواجبة قبل الشروع بالعمل والتصرف القانوني، في حين ان النشاطات القانونية الإدارية والفردية داخل الدولة تعد بالملايين في اليوم الواحد ولا يتمكن أي قضاء من النظر فيها فيما لو عرضت عليه.وهذا هو معنى القول الشائع ( ان القضاء ليس داراً للإفتاء) ، فضلاُ عن ان التفسير القضائي لا يستقر على حال واحدة مراعاة لسنة التطور حيث ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان ).
كما يعتبر التفسير الفقهي في المجتمعات المتحضرة ذو أهمية خاصة حيث يلجأ اليه المحامين والقضاة والأفراد لبيان حكم تصرفاتهم واعمالهم القانونية قبل الشروع فيها او قبل بيان الرأي بشأنها.
وقد لاحظنا ان العديد من الدوائر القانونية في دوائر الدولة ، انها تذهب في حالة عدم وجود نص يحكم حالة او واقعة معينة الى الإفتاء بـ ( عدم الجواز لعدم وجود نص ) .
والحال ان عدم وجود نص يحكم حالة او واقعة معينة، يعني عدم وجود حكم تشريعي يحكم تلك الحالة او الواقعة ، لا بالسلب ولا بالإيجاب، ولا يعني عدم الجواز، وهذا هو المقصود بالنقص التشريعي.
والإفتاء (بعدم الجواز) هو حكم بحد ذاته، فما هو سند هذا الحكم السلبي رغم عدم وجود نص ؟ الواقع ان لا يوجد سند تشريعي في التجويز او عدمه . كما ان ترك الحالة او الواقعة دون حكم يعتبر إنكارا للعدالة .
وهكذا قيل انه لا يجوز للقاضي ان يرد الدعوى بحجة عدم وجود نص لانه في هذه الحالة يعتبر منكرا للعدالة .حيث نصت المادة (30) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل على انه ( لا يجوز لأية محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه وإلا عد القاضي ممتنعاً عن احقاق الحق ، ويعد ايضاً التأخر غير المشروع عن اصدار الحكم امتناعاً عن إحقاق الحق ).
ويسري نفس الحكم حسب رأينا على كل من يمتنع عن اعطاء رأي قانوني يجب عليه إعطاؤه بموجب مهامه الرسمية ، لان فكرة العدالة واحدة لا تتجزأ. فضلا عن ان أمانة الوظيفة العامة تقتضي من الموظف العام ان يؤدي واجبه الرسمي كاملا وبأمانة ومن دون تأخير ، ولان مهمة تفسير القوانين تتوزع بين السلطات الثلاث في الدولة ، كما سنوضح لاحقاً.
والامتناع عن إعطاء تفسير للقانون هو امتناع عن أداء الواجب في حقيقته ومعناه ، واذا استعصى على موظف تفسير نص قانوني فعليه ان يلجأ للدائرة القانونية في دائرته ، وللأخيرة ان تلجأ الى مجلس شورى الدولة عندما يحصل لديها تردد او خلاف في تفسير القانون. حيث نصت الفقرة رابعاً من المادة (6) من قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 ، بشأن احد اختصاصات المجلس ( ابداء الرأي في المسائل القانونية اذا حصل تردد لدى احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة على ان تشفع برأي الدائرة القانونية فيها مع تحديد النقاط المطلوب ابداء الرأي بشأنها والأسباب التي دعت الى عرضها على المجلس ويكون رأيه ملزما للوزارة او للجهة طالبة الرأي).
ان ظاهرة الإفتاء بعدم الجواز على الأغلب والتفسير الضيق جداً للقوانين، ظاهرة انتشرت في ظل النظام السابق ، نتيجة خشية رجل الادارة من المسؤولية والعقاب، مما جعله يتردد في إعطاء تفسيرات ايجابية لصالح المواطنين ، وكان واقع حال الموظف يقول ، انك اذا أعطيت شيئا لمواطن ثم تبين انه لا يستحقه فانك ستعاقب ، اما اذا منعته ولم تعطه شيئاً فان اقسي احتمال هو ان يأتيك امر من جهة إدارية اعلى بإعطائه اياه دون ان يتضمن ذلك عقوبة.
ولاشك ان النزوع نحو هكذا مواقف سلبية سيفرغ القوانين من محتواها الإنساني ويربك اعمال الادارة ويعطل حقوق الناس المشروعة ، ويزرع الحقد والبغضاء في نفوس الناس مما ينعكس بآثاره السلبية على أداء النظام السياسي العام برمته والنوق الى التخلص منه .
واذا سبق لنا القول ان امتناع الموظف عن اعطاء رأي قانوني ضمن مهامه يعتبر اخلالا بواجبات الوظيفة، الا ان اعطاء رأي يتبين خطأه فيما بعد لا يعتبر جريمة جزائية اذا كان بحسن نية حسب احكام المادة (40) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 ، فحرية الرأي والتعبير مكفولة بموجب الدستور ، ولا يمكن معاقبة احد على رأيه في ظل نظام ديمقراطي. كل ذلك بشرط الاحتياط وإتباع الاجراءات القانونية والإدارية السليمة.وكم من التعليمات صدرت في تاريخ الوزارات العراقية وثبت فيما بعد مجافاتها للصواب وحسن التفسير.
ونتناول دراسة أحكام النقص والقصور التشريعي في مطلبين.
المطلب الأول ـ ماهية وأحكام النقص التشريعي
الفرع الاول : ماهية النقص التشريعي
يقصد بالنقص في التشريع ، تلك الظاهرة التي تتحقق عندما لا يجد القاضي او رجل الادارة في نصوص القانون المكتوب قاعدة يمكن تطبيقها بصدد نزاع او واقعة أثيرت أمامه.
وهذه الظاهرة تسمى نقصاً في التشريع لا نقصاً في القانون، فالقانون بمصادره المتعددة لا يتصور النقص فيه لدى معظم شراح القانون والنقص في التشريع ظاهرة قانونية تاريخية لازمت ظهور التشريع ، يقول الشهرستاني في الملل والنحل ( اذا كانت النصوص متناهية والوقائع غير متناهية ، فان مالا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى )، كما ان ارسطو ، واضع علم المنطق ، كان قد اقر بنقص القانون الموضوع من البشر ، ودعا الى ملائمة العدالة بالنسبة للحالات الخاصة ، كما تنبهت التشريعات القديمة الى مشكلة النقص في التشريع ، فقد عرض لها مانو حكيم الهند قبل حوالي الفي سنة ، فألزم القاضي ان يحكم وفقاً للعرف المحلي والشريعة المقدسة ، ثم احاله عند انعدام النص إلى القانون السرمدي .
ويرجع فقه القانون اسباب النقص في التشريع الى اسباب فنية عمدية تتصل بقدرة الإرادة الشارعة على التنظيم الفني حينما يتسع نطاق الروابط الاجتماعية وتدق تفاصيلها على نحو يحمل الشارع على ان يتحاشى المساس بالتفاصيل الدقيقة والجزئية فيقف فيها عند أمهات المسائل ويترك ما عداها من الجزئيات الدقيقة اما للافراد يتعارفون على نظام يطبق بشأنها واما لاجتهاد القضاء اذا لم يكن العرف قد تم تكوينه .
واسباب عملية تتصل بما يتوافر لهذه الارادة من القدرة على البصر بحقائق الحاضر واحتمالات المستقبل ، فالمشرع لا يسقط من اعتباره حساب احتمالات المستقبل ، ومهما كانت هذه بعيدة النظر فانها لن تكون الا حسابات مؤقتة لا تستطيع ان تستوعب كل المستقبل ومفاجأته. (5)
الفرع الثاني ـ احكام عامة في النقص التشريعي:
ان التشريعات عادة ما توجه القاضي لا تباع وسائل تكميلية في حالة النقص التشريعي، وهذه الوسائل قد تكون داخلية مستمدة من النظام القانون السائد وتتمثل بمصادر القانون الأصلية والاحتياطية المستمدة من النظام القانوني السائد في الدولة كالعرف ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وقد تكون وسائل خارجية وتتمثل بمصادر القانون الرسمية او الاحتياطية المستمدة من خارج النظام القانوني وهي عادة قواعد العدالة او القانون الطبيعي.
وفي نطاق وسائل التكميل الخارجية يجوز للقاضي ان يبحث عن الحل خارج النظام القانوني الذي وجد فيه النقص ، ومؤدى هذه الوسيلة هو الرجوع الى قواعد العدالة كما هو مقرر عند المشرع العراقي او الى القانون الطبيعي كما هو مقرر في تشريعات اخرى كالقانون المدني المصري.
أي انه يجوز للقاضي ورجل الادارة ان يستمد الحكم من قواعد لم يسبق اعدادها ، وهو اذ يلجأ الى قواعد العدالة او القانون الطبيعي ، لا يلجأ الى قواعد جامدة محددة سلفاً بل انه يلجأ الى قواعد مرنة متغيرة ابداً.
وفي مثل هذه الاحوال فان القاضي او رجل الادارة يرمي الى الكشف عن المراكز القانونية الموضوعية لا كما ينظمها القانون لان الفرض في هذه الحالة انه لا يوجد تنظيم قانوني ، فهو حيث لا توجد قاعدة قانونية مجردة انما يستلهم حاجات العدل مباشرة بالنسبة للحالة او الواقعة الفردية المعروضة عليه فيجتهد وينشئ القاعدة الملائمة اخذا بالاعتبار الظروف والملابسات التي تحيط بالحالة او الواقعة المطروحة عليه.
وهذا يعني ان ان القاضي او رجل الادارة يمارس سلطة تقديرية لتحديد مضمون نشاطه على النحو الذي يراه اكثر ملائمة للغاية النهائية لهذا النشاط ، فان فرغ من تحديد مضمون الواقعة او الحالة المطلوب الفصل فيها وظروفها وملابساتها،يتعين عليه بعد ذلك ان يجد حكماً ملائماً لتلك الواقعة بالكشف عن المراكز القانونية التي تتضمنها مستلهماً في ذلك شعور العدل في ضمير الجماعة بالنسبة للحالة او الواقعة المعروضة عليه.
وغالباً ما يكون الاجتهاد في التفسير الإداري من اعمال المجالس الإدارية الاستشارية كمجلس شورى الدولة حيث تعتبر تفسيراته تفسيرات إدارية غير ملزمة للقضاء .
الفرع الثالث: احكام معالجة النقص التشريعي
عندما لا يجد القاضي او رجل الادارة نص تشريعي يحكم واقعة معينة فان ، فان الحل يكون بالرجوع الى مصادر القانون الأخرى، كما يأتي:
اولا : مصادر القانون المدني وكل قانون يستمد احكامه العامة منه في حالة النقص التشريعي:
نصت الفقرتين (2) و (3) من المادة (1) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 على مصادر القانون المدني بقولها ( 2ـ فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد بمقتضى قواعد العدالة .
3ـ وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالاحكام التي اقرها القضـاء والفقـه في العراق ثم في البلاد الاخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية )
لماذا ذهب المشرع الى الاسترشاد باحكام القضاء والفقه في العراق والبلاد العربية التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية في حالة غياب النص ؟
ان احكام النصوص القانونية انما يستقيها المشرع من معطيات عقلية وطبيعية وتاريخية ومثالية ، وهي بذلك يمكن ان يتوصل اليها العقل الرشيد والمنطق السليم ويستوحيها الضمير الحي من تلقاء نفسه وان يتوصل الى ذات النتائج التي كان يمكن ان يتوصل اليها المشرع لو انه لم يغفل النص على الحالة او الواقعة محل النقص التشريعي . وهكذا توصلت المجتمعات القديمة الى نتائج متشابهه في فيما يتعلق باعتبار الافعال التي تعد غير مشروعة او إنها تعد جرائم رغم انقطاع الصلة بينها ، مع اختلافات بسيطة مرجعها المعطيات التاريخية ، وبذلك يكون واضحاً سبب اشتراط المشرع العراقي ان يكون استرشاد القاضي ( باحكام القضاء والفقه في العراق والبلاد العربية التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية) فما كان ذلك الا لإيمانه بتشابه او تقارب المعطيات التاريخية التي تحكم قوانين العراق والبلاد العربية، وان الحكم العادل يمكن الوصول إليه بناءا على العقل والمنطق السليم في حال غياب النص .(6) ونكتفي بما تقدم من إشارة لمصادر القانون المدني التي تعد من وسائل التكميل الداخلية لان البحث فيها يتطلب بحث خاص بالنظر لسعة البحث وضخامته في هذا المجال .الا اننا نتناول بحث قواعد العدالة لصلتها بكل من القانون المدني والقانون الإداري ، مع تطبيقات تشريعية لاحكام النقص التشريعي .
أـ المقصود بقواعد العدالة :
قواعد العدالة من وسائل التكميل المستمدة من خارج النظام القانوني للدولة. والعدالة وفقا للمعنى العام لها، تعني الشعور بالانصاف وهو شعور كامن في النفس يوحي به الضمير النقي ويكشف عنه العقل السليم وتستلهم منها مجموعة من القواعد تعرف باسم قواعد العدالة مرجعها مثل عليا تهدف الى خير الانسانية بما توحي به من حلول منصفة ومساواة واقعية تقوم على مراعاة دقائق ظروف الناس وحاجاتهم.
ويكاد يجمع فقهاء القانون على ان المقصود بقواعد العدالة هو تخويل المشرع للقاضي ان يجتهد رأيه ، في احوال النقص التشريعي حيث يقوم بالحكم وفقا لنص أوجده هو مستلهماً في ذلك ضميره وأفكار العدالة السائدة في مجتمعه دون ان يعول على مجرد آراؤه الشخصية ، الا ان حكمه وفقا لقواعد العدالة يعتبر من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة التمييز وفي ذلك ضمانة كافية لا ن يستنبط القاضي حكمه وفق اسس موضوعية لا ذاتية. وبعبارة اخرى ان الحكم وفقا لقواعد العدالة هو اجتهاد القاضي للحكم في غياب النص. وكذلك هو الحال بالنسبة لرجل الادارة والهيئات الإدارية الاستشارية للدولة كمجلس شورى الدولة.
وقد انتشرت طريقة الإحالة الى قواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي باعتبارها معايير وموجهات عامة لسد النقص في التشريع حين ضعف مركز انصار الوضعية القانونية فأتاح ذلك لأنصار القانون الحر الذين يمثلون مذهب القانون الطبيعي في صورته الجديدة ان ينادوا بهذه الطريقة. وبيان ذلك انه لما كان القانون الوضعي يصور بأنه القانون الواقعي الذي يمثل القانون النموذجي تمثيلا ناقصاً، لا جرم انه حين لا يغني القانون الناقص ، ان يعود القانون الكامل للظهور.(7)
ب ًـ تطبيقات تشريعية
اعتبرت بعض التشريعات القاضي بمثابة مشرع في حالة النقص التشريعي بنصوص صريحة فقد نصت المادة 2/1 مدني سويسري على انه ( … وفي حالة عدم وجود نص يمكن تطبيقه يحكم القاضي وفقاً للعرف ، وفي حالة عدم وجود عرف فانه يحكم وفقاً للقواعد التي كان ليضعها لو كان عليه ان يقوم بعمل من اعمال المشرع ، وهو يستهدي في ذلك بالحلول التي يقررها الفقه والقضاء.)
ونصت المادة (1) مدني تركي لسنة 1926 على انه ( … اذا لم يوجد حكم في قضية ما يحكم القاضي بموجب العرف والعادة ، فاذا لم يوجد فيحكم بموجب القاعدة التي كان يضعها فيما لو كان مشرعاً ) .
بينما إحالة تشريعات اخرى الى القانون الطبيعي او قواعد العدالة او المبادئ العامة للقانون فقد نصت الفقرة (2) من المادة (1) من القانون المدني المصري لسنة 1948 النافذ على انه ( فإذا لم يجد نص تشريعي يمكن تطبيقه ، حكم القاضي بمقتضى العرف ، فإذا لم يجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة )
ونصت المادة (12/2) مدني ايطالي لسنة 1942 على انه ( اذا لم يوجد نص تشريعي يرجع القاضي الى النصوص التي تنظم الحالات المتشابهة … فاذا بقيت المسألة مع ذلك غامضة فانه يحكم وفقاً للمبادئ العامة في النظام القانوني في الدولة ).(8) ويذهب احد رؤساء المحكمة الاتحادية الالمانية الى القول ( يستطيع القاضي بالدرجة الاولى انشاء القانون من خلال تفسير القانون الوضعي او سد الفراغ بواسطة قياس النظير او المصالح المرسلة في ملائمة القانون الوضعي للتقدم المضطرد ، كما يستطيع القاضي بالدرجة الثانية إنشاء القانون من خلال تقييم القانون الوضعي بالقياس الى معايير النظام القانوني الفوقي او في ابطال حكم قانوني ينتهك فيه مثل هذه المعايير) . (9)
ثانياً ـ مصدر القوانين الجزائية ومنها قانون العقوبات:
تطبيقاً لمبدأ الشرعية ، لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، فان التشريع هو المصدر الوحيد لقانون العقوبات ، الا انه بصدد تطبيق مبدأ الشرعية ، يميز فقه القانون الجزائي بين نوعين من القواعد الجزائية :
أـ القواعد الجزائية الايجابية : وهي القواعد التي تبين الجرائم والعقوبات المقررة لها ، مثل القاعدة التي تعاقب على القتل والسرقة والرشوة وغيرها .
وهذه مصدرها التشريع لوحده تطبيقاً لمبدأ الشرعية ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) ، فان لم يوجد نص يحكم واقعة معينة ، ومهما كانت الواقعة مضرة او مسيئة للنظام العام والآداب العامة في المجتمع ، فان على القاضي ان يحكم بالبراءة وليس له في أية حال ان يخترع جريمة او ان يقرر عقوبة لها ، لان المشرع لوحده هو القادر على ذلك في مثل هذه الأحوال . فضلا عن ان هذه القواعد يجب ان تفسر تفسيراً ضيقاً ، لان القواعد الجزائية انما تأتي خلاف الأصل ، والأصل هو حرية الإنسان والاستثناء هو تقييد حريته ، وكل تفسير يؤدي الى اضافة جريمة او عقوبة لم يقررها المشرع يعتبر مخالفة للدستور والقانون ، لان مبدأ الشرعية ، مبدأ نص عليه الدستور والقانون .
ب ـ القواعد الجزائية السلبية : وهي القواعد الجزائية التي تقرر قواعد البراءة واسباب الإباحة وموانع المسؤولية وكذلك احكام العفو العام والعفو الخاص ما لم ينص على خلافه ، وكل قاعدة تؤدي الى إفلات المتهم من العقاب أي تعالج اوضاعاً لصالح المتهم كتلك التي تستبعد العقاب او تخفف منه.
وهذه القواعد لا تعتبر استثناء من الأصل ، بل انها صورة من صور الأصل ،لانها تنحو نحو الحرية والبراءة ، ومن ثم لا يسري عليها مبدأ الشرعية ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) لانها لا توجد اسباباً للجريمة وإنما اسباباً للبراءة والحرية، هذا من جانب ومن جانب اخر فانها تخضع للتفسير الواسع لارتفاع قيد الاستثناء الذي يرد على القواعد الجزائية الايجابية ، فهي قواعد تنحو نحو الحرية ، والحرية لا تعد استثناء بل اصل، واذا زال المانع عاد الممنوع ، أي اذا سقط القيد عاد حكم ما كان ممنوعا.
وعلى هذا جاز التوسع في تفسيرها والقياس عليها على اتفاق من الفقه والقضاء.
ومن تطبيقات ذلك ان القضاء والفقه في مصر استقر على اعتبار الدفاع الشرعي سبباً عاما لإباحة كافة الجرائم وان كان نص المادة (245 ) عقوبات مصري قد نص على إباحة القتل والضرب والجرح في حالة الدفاع الشرعي ، فاذا نص القانون على إباحة القتل في حالة الدفاع الشرعي ، واكتفى المدافع بفعل دون القتل ، كالضرب او الجرح ، فلا شك في إباحة الضرب والجرح قياساً على إباحة القتل من باب اولى، لان من يباح له الأشد يباح له الأخف ،ومن يملك الاكثر يملك الاقل . وعلى هذا لا يعتبر سارقاً من جرد من شرع بقتله من سلاحه واحتفاظه به مؤقتا، ولا يعتبر تقييداً للحرية من حجز في غرفة من حاول قتله او قيده، او من حاول اضرام النار في في مكان عام او خاص، بشرط توفر جميع اركان وشروط الدفاع الشرعي وإبلاغ السلطات فوراً او في اقرب فرصة متاحة.
وفي باب موانع العقاب كانت المادة (312) عقوبات مصري تنص قبل تعديلها على مانع عقاب فيما يتعلق بالسرقة بين الاقرباء والزوجين ، ولكن القضاء المصري مد تطبيق مانع العقاب على سبيل القياس الى جرائم النصب وخيانة الأمانة والغصب والتهديد بين الأقرباء والزوجين.
وهذا ما سار القضاء الفرنسي عليه ايضاً. وقد وضع الفقه الالماني والايطالي لنفسه قاعدة في هذا الصدد تقضي بالتفرقة بين نوعين من القياس هما قياس لصالح المتهم وقياس لغير صالحه، فالأول جائز والثاني غير جائز مع وجود مبدأ قانونية الجرائم والعقاب.(10)
ثالثا ـ مصادر القانون الاداري وانظمة وتعليمات الخدمة المدنية :
بالنظر الى ان القانون الإداري قانون حديث النشأة وان اغلب قواعد هذا القانون غير مكتوبة (11) ، فقد استقر القضاء الفرنسي والمصري على ان تسلسل مصادر هذا القانون تكون كالأتي :
التشريع والمعاهدات الدولية ، العرف الإداري، الاحكام القضائية ، مبادئ القانون العامة ، قواعد العدالة.
أـ النصوص التشريعية:
نصوص القانون الإداري غير مقننة في قانون واحد، حيث تتوزع بين عدة قوانين كالدستور والتشريعات المختلفة والأنظمة والتعليمات التي تصدر من السلطة الإدارية.
ـ الدستور: يتضمن الدستور قواعد عامة للتنظيم الاداري ، مثل طبيعة نظام الحكم، وفيما اذا كان نظاماً رئاسيا او برلمانيا ، وتوزيع الاختصاص بين السلطات المختلفة، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، وطبيعة النظام الاداري ، وفيما اذا كانت مركزية إدارية ام لا مركزية إدارية ام نظام اتحادي( فيدرالي). وطريقة انتخاب او تعيين المناصب العليا في الدولة ، وطريقة استثمار الموارد الطبيعية ، وقواعد ميزانية الدولة وضوابط استخدام المال العام وحرمته ، والقواعد العامة في نزع الملكية ، والقواعد العامة في التجريم والعقاب ، والحقوق والحريات الأساسية للمواطنين ………. وتعتبر هذه النصوص مصدراً من مصادر القانون الاداري تلتزم الادارات العامة بها وهي تمارس نشاطاتها المختلفة.
ـ التشريع: تشكل التشريعات الصادرة من السلطة التشريعية مصدرا غزيراً من مصادر القانون الاداري ، حيث تتناول العديد من التشريعات تنظيم نشاطات الادارة العامة وقواعد خدمة العاملين فيها ، وقواعد علاقة الادارة بالمواطنين ، ومن امثلتها، قانون السلطة التنفيذية، وقانون الخدمة المدنية وقانون الملاك وقانون انضباط موظفي الدولة وقانون التقاعد وقوانين تنظيم الوزارات، وقوانين النقابات المهنية وقانون السلامة الوطنية وقوانين الجنسية والإقامة وجوازات السفر وقانون المرور وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات والقوانين التي تتعلق بتنظيم الحريات والمظاهرات والاعلام والصحافة الى غير من قوانين ادارية ، فضلا عن النصوص المتفرقة في القوانين الاخرى التي لا تعتبر قوانين ادارية بحسب الاصل ، كالنصوص الواردة في القانون المدني المتعلقة بالاشخاص المعنوية العامة والاموال العامة وعقد التزام المرافق العامة والمسؤولية الادارية التي أخضعها لنفس قواعد المسؤولية المدنية للافراد.
ـ القرارات التنظيمية (التشريع الفرعي) : في ظل دستور العراق لسنة 2005 ، فان سلطة وضع التشريع الفرعي ( الانظمة ، التعليمات ، النظام الداخلي ) تقع على عاتق السلطة التنفيذية ، بما لها من اختصاص اصيل مخول لها بموجب الدستور ابتغاء تنفيذ التشريع العادي او تنظيم المرافق العامة ومن قبيل التشريع الفرعي ما يعرف في مصر باللائحة سواء كانت تنفيذية او تنظيمية او لائحة ضبط ، والتشريع الفرعي هو ادنى انواع التشريع مرتبة .ويشترط في التشريع الفرعي ان يكون متوافقا مع الدستور والقانون من حيث الشكل والموضوع ، حيث نصت الفقرة (ثالثا) من المادة (80)من الدستور على انه (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية. ثالثا: اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين .)
وتتخذ القرارات التنظيمية صوراً عديدة وتتناول تنظيم المرافق العامة وتنظيم علاقة الهيئات الادارية بالافراد وتنظيم ممارسة الافراد لحرياتهم العامة وغير ذلك من مسائل ، فضلا عن القوانين كثيرا ما تنص على تخويل الوزراء المعنيين بتطبيقها اصدار التعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذها ، وهذه التعليمات هي الاخرى انما هي قرارات ادارية تنظيمية ومن ثم تشكل كالقرارات السابقة مصدرا للقانون الاداري.
تدرج القواعد القانونيـة : لكى تكون الدولة قانونية بالفعل لابد أن تأخذ بمبدأ تدرج القواعد القانونية ، ذلك ان النظام القانوني في أية دولة يتكون من مجموعة كبيرة من القواعد القانونية، وعند تطبيقها على الحالات الفردية فأنها قد تتزاحم وتتعارض، لذلك كان لابد من حل ينظم تطبيق هذه القواعد ويضمن وحدتها ويتجسد ذلك بمبدأ تدرج القواعد القانونية التي يتكون من مجموعها النظام القانوني في الدولة ، ومقتضى هذا المبدأ ان القواعد القانونية في الدولة ترتبط فيما بينها ارتباطا تسلسليا متدرجا . بمعنى اخر انها ليست فى مرتبة واحدة من حيث القيمة والقوة بل تتدرج فيما بينها مما يجعل بعضها اسمى مرتبة من البعض الاخر ، فتجد فى القمة القواعد الدستورية وتليها القواعد التشريعية الصادرة من السلطة التشريعية وهذه اسمى من حيث القيمة والقوة من الانظمة والتعليمات التي تصدرها السلطات الادارية وهذه بدورها اسمى من القرارات الفردية الصادرة من السلطات الادارية نفسها .
فاذا ما حصل تعارض بينها يعتمد النص الاعلى مرتبة ، فاذا حصل تعارض بين نص دستوري ونص قانوني وجب اعمال النص الدستوري ، واذا كان التعارض بين نص قانوني ونص يرد في نظام او تعليمات يقدم النص القانوني واذا كان التعارض بين الانظمة والتعليمات نفسها وجب أيضا تغليب النص الاداري العام الاعلى مرتبة على ما هو ادنى منه . وعلى هذا يقدم النظام الصادر من مجلس الوزراء على النظام الصادر من الوزير، ، وتغلب القرارات التنظيمية على القرارات الفردية ، ولو كانت القرارات الفردية صادرة من جهة اعلى اداريا من الجهة التي اصدرت القرار التنظيمي.
ويترتب على مبدأ تدرج القواعد القانونية : وجوب خضوع القاعدة الادنى للقاعدة الاسمى من حيث الشكل والموضوع، اى صدورها من السلطة التي حددتها القاعدة الاسمى وبإتباع الاجراءات التي بينتها وأن تكون متفقة فى مضمونها مع مضمون القاعدة الاعلى لان المناط فى الاصل عند التعارض هو ان الاعلى يسود الادنى .
ب ـ العرف الاداري :
العرف قانون اجتماعي تلقائي ، يتكون من تلقاء نفسه في حياة الناس بناءاً على قوة العادة وتحت ضغط حاجات الافراد .
والعرف هو اطراد العمل بين الناس وفقاَ لسلوك معين اطراداً مقترناً بإحساسهم بوجود جزاء قانوني يكفل احترام هذا السلوك . ولكي يصبح العرف مصدراً من مصادر القانون ، لابد ان تتوفر فيه عدة شروط وهي ان يكون عاماً وان يكون قد استقر فترة من الزمن ، وان يكون ثابتاً وان يكون ملزماً وان لا يكون مخالفاً للنظام العام والآداب .
وهذه الشروط يمكن ردها الى عنصرين الاول هو عنصر العادة ويتكون من صفات العموم والقدم والثبات ، وعنصر معنوي هو الإلزام .
والعرف بهذا المعنى قاعدة قانونية يستوجب توقيع جزاء مادي على مخالفته.
ويمكن تعريف العرف الاداري بانه مجموعة القواعد التي درجت الادارة على اتباعها فيما يتعلق بمجال معين من نشاطها بحيث تصبح هذه القواعد بمثابة القواعد القانونية من حيث الزامها .
وتأكيداً على اهمية العرف الاداري ، تقول محكمة القضاء الاداري المصرية ( ان العرف الاداري هو بمثابة القانون من حيث وجوب احترامه والعمل به ، فإذا ما خالفت الجهة الادارية العرف الاداري يكون تصرفها والحالة هذه قد انطوى على مخالفة القانون ، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه باطلا ويكون المدعي محقاً في دعواه ) .
وفي حكم اخر تذهب هذه المحكمة الى انه اذا وضعت إحدى الجامعات مشروع لائحة والتزمته وطبقته باطراد ودون ان يصدر به تشريع اصبح هذا المشروع قاعدة تنظيمية عامة تعتبر مخالفتها مخالفة قانونية ، وذلك ان المخالفة القانونية ليست مقصورة على مخالفة نص في قانون او لائحة ، بل هي تشمل مخالفة كل قاعدة جرت عليها الادارة والتزمتها منهجاً لها .
ويلاحظ ان احترام القواعد العرفية والالتزام بها من قبل الادارة لا يعني دوام هذه القواعد الى الأبد . لانه القول بذلك يؤدي الى قعود الادارة عن مواكبة التطورات التي تلحق بعموم المجتمع وبالعمل الاداري خاصة ، وعلى هذا قد تتخذ الادارة سلوكا جديداً لمواجهة وقائع واحوال مستجدة وتستقر عليها فترة من الزمن ليأخذ شكل العرف تدريجياً .
ولكي تتحقق مشروعة العرف الجديد ينبغي ان يسري عليه مبدأ مساواة المواطنين امام القانون ، اي ان يطبق بصفة مستمرة على جميع الحالات التي تواجهها الادارة بعد استقراره ، فاذا تبين ان خروجها عن العرف القديم كان محاباة لحالة فردية ، وانها عادت لتطبيق العرف القديم على حالات اخرى ، تحقق عيب مخالفة القانون .
ج ـ احكام القضاء :
تعتبر أحكام القضاء مصدراَ تفسيراً بالنسبة للاحكام التي يصدرها القضاء العادي ، الا ان ذلك لا يصدق تماماً على الاحكام التي تصدر عن القضاء الاداري ، ذلك ان القانون الاداري يتصف بانه قانون حديث غير مقنن ، وانما توجد تشريعات ادارية متفرقة ، وهي في الغالب لا تتضمن مبادئ عامة ، وقد لا يجد القاضي الاداري في هذه التشريعات النص الذي ينطبق على النزاع المعروض عليه ، وعندها يتولى بنفسه استنباط الحكم القانوني الواجب التطبيق على النزاع المعروض عليه دون ان يكون ملزماً بالمبادئ القانونية المدنية اذا كانت لا تناسب العمل الاداري، ذلك انه ملزم قانونا بإيجاد الحل المناسب للنزاع المعروض عليه والا عُد منكراً للعدالة ، وفي مثل هذه الأحوال يلجأ القاضي الاداري الى استخلاص الأحكام من المبادئ العامة التي تحكم النظام القانوني في الدولة والمبادئ التي اوردتها النصوص القانونية في فروع القانون الاخرى ما دامت ملائمة للعمل الاداري او يجري علها تحويراً بما يجعلها ملائمة للروابط الادارية ، فان لم يجد في كل ذلك حلاً مناسباً للنزاع المعروض عليه وجب عليه ان يستوحي الحلول من قواعد القانون الطبيعي وقواعد العدالة .
وهكذا قامت النظرية العامة في القانون الاداري على القواعد التي استنبطها القضاء الاداري من خلال احكامه، وقد تولى مجلس الدولة الفرنسي تشييد معظم نظريات القانون الاداري ، مثل نظرية المرفق العام ونظرية العقد الاداري ونظرية الضبط الاداري ونظرية التعسف في استعمال السلطة ونظرية الظروف الطارئة وغير ذلك .
وهكذا قيل بان القضاء الاداري لا يبتدع الحلول المناسبة للمنازعات التي تعرض عليه فقط ، ولكنه ينشأ المبادئ القانونية العامة التي تستنبط منها تلك الحلول أيضا.
وتؤلف هذه الحلول قواعد ومبادئ جديدة تضاف الى مصادر المشروعية الاخرى التي تلتزم بها الادارة في تصرفاتها ،مما يعني ان مخالفتها تؤدي بالقرار الاداري الى الانحدار الى حالة عدم المشروعية .
وقد اعترف المشرع المصري بدور القضاء الاداري في خلق واستنباط قواعد القانون الاداري ، حيث نص في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955 المتعلقة بتنظيم مجلس الدولة المصري ، على انه ( … يتميز القضاء الاداري بانه ليس مجرد قضاء تطبيقي كالقضاء المدني ، بل هو في الأغلب قضاء انشائي يبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ بين الادارة في تسييرها للمرافق العامة وبين الافراد وهي روابط تختلف بطبيعتها عن روابط القانون الخاص ) وتتمتع الاحكام القضائية بما يعرف فقهاً بقوة الحقيقة القانونية، سواء في مواجهة اطراف النزاع او في مواجهة الكافة ، ذلك ان قرار الحكم الذي اكتسب الدرجة القطعية يتمتع بحجية الشئ المقضى به، وتتضمن هذه الحجية معنيين ، معنى شكلي يتمثل في ان قرار الحكم القضائي يتضمن الحقيقة القانونية ويترتب على ذلك ان موضوع النزاع المقضى فيه لا يمكن ان يكون محلا لاية دعوى مستقبلاً ، ومعنى مادي يتعلق بتنفيذ قرار الحكم ، فاذا لم ينفذ القرار من قبل من صدر في مواجهتهم اذعاناً للحكم ، تتولى السلطة العامة تنفيذه بالقوة من اجل ايصال الشئ المقضى به الى المنتفعين من القرار.
وعليه اذا كانت الادارة طرفاً في النزاع فانها ملزمة بتنفيذ قرار الحكم ، واذا لم تكن طرفاً في النزاع فانها لا تلتزم به الا اذا كان مما يحتج به على الكافة .
واستقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي على اعتبار مخالفة الشيء المقضي به ، مخالفة للقانون ، ورتب عليها نفس الاثر المترتب على مخالفة القوانين . (12)
وتأكيداً لمبدأ الولاية العامة للقضاء جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم162 في 20/12/1994( تبقى قابلة للنقض امام المجلس قرارات الهيئات الادارية ذات الصفة القضائية حتى ولو كانت نهائية وغير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة.) (13)
ولاشك ان في ذلك اقرار لمبدأ مهم للغاية ، فعلى الرغم من نص القوانين الادارية على ان قرارات الادارة بشأن من الشؤون تعتبر نهائية وغير قابلة للطعن ، فان القضاء اكد ولايته على الرغم هذه النصوص ويمكن ان نفسر هذا التوجه بان المجلس فسر النص القانوني على ان المقصود من النهائية وعدم جوازالطعن هو عدم جواز الطعن به امام الجهات الادارية وليس امام القضاء .
وبصدد الامتناع عن تطبيق احكام القضاء جاء في قراره رقم 167 في 14/12/1993انه ( وبما انه يستفاد مما تقدم ان اللجنة المذكورة بدل ان تذعن لقراري هذا المجلس بهذا الشأن اعادت الاوراق اليه مجددا، الامر الذي يخالف احكام المادة 120 من قانون مجلس شورى الدولة لجهة مخالفة قوة القضية المحكمة.وبما ان مخالفة القانون او القضية المحكمة هي من الاسباب التي تؤدي الى نقض القرار المطعون فيه وفاقا لاحكام المادة 119 معطوفة على المادة 108 من قانون مجلس شورى الدولة.وبما ان القرارين رقم 17 و18 المطعون فيهما يكونان مستوجبي النقض بما ذكر اعلاه.) (14)
وفي هذا المقام يثار تساؤل مفاده : هل ان تسلسل مصادر القانون وقواعد التفسير تسري على اعمال القضاء مثلما تسري على اعمال الادارة ؟
الجواب هو بالتأكيد ، بما ان رجل الادارة يفسر القانون فعليه ان يلجأ الى مصادر القانون والى قواعد التفسير للوصول الى حكم الحالة المعروضة عليه. فهذا هو التنفيذ السليم للقانون.
وهذا هو السبب في وجود دائرة قانونية في جميع وزارات الدولة ، وفي حالة عدم قناعة الموظف بالتفسير الاداري فيجوز له الطعن به امام القضاء الاداري ، لان التفسير الاداري يتخذ من الناحية العملية شكل قرار اداري .
د ـ مبادئ القانون العامة:
رغم اقرار جميع فقهاء القانون بالأهمية الكبرى لمبادئ القانون العامة باعتبارها تعبر عن حيوية النظام القانوني وأداة من أدوات تنميته وتطويره ، فانه لا يوجد اتفاق فقهي على تحديد المقصود منها .
ويذهب رأي الى ان المبدأ العام هو قاعدة القواعد القانونية ،بمعنى قابلته على الانطباق على قواعد قانونية اخرى بحيث تكون الاخيرة تطبيقاً للمبدأ العام ، واذا اخذنا المبدأ العام على هذا المعنى ، فانها يصبح فكرة فنية المقصود منها وضع بناء منطقي متماسك للقواعد القانونية .
وعرفها الفقيه بيسكاتوري بأنها، مجموعة من المبادئ التي تستخدم في توجيه النظام القانوني ، من حيث تطبيقه وتنميته ، ولو لم يكن لها دقة القواعد القانونية الوضعية وانضباطها .
ونبه الفقيه ريبير الى ضرورة تحاشي تعريف المبادئ العامة للقانون ، وهو يعتقد ان المبادئ العامة يمكن التعرف عليها عندما تقع مخالفة لها ، فلئن كان من الصعب تعريف المبدأ الاساس في احترام الملكية الخاصة ، الا انه يمكن التعرف على المبدأ عند مصادرة الملكية دون مقابل وبطريقة تحكمية .
مضمون المبادئ العامة للقانون :
المبادئ القانونية ، اما ان تكون مكتوبة او غير مكتوبة .
والمبادئ القانونية غير المكتوبة ، انما تستقر في ذهن وضمير الجماعة ، تمليها العدالة المثلى وهي تستند الى المنطق والعقل والحدس وطبيعة الاشياء وقواعد العدالة والاخلاق ولا تحتاج الى نص يقررها ويمكن ان تستمد منها قواعد قانونية ملزمة يتعين الخضوع لها ، يعمل القاضي على الكشف عنها وتقريرها مستلهماَ اياها من روح التشريع ، فيعلنها من خلال احكامه معطياً اياها القوة الالزامية . ومن ثم يتعين على الادارة احترامها والالتزام بها ، ويعد كل تصرف مخالف لها معيباً بعيب مخالفة القانون .
وكثيرا من مبادئ القانون العامة تحولت الى قواعد قانونية مكتوبة عندما يتبناها المشرع وهو بصدد سن التشريعات المختلفة .
ويتنوع مضمون المبادئ العامة بحسب طبيعة المجال القانوني الذي تعمل فيه ، الا انه يمكن ارجاعها من حيث اساسها وجوهرها الى مبدأين اساسيين هما مبدأ الحريــة ومبدأ المســـاواة .
ويمكن ان ترجع المبادئ الآتية الى مبدأ الحريـة :
مبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص . مبدأ حرية العقيدة والإرادة .مبدأ ان الاصل براءة الذمة ، ويتفرع عنه مبدأ ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة.
مبدأ احترام الحقوق المكتسبة. مبدأ عدم رجعية القرارات الادارية . الملكية الخاصة والحرية الفردية مكفولتان في حدود القانون . مبدأ ان لا تقييد للحريات العامة الا بقانون .
مبدأ إتاحة دعوى قضائية لكل من تضررت مصالحه نتيجة قرار اداري معيب .
مبدأ خضوع كل سلطة ادارية للرقابة ، ويتفرع عنه مسؤولية الوزير امام البرلمان .
مبدأ حق الدفاع في المحاكمات التأديبية . مبدأ ضرورة سير المرفق العام بانتظام .
مبدأ بطلان التصرفات نتيجة الاكراه . مبدأ عدم جواز الالتزامات المؤبدة . مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق .
ويمكن ان ترجع القواعد التالية الى مبدأ المساواة :
مبدأ مساواة المواطنين امام القانون . مبدأ مساواة المواطنين في الانتفاع من المرافق العامة .
مبدأ المساواة في تحمل التكاليف والاعباء العامة . مبدأ المساواة بين الجنسين في الوظائف العامة . مبدأ المساواة في الضريبة . مبدأ المساواة في مباشرة الاعمال الاقتصادية .
مبدأ المساواة في المعاملة . مبدأ حق الحياة لكل فرد . مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون. مبدأ تغير الاحكام بتغير الازمان .
مبدأ تفوق المعاهدة الدولية على القانون الداخلي . مبدأ ان الغلط الشائع يقوم مقام القانون. (15)
وما ذكر اعلاه من مبادئ قانونية عامة ،هو على سبيل المثال لا الحصر ، حيث لا يمكن حصر المبادئ العامة في اطار حدود معينة ، لانها قابلة للخلق وللتطور بمرور الزمن .
ويرجع الفضل في استنباط المبادئ العامة للقانون الى مجلس الدولة الفرنسي من خلال ما اصدره من احكام منذ انهيار الجمهورية الثالثة وهزيمة فرنسا عام 1948 وسقوط دستورها ، وما رافق ذلك من اعتداء وتجاوز على الحريات العامة ، فتدخل مجلس الدولة للذود عنها من خلال نظريته في مبادئ القانون العامة ليحلها محل الدستور ، تلك المبادئ التي استقرت في ضمير الجماعة وتبقى قائمة فيه على الرغم من سقوط النظم او الوثائق الدستورية التي تقررها.(16)
وبصدد احترام مبدأ احترام الحقوق المكتسبة جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 124 لسنة 1988( المباشرة بتنفيذ رخصة البناء دون مخالفة مضمونها يمنع السلطة من اخضاع الترخيص لأي تغيير أو تعديل في شروطه.)
وبنفس المعنى ما جاء في قراره رقم 127 لسنة 1987ان ( قرار الادارة بسحب الترخيص بعد انقضاء مهلة الشهرين على صدوره مستوجب الإبطال لمخالفته مبدأ الحقوق المكتسبة.) وجاء في حيثيات القرار (… وبما أنه اذا كان قرار تمديد الترخيص رقم 10/86 تاريخ 7/11/1985 قانوني فكان على المستدعى ضدها أن تعمد الى سحبه ضمن مهلة الشهر التالية لصدوره، وطالما أنها لم تفعل فقد نتج عن القرار المذكور حقا مكان المستدعي باستكمال شروط الترخيص بالإنشاء لغاية انتهاء المدة المحددة في قرار التمديد المذكور التي تنتهي في 7/11/1986.وبما أن القرار المطعون فيه، بإلغائه قراري الترخيص والتمديد قبل انقضاء المدة القانونية المحددة لاستكمال شروط الترخيص، يكون مخالفا للقضاء ومستوجبا الإبطال .) (17)
وجاء في قراره رقم 131 لسنة1992 ( اذا كان الترخيص للمؤسسة المصنفة او عدمه متروك لتقدير الإدارة، فعدم فتح المجال لصاحب الحق المكتسب بتصحيح وضعه في مهلة معينة مخالف للقانون.وبما أنَّ منح الترخيص أو رفضه بإنشاء مؤسسة مصنفة هو من اختصاص الإدارة الاستنسابي تمارسه تحت رقابة هذا المجلس القضائية.
وبما أنَّه لا يقفل محل مصنف إلا بعد إنذار صاحب الحق المكتسب بالاستثمار بوجوب تلافي المحاذير والتقيد بالشروط القانونية وإعطائه مهلة لذلك يمكن الإدارة بعد انقضائها أنَّ تعمد الى إقفال المحل المصنف إذا لم يزل صاحب الحق بالاستثمار المحاذير ولم يتقيد بالشروط القانونية.
وبما أنَّه إذا كان الترخيص أو عدمه متروك لاستنساب الإدارة تمارسه تحت رقابة هذا المجلس القضائية فعدم فتح المجال لصاحب الحق المكتسب بتصحيح وضعه وتجهيز مؤسسته بحيث يصبح إنتاجها مطابقاً للشروط القانونية المفروضة لهذا الانتاج هو مخالف للقانون.
وبما أنَّ قراري المحافظ رقم 180 ورقم 187 بإقفال مؤسسات المستدعين دون إمهالهم لتسوية أوضاعهم ورفض وزارة الاقتصاد طلبهم تعديل ترخيص تمهيداً لتسوية هذه الاوضاع تكون مخالفة للقانون ومستوجبة الإبطال. لذلك.) (18)
وبصدد عدم جواز رجعية القرارات الادارية جاء في قراره رقم 136 لسنة 1987 ( عدم جواز تضمين المرسوم الاشتراعي مفعولا رجعيا ما لم تفوض السلطة المشترعة صراحة بذلك. وبما انه اذا كان في الأصل ووفق المبادئ العامة لا تطبق القوانين بمفعول رجعي ما لم تحتوي أحكاما صريحة أو ضمنية على ذلك. كما أنه لا يجوز أن ينص المرسوم الاشتراعي على مفعول رجعي له ما لم تفوض السلطة المشترعة صراحة بذلك – وهذا التفويض لم يحصل بموجب القانون ….. فسخ القرار المستأنف والحكم مجددا بتصديق التكليف المعترض عليه وتضمين المستأنف ضده الرسوم والمصاريف القانونية ). (19)
ومن القرارات المهمة لمجلس شورى الدولة اللبناني ، ما جاء بصدد اغفال القانون الجديد الإشارة الى الاحكام الانتقالية بالنسبة للحالات التي اكتملت في ظل القانون القديم الا ان الاجراءات الادارية لم تكتمل الا بعد نفاذ القانون الجديد ، جاء في قراره رقم 129 لسنة 1986انه ( بالنسبة للمستدعي في انه بعد ان انهى دروسه الثانوية اختار كمهنة له التحاليل الطبية وبدأ دروسه للحصول على الشهادات والخبرات التي يفرضها القانون الذي كان مرعي الإجراء في ذلك الوقت، وهو قانون مزاولة المهن الطبية الصادر بتاريخ 26/12/1946، وأتم تلك الدروس والخبرات، وأصبح بوضع قانوني يؤهله لقطف ثمار جهوده والحصول على إجازة فتح مختبر طبي في ظل القانون ذاته، فاذا بقانون جديد، هو قانون تنظيم المختبرات الطبية الخاصة، يصبح ساري المفعول ويعدل الشروط الواجب توفرها في طلب الحصول على اجازة لفتح مختبر طبي. وبالنسبة للإدارة في ان المستدعي لم يكمل تقديم المستند الذي يثبت انه يحمل شهادة البكالوريا – القسم الثاني أو ما يعادلها الا بتاريخ لاحق لدخول قانون تنظيم المختبرات الطبية الخاصة حيز التنفيذ وان الادارة وجدت نفسها بالتاريخ الذي كان مفروضاً ان تتخذ فيه قرارها في شأن طلب المستدعي امام احكام القانون الجديد الذي يفرض في طالب الحصول على اجازة لفتح مختبر طبي شروطاً جديدة غير متوفرة في المستدعي. وبما ان المشترع يأخذ عادة هذه الحالات بعين الاعتبار ويلحظ صراحة في القوانين التي يتخذها أحكاما انتقالية تسمح، خلافاً لقاعدة شمولية مفعول القوانين الجديدة، باستمرار خضوع بعض الاوضاع أو النتائج المترتبة عليها لاحكام القانون السابق الملغى أو المعدل صراحة أو ضمناً، وذلك كلما كان الامر يتعلق بتحقيق النتائج المفروض ترتبها عن الاوضاع التي استكملت مقوماتها في ظل القانون السابق وكان بين تلك الاوضاع والنتائج المترتبة عنها ارتباط وثيق يجعل منها وحدة غير قابلة للتجزئة. وبما ان عدم لحظ قانون 17/1/1979 صراحة، احكاما انتقالية للحالات المماثلة التي يمكن ان تنشأ بسبب صدورها لا يعني بشكل اكيد ان المشترع اراد عن قصد عدم رعاية تلك الحالات باحكام انتقالية خاصة تسمح بتحقيق النتائج المترتبة عنها، لا بل ان العكس هو المفترض، أي ان المشترع يقر ضمناً اعتماد مثل هذه الاحكام، لانه لا يعقل ان يطلب مثلاً من طالب قضى السنوات الطوال في دراسة الطب وفق منهاج يقرره قانون معين ويولي من يستكمله حق الاشتراك بامتحان الكولوكيوم لممارسة مهنة الطب، ان يقضي مجدداً سنوات عديدة في دراسة الطب وفق منهاج جديد لمجرد صدور قانون جديد يفرض هذا المنهاج كشرط للاشتراك في امتحان الكولوكيوم.
يراجع في هذا الشأن: Roubier, Le Droit Transitoire, Conflit des lois dans le temps, 2em ed. p. 351 . وبما ان المستدعي استكمل كما هو ثابت من اوراق الملف، في ظل قانون سنة 1946، مقومات الوضع الذي يؤهله للحصول على اجازة فتح مختبر طبي، بما في ذلك شهادة نهاية الدروس الثانوية التي نالها سنة 1968 والتي اعتبرت معادلة للقسم الثاني من شهادة البكالوريا اللبنانية بموجب قرار لجنة المعادلات ذي المفعول اعلاه، فانه يكون من حقه وفقاً للمبدأ الآنف الذكر ان يستفيد من النتائج المترتبة عن هذا الوضع والمرتبطة به ارتباطاً وثيقاً والمتمثلة بالحصول على اجازة فتح مختبر طبي وفق احكام قانون سنة 1946 وفي الحدود التي يفرضها هذا القانون وبما ان كل ما ادلى به خلاف ذلك يكون في غير محله القانوني ويقتضي معه رد جميع الاسباب والمطالب الزائدة والمخالفة.,….. يقرر المجلس بالإجماع …. ابطال قرار وزارة الصحة الضمني موضوع المراجعة، والقول بحق المستدعي استناداً لما تقدم بالحصول على اجازة فتح مختبر طبي وفاقاً لاحكام قانون سنة 1946 وفي الحدود التي يفرضها هذا القانون ورد المطالب الزائدة والمخالفة.) (20)المطلب الثاني ـ القصور التشريعي
الفرع الاول : ماهية القصور التشريعي
يقصد بالقصور في التشريع ، عدم تضمن النص القانوني لما تقوم الحاجة اليه من احكام تفصيلية او جزئية . ويتحقق القصور في التشريع متى كانت القاعدة التي تعالج المسألة المطروحة على القاضي موجودة ولكنها غير عادلة او غير منسجمة مع الظروف الاجتماعية السائدة .
وتسمى هذه الظاهرة بالقصور المزيف مقارنة بالقصور الحقيقي ( النقص في التشريع ) ، وتسمى ايضاً بالقصور الإيديولوجي لان تغيير الإيديولوجية يضطر القاضي الى خلق قصور.
ويسمى كذلك بالقصور الانتقادي لان القاضي ينتقد القانون القائم لانه غير ملائم ويسمى أيضا بقصور الغاية لان للقانون غاية معينة لا تنسجم القاعدة الموجودة معها لذلك يستحسن تجاهل تلك القاعدة وخلق قاعدة جديدة اخرى محلها.
والقصور في التشريع ظاهرة حتمية، لان وقائع الحياة بما تتضمنه من حركة وحيوية ونزوع دائم نحو التطور ليست امراً جامداً او ثابتاً على حال حتى يمكن ان يحتويها نص قانوني ، وهذا هو معنى القول الشائع ان دوام الحال من المحال، فضلا ان تطلعات الانسان والتقدم العلمي الهائل والمستمر بما يثيره من مسائل ونزاعات قانونية وحقوق ، لا يمكن ان تقف عند حد معين ،ولا يمكن للمشرع مهما كان حصيفاُ وحريصاً ان يتنبأ بها الا على سبيل الافتراض وهو قاصر ومحدود ونسبي ، ولما كان التشريع بحكم صياغته ما هو الا معنى يفرغ في لفظ معين ، فقصوره بالنسبة للمستقبل امر لا مفر منه لان المعنى متى حبس في اللفظ ، قعد به الجمود عن ملاحقة ما يجد من الوقائع اللامتناهية ، والتطور سنة دائمة لا مفر من التسليم بحكمها . فتكون محاولة البحث والتقصي عن حلول للمسائل المتجددة في التشريع القائم امراً عصياً او حتى مستحيلاً، فتكون حلوله غير ملائمة او غير عادلة.(21)
ولمعالجة القصور التشريعي هناك حلين ، يتمثل اولهما بتدخل المشرع وثانيهما الاجتهاد القضائي
الفرع الثاني: تدخل المشرع
يتدخل المشرع بين فترة واخرى بوسيلة التعديل او الالغاء وتشريع القوانين الجديدة ليلائم بين القانون وحاجات الروابط الاجتماعية المتجددة ، الا ان تدخل المشرع في جميع الاحوال ليس امراً مرغوباً او حسناً في كل الاحوال بالنظر ان كثرة التعديلات وتنوعها وعدم استقرارها، اذ قد تحدث تعديلات على التعديلات السابقة بسبب عدم وضوح الفكرة ابتداءاً فلا يعبر التعديل عن الحاجة الاجتماعية تعبيراً صائباً فيضطر المشرع الى تعديل التعديل، وكثرة التعديلات تؤدي الى حالة عدم استقرار المراكز القانونية واحداث نوع من الفوضى القانونية كما انها تربك القضاء والادارات العامة وتحجم دور الفقه وضيع جهده في بحوث ومؤلفات ما ان تنشر حتى يعدل القانون او يلغى وتحل محله افكار وتطبيقات لنظريات قانونية جديدة فتقل اهميتها او تفقدها ، كما ان كثرة التعديلات قد تؤدي الى ان تُضيع على الافراد فرص تحقيق امانيهم وخططهم المستقبلية ومفاد ذلك ان الفرد قد يعمل جاهداً من اجل يحصل على حق معين او من اجل ان يحقق شروط التعيين في وظيفة معينة او منصب معين وما ان يبلغها او يكاد حتى يعدل القانون ويضع شروطاً او مواصفات جديدة لم يحسب لها حساباً فتضيع امانيه وجهوده ، وضياع جهود الافراد وامانيهم نتيجة لا يفخر بها المشرع ، وقد يقال ان في هذا الصدد ان المصلحة العامة تقتضي مثل هذه التعديلات ، وقد يكون هذا صحيحاً ، ولكن ينبغي عندها المقارنة بين مقتضيات المصلحة العامة في التعديل ومقتضياتها في استقرار المراكز القانونية، وفي ضوء نتيجة المقارنة يتقرر تغليب احدهما وخير تعديل هو الذي يتبنى الافكار والنظريات القانونية المستقرة وهي لا تستقر الا اذا تبناها اغلبية الفقه وسار عليها الاجتهاد القضائي ردحاً من الزمن.
الفرع الثالث: الاجتهاد القضائي والاداري ومبادئ الشريعة الاسلامية
الاجتهاد لغة: بذل الجهد لإدراك أمر شاق. واصطلاحاً: بذل الجهد لإدراك حكم شرعي.
اجتهاد الرأي يكون على الاغلب في حالتين:
الاولى عدم وجود نص يحكم حالة او واقعة معينة لانه ( لا مساغ للاجتهاد في مورد النص). والثانية هي حالة وجود النص ، ولكنه نص غامض تتسع عباراته لمعاني ودلالات مختلفة ويختلف الفقهاء في تفسيره كل حسب اجتهاده وتتبع في مثل هذه الحالة قواعد التفسير.
ومثال هذه الحالة الاختلاف في تفسير قوله تعالى ( وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلّ لَهُنّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِيَ أَرْحَامِهِنّ ) (22)، فرغم وجود النص فقد اختلف الفقهاء في المقصود من (القرء) وهل هو الحيض ام الطهر.
اولاًـ الاجتهاد القضائي
قد يرى القاضي وهو ينظر في نزاع عرض عليه ان النصوص القانونية القائمة لا تتلاءم مع الظروف الاجتماعية السائدة وفي مثل هذه الاحوال يمكن للقاضي ان يلجأ الى حلول متنوعة بان يتوسع مثلا في مدلول معيار الغاية بان يعطي للنص تفسيراً متطورا ً من خلال التوسع في المعنى الجوهري للنص القانوني القائم فاذا تعذرادراك قصد المشرع بصورة ظاهرة امكن البحث عنه في المبدأ العام للقانون وروح الشريعة التي استمد منها القانون عموم احكامه او بالاستعانة بأحد المبادئ التي استقرت في الضمير القانوني الانساني بصورة عامة او ما استقر علية الفقه من اراء بالتأمل في روح النظام الاجتماعي ، واذا تعذر رغم ما تقدم من وسائل ايجاد حل للحالة فان القاضي يستطيع الاستناد الى وجهات نظر لاتزل غير محدودة وغير ملزمة بصورة عامة الا انها اعتبرت خلال فترة من الزمن اسانيد قانونية انسلخت على الاغلب من الأفكار النامية للمبادئ القانونية او من طبيعة الأمور ذلك ان القاضي ملزم بإيجاد حكم لكل حالة معروضة علية وبخلافه يعتبر منكراً للعدالة .
وفي كل هذه الاحوال ينبغي على القاضي ان يبقى في نطاق المبادئ والغايـــات التي يقوم عليها النظام القانوني عند تقدير ملائمة الحلول للحالة المعروضة عليه فلا يأتي بحلول شاذة او غريبة عن مجتمعه ومعياره في ذلك هو معيار النظام العام والآداب السائد في مجتمعه مستلهماً روح النظام القانوني والغايات الاجتماعية النبيلة ،دون ان يستند الى أفكاره ومعتقداته الشخصية.(23)
هناك امثلة كثيرة عن اجتهادات المحاكم التي استقرت واصبحت كالقاعدة القانونية سواء بسواء ، وهي تغطي مجالات واسعة من النظام القانوني ، فنظرية تحمل التبعة ومبدأ التعسف في استعمال الحق والإثراء دون سبب ونظرية الظروف الطارئة واقرار حقوق الملكية الادبية والفنية والصناعية ، وغيرها بدأت كاجتهاد فقهي او قضائي وبعد استقرارها تبنتها التشريعات المختلفة.
ومن الامثلة الشهيرة بهذا الصدد :
بتاريخ 15 مارت من عام 1910 اصدرت محكمة باريس حكماً صريحاً بالأخذ بنظرية تحمل التبعة، دون ان ينص عليها القانون المدني الفرنسي، وجاء في حيثيات الحكم ( وسواء اكان الضرر ناشئاً عن شيء ام عن فعل تابع او خادم لغير من كان ضحية هذا الضرر فان العدالة تقضي في هذه الحالة بان يتحمل النتائج المادية لهذا الضرر لا من كان ضحية له او ورثته وهم غرباء تماماً عن الحادث او الفعل الضار وانما يتحملها من كان الشيء او عمل التابع او الخادم يعود اليه بالفائدة والنفع )
كما اجتهد القضاء الفرنسي وقرر ان البطلان الذي يشوب بيع ملك الغير هو بطلان نسبي ، فاستقر هذا الاتجاه واتبعته جميع المحاكم ،رغم ان المادة(1599) مدني فرنسي لم تنص على اكثر من القول على ان بيع ملك الغير باطل ولم تحدد هل هو بطلان مطلق ام بطلان نسبي ، وبديهي ان يترتب على هذا الاجتهاد خلق مراكز قانونية جديدة لاطراف العلاقة القانونية في بيع ملك الغير لم يكن النص قد تضمنها لا صراحة ولا ضمناً .
وأخذ القضاء الفرنسي بنظرية الاثراء دون سبب رغم انه لا يوجد مبدأ عام في القانون الفرنسي يقرر هذه النظرية ، وكانت حجته في ذلك ان هناك نصوص تشريعية وردت بشأن بعض حالات الاثراء دون سبب ، كالفضالة ودفع غير المستحق ونحوهما ، فأعتبرها القضاء الفرنسي ليست سوى تطبيقات متفرقة لهذا المبدأ وردت على سبيل المثال لا الحصر فأدخل المبدأ كله جملة وتفصيلا الى النظام القانوني الفرنسي باجتهاده فأصبحت النظرية اليوم كأنها القانون المسنون لا يستطيع احد القول ان القانون الفرنسي لا يأخذ بها .
ومن الأمثلة على اثر تغير المبادئ والمثُل الاجتماعية على الاجتهاد القضائي ، اقرار نظام التعسف في استعمال الحق دون نص خاص ، حيث ان القانون الفرنسي والقانون المدني المصري القديم لم يتضمنا نصاً خاصاً بذلك ، وكان ذلك بدافع النظرة التقديسية الى حق الملكية والحقوق الفردية ، حيث عرف حق الملكية فيهما بانه ( الحق للمالك في الانتفاع بما يملكه والتصرف فيه بطريقة مطلقة ) .
الا ان النظرة الاجتماعية للحق ومنه حق الملكية تغيرت بمرور الوقت وأصبح ينظر للحقوق على ان لها وظيفة اجتماعية تؤديها في إطار عموم مصالح المجتمع ،فظهرت اتجاهات فكرية تنادي بضرورة الحد من اطلاق الحقوق وتقييدها بواجب عدم التعسف في استعمالها .
تأثر القضاء الفرنسي والمصري بهذه النظرة المتطورة للحقوق ، فأقر مبدأ نسبية الحقوق وقيدها بواجب عدم التعسف في استعمال الحق ،واعتبر من يتعسف في استعمال حقه كمن يرتكب عملا غير مشروع ويكون مسؤولا عن الاضرار التي تلحق بالغير جراء ذلك التعسف .
كما اورد القضاء العديد من القيود على مبدأ، العقد شريعة المتعاقدين ،التي املتها النظرة الانسانية الجديدة للعلاقة بين الدائن والمدين وتخلصاً من المساوئ الاجتماعية الكثيرة التي نشأت بسبب تطبيق هذا المبدأ في صورته الاولى . ومن ذلك ان القانون المدني المصري القديم كان ينص على انه ( اذا كان مقدار التضمين في حالة عدم الوفاء مصرحا به في العقد او في القانون فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر)،الا ان القضاء المصري اجاز لنفسه تخفيض التعويض المتفق عليه اذا كان مبلغ التعويض المتفق عليه مبالغاً فيه الى درجة كبيرة ولا يتناسب مع الضرر الذي اصاب الدائن بالرغم صراحة النص مستجيباً في ذلك لاعتبارات العدالة والملائمة ومرجحاً اياها على الاعتبارات التي أملت النص .(24)
ومن جانب اخر ، فان اعتماد القضاء الانكليزي على المعايير القانونية اتاح له تطوير الاحكام القضائية التي كانت غالبا ما تتقيد بالأعراف القضائية ، ومنها معيار المعقولية ، ومفاده ان تفسير القوانين والاعراف وتكييف الوقائع ينبغي ان يكون في النهاية منسجماً مع مقتضيات العقل والفهم الصحيح للامور ، وبتطبيق هذا المعيار على الشروط العقدية التي اختل توازنها بسبب ما طرأ من ظروف جديدة لم تكن بالحسبان عند التعاقد ، يتبين مايلي : ان تلك الشروط تقوم في الاصل على مصلحة الدائن والمدين معاً ، الا ان تطبيق معيار المعقولية ، يكشف عن وجود مصلحة ثالثة، هي مصلحة الجماعة ، التي يهمها ان ان تنفذ هذه الشروط ، بشرط ان لا يترتب على تنفيذها افلاس مدينين ( تجار ) معقولين ، الا انهم كانوا سيء الحظ بسبب ظروف اجنبية لا دخل لإرادتهم في تحققها . فحكم القضاء الانكليزي بفسخ مثل هذا العقد حيث ثبت لديه ان المدين لم يكن مخطئاً ، وان التنفيذ قد اصبح مرهقاً بشكل لو امكن لرجل عاقل ان يتنبأ به لما تعاقد . (25)
وعلى هذا يكون للقضاء دور متميز في الحياة القانونية ، وهذا الدور متميز عن مجرد انشاء القواعد العامة المجردة الذي هو من عمل المشرع لان القاضي هو من يضفي الفعالية من الناحية العملية على تلك القواعد و يجعلها ملائمة للواقع ومن أدواته في ذلك قواعد التفسير، المبادئ العامة للقانون ، المعيار القانوني ، مبادئ العدالة وهو يكاد يقترب من عمل المشرع من خلال الاداتين الاخيرتين فهو الذي يعين مضمونها عند نظره في قضية معروضة عليه .
ثانياً: الاجتهاد والتفسيرالاداري
اغلب الاجتهاد الاداري هو من اعمال المجالس الادارية الاستشارية التي تعرف عادة باسم مجلس شورى الدولة ، او من اعمال القضاء الاداري ، الا ان اعمال القضاء تتسم بالالزام بما لها من حجية الاحكام القضائية.
وفي العراق نصت المادة (6) من قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل على انه ( أولاـ ابداء المشورة القانونية في المسائل التي تعرضها عليه الجهات العليا. ثانياًـ ابداء المشورة القانونية في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قبل عقدها او الانضمام اليها. ثالثاًـ ابداء الرأي في المسائل المختلف فيها بين الوزارات او بينها وبين الجهات غير المرتبطة بوزارة اذا احتكم اطراف القضية الى المجلس ويكون رأي المجلس ملزما لها. رابعاًـ ابداء الرأي في المسائل القانونية اذا حصل تردد لدى احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة على ان تشفع برأي الدائرة القانونية فيها مع تحديد النقاط المطلوب ابداء الرأي بشأنها والاسباب التي دعت الى عرضها على المجلس ويكون رأيه ملزماً للوزارة او للجهة طالبة الرأي. خامسأً ـ توضيح الاحكام القانونية عند الاستيضاح عنها من قبل احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة. …)
جاء في قرار لمجلس شورى الدولة اللبناني رقم107 في 3/12/ 1992 ان ( قيام الدولة بهدم الانشاءات المرخص بها من البلدية ومن دون علمها يشكل تعدياً على الملكية الفردية ويدخل ضمن اختصاص القضاء العدلي ) .(… وبما أنَّ مسألة الصلاحية المطلقة تتعلق بالإنتظام العام وتقتضي إثارتها عفواً ) (26)
وقضى مجلس شورى الدولة اللبناني في قراره 213 في 6/1/1994 ( عدم مراعاة صلاحية السلطات التأديبية تتعلق بالانتظام العام،لا يمكن تفويض الصلاحيات التأديبية الا بنص صريح يسمح بذلك ).(27)
وجاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 13/98ـ99 في 7/10/1998 ان ( قرار اعلان اول الخاسرين فائزا بعد اقالة احد الاعضاء يعتبر عديم الوجود لانه يشكل اغتصابا للسلطة التي تعود للشعب وحده) وجاء في حيثيات القرار ( ان القرار المطعون فيه صادر عن سلطة غير صالحة بصورة جلية وهو بالتالي عديم الوجود ويعتبر والحال هذه كأنه لم يكن ويمكن الطعن فيه خارج المهلة القانونية فتكون المراجعة مقبولة شكلا) (28)
وبصدد مبدأ حق الدفاع عن النفس الدستوري جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 118 في 2/7/1987 (حق الدفاع عن النفس هو من الأصول الإجرائية الجوهرية التي يجب على الادارة أن تحترمها في معرض تأديب الموظفين والتحقيق معهم وانزال العقوبات بهم ويترتب عليها اطلاعهم على كل المآخذ المنسوبة اليهم وعلى كل المستندات التي تدينهم أو تتضمن اقتراحا بمؤاخذتهم…… وبما أن عدم اطلاع المستدعي على مطالعة رئيس هيئة التفتيش المار ذكرها ليقدم دفاعه بشأنها يشكل اغفالا لمعاملة جوهرية من أصول التحقيق التأديبي وبالتالي انتهاكا لحق الدفاع الذي يعتبر أحد المبادئ العليا التي كرسها الاجتهاد والقانون الوضعي كما كرستها الدساتير في البلدان الراقية. وبما ان القرار المطعون فيه يكون مستوجبا النقض لهذا السبب في الجزء منه المتعلق بالمستدعي. …. قبول المراجعة في الأساس ونقض القرار رقم 31/83 تاريخ 3/3/1983 الصادر عن هيئة التفتيش المركزي في الجزء منه المتعلق بالمستدعي وتضمين الدولة الرسوم …)(29)
وجاء في قرار للمجلس نفسه برقم 15/98ـ99 في 7/10/1998( اقتراع المرأة المتزوجة في قلم اقتراع اهلها يشكل مخالفة حاسمة اذا كان من شأنه التأثير على نتيجة الاقتراع، ويجب حسم اصوات النساء المتزوجات مداورة من اصوات الفائزين والخاسرين .) وان (قاضي الانتخابات ليس قاضي نظامية فقط بل هو ايضا قاضي حرية ونزاهة الانتخابات) . (30)
وفي قرار مهم تقرر فيه اقرار الحق لصاحبته رغم مرور مهلة المراجعة المقررة قانوناً وقد استند المجلس في قراره الى مبدأ مساواة المواطنين امام القانون ، باعتبار ان هذا المجلس قد أصدر عدة قرارات عائدة لموظفي هم في وضع مشابه لوضعها، حسبما جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 152 في27/5/1992
وملخص القضية ان المستدعية الأكاديمية اللبنانية وتخرجت منها حاملة شهادة جامعية، وانه وعرضت شهادتها على لجنة المعادلات التي قررت أنَّ شهادتها هي شهادة جامعية رسمية، وانه كان على وزارة التربية أنَّ تصنفها برتبة وراتب أستاذ تعليم ثانوي في الدرجة الاخيرة ، وجاء في حيثيات القرار (أن رفض الإدارة تصحيح وضعها مخالف لنص المادة 44 المشار اليها ومشوب بعيب تجاوز حد السلطة فيقتضي إبطال قرار الرفض وإعلان حقها بالتصنيف وفاقاً لأحكام هذه المادة. 2- أنَّه يقتضي تصحيح وضع المستدعية على أساس مبدأ المساواة، باعتبار ان هذا المجلس قد أصدر عدة قرارات عائدة لموظفي هم في وضع مشابه لوضعها، وأن مبدأ المساواة واجب التطبيق حتى بالنسبة لمن انقضت مهل المراجعة بحقهم.) (31)
وجاء في قرار اخر لمجلس شورى الدولة اللبناني برقم 140 لسنة 1986ان (صدور القرار مطبوعاً على الآلة الكاتبة ليس افشاء لسر المذاكرة لان النص المطبوع يبقى مشروع قرار ولا يصبح قراراً الا بالتوقيع ) (32)
وبصدد الطعن بالقرارات التنظيمية جاء في القرار رقم 133 لسنة1993( مذكرة وزير المالية بوقف صرف تعويض النقل والانتقال المحدد بمرسوم هو من القرارات التنظيمية لا الفردية ويمكن الادلاء بعدم قانونيتها بعد انقضاء المهلة. ) (33)
وبصدد تنصيب الادارة نفسها قاضياً جاء في قراره رقم 115 في 7/9/1986ان ( مهمة لجان الاستملاك تقتصر على تحديد التعويض المترتب على الاستملاك دون ان تتعداها الى البحث في قانونية الاستملاك ). (34)
وبصدد احترام مبدأ احترام الحقوق المكتسبة جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 124 لسنة 1988( المباشرة بتنفيذ رخصة البناء دون مخالفة مضمونها يمنع السلطة من اخضاع الترخيص لأي تغيير أو تعديل في شروطه.)
وبنفس المعنى ما جاء في قراره رقم 127 لسنة 1987ان ( قرار الادارة بسحب الترخيص بعد انقضاء مهلة الشهرين على صدوره مستوجب الإبطال لمخالفته مبدأ الحقوق المكتسبة.)(35)
وبصدد عدم جواز رجعية القرارات الادارية جاء في قراره رقم 136 لسنة 1987 ( عدم جواز تضمين المرسوم الاشتراعي مفعولا رجعيا ما لم تفوض السلطة المشترعة صراحة بذلك. وبما انه اذا كان في الأصل ووفق المبادئ العامة لا تطبق القوانين بمفعول رجعي ما لم تحتوي أحكاما صريحة أو ضمنية على ذلك. كما أنه لا يجوز أن ينص المرسوم الاشتراعي على مفعول رجعي له ما لم تفوض السلطة المشترعة صراحة بذلك – وهذا التفويض لم يحصل بموجب القانون ….. فسخ القرار المستأنف والحكم مجددا بتصديق التكليف المعترض عليه وتضمين المستأنف ضده الرسوم والمصاريف القانونية ).(36)
وتأكيداً لمبدأ الولاية العامة للقضاء جاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم162 في 20/12/1994( تبقى قابلة للنقض امام المجلس قرارات الهيئات الادارية ذات الصفة القضائية حتى ولو كانت نهائية وغير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة.)(37)
ولاشك ان في ذلك إقرار لمبدأ مهم للغاية ، فعلى الرغم من نص القوانين الادارية على ان قرارات الادارة بشأن من الشؤون تعتبر نهائية وغير قابلة للطعن ، فان القضاء أكد ولايته على الرغم هذه النصوص ويمكن ان نفسر هذا التوجه بان المجلس فسر النص القانوني على ان المقصود من النهائية وعدم جواز الطعن هو عدم جواز الطعن به امام الجهات الادارية وليس امام القضاء .
ثالثاً: الاجتهاد في منظور الشريعة الاسلامية
تدعم جواز الاجتهاد احكام الشريعة الإسلامية التي لا يجوز سن قانون يتعارض مع احكامها بموجب الدستور.
ومن احكامها في هذا المقام يلزم المجتهد سواء كان قاضياً او حاكماً او والياً او فقيهاً أن يبذل جهده في معرفة الحق، ثم يحكم بما ظهر له فإن أصاب فله أجران: أجر على اجتهاده، وأجر على إصابة الحق، لأن في إصابة الحق إظهاراً له وعملاً به، وإن أخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور له، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد).
وورد في بعض المصادر انه قال ( اذا اجتهد الحاكم…) او انه قال ( اذا اجتهد القاضي…) .
وإن لم يتبين له الحكم وجب عليه التوقف، وجاز التقليد حينئذٍ للضرورة. وقال تعالى في محكم كتابه العزيز ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم فإن تنازعتمُ في شيء فردّوه إلى اللَّه والرسولِ إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً)( النساء /59 )، وتدل هذه الآية الكريمة على إمكانية الخلاف في الرأي حول مسألة شرعية واحدة، وهي توجب الرجوع ، الى النصوص الشرعية الثابتة في كتاب اللََّه تعالى وسنة نبيه الكريم ، وهو رجوع يقوم على الاجتهاد، وفضلا عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد وأجره المشار اليه ، نتوصل الى نتيجة مفادها أن اجتهاد المجتهدين ليس صواباً كله، وما تقدم من الأدلة الشرعية تؤكد شرعية الاجتهاد وتشير في نفس الوقت الى تنوعه وتعدده ولو في مسألة واحدة . وان الخطأ فيه لا يعد جريمة لان الجواز الشرعي ينافي الضمان.
ومن شروط الاجتهاد في الشريعة الإسلامية:
1 – أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها.
2 – أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه، كمعرفة الإسناد ورجاله، وغير ذلك.
3 – أن يعرف الناسخ والمنسوخ حتى لا يحكم بمنسوخ.
4 – أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص، أو تقييد، أو نحوه حتى لا يحكم بما يخالف ذلك.
5 – أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ؛ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين، ونحو ذلك، ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات.
6 – أن يكون عنده قدرة تمكنه من استنباط الأحكام من أدلتها.
والاجتهاد قد يتجزأ فيكون في باب واحد من أبواب العلم، أو في مسألة من مسائله.
يتبع…………..
هوامش الجزء الاول :
1ـالأنفال:27-28.
2ـ النساء: الآية 58.
3ـ انظر بصدد اراء المدرسة التاريخية د. سليمان مرقس، الوافي ـ شرح القانون المدني ،ج1، المدخل للعلوم القانونية ، ط6، 1987 ، ص 460ـ 461 ، وانظر بصدد رأي الاستاذ السنهوري، د. محمد شريف احمد ، نظرية تفسير النصوص المدنية ، دراسة مقارنة بين الفقهين المدني والاسلامي ، ص188 وما بعدها وص226ـ227.
4ـ انظر بصدد اراء الفقيه سالي ، د. محمد شريف احمد، مصدر سابق، ص 189 وما بعدها
5ـ انظر د. عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية ،ج1،القانون ، ص 537 ، 538، وكذلك الاستاذ ضياء شيت خطاب ، فن القضاء ، بغداد ، ص 70 ، وكذلك د. حسن بغدادي ، النقص في احكام التشريع ، مجلة القضاء ، بغداد ، العدد (4ـ5) س4 ، 1945، ص 399 وما بعدها. وانظر خلاف اراء الشراح هانز كلسن ، النظرية المحضة في القانون ، ترجمة د. اكرم الوتري ، ص 136 وما بعدها.
6ـ انظر بصدد معطيات القانون ، بحثنا ( اساس مقولة ان التشريع متى توقفت حكمته توقف حكمه ) ، منشور على شبكة الانترنيت.
7ـ انظر بهذا المعنى د. حسن بغدادي، مصدر سابق، ص 399 وص 406ـ408 و محمد احمد رمضان ـ دور القاضي في انشاء القاعدة القانونية المدنية ـ دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، ص 57 و كذلك د. عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ، ص544 و 554ـ555 ، وانظر بهذا المعنى الاستاذ عبد الباقي البكري، مباديء العدالة مفهومها ومنزلتها ووسائل ادراكها،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،كلية القانون ـ جامعة بغداد ،عدد خاص ، مايس ص 65.
8ـ عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ،ص553 وكذلك محمد احمد رمضان ، مصدر سابق ،هامش2 ص136ـ 137 .
9ـ. الاستاذ س.ف كاناريز ، سد الفراغ في القانون وموقف النظام القانوني الالماني ، ترجمة د. عبد الرسول الجصاني ،مجلة القضاء، نقابة المحامين العراقية،ع1س28،كانون الثاني ،شباط ، اذار،سنة 1973 ،ص76ـ77.
10ـ انظر بصدد تفسير القانون الجزائي والتمييز بين القواعد الجزائية الايجابية والقواعد الجزائية السلبية ،د. علي حسين الخلف ود. سلطان عبد القادر الشاوي ، المباديء العامة في قانون العقوبات ، شركة العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ،ص38 ومابعدها و ص45 وما بعدها. وانظر كذلك د. احمد عوض بلال ، مباديء قانون العقوبات المصري ـ القسم العام ، دار النهضة العربية، ص51 وما بعدها وص 55 وما بعدها .
11ـ القانون الاداري بمعناه الضيق ، أي بأعتباره قواعد متميزة عن قواعد الشريعة العامة (القانون المدني) يحكم علاقات الادارة العامة مع الافراد ، لم يبدأ بالظهور الا في فرنسا عقب قيام ثورتها سنة 1789 ، وعلى وجه التحديد منذ ان انشأ مجلس الدولة الفرنسي في السنة الثامنة للثورة. بينما تمتد جذور القوانين الاخرى كالقانون الجزائي والقانون المدني الى قانون اورنمو وقانون حمورابي العراقيين وذلك حوالي القرن العشرين قبل الميلاد. انظر د. محمد علي بدير و د. عصام عبد الوهاب البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي ، مباديء واحكام القانون الاداري، مصدر سابق، ص 28 وص33 ومابعدها.
12ـ انظر بصدد مصادر القانون الاداري، انس جعفر ،استاذ القانون العام ، القرارات الادارية ، دار النهضة العربية ، ط2، 2005 ، ص 9 ومابعدها ، وانظر كذلك د. محمد علي بدير و د. عصام عبد الوهاب البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي ، مباديء واحكام القانون الاداري، مصدر سابق ص 42 ومابعدها ، وكذلك انظر د. محمد محمد عبد اللطيف ،قانون القضاء الاداري، الكتاب الثالث ، مسؤولية السلطة العامة،دار النهضة العربية،2004 ، ص39 وما بعدها
13ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني ، العدد التاسع سنة 1994 – 1995 ص 168.
14ـ مجلة القضاء الاداري العدد الثامن سنة 1993 ص 171.
15ـ الغلط الشائع يقوم مقام القانون ، مبدأ قانوني مهم وراسخ تاريخياً ، متفرع من نظرية الاوضاع الظاهرة ،التي تستند الى مبدأ امن واستقرار المعاملات في المجتمع ، فاذا شاعت فكرة مغلوطة بين الناس وترتب عليها نشوء قواعد سار عليها افراد المجتمع ونظموا شؤونهم ومصالحهم على اساسها فانها تصبح كالقاعدة القانونية ، فان جاء احدهم وخرج على تلك القاعدة ، استحق الجزاء المترتب على مخالفة القانون ولايقبل منه احتجاجه بانها قاعدة مغلوطة. ومن تطبيقات ذلك ما نصت عليه المادة (384) مدني عراقي ، من اعتبار الوفاء للدائن الظاهر مبرئاً لذمة المدين ، واعتبار تصرفات الوارث الظاهر صحيحة ونافذة في مواجهة الوارث الحقيقي ،فاذا وضع شخص يده على تركة متوفي باعتباره وارثاً وتصرف باموال التركة للاخرين حسني النية ، ثم تبين انه ليس بوارث ،في هذه الحالة تبقى التصرفات التي اجراها صحيحة ، ومن تطبيقات حماية الوضع الظاهر قاعدة ( الحيازة في المنقول سند الملكية ).
16ـ انظر د. مالك دوهان الحسن،المدخل لدراسة القانون،ج1،بغداد، ص20 ، وانظر د. عبد المجيد الحكيم ، الوسيط في نظرية العقد ،ج1، في انعقاد العقد،1968، ص476 وانظر د. سمير تناغو، النظرية العامة للقانون،1973، ،ص246 ـ 260 ، وانظر د. عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ،هامش ص493 وص 494 ـ 497 ، وانظر كذلك د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية ،1976 ، ص 269
17ـ مجلة القضاء الاداري العدد الرابع سنة 1989 ص 207.
18ـ مجلة القضاء الاداري العدد السادس سنة 1991 و1992 ص 362.
19ـ مجلة القضاء الاداري العدد الرابع سنة 1989 ص 227.
20 ـ مجلة القضاء الاداري العدد الثالث سنة 1987 – 1988 ص 168.
21ـ انظر بهذا المعنى د.محمد شريف احمد ، ص 165 ، وكذلك انظر د. حسن بغدادي ص 399.
22ـ البقرة ـ الاية 288.
23ـ انظر بهذا المعنى الاستاذ س.ف.كاناريز،مصدر سابق،ص80 ـ 82،ص84 ـ 85 ،ص87 ، وكذلك انظر ابرهيم شحاتة، في اجتهاد القاضي ، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، جامعة عين شمس س4،يوليو سنة 1962،ص416ـ417،ص419ـ420 ،ص423ـ425، وكذلك انظر بهذا المعنى الاستاذ عبد الباقي البكري، مباديء العدالة مفهومها ومنزلتها ووسائل ادراكها،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،كلية القانون والسياسة ـ جامعة بغداد ،عدد خاص ، مايس 1984 ص 65.
24ـ اصول القانون او المدخل لدراسة القانون ، د. عبد الرزاق احمد السنهوري و د. احمد حشمت ابو ستيت ، دار الفكر العربي ، 1952 ، ص111ـ114،وانظر كذلك د. حسن علي الذنون ، المسؤولية المدنية،نظرية تحمل التبعة،مجلة العلوم القانونية والسياسية،كلية القانون والسياسة،عدد خاص،مايس 1984،ص84 ، وكذلك انظر د.محمد شريف احمد ، مصدر سابق ص165 .
25ـ انظر ــ د. حامد زكي ،التوفيق بين القانون والواقع، ج2،مجلة القانون والاقتصاد ، مصر ، س2ع2 ، ص254.
26ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني، العدد السادس سنة 1991 و1992 ص 302.
27ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني، العدد الثامن سنة 1994 ص 223.
28ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،عدد خاص بالقرارات المتعلقة بالقضايا الانتخابية سنة 1998 ص 372.
29ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني، العدد الرابع سنة 1989 ص 204.
30ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،عدد خاص بالقرارات المتعلقة بالقضايا الانتخابية سنة 1998 ص 379.
31ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد السادس سنة 1991 و1992 ص 407.
32ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الثالث سنة 1987 – 1988 ص 189.
33ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الثامن سنة 1993 ص 121.
34ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الثامن سنة 1993 ص 121.
35ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الرابع سنة 1989 ص 207.
36ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الرابع سنة 1989 ص 227.
37ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني، العدد التاسع سنة 1994 – 1995 ص 168.