اسم الكاتب : منقذ داغر
ناقش الأخ إبراهيم العبادي عبر عموده الصحفي في جريدة الصباح هذا اليوم ٢٢ حزيران،بعض حجج المؤيدين والمعارضين لمفهوم أمة العراق.
هنا أود التمييز بين مفهومي الأمة والدولة،وهما مفهومان مختلفان وإن تداخلا أحياناً.ولا أعتقد أني أحتاج للوقوف طويلاً لشرح هذا التمييز فالغالبية تدرك أن الأمة قد لا تعني الدولة، فالكرد أمة لكن ليست لديهم دولة. وتعريف الدولة يتضمن وجود ما هو أكثر من الشعب والمنطقة الجغرافية والتاريخ والثقافة المشتركين ليشترط وجود الحكومة.لكن السؤال الأهم والذي قد لا ينتبه البعض لأجابته،هل الدولة تحتاج لأمة موحدة؟ وهنا يجب التمييز بين مفهوم دولة الأمةnation state وبين مفهوم الدولة عموماً .فالدولة لا تشترط وجود أمة واحدة ضمنها، والأمثلة على الدول متعددة الأمم multinational states كثيرة،ليس أولها العراق ولا آخرها أمريكا. لا بل أن كثير من دول العالم باتت تشجع هجرة مواطني دول وأمم أخرى لأراضيها لحاجتها لهم.
إن المفهوم التقليدي للأمة قد تم نسفه في أدبيات السياسة من عقود.فلم تعد الأمة تعرّف بأنها (مجموعة من الناس المرتبطين لغوياً،وجغرافياً،وتاريخياً،وعرقياً).بل بات التأكيد أكثر على عوامل:الشعور والمصالح ،والثقافة المشتركة في تعريف الأمة. وفي رأيي بات التعريف الحالي لمفهومي الأمة والدولة قريبين من بعضهما الى حدٍ غدا التمييز بينهما صعباً.
فالأمة باتت تعرّف بأنها تكوين نفسي يتجسد بثقافة ومصالح مشتركة.وبرز بشكل أكثر مفهوم: الأمة المدنية civic nationalism والتي تكون فيها المواطنة المتساوية هي أساس رابطة الأمة ،مثلما برز مفهوم الأمة متعددة الثقافاتmulti culturalim . بناءً على هذا الفهم بتُ مؤمناً أن التعريف المناسب للأمة أنها(مجتمع سياسي ثقافي قادر على أن يعي تميزه ووحدته ومصالحه المشتركة).
بالتالي فأن الأمة لا تعدو كونها مصطلحاً شعورياً واعياً،أو كما يسميه الأستاذ الأمريكي أندرسون(مجتمع متصور) ويسميه الأسترالي بول جيمس ب(المجتمع التجريدي). وكم أعجبني مصطلح (أمة الغرباء) الذي أستخدمه باكارد في أحدى مقالاته ويشير فيه الى ذات المعنى الذي يؤكد البعد الشعوري السايكولوجي لمفهوم الأمة. لقد بتنا اليوم نشهد مزيداً من الناس ممن يشعرون بالأنتماء لمجموعة من الناس لا على أساس جغرافي أو حتى ثقافي أو لغوي،بل على أساس إنساني أو مصلحي.ولعمري، فإن القول بأن (الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة)هو خير تجسيد للمفهوم الشعوري المصلحي للأمة.فالشعور الأختياري المجرد هو الأساس في تكوين الأمة وليس أي عامل من العوامل التقليدية الآنفة التي لطالما استفاض بشرحها منظري السياسة التقليديين.
أن العراقيين لا يمكن لهم أن يكونوا أمة مالم يشعروا بإرادتهم المجردة،وبدون أي قسر، أنهم أمة. في ذات الوقت لا يمكن تجريدهم من كونهم أمة ماداموا يشعرون بذلك. بناءً عليه فأنه لا يمكن منع العراقيين من الشعور أنهم جزءاً من أمة العرب أو أمة الأسلام أو الكرد،مالم تتوفر لديهم المصلحة والأحساس بأنهم جزءاً من أمة العراق وأن كونهم جزءاً من العراق لاينفي عروبتهم أو إسلامهم أو كرديتهم.وهذا الأحساس لا يمكن له أن ينمو دون جناحي المواطنة(المساواة والعدالة)،ورأسهما(المصلحة المشتركة).
أذا فهمنا الأمة بهذه الطريقة فلا أعتقد أنه سيكون مهماً حينذاك الأجابة على التساؤل المطروح في بداية المقال.فسواء كان العراق أمة لا دولة،أو دولة لا أمة، فإن الأهم أن يكون وطن.والمواطنة هي شعور قبل أي شيء آخر.
بقي أن أشير الى أن الانتقال من مفهوم الأمة أو الدولة الى مفهوم الوطن،سيحل مشكلة تعدد الثقافات واللغات والأديان والمذاهب. وبالتاي سينقلنا من مفهوم التعدد الى مفهوم التنوع، فنصبح شعباً متنوع(وليس متعدد) الثقافات والأديان واللغات..الخ. ويتحول مفهوم الأمة عندنا الى وعي وحقيقة ناجمة عن تفاعل مشترك للفسيفساء وليس تجميع مصطنع للأجزاء.