اسم الكاتب : بلخير بقة
ظهر الأكديون كأول قوم سامي (1) سلفي للعرب منذ الألف الثالث ق.م في بلاد الرافدين حول مديتني كيش وأشور وحول مدينة ماري، واستطاعوا أن يحلوا محل الطبقة السكانية المتحضرة التي سبقتهم والتي لم تترك أثرا لغويا يدل على أصولها، ولكن الأكديين الذين سكنوا مناطق الفرات الأسفل امتزجوا بالسومريين وتأثروا بحضارتهم واستطاعوا بعد أواسط الألف الثالث ق.م أن يؤسسوا أول إمبراطورية في تاريخ العرب والعالم (2) تجاوزت سمعتها حدود منطقة الشرق الأدنى وشملت جزءا لا بأس به من المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ الحضارة السومرية.
وقد استطاع الأكديون الدخول إلى أراضي سومر في المنطقة التي يقترب فيها الدجلة والفرات اليوم اقترابا شديدا من بعضهما وتماما في المناطق المحيطة بمدينة كيش القديمة أين توغلوا إلى الأراضي السومرية نحو الجنوب ومن ثم نحو الشمال حيث ازدهرت دولة أشور فيما بعد واستطاعوا فرض وجودهم (3) التي (Agade) وتقترن شهرة أكد باسم الملك سرجون “شاروكين” مؤسس مدينة أغاد يطلق على كل السهل الشمالي الضيق من بلاد (Akkad) أصبح اسمها المحرف إلى أكد بابل(4)، وعن حياة هذا الملك فقد ارتبطت سيرته بين ما هو حقيقي وما هو أسطوري، وهناك روايات جاءت على لسانه تؤكد أنه ولد غير شرعي لإحدى الكاهنات اللواتي كان يحظر عليهن الزواج وقد وضعته في سلة من القصب ورمته في نهر الفرات حيث التقطه أحد البستانيين الذي تبناه ورباه وجعله بستانيا مثله، ونتيجة عطف وحب الآلهة عشتار له جعلته حاكما على ذوي الرؤوس السوداء أي على الأكديين (5) وأهم الأعمال التي قام بها أنه تمكن ملك أوروك وأور السومرية، وتذكر الأساطير أن (Lugal Zagzi) من قهر لوجال زاجيزي السبب وراء هذه الحرب كان رفض هذا الأخير مصاهرة سرجون الأكدي (6)، ويقال بأنه تذرع بالمعاملة السيئة التي لقيها أحد رسله في قصر لوجال زاجيزي(7)، كما فتح كل بلاد بابل وأقام فيها مملكة تدين له بالطاعة بعد أن كانت تتبع السومريين، وقد نشر سرجون في مملكته اللغة السامية كما طبع ثقافتها بشكل عام بطابع سامي وتوسعت مملكته نحو الشرق لتضم عيلام كما توسعت غربا حتى وصلت سوريا وشواطئ البحر الأبيض المتوسط (8) واستطاعت عزيمة السلالة الحاكمة التي خلفت سرجون أن تحافظ على الازدهار الكامل للإمبراطورية حيث قاد “نرام-سن” حفيد سرجون بلاد الشرق الأدنى وسار بها طوال أربعين سنة تقريبا ليس فقط إلى ذروة المجد السياسي، بل والحضاري أيضا، والذي لقب نفسه بملك جهات العالم الأربع, وقام بتأليه نفسه في حياته (9) لتستمر هذه الإمبراطورية المزدهرة حوالي قرنا من الزمن لعبت فيها الدور القيادي في مجتمع بلاد الرافدين، حيث فرضت عليه أطرها كاللغة الأكدية التي حلت محل اللغة السومرية التي كانت سائدة، وبهذه اللغة كتبت نصوصا مختلفة منها السياسية والدينية والأدبية وغيرها(10) لكن هذا الدور القيادي سرعان ما انهار حوالي 2230 ق.م تحت وطأة غزوات الجبليين القادمين من منطقة همذان في الشمال الشرقي، واستمرت سيطرة (Kouti) الكوتيين الكوتيين من 2230 ق.م إلى 2120 ق.م تقريبا لتأتي بعد ذلك حقبة العصر السومري الجديد (11).
______________
(1) الساميون: قوم سكنوا بلاد غربي آسيا منذ فجر التاريخ وسوريا والجزيرة العربية، واشتق اسمهم من سام بن نوح حيث ورد ذكره في الإصحاح العاشر من سفر التكوين في التوراة، ويتكون الساميون من الأقوام التالية:
البابليين والأشوريين الأموريين والكنعانيين والآراميين والعبرانيين والعرب والأحباش. أنظر: محمد شفيق غربال، المرجع السابق، ص 948
(2) فيصل عبد الله، عيد مرعي، المدخل إلى تاريخ الحضارة، منشورات جامعة دمشق، دمشق، 2000 ص 48.
(3) أنطوان مورتكات، تاريخ الشرق الأدنى القديم، تر: توفيق سليمان، مطبعة الإنشاء، دمشق، 1967، ص 84.
(4) نور الدين حاطوم وآخرون، المرجع السابق، ص 154.
(5) أنطوان مورتكات، المرجع السابق، ص 87-88.
(6) نور الدين حاطوم وآخرون، المرجع السابق، ص 154.
(7) أنطوان مورتكات، المرجع السابق، ص 87.
(8) نور الدين حاطوم وآخرون، المرجع السابق، ص 154-155.
(9) أنطوان مورتكات، المرجع السابق، ص 91.
(10) جباغ قابلو، المرجع السابق، ص 71.
(11) عمر محمد صبحي عبد الحي، الفكر السياسي وأساطير الشرق الأدنى القديم- بلاد مابين النهرين ومصر. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، مصر، 1998، ص 123.