ديسمبر 6, 2024
130530131132_iraq_flag_304x171_ap_nocredit

دراسة سوسيولوجية دينية تحليلية

اسم الكاتب : علاء ناجي

يشكل بناء الهوية الدينية لأفراد المجتمع العربي عامة والمجتمع العراقي خاصة الحجر الأساس في عملية التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات التي تنشد الرفاهية والتقدم والازدهار لمستقبل أبنائها، لأن ما يصنعه المجتمع بالأفراد وهم صغار يصنعونه به وهم كبار، من هنا تبدو خطورة عملية التثقيف التي يتعرض لها الفرد عبر ما يسمى بالتنشئة الاسرية والدينية ،فالفرد يكتسب الهوية الدينة بالكيفية التي يمليها عليه المجتمع اذ الدين الاسلامي نظاما إجتماعيا شاملا لكل جوانب الحياة وقضايا المجتمع، فهو لا يترك صغيرة ولا كبيرة من الامور الدينية والدينيوية الا بينها ووضع لها القواعد والأسس التي تحكمها وتنظمها، سواء كانت ظاهرة دينية أم ظاهرة دنيوية اجتماعية، فهو لا يترك أي جانب من هذه الجوانب بلا تنظيم وإحكام. انما كل شيء فيه موضح ومفصل تفصيلا عاما تارة وتفصيلا دقيقا تارة أخرى لقوله تعالى في محــكم التنزيل (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (سورة يس: الآية 12).

فان هذه الدراسة تدور حول تساؤلات الاتي: كيف يمكننا بناء الهوية الدينية في المجتمع العراقي؟ ما هي العوامل المسؤولة في ازمة ام انهيار الهوية الدنية في المجتمع العراقي؟ وكيف يمكن معالجتها؟ وما هو مفهوم الهوية أولا وكذلك الهوية الدينية؟

الهوية يقصد به حالة استقلال الذات والانتماء إلى الشيء، وهي أيضاً حالة الشيء كونه متميزاً، وتعد مطلباً أساسياً لكل البشر، وتحديدها واجباً حتمياً، يقع جزئياً على عاتق المسؤولين عن مهمة ضبطها وتوجيهها على اعتبار أن شكل ومضمون الهوية من الواجبات التي لا يمكن تجاهلها أو التخلي عنها(1)، اذ ان الهوية هي تعبير او رموز التي يجتمع عليها افرد المجتمع العراقي والتي تتعلق بالولاء والانتماء أيضا وبالتأكيد فان هذا التعلق بالولاء والانتماء سوف يتجه نحو ديمومة اجتماعية معينة لذا فيكمن القول ان الهوية هي نمو الذات الجماعة ام الاجتماعية لأفراد المجتمع ككل.

الدين يقصد به نسق موحد من المعتقدات والممارسات التي تتصل بشيء مقدس وهذه المعتقدات والممارسات في مجتمع اخلاقي واحد ويضم كل الذين يرتبطون بهم(2)، وبهذا فان الدين هو الركيزة الأساسية التي تجمع الشعوب في العالم الإسلامي وهو الرابطة المتينة التي تؤلف بين هذه الشعوب مهما اختلفت لغاتها والوانها واماكنها فالجميع مسلمون يؤمنون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلي الله عليه وسلم) نبيا ورسولا اذ فهو دين شامل في عقيديته وشرعيته وهو يقوم على الحق والعدل وينبثق منه قواعد عظيمة واسس قوية وانظمة تشمل الحياة الإنسانية باسرها وكل ذلك يشكل وحده واحده مترابطة فيما بينها لا يمكن ان تسمي بغير الإسلام ويعلب الدين دورا محوريا في بناء الهوية لان الدين يتضمن المبادئ ومنظومات القيم التي ينشا عليها الطفل منذ الصغر وهي التي توجه سلوكيات الطفولة والكبار في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية ويشكل الدين قاعدة الثقافة والأخلاق في المجتمع فالحلال والحرام الديني هو معيار الخطأ والصواب الثقافي.

الهوية الدينية: هي مجموعة العقائد والمبادئ والخصائص والمميزات التي تجعل امة ما تشعر بمغايرتها للأمم الأخرى(3)، هي الدعائم التي يبنى عليها الإسلام وهي اسسه الخمسة وشعاره وأحكامه التي جاءت في القران والسنة وما تحقق بعد انتشار الدين الإسلامي وامتداده عبر القارات بالإضافة الى حصيلة الآراء والبحوث المعرفية والعلوم التي جاء بها الفكر الإسلامي عبر القرون وفي سائر المجالات الإنسانية والطبيعية وهو ما دخل التاريخ باسم الحضارة الإسلامية والتراث الإسلامي.

العوامل المؤدية الى ازمة الهوية الدينية

هناك جملة من العوامل المؤدية الى ازمة الهوية الدينية في المجتمع العراقي على النحو الاني :

أولا: العولمة

تتمثل العلاقة بين الهوية الدينية والعولمة علاقة صراع وتوتر فالعولمة ومن خلال التغييرات السريعة التي تحدثها تعتبر مصدر تدمير العقل والإدراك الواعي من خلق هذا العالم وسننه الكونية وهي في مضمونها ورؤيتها الفكرية تعبير عقلي يتسم بأزمة الهوية الدينية لدى افراد المجتمع اذ ان العولة تعلب دور في فصل انتماء وولاء الفرد عن عقيدة الإسلامية التي نشاء عليها منذ الصفر ونمت في عقليته بمبادئها بين الحلال والحرام وما هو غير مسموح القيام به داخل مجتمعه.

فاذا كانت العولمة تسعى الى نشر ثقافية عالمية بقصد ام بدون قصد فأنها تحاول وبكل مفاصل الياتها القضاء على الثقافات المحلية فان هذا لها دور فعال ومباشرة في الدين وبصورة جوهرية وحتى في المجتمعات غير الدينية بمعنى المجتمعات التي لا يلعب الدين دورا بارزا او يحويا في توجيه السلوك اليومي للإنسان فيها فان دراسة ثقافتها وفهم ابعادها لا يتم الا بدراسة دينها واقعا ام تراثا ويقول احد كبار الاجتماعيين الانجليز المعاصرين (ستيفن هونت) في كتابة عن (الدين في المجتمع الغربي) (لا قيمة لأي مناقشة حول الدين في أي مجتمع معين او في أي منطقة سياسية جغرافية في العالم بما فيها المجتمعات الصناعية في اوربا وامريكا ما لم تتم في اطار عولمي)(4).

وتظهر محاولات اختراقات العولمة للعولمة لميادين الحياة الدينية اذ تتم في كثير من الأحيان من قنوات إسلامية داخلية باسم الاجتهاد وحرية التفكير وحقوق الانسان ومحاربة الجمود وتتمتع بقوة كبيرة على الانتشار والتأثير اللذين يكادان ان يؤثرا في مناعة قاعدة عريضة من اتباعه وهي مناعة تنبثق من المناعة الذاتية التي يملكها الإسلام ذاته وتعتمد عليها ومن الظواهر الدينية الاجتماعية السلبية التي نراها في العالم الإسلامي مما يصف تحت (التطرف بشكاله المختلفة ام الأصولية او الانغلاقية يمكن قراءتها وتحليلها في اطار هذه الاختراقات العولمية والحداثية وعلى الرغم مما يتراءى في الأفق كمخاض ثقافي جدي في العالم الإسلامي وعلى الرغم من بروز أنماط ثقافية غريبة في كثير من المجتمعات الإسلامية فان التاريخ يعلمنا ان القاعدة في المجتمع الإسلامي هو ما قاله القران الكريم( فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) (سورة الرعد : الآية(17) وما اخبرنا به محمد(ص) من ان الله يقيض لهذا الدين رجالا ينفون عنه تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين(5).

ثانيا: التفكك الاجتماعي(الاسري)

للأسرة مسؤولية كبيرة ودور هام في تقرير النماذج السلوكية التي يبدو عليها الطفل في كبره، فلا شك أن شخصية الإنسان وفكرته عن هذا العالم، وما يتشرب من عادات وتقاليد وقيم ومعايير للسلوك إنما هي نتاج لما يتلقاه الطفل من خلال أسرته، لذلك تعتبر الأسرة النواة الأولى في علاقة الفرد بالحياة الاجتماعية وخط الدفاع الأول ضد الانحراف، وعلى هذا الأساس يقع على كاهل الأسرة مسؤوليه عظيمة في ضبط سلوك الفرد وتوجيهه.

لقد بدت على الأسرة العربية بشكل عام والاسرة العراقية بشكل خاص عددا من المظاهر والأسباب التي قد تؤدي إلى انحراف أبنائها فنبدأ من الأوضاع الداخلية للأسرة فالانهيار الخلقي للأسرة هو من الأسباب والعوامل التي قد تدفع الفرد إلى السلوك غير السوي لان القيم الأخلاقية هي من العوامل التي تدعم وتقوي الطريق السوي والصحيح لدى الإنسان فالقيم الأخلاقية تدعم وتقوي وتدعم الشعور بالمسؤولية والانضباط.

لذلك فالأسرة التي تنعدم فيها القيم الأخلاقية والدينية والقدوة الحسنة تصبح في حد ذاتها فهذه مناسبة لظهور ظواهر سلبية كالانحراف والتشرد والسلوك العدواني وذلك لانعدام المعايير والأسس التي تدعم كيان وبنية الأسرة وتقوي روابطها وفي مقابل ذلك نجد الأسرة التي تنعم بوجود أسس ودعائم القيم الأخلاقية المبنية على الاحترام المتبادل والتآلف القائم على تأييد هذه القيم التي تهدف إلى همد دعائم الأسرة لكي تبقى متماسكة تنتج الأفراد المتحلين بالقيم والأخلاق التي تدعو إلى احترام القانون والعادات والتقاليد وهي بذلك كل ما يشوب ويعكر صفوة الأسرة ويضعف وظائفها(6).

ثالثا: التطرف الديني

لقد عانى العالم الإسلامي اليوم من انقسامات فكرية حادة بين تيارات مختلف ومرجع هذه المعاناة وما ترتب عنها من مشكلات وانقسامات هو الجهل بالدين والبعد عن التمسك بتوجيهات الإسلام ومن أبرز هذه التيارات المعاصرة اليوم هي:

أ-تيار علماني: يدعو إلى بناء الحياة على أساس دنيوي وغير مرتبط بالأصول الشرعية ولا بالتقاليد والعادات والموروثات الاجتماعية الأصيلة، هي من وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه، عوائق في طريق التقدم والانطلاق نحو الحضارة.

ب-تيار ديني متطرف: يعارض المدنية الحديثة وكل ما يتصل بالتقدم الحضاري، فهي من وجهة نظرهم ليست إلا فسادا في الأخلاق، وتفككا في الأسر وجمودا في العلاقات متنكرا للآداب الاجتماعية، فهم يرون أن الحضارة تجعل الفرد يعيش لنفسه ملبيا لرغبا والفضيلة، ولذا فكل جانب يرفض فكر الآخر ويقاومه، وينظر إليه نظرة ريب وشك دون بما عنده من أصول ومبادئ تمحيص وتقويم، ليصل إلى الحق والمبادئ الأساسية فيها، ليقارنها يمكن أن تكون عاملا مشتركا يجمع بينها ويكون فيه الخير لكلا التيارين (7).

ومن هنا يمكن تحديد أسباب التطرف الديني في المجتمعات العربية عامة والمجتمع العراقي خاصة على النحو الاتي:

1-تشويه صورة الإسلام والمسلمين: إن دين الإسلام هو دين العدالة والكرامة والسماحة والحكمة والوسطية، وهو دين رعاية المصالح ودرء للمفاسد، كما إن أفعال الناس المنتسبين إلى الدين، تنسب عادة إلى الدين ذاته، فإذا غلا امرؤ في دينه فشدد على نفسه وعلى الناس، وجار في الحكم على الخلق، نسب الناس ذلك إلى دينه فصار فعله ذريعة للقدح في الدين، وإن الغلو في الدين في العصر الحديث شوه الدين الإسلامي الحنيف، ونفر الناس منه، وفتح الأبواب للطعن فيه، فتجرأ أناس على أفعال وأقوال لم يكونوا ليجرؤوا عليها لولا وجود الغلو والغلاة، فسمع الطاعنون في الشريعة.

2-ضآلة الاهتمام بالتفكير الناقد والحوار البناء من قبل المربين والمؤسسات التربوية والإعلامية: إن الاهتمام بالعقول وإثراءها بالمفيد واستثار للتفكير والتحقق يتطلب التناول العلمي في النظر إلى الأمور وإعطاء أهمية للحوار الفكري مع الآخر، ومن عيوب التربية والتعليم في المدارس أسلوب التلقين وحشو مواد الدراسة فيها يماثل ما عليه الحال في وسائل الإعلام بما يجمد الفكر ويسطحه في عديد من الدول العربية الإسلامية على وجه الخصوص أو بأفكار وبرامج تدعم الإرهاب والعنف بطرق مباشرة أو وقتية غير مباشرة.

3-سوء الفهم والتفسير الخاطئ لأمور الشرع: وهذا الأمر الذي يتعرض له بعض الناس يدعمه وجود من يدعون العلم والفقه في الدين وينصبون أنفسهم أئمة ويتساهلون في أمور الحلال والحرام ويأخذون من الأمور ظاهرها أو وفق أهوائهم الشخصية، دون الرجوع إلى العلماء الأكفاء وأهل العلم الشرعي الصحيح. وربما كان دينهم الاستعجال، وعدم الجمع بين الأدلة، أو عدم فهم مقاصد الشريعة.

4-سوء التربية الاسرية التي يتعرض لها الطفل: ولقد زاد تأثير هذا العامل في الآونة الأخيرة، بسبب خروج المرأة واشتغالها، وحرمان الأولاد من رعايتها المستمرة، كذلك يساعد على تفاقم هذا العامل تفكك الاسرة نسبياً، وضعف سلطانها على جميع أعضائها بسبب ما حققته المرأة من استقلال اقتصادي، بسبب العمل ونتيجة لتيارات التحرر والانطلاق التي تفد الينا من الغرب، ولكثرة أعباء الحياة التي تلهي كل من الاب والام عن توفير الاشراف الاسري او الوالدي السليم لأطفالها فضلا عن حالات الانفصال والطلاق والشجار المستمر(8).

مقومات التي تساعد على تشكيل وبناء الهوية الدينية على النحو الاتي

المقوم الأول: العقيدة الإسلامية كمرجع اول ومصدر أساسي لحضارتنا وفكرنا وسلوكنا وولائنا ونهضتنا كون العقيد الإسلامية المقوم الأهم والاكبر الذي يجمعنا مع مختلف شعوب وقوميات وامم العالم الأخرى الداخلة في الدين الإسلامي حيث ينضوي تحت لوائها كل مسلم أيا كان لونه او لغته او المكان الذي يتواجد فيه فتحيل الجميع تحت معقد واحد هو الإسلام وحتى مسمى واحد هو المسلمون، اذ ان هذا المقوم هو الأهم الذي يجمع مختلف الشعوب في العالم الإسلامي وهو الرابطة المتينة التي تؤلف بين هذه الشعوب مهما اختلفت لغاتها والوانها واماكنها فالجميع مسلمون يؤمنون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلي الله عليه وسلم) نبيا ورسولا اذ ان دين الإسلامي هو دين شامل في عقيديته وشرعيته وهو يقوم على الحق والعدل وينبثق منه قواعد عظيمة واسس قوية وانظمة تشمل الحياة الإنسانية باسرها وكل ذلك يشكل وحده واحده مترابطة فيما بينها لا يمكن ان تسمي بغير الإسلام (9).

المقوم الثاني ومن المقومات هويتنا الإسلامية عروبتنا ولغتنا العربية لغة القران الكريم نعم فالعروبة عامل يجمع ويشمل جميع المسلمين على اختلاف قومياتهم ذلك ان كل مسلم هو عربي بالضرورة فلا يحتاج المسلم لان يكون عربيا في النسب حتى تكمل عروبته في نظر الإسلام جاء في الحديث النبوي الشريف عن رسول الله محمد(ص) (مولى القوم منهم).

وبناء على ذلك فان القران شامل بتعاليمه وهدايته كل مجالات الحياة الدينية والأخلاقية والاجتماعية ولكونه صالح لكل زمان ومكان مسايرا لمتطلبات كل عصر ومستجداته فهو اذن المصدر الأول للهوية الدينية التي تكتسب شموليتها من شمولية هذا المصدر العظيم فاذا كان القران الكريم هو اصل الهوية الدينية ويتصف بالشمول فان النظر الهوية الدينية لابد ان يكون كذلك اذ ينظر البعض للإسلام على انه عبادات تؤدي وليس الامر كذلك اذ الهوية الدينة نظام شامل يضم جوانب الحياة كلها عقائدية وعبادية ووجدانية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، كما تستمد الهوية الدية عالميتها من القران الكريم المنزل على الرسول (ص) كقوله تعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعلمين نذيرا ) (سورة الفرقان : الاية1).(10).

اما المقوم الثالث هو التاريخ الإسلامي الذي ساهم في صناعته أبناء الإسلام من العرب وغيرهم لا بل كان لغير العرب من المسلمين أدوار رئيسية وفاعلة في صياغة مجريات الاحداث التي مرت بها امتنا الإسلامية وكان لهم محطات مضيئة ومواقف مشرفة ساهمت وبشكل فعال ومؤثر في تغيير مجرى حياة الامة الإسلامية فالتاريخ الإسلامي يعد ركيزة أساسية في بناء الهوية الدينية فالتاريخ بالنسبة للهوية بمثابة الجذر بالنسبة للشجرة وبمقداره ما يكون امتداد جذور الهوية في أعماق التاريخ تكتسب الهوية قوتها وحياتها كما تكتسب الشجرة الباسقة قوتها من جذورها التي تضرب في أعماق التربة فأساس أي هوية يأتي من التاريخ من وعي الهوية بأحداثها والتحولات التاريخية التي لحق به(11)، فالتاريخ الإسلامي يوفر للهوية الدينية أفضل السبل وانجحها في التعامل مع أعداء الإسلام في الوقت الرهن فيما يثيرونه حول الهوية الدينية من أكاذيب وضلالات تماما كما نجحت تلك السبل مع أعداء الإسلام قديما.

المقوم الرابع هو التراث الإسلامي من اهم المصادر الأساسية للهوية الدينية فالتراث بشكل عام يعد النتاج الحضاري الذي ينحدر من خصائص امه من الأمم المتفاعلة مع البيئة التي نشأت فيها بكل ما تحتويه من تجارب واحداث صبغتها بصبغة خاصة واسبغت عليها ملامحها الثقافية ومميزاتها الحضارية التي تميزها عن الأمم الأخرى التي لها بدورها أنماط حياتها واعرافها وتقاليدها.

والامه الإسلامية لها تراثها الخاص الذي تعتز به ويميزها عن غيرها من الأمم الأخرى وهو تراث يمتد في اعمقا التاريخ الإسلامي تراث الامه يمثل حصاد تفاعلها الإنساني على مر التاريخ مع الوجود كله مع الديانات والعقائد والفلسفات مع الآداب والمعارف والفنون مع الزمن ومع الطبيعة المادية والجغرافية والتاريخية مع الأمم الأخرى على اختلاف مواقفها وخصائصها وكل ما يتخلف عن هذا التفاعل المعقد في نتاجات متعددة وقد واجه التراث الإسلامي عبر تاريخية الطويل اشكال من التهديد والسعي الى التخريب وهو اليوم يواجه هذا التحديات بطريقة منهجية منظمة كما يبين الكثير من الباحثين بان الاتجاه السائد اليوم نحو تخريب تراث الامه وتزييفه وتشوية صورته ليس مجرد مجهودات فردية موتوره يدفعها التعصب الأيديولوجي او الخصام السياسي لظاهرة الصحوة الإسلامية الجديدة وانما هو اتجاه منظم ويسير وفق خطط مرسومه بدقه ومن جهات ظاهرها التناقض والتضاد وباطنها التنسيق والتكامل في عدائها لتراث الامه(12).

تعرض المجتمع العراقي على مدى قرون متوالية لهجمة شرسة فكان الغرض الأساسي منها هو القضاء والمحو التام لمعالم الدين الإسلامي فكان لهذا الهجمة أسباب رئيسية منها أولا ضعف الالتزام الديني او ضعف الإحساس بالمواطنة لدى الافراد وثانيا وجود تناقض بين قيم الإسلام واعمال المسلمين واخلاقهم اذ ان التوافق بين قيم الإسلام واخلاق المسلمين من اقوى الدلالات على القوة المنبعثة من قوة العقيدة الإسلامية والايمان.

فان الهدف الاساسي للهوية الدينية هو الانتماء للامة الإسلامية، والانتماء يجعل الفرد ان يعمل بحماس واخلاص من اجل الارتقاء بوطنه وامته والدفاع عنها، ويبعث الانتماء ايضا على الولاء والافتخار بالوطن والامة والحرص على سلامتها والتضحية في سبيلها.

فالفرد يتعلم رموز الضبط والهوية الدينة من الاسرة التي تعد احدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمجال الحيوي الأمثل لها التي تتشكل فيها شخصية الفرد وهويته الدينية منذ طفولته، وتع الاسرة أيضا هي حجر الاساس في إعداد النشئ وأساس أخلاقه ومقاييسه وقيمه وخبراته ومعتقداته الدينية، بل وحتى تدريبه ومؤهلاته العلمية والمهنية، وإشباع حاجاته المادية منها والمعنوية بطريقة تساير فيها المعايير الاجتماعية والقيم الدينية والخلقية، اذ تعد الأسرة هي مؤسسة الأولى التي تقع على مسؤوليتها تنشئة الأجيال إذ تعتبر ذات أولوية عن باقي المؤسسات التربوية الأخرى التي ينشأ فيها الفرد على مختلف أنماطه العمرية ليبدأ الاحتكاك بعالم الأشخاص والأشياء.

كما ان تشكيل الهوية الدينية من أهم سبل تشكيل الشخصية وهنا يبرز دور الاسرة في مواجهة مظاهر الخلل الثقافي التي من شأنها تشويه وإضعاف هذه الهوية فالحفاظ على الهوية الدينية وخاصة في ظل التحولات العالمية يستوجب غرس وتنمية شعور قوي بالهوية لدي الناشئين والشباب على حد سواء.

كما ان المعتقد الديني للأسرة أثره العميق في تنشئة الأولاد وتربيتهم، فالعلاقة بين أفراد الأسرة ودرجة ايمانها العقائدي وانعكاساته الى تشكيل الهوية الدينية من خلال، القيام بالعبادات والتمسك بالشعائر والتحلي بالخلق الحسن في القول والعمل والأخذ بالقيم الإنسانية الفاضلة، وعرض الاتجاه التعاوني بين الناس والحرص على مصالحهم، إن ذلك كله يدركه الطفل ويحسه من خلال تفاعله في جماعته المتدينة فينمو على نحو يمارس فيه العمل المنتج ويحكم ضميره الذي نما في إطار ديني وخلقي سليم في جميع مواقف الحياة في المجتمع.

كما ان للمدرسة دور مهم في تشكيل الهوية الدينية اذ يرى بعض الباحثين ان المدرسة تعد البيئة الاجتماعية الثانية التي تحتضن الطفل بعد الأسرة ولها دورها الفاعل في تشكيل وصياغة مكونات الطفل النفسية والاجتماعية والدينية اذ يلقى العبء على المدرسة بتعويضه عما فقده من فرص التربية في البيت الاسري، والمدرسة بما لها من أساليب تربوية تستطيع ضبط المواقف التعليمية فيها بحيث يحدث الاثار المرغوبة فيها وهذا لا يتوفر في المنزل او المجتمع.

وزيادة على ذلك فان للوسائل الاعلام ومنها التلفاز بمثابة الناقل الاساسي للثقافة والهوية الدينية في عصرنا الحديث وهي ادوات ثقافية على تعزيز ونشر الانماط السلوكية وتحقيق التكامل الاجتماعي، فالتلفاز اليوم ينافس المدرسة والأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية وبناء الهوية الدينية حيث يكاد يجمع الباحثون على أهمية الدور التربوي وكذلك الديني الذي يؤديه في حياة الأطفال وهم يجمعون ايضا دون ريب على جملة من اثار السلبية التي يتركها التلفاز في حياة الأطفال النفسية والتربوية.

اذ فالدين الإسلامي في مجتمعنا يعد مصدرا لكل القيم الخلقية والمثل العليا وقواعد السلوك الأخلاقي فإنه الرقيب على أفعال الفرد هو ضميره الحي اليقظ المؤمن بالله بحيث يصبح الالتزام الأخلاقي والوازع الذاتي أقوى وتصبح الرقابة شاملة لكل تصرفات الفرد في السر والعلانية.

الاستنتاجات

1-تبين من الدراسة هذا بان للعولمة اثار خطيرة على تهديم الهوية الدينية وذلك من خلال ما تنشروه قنوات إسلامية من عمليات تمس حياة الافراد سواء منها ما يمكن تسميتها بالإجهاد ام الحرية التعبير عن الراي العام ام حرية الدفاع عن حقوق الانسان وغيرها من المفاهيم التي تنشرها قنوات الإسلامية

2-كما ان هذه الدراسة حده اهم مقومات التي تساهم في بناء الهوية الدينية ومنها العقيد السلامية أي السنة الإسلامية التي اتبعها الفرد منذ ولادة في الحياة وكذلك المقوم التاريخ للإسلامي والمقوم التراثي للإسلام وغيرها من المقومات التي تساهم في بناء ام تشكيل الهوية الدينة.

3-كما إشارة هذه الدراسة بان للتفكك الاجتماعي دور مهم في هدم الهوية الدينية ابدا من الاسرة وانتهاء بالمجتمع

التوصيات

1-ينبغي تعزيز الهوية الدينية أي الدين بأقوى عناصره وهو العودة الى الإسلام وتربية الامة عليه بعقيدته القائمة على توحيد الله سبحانه وتعالى والتي تجعل المسلم في عزة معنوية عالية وبشريعته السمحة وأخلاقه وقيمة الروحية وتقوية الصلة بالله واليقين بنصره وتمكين للمؤمنين.

2-ينبغي الاهتمام باللغة العربية ومناهج التعليم والتي من خلالها يمكن غرش مفهوم الدين بشكله الكامل للأفراد فان الاهتمام باللغة يساهم في تفعيل إيجابيات الإسلام وعالميته وعدالته وحضارته وثقافته وتاريخية للمسلمين قبل غيرهم.

3-ينبغي العمل في محاربة أسباب التخلف والفساد النفسي لدى الافراد من اجل النهوض في شتى الميادين دينيا وثقافيا وسياسيا فان من سنن الله سبحانه وتعالى التغيير (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (سورة الرعد: الآية 11).

4-ضرورة مواجهة العولمة عن طريق المواصلة بالتعليم والتدريب والتثقيف ورفع الكفاءة من اجل النهوض بواقع ديني إسلامي سليم.

5-ينبغي ان تقوم وسائل الاعلام في الحفاظ على الهوية الدينية ودعمها فضلا عن استيراد برامج التي تهدم الهوية، كما على العلماء وقادة الراي ورجال الدين ان يمارسوا الضغط على وسائل الاعلام التي تنشر برامج تشوه الدين الإسلامي.

———————————–

المصادر

(1) حافظ فرج أحمد، التربية وقضايا المجتمع المعاصر، عالم الكتب، القاهرة، مصر،2003، ص164.

(2) د. عبد الله الخريجي، علم الاجتماع الديني، ط2، دار رامتان، جده، ص103.

(3) د. عبد الكريم بكار، تجديد الوعي سلسلة الرحلة الى الذات، ط1، دار القلم، دمشق، 1992، ص69.

(4) د. دين محمد ميرا صاحب، تأثير العولمة على دراسة الدين تحليل وتقييم، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد(25)، جامعة قطر، 2007، ص88.

(5) د. حامد عبد السلام زهران، علم النفس الاجتماعي، ط4، عالم الكتب، القاهرة ،1977، ص89-88.

(6) د. سالمان عبد المنعم، اصول علم الاجرام والجزاء، المؤسسة الجامعية، الكويت، 1996، ص121.

(7) خالد بن صالح بن ناهض الظاهري، دور التربية الإسلامية في الإرهاب. رسالة دكتوراه منشورة. دار عالم الكتب –الرياض،2002، ص61.

(8) عبد الرحمن بن معلا، مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر، الجزء الثاني. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض،1998، ص698.

(9) علي محمود أبو ليلى، الاسرة والمجتمع صراع الهوية والتغريب، ط1، دار قرطبة، الرياض، 1995، ص172.

(10) خليل نوري، مسيهر العاني، الهوية الإسلامية في زمن العولمة الثقافية، ط1، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، العراق، 2009، ص48-49.

(11) جمال السيسي، دور المدرسة الثانوية في مواجهة تداعيات العولمة على مقومات الهوية الإسلامية، عالم الكتب، القاهرة، ص549.

(12) خليل نوري، مسيهر العاني، الهوية الإسلامية في زمن العولمة الثقافية، المصدر السابق، ص49-51.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *