الكاتب : جمال الناصري
مات ضياء، وترك ورائه احلاما لم تتحقق.. كان يحلم ان يكمل دراسته الجامعية.. كان يحلم ان يتزوج.. كان يحلم ان يسافر الى الخارج.. كان وكان وكان . ترك ضياء صدمة في النفوس، وأعاد النزلاء حساباتهم، انهم سيموتون الواحد بعد الأخر.. اليوم ضياء وغدا فلان وفلان وفلان من يدري ، المرض وحش كاسر يفتك بالصدور ، فالصحة والشباب تسحقان خلف القضبان ، الجلادون لا يعيروا اهتماما، ولا بالا لما يجري في السجن الرهيب .. السجن المقفل السري لا يشبه السجون في العالم.. قد يفوق سجن الباستيل بقساوته.. استمر التكبير والصياح حتى انتقل الى الغرف الأخرى، فأشتعل القاف في الثورة على إدارة السجن من أوله حتى أخره.. جاء افراد الأمن، فتحوا الباب، اخرجوا الجثة، وضعوها في بطانية، ثم ولجوا بها عبر الممر الى الباب الخارجي، واسدل الستار .. انطلق القاف في التكبير والصراخ، فانهمرت الدموع كالأنهار من المآقي، مآقي المظلومين القابعين خلف القضبان، وعلا النشيج فوق الآهات! ورحل ضياء، فألقى النزلاء نظرة الوداع على عجل قبل ان يدلف به الجلادون خارج أبواب السجن الكبير.. أمسك صديقه ثائر و ابن مدينته الستارة الحديدية، وهو يضرب برأسه ويصرخ : – ضياء ، ضياء ، كيف ترحل عنا يا ضياء .. فأجهش الجميع بالبكاء وهم يودعون ضياء في مشهد حزين ، وموكب جنائزي ليس له مثيل ! لم يسبق للقاف من قبل ان تجتاحه ثورة كهذه، فقد سبق ان توفي بعض من النزلاء دون ان يحدث ضجة او تمرد! ( مقطع من المأساة في كتابي القادم، تلك المأساة التي لم تمر على انسان في الكون )