الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله “وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” ﴿يونس 19﴾ قوله تعالى: “وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا” قد تقدم في تفسير قوله تعالى: “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ” (البقرة 213) أن الآية تكشف عن نوعين من الاختلاف بين الناس. أحدهما: الاختلاف من حيث المعاش وهوالذي يرجع إلى الدعاوي وينقسم به الناس إلى مدع ومدعى عليه وظالم ومظلوم ومتعد ومتعدى عليه وآخذ بحقه وضائع حقه، وهذا هوالذي رفعه الله سبحانه بوضع الدين وبعث النبيين وإنزال الكتاب معهم ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويعلمهم معارف الدين و يواجههم بالإنذار والتبشير. وثانيهما: الاختلاف في نفس الدين وما تضمنه الكتاب الإلهي من المعارف الحقة من الأصول والفروع، وقد صرح القرآن في مواضع من آياته أن هذا النوع من الاختلاف ينتهي إلى علماء الكتاب بغيا بينهم، وليس مما يقتضيه طباع الإنسان كالقسم الأول، وبذلك ينقسم الطريق إلى طريقي الهداية والضلال فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق، وقد ذكر سبحانه في مواضع من كلامه بعد ذكر هذا القسم من الاختلاف أنه لولا قضاء من الله سبق لحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ولكن يؤخرهم إلى أجل، قال تعالى: “وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ” (الشورى 14) إلى غير ذلك من الآيات. وسياق الآية السابقة أعني قوله تعالى: “ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم” إلخ، لا يناسب من الاختلافين المذكورين إلا الاختلاف الثاني وهو الاختلاف في نفس الدين لأنها تذكر ركوب الناس طريق الضلال بعبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم واتخاذهم شفعاء عند الله ومقتضى ذلك أن يكون المراد من كون الناس سابقا أمة واحدة كونهم على دين واحد وهودين التوحيد ثم اختلفوا فتفرقوا فريقين موحد ومشرك. فذكر الله فيها أن اختلافهم كان يقضي أن يحكم الله بينهم بإظهار الحق على الباطل وفيه هلاك المبطلين وإنجاء المحقين لكن السابق من الكلمة الإلهية منعت من القضاء بينهم، والكلمة هي قوله تعالى لما أهبط الإنسان إلى الدنيا: ” وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ” (البقرة 36).
جاء في تفسير الميسر: قوله جل جلاله “وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” ﴿يونس 19﴾ أُمَّةً واحِدةً: على دين واحد هو الإسلام. كان الناس على دين واحد وهو الإسلام، ثم اختلفوا بعد ذلك، فكفر بعضهم، وثبت بعضهم على الحق. ولولا كلمة سبقت من الله بإمهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم لقُضِيَ بينهم: بأن يُهْلك أهل الباطل منهم، وينجي أهل الحق. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جل جلاله “وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ” وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” (يونس 19) “وما كان الناس إلا أمة واحدة” على دين واحد وهو الإسلام، من لدن آدم إلى نوح، وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحيِّ “فاختلفوا” بأن ثبت بعض وكفر بعض، “ولولا كلمة سبقت من ربك” بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة “لقضي بينهم” أي الناس في الدنيا “فيما فيه يختلفون” من الدين بتعذيب الكافرين.
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: وردت لفظة (الأُمَّة) في القرآن الكريم في دلالتها الاجتماعية (56 مرة). وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تحتوي هذه اللفظة، وكثرة تفريعاتها، ومن ثمَّ كثرة دلالاتها، الا إنَّنا نجد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره قد أدار هذا التعدد السياقي وعالجه معالجة شاملة منتجة، وتناوله بلحاظ دلالته على البعد المعنوي و الفكري للجماعة البشرية. نعم لا يخلو التأسيس للأمَّة في المنظور القرآني من توخي الجوانب الفكرية والتربوية و المعنوية، و لعلي استطيع تقسيم هذا التناول على عدد من المحاور: جماعة الانبياء. و هو ما خرجت (الأُمَّة) للدلالة عليه في سياق عدد من الآيات المباركة. و من ذلك قوله تعالى: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (الانبياء 92) وقد ورد لفظ الامة في: البقرة: 213، المائدة 48، يونس 19، هود 93، 118، الرعد 30 (مرتان)، المؤمنون 52 (مرتان)، فصلت 25، الشورى 8، الزخرف 33، الاحقاف 18. لقد (اشارت الآية الكريمة الى جماعات من الناس متعددة بحسب الواقع اللغوي و التأريخي و الشعوبي، و لكنها ترتبط فيما بينها بروابط فكرية و عقائدية و سلوكية، و اهداف سياسية و حركية، بحيث تعبر بمجموعها عن مجتمع كامل، وهذه الجماعات هي جماعة الانبياء عبر التاريخ الانساني التي كانت ترتبط فيما بينها برباط الإيمان بالله تعالى و توحيده، و بالغيب والوحي الالهي، و بالدعوة الى الأخلاق الفاضلة، و التكامل في السيرة الانسانية). و قريب من هذا اشارة (الأُمَّة) في هذا السياق الى (ملة واحدة) ينهل منها الانبياء عليهم السلام، فيأتي خطابهم الاصلاحي موحد الاهداف متعدد الادوار والمراحل.
تكملة للحلقة السابقة عن المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: المُسلِمون: يُعتبَر مفهوم المُواطَنة مُستَحدَثاً في الفكر العربيّ والإسلاميّ، حيث لا تكاد تجد ذكراً لـه في نصوصِهم إلى حدِّ تأكيد (برنارد لويس) أنّه غريبٌ تماماً عن الإسلام، حيث يبدو له أنّه حقيقة تاريخيّة وثقافيّة، ويُعبِّر (محمد أركون) عن رأي مُماثلٍ مفاده أنّ مفهوم الجماعة السياسيّة في الإسلام يخلو من أيَّة محاولة لتطوير سياق (المُواطَنة)، لكن يبدو جليّاً إستعمَالهم لمفردات بديلة قريبة من مضمونه وجوهرة كالمدينة والمدنيّ والسياسة المدنيّة والمدينة الفاضلة والسياسة الفاضِلة، وصولاً إلى المجتمع المدنيّ والمجتمع الأهليّ. وكما شهد المصطلح تطوُّراً تاريخيّاً عند الغرب واختلف بحسب المجتمعات، فإنَّ صيرورته الإسلاميِّة مختلفة، كما أنّ الشروط الحادَّة الجامعة والمانعة التي تُذكر اليوم لم توجد في المجتمعات الشرقيّة، بل كان هناك توفّراً لبعضها تبعاً للخصوصيَّة في هذا المجتمع. لذلك يَصعب البحث عن هذه المراحل التاريخيّة عند هذه المجتمعات لأنّها ربيبة مواطنها الخاصّة بها. يَنظر بعضُ المراقبين إلى أنَّ النشأة التاريخيّة للمفهوم عربيّاً كانت في حياة القبائل العربيّة التي تفترِض طبيعة حياتها مشاركة من القبائل سعياً نحوَ التماسُك والتسانُد في وجه الخطوب، ويلفتون إلى أنّ (سبأ) و (معين) عرفت قدراً من المشاركة السياسيّة، فـ (سبأ) عرفت (التمثيل النيابيّ) إلى أنْ تدرّجَ الحكم إلى ما يُشبه الإقطاع. ويقُّّصُ القُرآن الكريم خبر ملِكة سبأ التي وقعت في حيرة من أمرِها عندما طلب منها (سليمان) التوجُّه لعبادة اللّه دون غيره، فطلبت من كبار قومها وزعمائهم المشورة لأنَّها لن تبُّتَ بالمسألة قبل مشورتهم وحضورهم وأخذ رأيهِم. ويرى آخرون أنَّ إرهاصاته كانت في وثيقة (حلف الفضول) أي الوثيقة التي اتَّفق عليها أهلُ مكَّة وطبّقوها على أرض الواقع، حيثُ تنُّصُ على احترام الانتماءات ونُصرة المظلوم. فقد كانت قريش تظلم الغريب ومن لا عشيرة لـه في مكّـة، حتّى حدث أن ظُلِم رجل واستجار بقريش فقاموا وتحالفوا ألا يُظلَم غريب ولا غيره، وأن يُؤخَذ للمظلوم من الظالم وحلَفوا على ذلك. ويَعتبر بعضُ المؤرِّخين أنَّ الحلف هو أوَّلُ تجربة (ديمقراطيّة) لحماية الأفراد أيّاً كان دينهم أو عرقهم أو مذهبهم من أيّ اضطهاد أو قمع.