ديسمبر 26, 2024
3906bcb97

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله عز من قائل “كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ” ﴿الرعد 30﴾ أمة اسم، كما أرسلنا المرسلين قبلك أرسلناك أيها الرسول في أمة قد مضت مِن قبلها أمم المرسلين، لتتلو على هذه الأمة القرآن المنزل عليك، وحال قومك الجحود بوحدانية الرحمن، قل لهم أيها الرسول: الرحمن الذي لم تتخذوه إلهًا واحدًا هو ربي وحده لا معبود بحق سواه، عليه اعتمدت ووثقت، وإليه مرجعي وإنابتي.

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز من قائل “كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ” ﴿الرعد 30﴾ الخطاب موجه لمحمد صلى الله عليه واله وسلم، وضمير عليهم يعود إلى الأمة التي أرسل إليهم. وقد أرسل اللَّه من قبله إلى الأمم الخالية رسلا مبشرين ومنذرين، وللغاية نفسها أرسل محمدا، فأي بدع في ذلك؟. فما هم بأول قوم أرسل اللَّه إليهم رسولا، ولا هوبأول رسول يتلوعلى الناس ما أوحي إليه من ربه “قُلْ هُو رَبِّي لا إِلهً إِلَّا هُوعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ مَتابِ”. هذا هو إيمان محمد صلى الله عليه واله وسلم، وهذه هي دعوته: يؤمن باللَّه وحده، ويلتجئ إليه في جميع أموره، ولا يرى لغيره من سلطان، ويدعوالناس جميعا إلى هذا الايمان، وهي دعوة تدل على نفسها بنفسها.

جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد محمد بافر الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: ومما تقدم نصير مع السيد محمد باقر الحكيم قدس سره الى أنَّ القرآن الكريم (حينما يؤكد هنا على مفهوم (الأُمَّة) يعبر بها عن الجماعة التي يشترك افرادها في التأريخ المعنوي (العقائدي و السلوكي) وكذلك يشترك ابناؤها في العقيدة و السلوك الاجتماعي القائم على هذه العقيدة)، فتظهر رابطة السلوك الاجتماعي العام متمثلا بالدعوة الى الخير و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما في قوله تعالى: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران 104). وقوله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (الاعراف 181) وورد لفظ الامة في: آل عمران: 110، 113، الاعراف 159.. و تظل للفظة (الأُمَّة) دلالتها على (جماعة العلماء) في هذا السياق، فيكون العلم من مظاهر السلوك العام الذي تتبناه هذه الامَّة. ويظهر ايضا الأجل المعنوي، و(هو الاجل للعلاقات التي تربط بين هؤلاء الاشخاص عقائديا وسلوكيا، والتغييرات الرئيسة التي تحصل في الجوانب المعنوية للروابط والعلاقات السائدة في تلك الامم، حيث يترتب على هذه التغييرات العقائدية والسلوكية التغييرات الاجتماعية). ومن ذلك قوله تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ” (الاعراف 34) وورد لفظ الامة في: المائدة 66، الانعام 108، الاعراف 34، 38، 164، يونس 49، الرعد: 30، الحجر 5، المؤمنون 43، 44، الحج 34، 67. و هنا اشارة لطيفة من السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) الى أنَّ (ما يصدر من الناس من اعمال سلوكية و اجتماعية، و ما يقومون به من نشاطات فكرية و معنوية صالحة او طالحة يؤثر بشكل مباشر في حركة التأريخ و الاوضاع الاجتماعية للناس و في تحديد عمر هذه الامَّة او تلك). و لا شك أنَّنا بازاء عمر قيمي و اخلاقي لهذه الامَّة او تلك، فضلا عن العمر التأريخي. وفي التفاتة رائعة من السيد محمد باقر الحكيم قدس سره تأتي مسألة الفروق الدلالية التي تنم عن ذائقة لغوية و مقدرة عالية يتمتع بها في التماس المعنى و التحليل الدلالي السياقي، ولا سيما التفريق بين لفظتي (الأمَّة) و (القوم)، إذ يلحظ أنَّ لفظة (قوم) تستعمل للدلالة على (الجماعة التي تكون الروابط فيما بينها روابط شعوبية ذات علاقة بالدم و التأريخ المادي و الارضي  أمَّا (الأمَّة) فهي لفظة يراد منها بمعناها اللغوي مجرد الجماعة، و لكنَّها تطورت في الاستعمال القرآني فاصبحت كلمة تعني الجماعة التي ترتبط فيما بينها بالروابط الفكرية والعقائدية والسلوكية).

تكملة للحلقة السابقة عن دار المستقبل العربي مفهوم الأمة فى القرآن الكريم للدكتور عصمت سيف الدولة: 3ـ   هذه الآية الاخيرة ـ وفى القرآن غيرها كثير ـ تعلمنا أسباب التعدد فى الزمان والمكان كليهما. اذ هى تطلق كلمة الامة على الجماعة التى تميزت بأنها صالحة كما تطلقها على الجماعة التى تميزت بأنها غير صالحة. فنعرف من الآية أن الجماعة تكون أمة متى اشترك أفرادها فيما يميزهم عن غيرهم بصرف النظر عن مضمون هذا المميز. على هذا الوجه كان الناس أمة بما تميزوا به من كونهم ناسا. تميزوا عن أمة من الجن. وعن أمة من الحيوان. ولما كانت المميزات متعددة فان الامم متعددة بدون تشابه أو تعارض أو تناقض وان اشتركت جميعا فى انها جماعات متميزة. قال تعالى:” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ “( يونس 47). وقال: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ “( النحل 36). فدل على أن تلك جماعات كانت متميزة بالكفر فاستحقت رسلا يدعونها إلى عبادة الله. أما بعد الرسل فكل المؤمنين برسولهم أمة بما تميزوا به من رسول وكتاب ومناسك. أوضح مثال ما جاء متتابعا من الآيات فى سورة المائدة، قال تعالى: ” إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ” (المائدة 44). وبعد أن فصل بعض آيات التوراة فى الآية 45 قال فى الآية 46:” وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ “. وبعد أن يبين فى الآية 47 حكم الخروج على أحكام الإنجيل جاءت الآية 48 لتقول:” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ “. هكذا تحدث القرآن عن الاديان السماوية الثلاثة تباعا ثم قال:” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً  ” (المائدة 48). فدل على أنه فى نطاق الامة المتميزة بالإيمان بالله يتوزع المؤمنون أمما تتميز كل منها برسولها وشرعتها ومنهاجها. وتصدق دلالة الكلمة فى الحالتين بدون تشابه أو تعارض أو تناقض، إذ أن مناط التميز فى كل حالة مختلف عنه فى الحالة الاخرى.  4ـ   ولأنه لا عبرة فى دلالة ” الامة ” بمضمون الأمر الذى تميزت به الجماعة فأصبحت أمة، فان الجماعة المتميزة بالكفر بالرسالة ومناهضة رسولها هى أيضا أمة. ولقد ذكرنا من قبل قوله تعالى: “وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ” (الأعراف 168). نضيف هنا آيات بينات اخر. قال تعالى: ” مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ. ( غافر 4 و5). وقال:” وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ” ( هود 48). وقال :”وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ” (العنكبوت 18). وقال: “كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ” (الأعراف 38).  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *