الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز من قائل “وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ” إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ” وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (النحل 92) “ولا تكونوا كالتي نقضت” أفسدت “غزلها” ما غزلته “من بعد قوة” إحكام له وبرم “أنكاثا” حال جمع نكث وهو ما ينكث أي يحل إحكامه وهي امرأة حمقاء من مكة كانت تغزل طوال يومها ثم تنقضه، “تتخذون” حال من ضمير تكونوا: أي لا تكونوا مثلها في اتخاذكم “أيمانكم دخلاً” هو ما يدخل في الشيء وليس منه أي فسادا أو خديعة “بينكم” بأن تنقضوها، “أن” أي لأن “تكون أُمة” جماعة “هي أربى” أكثر “من أمة” وكانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجد أكثر منهم وأعز نقضوا حلف أولئك وحالفوهم، “إنما يبلوكم” يختبركم “الله به” أي بما أمر به من الوفاء بالعهد لينظر المطيع منكم والعاصي أو يكون أمة أربى لينظر أتفون أم لا، “وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون” في الدنيا من أمر العهد وغيره بأن يعذب الناكث ويثبت الوافي.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز من قائل “وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” ﴿النحل 92﴾ وحيث أنّ الوفاء بالعهد أهم الأُسس في ثبات أيّ مجتمع كان، تواصل الآية التالية ذكره بأُسلوب يتسم بنوع من اللوم والتوبيخ، فتقول: “وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا”. والآية تشير إِلى (رايطة) تلك المرأة التي عاشت في قريش زمن الجاهلية، وكانت هي وعاملاتها يعملن من الصباح حتى منتصف النهار في غزل ما عندهن من الصوف والشعر، وبعد أن ينتهين من عملهن تأمرهن بنقض ما غزلن، ولهذا عرفت بين قومها بـ (الحمقاء). فما كانت تقوم به (رايطة) لا يمثل عملا بالا ثمر فحسب بل هو الحماقة بعينها، وكذا الحال بالنسبة لمن يبرم عهداً مع اللّه وباسمه، ثمّ يعمل على نقضه، فهو ليس بعابث فقط، وإِنّما هو دليل على انحطاطه وسقوط شخصيته. ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا: “تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ”، أي لا تنقضوا عهودكم مع اللّه بسبب أنّ تلك المجموعة أكبر من هذه فتقعوا في الخيانة الفساد. وهذا دليل على ضعف شخصية الفرد، أو نفاقه وخيانته حينما يرى كثرة أتباع المخالفين فيترك دينه القويم وينخرط في المسالك الباطلة التي يتبعها الأكثرية. واعلموا “إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ”. واليوم الذي تكونون فيه كثرة وأعداءكم قلة ليس بيوم اختبار وامتحان، بل امتحانكم في ذلك اليوم الذي يقف فيه عدوكم أمامكم وهو يزيدكم عدداً بأضعاف مضاعفة وأنتم قلّة. وعلى أية حال. ستتّضح النتيجة في الآخرة ليلاقي كل فرد جزاءه العادل: “وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” من هذا الأمر وغيره.
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: الأمَّة: جماعة تجتمع على أمر ما، من دين، او مكان،او زمان. وردت لفظة (الأُمَّة) في القرآن الكريم في دلالتها الاجتماعية (56 مرة. وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تحتوي هذه اللفظة، وكثرة تفريعاتها، ومن ثمَّ كثرة دلالاتها، الا إنَّنا نجد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) قد أدار هذا التعدد السياقي وعالجه معالجة شاملة منتجة، فبدا ممهدا تارة، و مستنتجا تارة اخرى فتناول مفهوم (الأُمَّة) بلحاظين هما: تناوله بلحاظ دلالته على البعد الاجتماعي المجرد، بمعنى دلالته على (مجرد الجماعة) البشرية (التي تربطها رابطة الاجتماع). و من ذلك قوله تعالى: “نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (النحل 92) وورد لفظ الامة في: النساء 41، الانعام: 42، 48، الاعراف 160، 168، يونس 47، النحل 36، 63، 84، 89، المؤمنون 44، النمل 83، القصص 23، 75، العنكبوت 18، فاطر 24، غافر 5.. وتناوله بلحاظ دلالته على البعد المعنوي و الفكري للجماعة البشرية.
جاء في موقع طريق الاسلام وحدة الأمة في القرآن الكريم للكاتب عبد الله بن علي بصفر: وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثةٍ في قريةٍ، ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصيةَ من الغنم) (رواه أبو داود وغيره وهو حديث صحيح). وعن عرفجة رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم، وأمركُمُ جميعٌ على رجلٍ واحدٍ، يُريدُ أن يَشُقَّ عصاكم، أو يُفَرِّقَ جماعتكُم، فاقتلوه) (رواه مسلم). وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة) (رواه الترمذي). وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يخطب ويقول: “يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنهما حبل الله الذي أمر به”. وعن علي رضي الله عنه قال: “اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، حتى يكون للناس جماعةً، أو أموت كما مات أصحابي”. فكان ابن سيرين يرى أن عامَّة ما يروى عن عليٍ الكذب (رواه البخاري). وعن سماك بن الوليد الحنفي، أنه لقي ابن عباس رضي الله عنه، فقال: “ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا، يشتموننا ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم؟”، قال: “لا، أعطهم، الجماعةَ الجماعةَ، إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها، أما سمعت قول الله: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران 103)؟”. ومن أقوال الشعراء: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا * وإذا افترقن تكسرت أفرادًا.