ديسمبر 3, 2024
33657360_1643723009074985_6930543139325214720_n

الكاتب : سلمان رشيد الهلالي

استذكر العراقيون هذا العام مرور مائة عام على انطلاق الثورة الشعبية المسلحة المعروفة بثورة العشرين . وهذه الثورة التي اندلعت في السماوة في الثلاثين من حزيران 1920 مازالت تشكل حدثا مؤثرا انقسم عليه العراقيون – كعادتهم – بعد 2003 حول ماهيته ونتائجه بين مقدس لها او ناقم عليها … ولاسباب عدة سنشير اليها بهذا المقال ولكن يبقى اهمها هو القراءة الاسقاطية للتاريخ , فبعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ظهرت الكثير من الاصوات التي تطالب الشيعة بان لايكرروا خطا ثورة العشرين ويتعرضوا للاقصاء عن الادارة والحكم مثلما تعرضوا سابقا للتهميش على يد الانكليز بسبب مقاومتهم للاحتلال في البصرة عام 1914 وثورة العشرين . كما طرحت اصوات اخرى كنصائح للسنة بضرورة ان لايقعوا بنفس الخطا الذي وقع بيه الشيعة ويقاوموا الاحتلال الامريكي بسبب فقدانهم للسلطة والحكم , وفعلا اخذ السنة النصيحة ولم يقاوموا الاحتلال , وانما قاوموا العراق الجديد واستهدفوا الاغلبية الشيعية في البلاد واصبحوا ارهابيين وقتلوا الالاف ليس من الامريكان وانما من الشيعة . واما الحركات الشيعية والسنية التي صنفت نفسها مقاومة للامريكان فان دوافعها سياسية او مصلحية وليست مبدئية او وطنية هدفها الابتزاز والضغط على الحكومة لتحقيق امتيازات ومكاسب معينة , والا لماذا لم يقاوموا الامريكان ابان احتلالهم العراق او في الاسابيع الاولى من دخولهم الاراضي العراقية على الاقل ؟؟ وانتظروا حتى تاسيس مجلس الحكم في تموز 2003 وظهور الملامح الاولى للسلطة , عندها ظهرت الفصائل المسلحة التي ادعت نفسها تقاوم الاحتلال , فيما هى اخذت تستهدف العراقيون يوميا بالسيارات المفخخة والانتحاريون والاغتيالات وغيرها .
وثورة العشرين هى الحدث الابرز الذي حاز على اكبر عدد من المؤلفات والدراسات والمقالات في تاريخ العراق الحديث والمعاصر , لم يصل الى مستواها حتى ثورة تموز 1958 التي شكلت من جانبها حدثا مفصليا اخر في تاريخ العراق . وبالطبع ان تقييم تلك الثورة يجب ان يخضع بالضرورة الى المرجعية السياسية والايديولوجية والشخصية والطائفية والمناطقية والنفسية – وحى العشائرية – للكاتب .ولانستطيع الاحاطة بجميع تلك الاراء والمرجعيات التي استندت اليها , ولكن سنقتصر في تقييمنا للثورة حول مرجعيتين : المرجعية الوطنية والمرجعية الشيعية .
اولا : المرجعية الوطنية : وهو ادعاء البعض ان تقييمهم لثورة العشرين سينطلق من المعيار الوطني , وما افرزته من نتائج ايجابية تصب في مصلحة الوطن الذي كان في طور التشكيل . وعليه اذا كان العراقي من الذين يتبنون المرجعية الوطنية فان عليه الفخر بثورة العشرين والاعتزاز بها لسببين :
الاول : بلورة مفهوم الهوية الوطنية العراقية : كان اول نتائج ثورة العشرين هو بلورة مفهوم الوطنية العراقية , او الهوية العراقية والشعور بالجماعة بين ابناء البلد الواحد الذي بدات ملامحه الاولى انذاك . فالعراق قبل الاحتلال البريطاني – او تحديدا قبل ثورة العشرين – لم يكن مجتمعا واحدا , وانما كان منقسما الى العديد من المكونات الاثنية والمذهبية والدينية والمناطقية والقبلية التي خلخلت البنية الاجتماعية للبلد بصورة كبيرة جدا. واكد هذا الراي حنا بطاطو بقوله (في مطلع القرن العشرين لم يكن العراقيون شعبا واحدا او جماعة سياسية واحدة , وهذا لايعني الاشارة فقط الى وجود الكثير من الاقليات العرقية والدينية كالاكراد والتركمان والفرس والاشوريين والارمن والكلدانيين واليهود واليزيديين والصابئة واخرين , فالعرب انفسهم الذين يؤلفون اكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون الى حد بعيد من جملة المجتمعات المتمايزة والمختلفة ) , ولم يتلمس العراقيون وجودهم كشعب او امة مستقلة لها كينونة خاصة – وان كانت غير مكتملة المعالم او محددة الابعاد – الا بعد الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1914 والثورة العراقية عام 1920 , فالاخر شرط الهوية , والعراقيون اعتبروا الانكليز هو الاخر , بحكم الاختلاف الديني والسياسي والمحمولات الاسلامية المتطرفة ضد الغرب , فيما عززت ثورة العشرين التوحد السياسي والاجتماعي البدائي انذاك , حتى وصفت بانها المدرسة الوطنية الاولى في تاريخ العراق الحديث والمعاصر , لانها الحدث الوحيد الذي حاز اعلى نسبة من التاييد والمشاركة في البلاد , رغم ان المساهمة القتالية الفاعلة قد اقتصرت في وسط وجنوب العراق , الا ان مساحة التاييد – حتى لو كان بعضها باثر رجعي – قد شكل نوعا من التضامن العضوي بين ابناء البلد , الذي لم يتشكل في الاصل انذاك , بمعنى ان الوطنية في العراق سابقة على الدولة , وليس نتيجة لها – كما حصل في بعض البلدان – ورغم ذلك فاننا نعترف ان الوطنية التي اسستها ثورة العشرين – او نادت بها – هى عبارة عن (وعي زائف) – حسب تعبير هيغل – او (ايديولوجيا) متسامية عن الواقع البدائي الذي يعيشه المجتمع العراقي الذي تحركه البنى التقليدية كالطائفة والدين والاثنية والعشائرية وغيرها , وتفتقد الشروط الموضوعية لقيامها وبلورتها واهمها الوعي السياسي والتعليم الحديث والمجتمع المتوحد . وهذا (الوعي الزائف) لايشكل اختلالا كبيرا او منقصة جوهرية في هذه الثورة لسبب بسيط هو ان جميع التصورات والمفاهيم الغربية الوافدة الى العالم العربي والاسلامي من قبيل الديمقراطية والماركسية والوطنية والقومية والوجودية هى في الاصل (وعي زائف) لانها منفصلة عن واقعها الاجتماعي المتخلف والبدائي وبالتالي تلقفتها النخبة المثقفة (الانتلجنسيا العصرية) كموضة و صرعة فكرية وايديولوجية , عسى ان تشكل حلا لتلك الاختلالات والانقسامات والصراعات البدائية الرائجة في المجتمعات التقليدية , وتنقلها نحو افق التحديث والتقدم والعصرنة . وبهذا الصدد يذكر الكاتب الكوردي شيركو كرمانج في كتابه القيم (الهوية والامة في العراق) (اصبحت ثورة 1920 الاسطورة المؤسسة للوطنية العراقية , فيما شكلت ثورة الشيخ محمود الحفيد اصبحت الاسطورة المؤسسة للقومية الكردية) .
ثانيا : تاسيس الدولة العراقية : ان من اهم نتائج ثورة العشرين هو تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 . وهذا ما اكده اغلب الكتاب والسياسيون العراقيون والاجانب وابرزهم رئيس الوزراء الاسبق ناجي شوكت في مذكراته (في اعتقادنا انه لو لا هذه الثورة العراقية الكبرى لما استطاع العراق ان يحصل حتى ولاعلى شبه استقلال , ولا كان من الممكن ان يدخل عضوا في عصبة الامم الى جانب الدول العظمى . فالعراق اصبح اول دولة عربية مستقلة ,واحتل مقامه بين دول العالم في الوقت الذي لم يكن هناك اي بلد عربي يحلم بالاستقلال) , بل واعترف به حتى الكتاب الانكليز انفسهم وابرزهم المس بيل التي رغم حقدها الشخصي على الشيعة الا انها اكدت (لم يكن يدور بخلد احد ولا حكومة صاحب الجلالة ان يمنح العرب مثل الحرية التي ستمنحهم اياها الان كنتيجة للثورة – ثورة 1920) .
لقد كان الراي الاول والسائد عند الانكليز قبل الثورة هو الاستمرار بالحكم الانكليزي المباشر الذي يمثله الحاكم ارنولد ويلسن (1918-1920) وغيرهم من التابعين لما يعرف بمدرسة الهند , والتي يقابلها المدرسة عربية في االقاهرة التي يمثلها لورنس العرب وبرسي كوكس الذين يطالبون بالادارة المحلية للعراق تحت الاشراف البريطاني . وقد استدعى برسي كوكس لبغداد من ايران وشكل اول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب الكيلاني في تشرين الثاني 1920 (اي بعد انتهاء ثورة العشرين بشهر واحد تقريبا) وفيها سجل العراق اقصر فترة احتلال مباشر لمستعمرة بريطانية في العالم , ثم تبعها مؤتمر القاهرة برئاسة وزير المستعمرات ونستون تشرشل عام 1921 الذي اكد المناداة بالامير فيصل ملكا على العراق . قد حصل التتويج في اب 1921 وتم تاسيس العهد الملكي الذي استمر حتى تموز 1958 , وهذا يعني ان عملية اختراع العراق وصناعته قد حصلت بصورة مباشرة من قبل الانكليز , ومن اجل ذلك قيل (ان العراق لم يصنعه الله هكذا بل صنعه ونستون تشرشل)!!!
ثانيا : التقييم الشيعي : واما من ناحية التقييم الشيعي لثورة العشرين فان الامر يخضع لتباينات كبيرة ومتعددة اغلبها تندرج ضمن القراءات الاسقاطية للتاريخ (اي اسقاط الواقع الحالي على التاريخ) وبالمجمل يمكن تقسيمها الى قسمين :
الاول : وينظر الى ثورة العشرين نظرة الاعجاب والتقدير – بل وحتى التقديس – باعتبارها جزءا من التاريخ البطولي للجماعة الشيعية في العراق وتاريخها المجيد في مواجهة الاستعمار والاحتلال البريطاني (والصحيح هو الانتداب) ودورها الكبير في بلورة الهوية الوطنية والنزعة العراقية وتاسيس الدولة , وغيرها من الامور التي تذكر عادة عن ثورة العشرين . وليس بالضرورة ان هؤلاء ينطلقون من دوافع مذهبية شيعية , وانما دوافع وطنية او اسلامية او قومية او عشائرية , الا ان البنية الاصلية هى شيعية .
الثاني : وينظر الى ثورة العشرين نظرة اتهام وسخرية – ان لم تكن استهزاء – والسبب هو اعتبارها السبب المباشر لتهميش الاغلبية الشيعية العراقية عن الادارة والحكم خلال الثمانين عاما من عمر الدولة العراقية الاول (1921 – 2003) لان الدولة الراعية للتاسيس – وهم الانكليز – قد اسسوا للمعادلة الطائفية السابقة التي اقصت الشيعة وادت الى الاحتقان والانقسام والاستبداد والديكتاتورية , وغيرها من التبعات التي حصلت – كما قلنا – بسبب تلك الثورة . واما الافراد الذين تبنوا هذا الراي من الشيعة فهم ينقسمون بدورهم الى قسمين :
الاول : وهم الافراد الذين ينقدون ثورة العشرين من باب الحرص على الجماعة الشيعية ومصلحتها العليا في ضرورة التعامل البرغماتي مع الدول الكبرى . وهذا الطرح قد حصل بعد ارتقاء الوعي السياسي عند الشيعة بسبب النكسات والمظالم والديكتاتوريات السابقة . اذ هؤلاء يطالبون بالتصرف وفق الحقل السياسي الحقيقي الذي يقوم عادة على المصالحة العامة للجماعة الشيعية والبرغماتية والمساومات , وليس الى المبادىء والقيم الوطنية الاخرى , على اعتبار ان العراق ليس مجتمعا موحدا حتى يكون التصرف وفق هذا السلوك , وانما بلدا متعدد المذاهب والاثنيات والاديان , وبما ان الجميع ينظر الى مصلحته ومذهبه وجماعته اولا – مثل الكورد والسنة والاقليات الاخرى – فالشيعة ايضا بدورهم يجب ان ينظروا الى مصلحتهم اولا . وهذا الراي طرحه الكثير من الكتاب العراقيين الشيعة صراحة …
الثاني : وهم الافراد الذين ينقدون ثورة العشرين ويهاجمونها ليس من باب الحرص على الجماعة الشيعية في العراق وماجلبته من التهميش والاقصاء بسبب المواجهة مع الانكليز , وانما بسبب الهزيمة الذاتية والاستلاب والدونية الشيعية التقليدية والنقص الذي يجعلهم ينظرون الى كل تاريخ او رمز او انجاز او ظاهرة او حدث يمت الى الجماعة الشيعية بصلة بعين السخرية والاستهزاء . وهذا الامر قد حصل لهم بسبب غسل الادمغة وتزييف الوعي الذي تعرضوا له من قبل الانظمة القومية والطائفية الحاكمة قبل السقوط عام 2003 او ماقام به الاعلام والانترنت والفيس بوك من زرع الدونية والاستلاب عند الجيل الجديد بعد 2003 . ومن المؤكد ان الجميع يرى هذه الظاهرة المنتشرة بالفيس بوك بقوة والتي انساق لها – للاسف – الكثير ليس من العامة والافراد غير المتعلمين من الشيعة فحسب , بل وحتى الكتاب والمثقفين والاكاديميين . علما اننا لاننكر ان النظرة الدونية والهزيمة الذاتية والخصاء القومي والتدجين البعثي الذي كان موجودا عند اغلب افراد الجماعة الشيعية بسبب الاستهداف القومي والطائفي منذ عام 1963 وحتى عام 2003 قد شكل الارضية التي مهدت لهه الظاهرة , لان الامر اصبح نسقا انتقل من الجيل السابق المخصي الى الجيل اللاحق الخنثي , وهو التفسير الذي يشير الى تزايد الحالة وتمددها الى افراد لم يعاصروا التدجين الحكومي والبعثي السابق . وبالطبع ان البعض سيحاول تبرير الحال بالقول : ان السبب في رواج النظرة الدونية والاستلاب والنقص عند الجماعة الشيعية في العراق هو الفشل في ادارة الدولة بعد 2003 ورد الفعل السلبي والمتطرف عند الناس , والجواب على ذلك هو في النقاط الاتية :
1 . لايوجد ربط بين الفشل الحكومي بعد 2003 وبين انتشار الظاهرة الدونية عند اغلب الكتاب والمثقفين الشيعة في العراق لسبب بسيط هو انتشارها بقوة حتى قبل عام 2003 بين الاوساط المثقفة والمتعلمة الشيعية , فهل كان هناك حكما شيعيا فاشلا حتى يكون هناك مبررا للهزيمة الذاتية والدونية والاستلاب ؟ ام ان هؤلاء يتوقعون الفشل الشيعي فاخذتهم الدونية مقدما ؟؟!! علما ان الدونية والاستلاب عند الجيل السابق اقوى وامضى من الجيل اللاحق – او الحالي – بسبب التدجين البعثي والقومي والاستهداف الطائفي , فيما ان الجيل الحالي لم يتعرض للتدجين والاستهداف , وانما تعرض فقط لغسل الادمغة وتزييف الوعي من الاعلام العربي والطائفي وفي مواقع التواصل الاجتماعي والفيس بوك وغيرها .
2 . اذا تركنا الجدل العقيم جانبا حول صحة الفشل الحكومي وحقيقته وماهيته وطبيعة النظام السياسي التوافقي والمحاصصة التي يشترك فيها جميع مكونات الشعب العراقي من الشيعة والسنة والكورد والاقليات الاخرى , وسلمنا جدلا ان الحكم في العراق هو فقط (شيعي فاشل) فما علاقة المذهب والتاريخ والهوية الشيعية بذلك ؟ ولماذا لم يطلق على النظام البعثي السابق بالحكم السني الفاشل ؟ ان اغلب دول العالم الثالث تصنف في تقارير الامم المتحدة ضمن خانة الدول الفاشلة , وغير الرشيدة من ناحية التحول الديمقراطي والتنمية والحريات والتعددية والفساد والاستئثار , بل ربما يكون العراق افضل حالا منها في كثير من المجالات مثل المستوى الاقتصادي للفرد والحريات والتعددية السياسية والثقافية وغيرها , ولكن مع ذلك لم تتهم تلك الدول بمذاهبها وتاريخها وهويتها . فالدول العربية التي تعاني اليوم من اختلالات خطيرة مثل مصر وليبيا والسودان والمغرب والجزائر واليمن وسوريا من الفتن والحروب الاهلية والحصار والفقر والفساد وانتشار العصابات والدعارة وغيرها , لم نجد ان تلك المجتمعات اتهمت مذاهبها وهويتها وتاريخها , او ادعت انها غير جديرة بالحكم , وانما تقول ان الحزب الفلاني او الرئيس العلاني هو الفاشل وغير جدير بالحكم , عدا الحالة الشيعية الوحيدة في العالم التي حصل فيها التمدد للتاريخ والهوية والمذهب . فيما كان المفترض ان يقال ان الاحزاب الدينية قد فشلت والحل بالخيار العلماني الاخر وتنتهي المشكلة دون تعقيد , ولكن يبدو ان سطوة الاعلام الطائفي والعربي الذي هو وراء تلك الهزيمة الذاتية والاستلاب والنقص لايريد الفصل بين العلماني الشيعي والاسلامي , وانما يريد اتهام الجميع واسقاطهم ورفضهم حتى يحقق اهدافه الطائفية والسياسية . وان الامر واضح للعيان عند كل من يملك بصيرة او رؤية , وان هناك ارادات اقليمية خليجية واعلامية واموال تدفع بهذا الاتجاه تريد النيل من الجماعة الشيعية وتاريخها وهويتها ورموزها , حتى يبقى النسق السابق القائم على الشعور بالدونية والاستلاب والنقص , ومن ثم التمهيد للهزيمة الذاتية التي تكون مقدمة للهزيمة السياسية وفقدان المشاركة في الادارة والحكم والعودة للاستبداد والعبودية والديكتاتورية .
في الواقع ان النزعة الدونية في المجتمع الشيعي العراقي بعامة والكتاب والمثقفين الاكاديميين بخاصة قد اصبحت من المسلمات التي قد لايختلف عليها اثنان , وتجدها يوميا عند العشرات من االكتاب الذين ينشرون اراؤهم بالفيس بوك , او في المقالات بالانترنت التي لاهم لها غير مهاجمة التشيع ورموزه وتاريخه , بل واصبح يعترف بها حتى المخصيين المصابين بها انفسهم من اجل ابعاد هذه التهمة عن تصرفاتهم , ويلقونها على الاخرين من خلال الطريقة العراقية المعروفة بخلط الاوراق والتزييف وغيرها , واصبح الخلاف الان بين المختصين حول سبب هذه الدونية واستفحالها وانتشارها وتمددها للجيل الجديد من الشباب والمراهقين الذين لم يعيشوا مرحلة الخصاء والتدجين والترويض البعثي والطائفي . كما لابد ان نشير الى الفرق بين مفهوم الخصاء عند الانتلجنسيا الشعية في العراق والذي ذكرناه عشرات المرات بمقالاتنا السابقة الموجودة بموقع الحوار المتمدن وبين الدونية عند الشيعة . (واهمها المقال – عقدة كيس الحاجة عند المثقفين الشيعة والكورد والمسيحيين) , فالخصاء باختصار هو عدم قدرة الكاتب والمثقف الشيعي على نقد المركزية السنية والقومية العربية وماتبعها من افرازات من قبيل الاستبداد والبعثيين والارهابيين والاعلاميين والكتاب التابعين لها وغيرهم وبالاسم الصريح . والدونية هى التملق للمركزية السنية والشخصيات التابعة لها والدفاع عنها ضد اي هجوم – وخاصة اذا كان المهاجم شيعي – وتبرير اعمالها ومواقفها وتبييض صفحاتها وخاصة السوداء منها . واما سبب تركيزنا على مفهوم الخصاء والدونية عند الجماعة الشيعية في العراق هو الرغبة بسحبها من اللاشعور الى الشعور او من اللاوعي الى الوعي من اجل التحرر منها والسيطرة عليها . فكلنا يعلم ان الخصاء والدونية هى سلوكيات لاواعية وتصرفات لاشعورية لايعلم بها الانسان المصاب بها , لانها في الاصل نوعا من الاختلالات النفسية التي تحصل عند الافراد الذين يعشون في ظل حكومات استبدادية وشمولية واقصائية (مثل الشيعة في العراق) , او ضمن جماعات واقليات مهمشة ومستهدفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا (مثل الكورد والمسيحيين) ومسؤولية الكتاب والمثقفين الواعين بالظاهرة هى عرضها ودراستها وتحليلها وتعريتها وتفكيكها والقاء الضوء عليها حتى يمكن للاخرين المصابين بها التحرر منها والتخلص من تاثيرها وعدم ابقائها ضمن نطاق اللاشعور .
وابرزهم مظاهر الدونية والاستلاب عند الشيعة هو مايمثله بعض الشيوعيين العراقيين حول ثورة العشرين . فمن المعروف ان الحزب الشيوعي العراقي يحتفي رسميا بثورة العشرين ويعتبرها اولى حركات التحرر في تاريخ العراق المعاصر , بل وربما اعتبرها احدى تاثيرات الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا عام 1917 . الا ان الكثير من الشيوعيين الشيعة وتحت تاثير الدونية اللاشعورية والخصاء المعروف اخذ بمهاجمة ثورة العشرين بدعاوى ليبرالية !!! في ان الانكليز قد بنوا العراق الحديث وجلبوا له التمدن والتحضر والخلاص من الدولة العثمانية . وهو طبعا من اغرب الاراء ليس بسبب تلك المقولات التي ذكروها , وانما خروجها من شيوعي ثوري متطرف . فالشيوعي العراقي الشيعي يكون شيوعي وثوري في جميع المواقع والاحوال عدا في الحالة الشيعية , فانه يكون يميني ومحافظ , بل وربما رجعي وسعودي وعروبي , وهو مايدعم راينا السابق الذي ذكرناه عشرات المرات وعرضنا حوله امثلة لاتحصى حول ان الشيوعي الشيعي في العراق لايتصرف كشيوعي ويساري في اغلب الاحيان , ولاتنطلق اراؤه وكتاباته وفق هذا المعيار , وانما تنطلق من شيعيته المازومة وذاته المخصية وشخصيته المستلبة وشعوره بالدونية والنقص والضعة امام الاخر القومي والعربي والسني , واخرها موقف الكاتب رشيد الخيون من ثورة العشرين والتهكم عليها والنيل منها , بل ودعم رؤية المس بيل والحاكم بول بريمر عن الشيعة !!!
والاغرب من الشيوعيين العراقيين الشيعة البعض من (الوطنجية) الذين ينادون بالهوية العراقية الوطنية وضرورة دعمها وترسيخها في المجتمع , ولكن ما ان يصل الامر الى ثورة العشرين حتى يتحول هذا (الوطنجي) الى شيعي وياخذ بمهاجمة الثورة وكيف انها همشت الاغلبية الشيعية عن الادارة والحكم , ليس من باب الحرص على الشيعة ومستقبلهم ومقدراتهم , فاغلبية (الوطنجية) العراقيين لااقول عندهم حقد اسطوري على الشيعة , وانما كراهية زرعتها الانظمة القومية والطائفية الحاكمة في رؤوسهم ونظامهم المعرفي , وانما الهدف هو فقط الرغبة بالهجوم على الشيعة ونقدهم ومهاجمة مقومات قوتهم ورموزهم , ومن ثم ترسيخ الهزيمة الذاتية والاستلاب والدونية والنقص في وجدانهم وضمائرهم , والا لو كاموا وطنيين حقيقة لكان المفترض ان يمدحوا ثورة العشرين بحسب المعيار الوطني , لانها اول مدرسة وطنية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر ودورها في تاسيس الدولة العراقية الحديثة التي بلورة الروابط الوطنية بين ابناء المجتمع لاينكر احد , الا انهم كعادة الشيعة المخصيين لاينسون القاعدة الذهبية (عند الرغبة بالذم والهجوم يكونون شيعة وعند موطن المدح للمذهب الاخر يكونون وطنيين) . وقد وجدنا هذا الاضطراب والتناقض عند الكاتب عادل الياسري , فهو يمدح الدور الوطني لجده السيد نور الياسري في المشخاب حتى انه نشر كتابا خاصا بعنوان ( جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري في ثورة العراق التحررية وصناعة الوطنية ) بل انه اعتبر جده صانع الوطنية العراقية !! الا ان الكاتب سرعان ماتتقمصه شخصيته الشيعيه المازومة بعد فترة من الزمن , وينسى وطنيته ويخضع للمؤثرات القومية والطائفية للاشعورية , وياخذ بمهاجمة الحوزة العلمية والمراجع الايرانيين (وكيف ان جده وقف بوجوههم , وان المرجعية الدينية الشيعية هي ميراث قومي الى ال فارس في العراق والعالم العربي ؛ قبل ان تصبح ميراث ديني . وان الفقه الشيعي السياسي هو جزء لا يتجزء من الامن القومي الايراني) وغيرها من الرواسب البعثية والعروبية .في الواقع لانعرف كيفية انسياب هذه الرواسب والافكار البعثية والطائفية الى الكثير من السادة ال ياسر , ويكفي ان تعرف بعض الاسماء التي خضعت لهذا التوجه من قبيل صافي الياسري وكاظم الياسري وعبد اللطيف الياسري وناصر الياسري واخيرا عادل الياسري , ولاادري ماهية العقد التي يحملونها حتى جعلتهم ينساقون وراء تلك الافكار الطائفية والعنصرية والرغبة في اثبات وطنيتهم وعروبتهم امام احفاد الانكشارية والمماليك الى درجة الهجوم على الكثير من الرموز الشيعية . والمفارقة انه ورغم تلك التنازلات والهجومات والخدمات التي قدموها للقوميين والبعثيين والطائفيين , الا انهم لم يحصلوا على ادنى تقدير واحترام من قبلهم , ان لم يكن العكس , فقد لفق عليهم البعثيين قصة امل الياسري التي ادعوا انها علوية من ال ياسر وتسكن في الولايات المتحدة الامريكية وظهرت في برنامج للعراة , وقد احتفت المواقع البعثية والطائفية والقومية بالفيس بوك والانترنت بتلك القصة احتفاء هائلا , ونشروا صورتها وهى عارية اكثر من اي صورة اخرى , واعتبروها مكسبا كبيرا ضد السادة العلويين دون اي اهتمام بالتنازلات السابقة والمذلة التي قدموها الكتاب من ال ياسر مثل صافي وعادل وناصر وغيرهم . وانا طبعا كنت اول الشامين بهم , وبكل شخصية شيعية تقدم التنازلات المذلة للقوميين والعنصريين ثم لايقدم لها الاحترام والتقدير اللائق , ان لم يكن العكس , يوجهوا لها الاهانات والتشويه والازدراء . واعتقد ان الكاتب عادل الياسري في امريكا ويعرف الموضوع جدا , لان الكثير من هؤلاء الكتاب سكتوا عن الموضوع الملفق ضدهم ولم يبينوا حقيقته .وانا اساله بالاخير : هل المرجعية الدينية او ايران هى من لفقت قصة امل الياسري ونشرت صورتها عارية ام القوميين والبعثيين الذين تتملق لهم ؟؟!!
واذا اردنا العودة الى موضوعنا الاصلي هل فعلا ان ثورة العشرين هى من اعطت المبرر للانكليز بتهميش الشيعة ؟؟ في الواقع لانستطيع ان نعطي جوابا محددا او مؤكدا على ذلك , ولكن لو فرضنا ان الشيعة لم يقوموا بثورة العشرين , فهل ان بريطانيا ستشكل حكومة تعبر عن جميع المكونات الاجتماعية العراقية وتؤسس لديمقراطية حقيقية يكون فيها للاغلبية الشيعية دورا كبيرا بالادارة والحكم ؟؟ بصراحة لا اعتقد ذلك … فالعقلية الانكليزية انذاك قد حسمت امرها في العالم العربي باعطاء الحكم للاقليات السياسية والعائلية والمذهبية والحزبية من اجل ان يكونوا بحاجة دائمة لمساعدتهم ودعمهم في مواجهة المجتمع المعادي لهم والتحديات الخارجية , وهذا الراي اختاره تنظيم القيادة المركزية المنشق عن الحزب الشيوعي العرقي في تفسيره للظاهرة الطائفية في العراق , ونشره في مجلة (الغد) الصادرة في اذار 1987 من خلال النقاط الاتية :
1 . ان النظام الطائفي ظهر قديما في العراق واتخذ شكله المعروف منذ قرون خلت , ثم جاء الانكليز واقاموه على اسس سياسية وعسكرية حديثة في مواجهة ثورة العشرين . فالنظام الطائفي الذي قام عليه الحكم الملكي المباد , ومن ثم نظام البعث الراهن يمثل تركة سوداء خلفها النفوذ البريطاني .
2 . نرى ان موقف التجاهل واغماض العيون الذي سارت عليه الحركة الوطنية في العراق (يقصد الحركة الشيوعية) – كما في شان لبنان – ازاء النظام الطائفي هو موقف يتهاون بمستقبل البلاد , ويفرط بمصير الثورة الوطنية . لذا نرى من الواجب مواجهة حقيقة النظام الطائفي وكشف الستار عن مقوماته الاجتماعية واصوله التاريخية .
3 . غالبا ماتكون سلطة الاقلية الطائفية بحاجة الى دعم خارجي كقوة احتلال او نفوذ امبريالي , بحكم كونها مهددة داخليا . فتتلمس المساندة الخارجية الامر الذي يوفر الاسس لقيام مصلحة مشتركة بين القوة الخارجية وبين الاقلية الحاكمة لكبت المحكومين , والاستئثار بالسلطة السياسية والثروات الاقتصادية .
4 . من جانب اخر فان فوائد النظام الطائفي للمحتلين لاتقتصر على ربط الاقلية الحاكمة بهم , بل ويشجع ايضا على خلق الطائفية المعاكسة بين المحكومين الذين يجدون انفسهم يضطهدون بسبب انتماءاتهم الدينية والمذهبية , ولذلك تثار النقمة الطائفية ويتسع الانقسام بين الشعب .
واختار هذا الراي ايضا الوزير في العهد الملكي عبد الكريم الازري في كتابه (مشكلة الحكم في العراق من فيصل الى صدام) بالقول (ان السلطات البريطانية المحتلة نتيجة الموقف المتشدد المتصلب للزعامة السياسية الشيعية وجدت نفسها امام خيار واحد وهو التفاهم مع اي فريق مستعدا للتفاهم معها على تسوية سياسية…. وان الحكم المستند الى اقلية من سكان البلاد يكون بحكم ظروفه مضطرا للاعتماد على قوة تدعمه ومستعدا للتفاهم معها اكثر من الحكم المستند الى اكثرية شعبية) . كما اكدته ايضا الكاتبة اوفرا بينغيو في مقالها (العراق من دولة قومية فاشلة الى دولة ثنائية القومية) (بان السنة سيكونون اكثر اعتمادا على البريطانيين ورضوخا لهم بسبب ضعفهم الديمغرافي) .
كما اختار هذا الراي ايضا واضاف له مقاربات اخرى قيمة الكاتب عبد الاله توفيق الفكيكي في كتابه القيم (البدايات الخاطئة قراءة جديدة في تاريخ العراق السياسي الحديث) بقوله ( ان الفلسفة السياسية للادارة البريطانية في العراق تقوم على اساس الاعتماد على الاقليات في المستعمرات وتهميش الاغلبية وخلق الزعامات الوهمية والتعامل معها , ورفض التعاون مع القوى الفاعلة خشية الخضوع لمطالبها مستقبلا , وابقاء الاوضاع في المستعمرات هشة . وزرع التنافر بين مكونات شعوبها) . وضرب مثلا على ذلك ان الشهيد رستم حيدر قد ذكر في مذكراته ان احد زعماء الهند المسلمين قال له (ان الانكليز مالوا نحو المسلمين في الهند قائلين لهم انهم الاقلية , وانه واجب عليهم مسايرة الانكليز , اذ لولاهم لايمكنهم ان يعيشوا) .
اعتقد ان هذا الراي يحوي جانبا كبيرا من الصحة , فالعقلية الانكليزية الاستعمارية قبل الحرب العالمية الثانية كانت تعتمد نسق المؤامرات في الغرف المظلمة والابتزاز السياسي . فيما قل هذا التعامل بعد الحرب العالمية الثانية وقيام الحرب الباردة بين المعسكر الراسمالي الليبرالي والمعسكر الشرقي الاشتراكي , واصبح التعامل اكثر شفافية ووضوحا من حيث التجاوب مع التعددية والديمقراطية وحقوق الانسان , وكلها من اجل سحب البساط من المعسكر الشيوعي الشمولي والاستبدادي , حتى انها اخذت تتنازل عن المستعمرات تدريجيا وتعطيها الاستقلال . ويمكن اعطاء دليل اخر عن القضية العراقية في اعتماد الانكليز على الاقلية هو قضية الشيوخ والفلاحين . فخلال مرحلة الاحتلال البريطاني للعراق والحكم المباشر (1914-1920) انقسمت الادارة الانكليزية حول طريقة التعامل مع القبائل والشيوخ الى فريقين :
الاول : ويراسه ستيفن لونكريك S.Longrigg ، ويطالب بالتعاون والانحياز الى الاغلبية من الفلاحين الصغار على حساب سلطة الشيوخ الكبار، وملاكي الاراضي الزراعية، ودعم مطالب صغار المزارعين في ملكية الارض ، وتحطيم السلطة التقليدية لشيوخ القبائل.
الثاني: ويراسه هنري دوبس H.Dobbs، ويطالب بالتعامل والتعاون مع الاقلية من الشيوخ والملاكين واصحاب الحيازات الواسعة، من اجل بلورة قاعدة اجتماعية تدعم النظام السياسي الجديد ، وترسخ سلطة الاحتلال في البلاد.
وبعد مداولات بين البريطانيين، تم الاتفاق على اختيار النمط الثاني، وتقوية نظام المشيخة الذي كان في طريقه الى التدهور، من خلال جملة اعمال، اهمها سن نظام خاص لادارة المناطق العشائرية والريفية، فاصدرت الادارة البريطانية قانون او نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية عام 1916. الذي يهدف الى تعزيز سلطات الشيوخ القضائية، واعادة بناء المجتمعات العشائرية واخضاعها للانظمة البدوية والريفية . وطبقت الادارة البريطانية هذا النظام في جميع الاجزاء التي يوجد فيها المجتمع القبلي والريفي في العراق عام 1918 واقرته الحكومة العراقية كقانون مستقل عن القانون المدني عام 1922 وبقي معمولا به حتى ثورة تموز 1958.
وهذا ان دل على شيء فانه يدل على ان الانكليز انحازوا للشيوخ وهم الاقلية في المجتمع في مقابل الاغلبية وهم الفلاحون والمزارعون الذين اصبحوا مثل الاقنان والعبيد عند اولئك الشيوخ , وكان الثمن هو سكوتهم عن جميع المطالبات السياسية والحركات الثورية التي تنادي بالاصلاح والعدالة والديمقراطية الحقيقية . وكانت المكافاءة اصدار حزمة من القوانين قدمت باقتراح من قبل الخبير البريطاني ارنست داوسن A.Dowson الذي قدم تقريره عام 1931 حول مشكلة الاراضي الزراعية في العراق وهي (قانون تسوية حقوق الاراضي رقم 50 لسنة 1932 وقانون اللزمة رقم 51 لسنة 1932 وقانون الحقوق وواجبات الزراع رقم 28 لسنة 1933) التي اعطت الحق القانوني للشيوخ بالاستيلاء على الاراضي التي كانت ملكا مشاعا للعشيرة وتسجيلها باسمائهم .
وختاما نقول اذا كانت حركة الجهاد التي اطلقها رجال الدين الشيعة ومراجعهم في النجف وكربلاء والكاظمية ابان الاحتلال البريطاني للبصرة عام 1914 لها مايبررها بحكم العاطفة الدينية والانسياق للحكم الشرعي في الجهاد الدفاعي , فان ثورة العشرين ومواجهة الانكليز بالقوة المسلحة ليس لها اي تبرير او وازع عقلاني وموضوعي باعتبار ان الانكليز قد مدوا الكثير من الجسور والتفاهمات مع الناس ورجال الدين والمثقفين وشيوخ العشائر بعد سيطرتهم على البلاد , ويمكن التعامل السياسي والحضاري معهم والمطالبة بالحقوق وغيرها . وهذه السلوك الثوري المسلح هو من اعطى للانكليز الحجة بتهميش الشيعة واستبعادهم عن الادارة والحكم ابان تاسيس الحكومة المؤقتة التي كلف السير برسي كوكس الشيخ عبد الرحمن النقيب بتشكيلها في تشرين الثاني 1920 او بعد التاسيس الرسمي للدولة العراقية في اب 1921 . وكما ذكرت ان ثورة العشرين اعطت الحجة لتهميش الشيعة عن الادارة والحكم , ولم تكن السبب الاساس , اذ لو كان السبب الرئيسي هو الثورة فلماذا حصل تهميش للكورد ايضا بعد تاسيس الدولة العراقية مثل الشيعة واقتصار السلطة على الاقلية السنية العربية ؟؟ في الواقع ان الانكليز بالاصل لم يتحملوا الكورد والشيعة , حتى نسب القول لونستون تشرشل (بانهم قبائل غير متحضرة) وكان يؤيد بشدة استخدام الغاز السام ضدهم – كما يذكر الكاتب الكوردي شيركو كرمانج – الذي علق على ذلك بالقول ( وبالتالي فقد بنيت هوية دولة العراق على اساس ماتفضله سلطة الاحتلال البريطانية التي استبعدت الى مدى بعيد الكرد والشيعة , وصار هذا واحدا من الاسباب الرئيسية لداء العراق المزمن) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *