الكاتب : فاضل حسن شريف
المنكر هو عندما لا تسمع كلام المراجع العظام والحكومة المنتخبة من قبل الشعب العراقي وتتخبط بأفكارك التي ليس محلها ومكانها المناسبين كما هو حاصل حاليا لقلة من المقاومة العراقية. وعندما تسكت البقية بدون نصيحة أو رد هؤلاء القلة الظالمة صاحبة الفتنة فالعقاب الإلهي ينزل على الجميع بالتضحية بالأبرياء ودمار البنى التحتية منها محطات الكهرباء غير الكافية أصلا كما حصل عام 1991 في زمن الظالم صدام، فالله تعالى يسلط الظالم على الظالم. جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الأنفال 25) قرأ علي والباقر عليهما السلام من أئمة أهل البيت وكذا زيد بن ثابت والربيع بن انس وأبو العالية على ما في المجمع: لتصيبن باللام ونون التأكيد الثقيلة، والقراءة المشهورة: لا تصيبن بلا الناهية ونون التأكيد الثقيلة. وعلى أي تقدير كان، تحذر الآية جميع المؤمنين عن فتنة تختص بالظالمين منهم، ولا يتعداهم إلى غيرهم من الكفار والمشركين، واختصاصها بالظالمين من المؤمنين وأمر عامتهم مع ذلك باتقائها يدل على أنها وإن كانت قائمة ببعض الجماعة لكن السيئ من أثرها يعم الجميع ثم قوله تعالى: “واعلموا أن الله شديد العقاب” تهديد للجميع بالعقاب الشديد ولا دليل يدل على اختصاص هذا العقاب بالحياة الدنيا وكونه من العذاب الدنيوي من قبيل الاختلافات القومية وشيوع القتل والفساد وارتفاع الأمن والسلام ونحو ذلك. ومقتضى ذلك أن تكون الفتنة المذكورة على اختصاصها ببعض القوم مما يوجب على عامة الأمة أن يبادروا على دفعها، و يقطعوا دابرها ويطفؤا لهيب نارها بما أوجب الله عليهم من النهى عن المنكر والامر بالمعروف. فيؤول معنى الكلام إلى تحذير عامة المسلمين عن المساهلة في أمر الاختلافات الداخلية التي تهدد وحدتهم وتوجب شق عصاهم واختلاف كلمتهم، ولا تلبث دون ان تحزبهم أحزابا وتبعضهم أبعاضا، ويكون الملك لمن غلب منهم، والغلبة لكلمة الفساد لا لكلمة الحق والدين الحنيف الذي يشترك فيه عامة المسلمين. فهذه فتنة تقوم بالبعض منهم خاصة وهم الظالمون غير أن سيئ أثره يعم الكل ويشمل الجميع فيستوعبهم الذلة والمسكنة وكل ما يترقب من مر البلاء بنشوء الاختلاف فيما بينهم، وهم جميعا مسؤولون عند الله والله شديد العقاب. وقد أبهم الله تعالى أمر هذه الفتنة ولم يعرفها بكمال اسمها ورسمها غير أن قوله فيما بعد: “لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” وقوله: “واعلموا أن الله شديد العقاب” كما تقدم يوضحها بعض الايضاح، وهو انها اختلاف البعض من الأمة مع بعض منها في أمر يعلم جميعهم وجه الحق فيه فيجمح البعض عن قبول الحق ويقدم إلى المنكر بظلمه فلا يرد عونه عن ظلمه ولا ينهونه عن ما يأتيه من المنكر، وليس كل ظلم، بل الظلم الذي يسرى سوء أثره إلى كافه المؤمنين وعامة الأمة لمكان أمره سبحانه الجميع باتقائه، فالظلم الذي هو لبعض الأمة ويجب على الجميع أن يتقوه، ليس إلا ما هو من قبيل التغلب على الحكومة الحقة الاسلامية، والتظاهر بهدم القطعيات من الكتاب والسنة التي هي من حقوقها.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الأنفال 25) كلمة (فتنة) استعملت في القرآن المجيد بمعان مختلفة، فقد جاءت تارةً بمعنى الإِختيار والإِمتحان، وتارة بمعنى البلاء والعذاب والمصيبة، وهي في الأصل بمعنى إدخال الذهب في بوتقة النّار ليتميز جيده من رديئه، ثمّ استعملت بمعنى الإِختيارات التي تكشف الصفات الباطنية للإِنسان، واستحدثت في الإِبتلاء والجزاء الذي يبعث الصفاء في روح الإِنسان ويطهّره من شوائب الذنوب، وأمّا في هذه الآية فإنّ كلمة (فتنة) بمعنى البلاء والمصائب الإِجتماعية التي يصاب بها الجميع فيحترق فيها الأخضر مع اليابس. وفي الحقيقة فشأن الحوادث الإِجتماعية هو هكذا، فإذا ما توانى مجتمع ما عن أداء رسالته، وإنهارت القوانين على أثر ذلك، وإنعدم الأمن، فإنّ نار الفتنة ستحرق الأبرار مع الأشرار، وهذا هو الخطر الذي يحذر الله تبارك وتعالى منه ويحذر في هذه الآية المجتمعات البشرية كلّها. ومفهوم الآية هنا هو أنّ أفراد المجتمع مسؤولين عن أداء وظائفهم، وكذلك فهم مسؤولون عن حثّ الآخرين لأداء وظائفهم أيضاً، لأنّ الإِختلاف والتشتت في قضايا المجتمع يؤدي إِلى إنهياره، ويتضرر بذلك الجميع، فلا يصحّ أن يقول أحد بأنّنى أؤدي رسالتي الإِجتماعية ولا علاقة لي بالآثار السلبية الناجمة عن عدم أداء الآخرين لواجباتهم، لأنّ آثار القضايا الإِجتماعية ليست فردية ولا شخصية. وهذا الموضوع يشبه تماماً ما لو احتجنا لصد هجوم الأعداء إِلى مئة ألف مقاتل، فإذا قام خمسون ألف مقاتل بأداء وظائفهم فمن اليقين أنّهم سيخسرون عند منازلتهم العدو، وهذا الإِنكسار سيشمل الذين أدوا وظائفهم والذين تقاعسوا عن أدائها وهذه هي خصوصية المسائل الإِجتماعية.
ويستمر الشيخ الشيرازي في تفسيره الآية الأنفال 25 قائلا: ويمكن إيضاح هذه الحقيقة بصورة أجلى وهي: أنّ الأخيار من أبناء المجتمع مسؤولون في التصدّي للاشرار لأنّهم لو اختاروا السكوت فسيشاركون أُولئك مصيرهم عند الله كما ورد ذلك في حديث مشهور عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (إنّ الله عزّ وجلّ لا يعذب العامّة بعمل الخاصّة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكرون، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصّة والعامّة). ويتّضح ممّا قلناه أنّ هذا الحكم يصدق في مجال الجزاء الإِلهي في الدنيا والآخرة، وكذلك في مجال النتائج وآثار الأعمال الجماعية. وتُختتم الآية بلغة التهديد فتقول: “واعلموا أنّ الله شديد العقاب” لئلا يصاب هؤلاء بالغفلة بسبب الألطاف والرحمة الإِلهية وينسوا شدّة الجزاء الإِلهي، فتأكلهم الفتن وتحيط بهم من كل جانب، كما أحاطت المجتمع الإِسلامي، وأرجعته القهقرى بسبب نسيانه السنن والقوانين الإِلهية. فنظرة قصيرة إِلى مجتمعنا الإِسلامي في زماننا الحاضر والإِنكسارات التي أصابته أمام أعدائه، والفتن الكثيرة، كالإِستعمار والإِلحاد والمادية، والفساد الخلقي وتشتت العوائل وسقوط شبابه في وديان الفساد، والتخلف العلمي، كل ذلك يجسد مضمون الآية، وكيف أنّ تلك الفتن أصابت كل صغير وكبير، وكل عالم وجاهل، وسيستمر كل ذلك حتى اليوم الذي تتحرك فيه الروح الإِجتماعية للمسلمين، ويهتم الجميع بصلاح المجتمع ولا يتخلفوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
جاء في موقع الأمة العراقية عن جهودِ ثني الفصائلِ عن توريطِ العراق للكاتب نزار حيدر: لقد بدأَ العراق يتحسَّس الخطَر الذي يقترِب منهُ يَوماً بعدَ آخر بشكلٍ جديٍّ. الأَمرُ الذي يدعُو كُلَّ المعنييِّنَ في البلدِ، مَن بيدهِم زِمام الأُمور ومُنظَّمات المُجتمعِ المدني وعلى رأسِها العشائِر وحتَّى الفصائِل المُسلَّحة، إِلى تغليبِ العقلِ والمنطِق في التَّعامُلِ معَ المخاطرِ المُحدِقةِ بالعراق والذي يسعى المُتربِّصُونَ بهِ لدفعهِ لها دفعاً، وذلكَ من أَجلِ حمايتهِ وحمايةِ الأَمنِ القَومي ومصالحهِ الوطنيَّةِ العُليا. وانطلاقاً من هذا الشُّعورِ بالخطر، يتحرَّك الجميع اليَوم ومنهُم العشائِر الغَيورة لثني الفصائلِ عن العبثِ بأَمن العراق، وإِقناعها بالعقلِ والمنطقِ بوجوبِ إِحترامِ الدَّولةِ وسيادتها ومؤَسَّساتها الدُّستوريَّة. والنَّشاط الإِستعراضي لا يخدِم البلد أَبداً وأَنَّ من واجبِ الدَّولة أَن تبذِل قُصارى جُهدَها لوقفِ كُلِّ مَن يسعى للعبثِ بأَمنِ الدَّولةِ عندَ حدِّهِ. وليسَ صُدفةً أَو من بابِ التَّهويلِ دعا المُشرِّعِ لإِنزالِ أَقسى العقُوبةِ بمَن يعبَث بأَمنِ الدَّولةِ بقَولهِ تعالى “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”. فالأَمنُ أَولويَّةٌ قُصوى لا تُضاهيها أَيَّة أَولويَّةٍ أُخرى لأَنَّها حجَر الزَّاوية في المُجتمعِ تُبنى عليهِ كُلَّ شيءٍ. وإِنَّ تكرار تذكير القائد العام للقوَّات المُسلَّحة اليَوم بأَنَّ قرار السِّلمِ والحربِ بيدِ الدَّولة (مجلس النوَّاب ورئاسة الجمهوريَّة ورئيس مجلس الوُزراء حسبَ نصِّ المادَّة (61/ تاسِعاً) من الدُّستور تذكيرٌ بواجباتِ كُلِّ الأَطرافِ لتحمُّلِ مسؤُوليَّاتها لحمايةِ البلدِ وأَمنهِ القَومي ومصالحهِ الوطنيَّةِ العُليا. ولقد قالَ خيراً عندما أَعلنَ اليَوم النَّاطق الرَّسمي باسمِ القائِد العامِّ عن قرارِ الحكُومةِ بمُلاحقةِ كُلِّ مَن يعبث بأَمنِ الدَّولة ويُعرِّضها للخطرِ رافضاً زجِّ البلادِ بأَزماتٍ في غنىً عنها.