الكاتب : نزار حيدر
نـــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر لـ [وكالةِ عراق أُوبزيرفِر]؛
موقفُ الصَّدرِ ليسَ جديداً وهوَ الأَكثرُ عقلانيَّةً
السُّؤَال؛ كيفَ سيُؤَثِّر مَوقف الصَّدر من سُوريا على قراراتِ الحكومةِ والفصائلِ على حدٍّ سَواء؟!.
الجَواب؛
١/ هذا الموقفُ ليسَ جديداً والصَّدرُ بناهُ على قاعِدتَينِ أَساسيَّتَينِ؛
أ/ الإِنسجامُ معَ موقفِ الدَّولة ومُؤَسَّساتِها الدُّستوريَّة على مُستوى الأَمنِ والعلاقاتِ الخارجيَّةِ والمَوقِفُ من تطوُّراتِ المنطقةِ تحديداً.
فمنذُ السَّابع من أُكتوبر عام ٢٠٢٣ والسيِّد مُقتدى الصَّدر حاولَ دائماً أَن تنسجِمَ مواقفهِ وآراءهِ وخطابهِ السِّياسي والتَّعبَوي مع خطابِ الدَّولةِ كونهُ يحترِم المُؤَسَّساتِ الدُّستوريَّة ولا يريدُ أَن يتناقضَ أَو يتقاطعَ معها أَو يتجاوزها.
قد يسبقها في الرُّؤيةِ والموقفِ والفعلِ لكنَّهُ أَبداً لا يتقاطعَ معها.
ب/ وهوَ موقِفُ العُقلاء الحريصينَ على أَمنِ البلادِ ومصالحِها الوطنيَّةِ العُليا، فالحصانةُ الذَّاتيَّةُ وحِمايةُ الدَّاخلِ وتقويةُ الخواصرِ الضَّعيفةِ وتثبيتُ الرِّمالِ المُتحرِّكةِ وتطهيرُ الحواضنِ الدَّافئةِ وملء الأَرض الرَّخوة وتأمينِ الحدودِ أَولى من القفزِ على الواقعِ باتِّجاهِ المجهُولِ.
وأَنَّ مثلَ هذا الموقفِ يحتاجُ إِلى تغليبِ العقلِ والمنطقِ وعدمِ الإِنجرارِ خلفَ العواطفِ والشِّعاراتِ والهمبلاتِ كما تفعلُ الميليشياتِ التي تورِّط العراق باندفاعِها غَير المحسوب والمُتهوِّر لصالحِ أَجنداتِ [الغُرباء].
ولم ينسَ العراقيُّونَ عندما اندفعَ البعض منهم عام ٢٠١٣ فعبرَ الحدُود إِلى سوريا بذريعةِ مُقاتلةِ الإِرهابِ هُناكَ قبلَ أَن نضطرَّ لمُقاتلتهِ في عُقرِ دارِنا، في الوقتِ الذي كان فيهِ العراق مكشُوف الظَّهر وهشَّ الواقعِ السِّياسي والأَمني والإِداري، فماذا كانت النَّتيجة؟! تمدَّدت [فُقاعة المالكي] لتحتلَّ نِصفَ الأَراضي العراقيَّة، ولولا فتوى الجِهادِ الكِفائي التي أَصدرها المرجِعُ الأَعلى وقتها فالتفَّ حَولها واستجابَ لها العِراقيُّونَ لكانت أُسرة المالكي الآن عبيداً وإِماءً وسبايا عندَ الإِرهابيِّينَ يُباعُونَ في سوقِ النَّخَّاسةِ!.
٢/ وبرأيي فإِنَّ مَوقف الصَّدر هذا، وهو الذي يقودُ أَوسع تيَّار شعبي عقائدي معرُوفٌ بشجاعتهِ وتضحياتهِ في الملاحمِ، سيُقوِّي قرار الدَّولة القاضي بحمايةِ العراق وعدمِ الإِنخراطِ في الحربِ على الإِرهابِ مرَّةً أُخرى، خاصَّةً في تجربةٍ هي الثَّانية من نَوعها وليسَت الأُولى، وأَقصُد بها عَودة سوريا إِلى المرَّبع الأَوَّل، والتي تدُلُّ على غباءٍ سياسيٍّ وجهلٍ أَمنيٍّ وقُصرِ نظرٍ قلَّ نظيرهُ!.
قرارُ الدَّولة الذي يتعرَّض لضغطٍ شديدٍ من خارجِ الحدودِ ومن [زعاماتٍ] حزبيَّةٍ وسياسيَّةٍ مُتخاذِلةٍ وخائنةٍ تُريدُ أَن تركبَ المَوجةَ وتُجازِف بأَمنِ العراقِ ومصالحهِ وشبابهِ الغُيارى!.
أَمَّا الفصائِل فإِنَّ مَوقف الصَّدر الصَّريح والواضِح والوطني والعقائدي سيعزلَها عن قرارِ العراق كدَولةٍ وكشعبٍ لا يرغَب في القتالِ بالوِكالةِ مرَّةً أُخرى، مرَّةٌ واحدةٌ تكفي.
٣/ صحيحٌ أَنَّ ما يجري في سوريا من تطوُّراتٍ خطيرةٍ لا تخصَّها لوحدِها، ولكن؛ لماذا لا تفهَم دمشق هذهِ الحقيقةِ فتستَوعِبها فتدافِع عن نفسِها من خلالِ الحيلولةِ دونَ تكرارِ الخطأ وبكُلِّ تفاصيلهِ المُملَّةِ في أَقلِّ من عقدٍ من الزَّمنِ فقط لتحمي نفسَها وتحمي غيرَها؟!.
لماذا لم تبنِ جيشاً عقائديّاً قويّاً قادراً على الدِّفاعِ عن الوطنِ وحمايةِ البلادِ من الأَخطارِ المُحدقةِ بها؟!.
لماذا تركَت الفساد المالي والإِداري والفقر والعَوَز ينخُر بالدَّولةِ وتحديداً في جسدِ الجيشِ والقوَّاتِ المُسلَّحةِ لدرجةٍ أَنَّها لم تقوَ على الوقُوفِ على قدَمَيها؟!.
لماذا تركت الإِرهابيِّينَ ينتشرُونَ ويستقرُّونَ في مناطقَ شاسِعةٍ من البلادِ ولم تقضِ عليهِم وتُطهِّر أَرضَ الشَّامِ منهُم؟! مَن الذي نصحَها بتركهِم أَكثرَ من عقدٍ من الزَّمن؟! وكيفَ أَخذَت دمشق بنصيحتهِم؟!.
لو كانت دمشق قد دافعَت عن نفسِها وحمَت البلاد عندما تعرَّضت لأَكثرَ من [٢٥٠] هجومٍ [إِسرائيليٍّ] على مدى هذا العامِ فقط لما انهارَت قوَّاتها المُسلَّحة وضعُفت لدرجةِ الشَّللِ والعجزِ لتُسلِّم المُحافظات الواحدة تِلو الأُخرى إِلى الإِرهابيِّينَ بساعاتٍ محدُودةٍ؟!.
لو أَنَّها كانت قد أَعادت النَّظر في نوايا حلفائِها وعلى رأسهِم روسيا التي خذَلتها أَيَّ خِذلانٍ، لما ظلَّت [دمشق] أَسيرةً لها حتَّى عُدَّت ورقةً تفاوُضيَّةً بيدِ الرَّئيس بوتين الذي يُعاني من مشاكِلَ جمَّةٍ هوَ أَحوجُ ما يكُونُ لأَوراقٍ تفاوُضيَّةٍ يضعَها على الطَّاولةِ عندَ الحاجةِ، لَو فعلت دمشق ذلكَ مُبكِّراً لاعتمدَت على نفسِها من خلالِ بناءِ شراكاتٍ وتحالُفاتٍ جديدةٍ تقيها شرُور الأَيَّام.
وصدقَ مَن قال [إِنَّ المُلتحِف بالرُّوسِ عُريان]، إِسأَلوا عبد النَّاصر والسَّادات وعرَفات وغيرهُم الكثير!.
أَمَّا إِذا كانت دمشق تتخيَّل أَنَّ حُلفاءَها سيفعلُونَ الشَّيء نفسهُ الذي فعلوهُ معَها قبلَ عقدٍ من الزَّمن فهي واهِمةٌ جدّاً، والمثلُ يقُولُ [قد لا تسلم الجرَّة مرَّتَينِ] فالظُّروفُ الدَّوليَّةُ تغيَّرت ومصالِحُ الكِبارِ وأَولويَّاتهُم أُعيدَ صفَّها مرَّةً أُخرى، فللتِّكرارِ ثمنٌ باهِضٌ، وإِذا كانَ كُلَّ ذلكَ قد فاتَ الرَّئيس بشَّار الأَسد فتلكَ مُشكلتُهُ وعليهِ أَن يتحمَّلَ المسؤُوليَّةً كامِلةً قبلَ أَن ينتظِر من الآخرين أَن يتحمَّلُوا مسؤُوليَّاتهِم!.
للأَسفِ الشَّديذِ فلقد ماتَت الحِكمةُ المعهُودةُ عندَ بلادِ الشَّامِ عندما تحوَّلَت إِلى حاضِنةٍ ومُعسكرِ تمكينٍ وممرٍّ للإِرهابييِّنَ من كُلِّ حدبٍ وصَوبٍ إِلى العراق حتَّى وقعَ المحذُور!.
٢٠٢٤/١٢/٥