الكاتب : فاضل حسن شريف
قال الله تعالى “إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (المائدة 112-114). ولم تذكر كلمة العيد الا مرة واحدة في القرآن الكريم وهي في سورة المائدة. والعيد في الآية تعني عيسى عليه السلام طلب من الله تعالى إنزال مائدة طعام لتكون آية بصدق الحواريين لرسالته وتكون عيدا أي أن يتذكر الحواريون أن طلبهم حصل ويؤمنوا ويصدقون برسالة النبي عيسى عليه السلام وان يفرحوا لأنهم كانوا في عين الله سبحانه بمنحهم هذه الكرامة. لذلك على المؤمن أن يفرح بالعيد بانجاز العبادة التي حصلت قبل العيد من صوم او حج او ذكرى مولد نبي هدى الناس بعد ضلالة.
قال الله تعالى “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ” (الكوثر 2) فصل يقصد بها صلاة عيد الاضحى و الفطر عند مفسرين. من أحكام العيد أن الصلاة قبل الخطبة. قال أمير المؤمنين عليه السلام في عيد الفطر (إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صِيَامَهُ وَ شَكَرَ قِيَامَهُ، وَ كُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ) كما قال الله تبارك وتعالى “قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا” (الكهف 69). في عيد الفطر يخنس الشيطان بعد ان نجح الصائم في اداء شعائره طوال شهر رمضان كما يحصل عندما يرمي الحاج ايام عيد الاضحى الجمرات بمنى، حيث يفيض الحجاج من المزدلفة عند شروق الشمس مشيا الى منى لرمي الجمرات “ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ” (البقرة 199). وفكرة رمي الشيطان بالحصيات او الجمرات تعود الى عهد ابراهيم عليه السلام عندما بين له جبرائيل مناسك الحج حيث عند وصوله موقع العقبة بمنى اعترضه الشيطان فرمى الشيطان بحصيات سبعة كون هذا الرقم له قدسية في ايات عديدة منها “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا” (الملك 3). وقيل ان ابليس اعترض على ابراهيم بذبح ابنه اسماعيل عليهما السلام فرجمه في العقبة “فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ” (الصافات 103). أما في ايام التشريق الثلاثة فإن إبليس وسوس لإبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام في مواقع الرمي الثلاثة فتم رجمه. وفي رواية أن آدم عليه السلام أول من رجم الشيطان وقد رماه بمنى فأسرع اي اجمر فسميت الحصاة و موقع الرمي بالجمرة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ما العيد؟ العيد في اللغة من العود أي الرجوع، لذلك فذكرى الأيّام التي تنداح فيها المشاكل عن قوم أو مجتمع وتعود أيام الفوز والهناء الأوّل تكون عيداً. كذلك هي الأعياد الإِسلامية فبعد شهر من طاعة الله في صوم رمضان، أو بعد أداء فريضة الحج العظيمة، يعود إِلى النفس طهرها وصفاؤها الأولين الفطريين، ويزول التلوث عن الفطرة، فيكون العيد، ولما كان يوم نزول المائدة يوم العودة إِلى الفوز والطهارة والإِيمان بالله، فقد سمّاه المسيح عليه السلام عيداً. وقد ورد في الأخبار أنّ نزول المائدة كان في يوم الأحد، ولعل هذا هو سبب الإِحترام الذي يكنه المسيحيون لهذا اليوم. إِنّنا نقرأ لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله: (وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد). وفي هذا إِشارة إِلى الموضوع نفسه، لأنّ يوم ترك المعصية هو يوم فوز وطهارة وعودة إِلى الفطرة الاُولى. (زكاة الفطرة) التي تؤدى يوم عيد الفطر، لأنّها تدفع أوّلاً ثمّ يصلى صلاة العيد، وهذا المعنى قد ورد في جملة رّوايات، رويت عن الإمام الصادق عليه السلام، كما وروي في كتب أهل السنة ما يؤيد هذا المعنى نقلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام. إنّ سورة الأعلى مكيّة، في حين أن تشريع زكاة الفطرة وصوم شهر رمضان وصلاة العيد قد نزل في المدينة. فأجاب البعض: لا مانع من اعتبار أوائل آيات السّورة مكّية وأواخرها مدنية، فتكون الآيات المبحوثة مدنية. ويحتمل أن يكون التّفسير المذكور من قبيل بيان مصداق واضح للآية، وليس مطلق مراد الآية.
طالما ان الانسان مكرم “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الاسراء 70) فان قتله يعد انتهاك لهذا التكريم الا ما حدده الشرع. ورد في الروايات ان السلف نهى عن حمل السلاح للافراح ايام العيد الا ان يخافوا عدوا. والامة الخيرة “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (ال عمران 110) هي التي تحفظ ناسها من الاذى واشر الاذى القتل. قال الله سبحانه “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْر” (البقرة 220) وافضل وقت للصلاح واتقديم الفرحة والمال لتعويضهم عن فقدان ابائهم. قوله تعالى “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ” (النور 22) أفضل وقت للعفو والصفح أيام العيد التي هي مبرر مناسب لذلك حتى يغفر الله عز وجل ذنوب عبده.
جاء في كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي: وقوله “بعد أن تولوا مدبرين” (الأنبياء 57) يقال: انه انتظرهم حتى خرجوا إلى عيد لهم فحينئذ كسر أصنامهم. ثم أخبر تعالى أنه “جعلهم جذاذا” (الأنبياء 58) أي قطعا “إلا كبيرا لهم” (الانبياء 58) تركه على حاله. ويجوز أن يكون كبيرهم في الخلقة. ويجوز أن يكون أكبرهم عندهم في التعظيم “لعلهم اليه يرجعون” (الانبياء 58) أي لكي يرجعوا إليه فينتبهوا على ما يلزمهم فيه من جهل من اتخذوه إلها، إذا وجدوه على تلك الصفة. وكان ذلك كيدا لهم. وفي الكلام حذف، لان تقديره إن قومه رجعوا من عيدهم، فوجدوا أصنامهم مكسرة “قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين” (الأنبياء 59) ف (من) بمعنى الذي، وتقديرها الذي فعل هذا بمعبودنا، فإنه ظلم نفسه. قوله عز من قائل قوله “أولئك الذين أبسلوا” (الأنعام 70) قال الكسائي: تبسل تجزى يعني في الكلام. وقال الفراء: معناه يسلم ويقال اعط الراقي بسلته أي أجرته على رقيته. ويقال أسد باسل، معناه أن معه من الإقدام مايستبسل له قرنه، ويقال هذا بسل أي حرام، وهو بسل أي حلال. وهذا من الأضداد. وقوله: “وإن تعدل كل عدل” (البقرة 123) قال بعضهم ان يفد كل فدية يريد ان يجعلها عدلا لها من قوله “لايقبل منها عدل” (البقرة 123) وقال غيره معناه وإن تقسط كل قسط لا يقبل منها في ذلك اليوم لأن التوبة إنما هي في الحياة الدنيا. ثم أخبر تعالى انه ليس لهؤلاء الكفار “ولي ولا شفيع” أي لاناصرلهم، ولامن يسأل فيهم واخبر أيضا أن هؤلاء في قوله “أولئك الذين أبسلوا” (الأنعام 70) هم الذين يجازون بماكسبوا وان لهم شرابا من حميم وعقابا أليما بما كانوا يكفرون، نعوذ بالله منها. وقيل: ما من أمة الا ولهم عيد يلعبون فيه ويلهون، إلا أمة محمد فان أعيادهم صلاة وتكبير ودعاء وعبادة.