ديسمبر 11, 2024
Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ” مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ “أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة 214) ونزل في جهد أصاب المسلمين “أم” بل أ “حسبتم أن تدخلوا الجنة ولَّما” لم “يأتكم مثل” شبه ما أتى “الذين خلوا من قبلكم” من المؤمنين من المحن فتصبروا كما صبروا، “مسَّتهم” جملة مستأنفة مبينة ما قبلها “البأساء” شدة الفقر “والضراء” المرض، “وزُلزلوا” أزعجوا بأنواع البلاء “حتى يقول” بالنصب والرفع أي قال “الرسول والذين آمنوا معه” استبطاء للنصر لتناهي الشدة عليهم “متى” يأتي “نصر الله” الذي وعدنا فأجيبوا من قِبَل الله، “ألا إن نصر الله قريب” إتيانه.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” ﴿البقرة 214﴾ قوله تعالى: “أم حسبتم أن تدخلوا الجنة”، تثبيت لما تدل عليه الآيات السابقة، وهو أن الدين نوع هداية من الله سبحانه للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونعمة حباهم الله بها، فمن الواجب أن يسلموا له ولا يتبعوا خطوات الشيطان، ولا يلقوا فيه الاختلاف، ولا يجعلوا الدواء داء، ولا يبدلوا نعمة الله سبحانه كفرا ونقمة من اتباع الهوى، وابتغاء زخرف الدنيا وحطامها فيحل عليهم غضب من ربهم كما حل ببني إسرائيل حيث بدلوا نعمة الله من بعد ما جاءتهم، فإن المحنة دائمة، والفتنة قائمة، ولن ينال أحد من الناس سعادة الدين وقرب رب العالمين إلا بالثبات والتسليم. وفي الآية التفات إلى خطاب المؤمنين بعد تنزيلهم في الآيات السابقة منزلة الغيبة، فإن أصل الخطاب كان معهم ووجه الكلام إليهم في قوله: “يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة”، وإنما عدل عن ذلك إلى غيره لعناية كلامية أوجبت ذلك، وبعد انقضاء الوطر عاد إلى خطابهم ثانيا… وكلمة أم منقطعة تفيد الإضراب، والمعنى على ما قيل: بل أ حسبتم أن تدخلوا الجنة “إلخ”، والخلاف في أم المنقطعة معروف، والحق أن أم لإفادة الترديد، وأن الدلالة على معنى الإضراب من حيث انطباق معنى الإضراب على المورد، لا أنها دلالة وضعية، فالمعنى في المورد مثلا: هل انقطعتم بما أمرناكم من التسليم بعد الإيمان والثبات على نعمة الدين، والاتفاق والاتحاد فيه أم لا بل حسبتم أن تدخلوا الجنة “إلخ”. قوله تعالى: “ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم”، المثل بكسر الميم فسكون الثاء، والمثل بفتح الميم والثاء كالشبه، والشبه والمراد به ما يمثل الشيء ويحضره ويشخصه عند السامع، ومنه المثل بفتحتين، وهو الجملة أو القصة التي تفيد استحضار معنى مطلوب في ذهن السامع بنحو الاستعارة التمثيلية كما قال تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا” (الجمعة 5)، ومنه أيضا المثل بمعنى الصفة كقوله تعالى: “انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ” (الفرقان 9)، وإنما قالوا له صلى الله عليه وآله وسلم: مجنون وساحر وكذاب ونحو ذلك، وحيث إنه تعالى يبين المثل الذي ذكره بقوله: مستهم البأساء والضراء إلخ فالمراد به المعنى الأول. قوله تعالى: مستهم البأساء والضراء إلى آخره لما اشتد شوق المخاطب ليفهم تفصيل الإجمال الذي دل عليه بقوله: ولما يأتكم مثل الذين، بين ذلك بقوله: مستهم البأساء و الضراء والبأساء هو الشدة المتوجهة إلى الإنسان في خارج نفسه كالمال والجاه والأهل والأمن الذي يحتاج إليه في حياته، والضراء هي الشدة التي تصيب الإنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض، والزلزلة والزلزال معروف وأصله من زل بمعنى عثر، كررت اللفظة للدلالة على التكرار كان الأرض مثلا تحدث لها بالزلزلة عثرة بعد عثرة، وهو كصر وصرصر، وصل وصلصل، وكب وكبكب، والزلزال في الآية كناية عن الاضطراب و الإدهاش.

ويستطرد العلامة السيد الطباطبائي في تفسيره: قوله تعالى: “حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه”، قرئ بنصب يقول، والجملة على هذا في محل الغاية لما سبقها، وقرىء برفع يقول والجملة على هذا لحكاية الحال الماضية، والمعنيان وإن كانا جميعا صحيحين لكن الثاني أنسب للسياق، فإن كون الجملة غاية يعلل بها قوله: “وزلزلوا” لا يناسب السياق كل المناسبة. قوله تعالى: “متى نصر الله”، الظاهر أنه مقول قول الرسول والذين آمنوا معه جميعا، ولا ضير في أن يتفوه الرسول بمثل هذا الكلام استدعاء وطلبا للنصر الذي وعد به الله سبحانه رسله والمؤمنين بهم كما قال تعالى: “وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ” (الصافات171-172)، وقال تعالى: “كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي” (المجادلة 21)، وقد قال تعالى أيضا: “حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا” (يوسف 110)، وهو أشد لحنا من هذه الآية. والظاهر أيضا أن قوله تعالى: “ألا إن نصر الله قريب” مقول له تعالى لا تتمة لقول الرسول والذين آمنوا معه. والآية كما مرت إليه الإشارة سابقا تدل على دوام أمر الابتلاء والامتحان وجريانه في هذه الأمة كما جرى في الأمم السابقة. وتدل أيضا على اتحاد الوصف والمثل بتكرر الحوادث الماضية غابرا، وهو الذي يسمى بتكرر التاريخ وعوده.

ومن العبر والدروس من قصة أصحاب الاخدود هو ابتلاء المؤمنين وأن دخول الجنة لا يأتي الا بعد المرور بالسراء والضراء. قال الله عز من قائل”وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ” (محمد 31) و”أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة 214). فان الربح والخسارة في الدنيا ليس بالمفهوم المادي الذي يتصوره البعض وانما الربح هو الاصرار والصبر على الوقوف بجانب المبدأ الحق حتى وان ادى ذلك الى الموت، والانتصار هو خلود الذكر في الدنيا ولدار الآخرة هي الحياة السعيدة الابدية. قال الله تبارك وتعالى “وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” (العنكبوت 64). 

عن جريدة الصباح قيام (داعش) وسقوطها. هل وعينا الدرس؟ بتأريخ 12 شباط 2019 للكاتب باتريك كوكبرن ترجمة أنيس الصفار: أمل بالعودة: لكن السؤال هو: هل هذه هي حقاً الجولة الاخيرة في معركة “داعش”؟ دويلة التنظيم لم تعد لها اليوم بقعة أرض تسيطر عليها، فهل ستتمكن من مواصلة الحياة على هيئة فكر يلهم المتعصبين والمتشددين المتطلعين الى نهضة جديدة؟ هؤلاء لن ينسوا كيف أعلنت الولايات المتحدة خلال الفترة 2007 – 2008 أن تنظيم القاعدة في العراق (وهو البذرة الاولى التي تولدت منها “داعش”) قد لفظ آخر أنفاسه وأودع قبره. لذا تأمل “داعش” ان تعود هي ايضاً الى الحياة بعد ان يستسلم اعداؤها الكثار للاسترخاء ويخف ضغطهم ثم لا يلبثون أن ينقلبوا على بعضهم بعضاً. في كتابي ذاك كنت احاول ان افسر كيف استطاعت “داعش” خلال المرة السابقة أن تنجو من هزيمة ماحقة محققة، ولعل هذا هو ما اثار اهتمام المقاتل الداعشي ودفعه لقراءته على أمل العثور على مخرج يساعد حركته على النجاة في هذه المرة ايضاً. كنت قد كتبت ان تنظيم القاعدة في العراق لم يلفظ انفاسه تماماً كما توهم البعض، فلي اصدقاء عراقيون من رجال الأعمال كانوا يرغمون على دفع الإتاوات للتنظيم في الموصل حتى وهو في حضيض قوته. من المؤسف ان الجيش العراقي حينها كان مؤسسة تسودها الفوضى و ينخرها الفساد، فكانت كتائبه “أشباحا” تدر المال الذي يصرف لجنود لا وجود لهم، والتجهيزات والوقود تنتهي الى جيوب ضباط منحرفين. وحين اخبرني بعض السياسيين العراقيين ان هذا الجيش لن يقاتل حسبتهم يبالغون، ولكنهم كانوا على حق. كان العامل الاهم الذي فتح الباب على مصراعيه امام “داعش” هو الحرب الاهلية في سوريا بعد العام 2011، حين تمكنت الحركات الجهادية من التفوق على المعارضة المسلحة بسرعة تحت قيادة محنكين صقلتهم المعارك ارسلهم الى هناك تنظيم القاعدة في العراق. فالمتطرفون المتعصبون المنظمون جيداً، المستعدون للموت من اجل قضيتهم والمجربون في فنون القتال، ينجحون دائماً في الهيمنة على باقي شركائهم في المعركة حين يحتدم القتال. يومها شبّهت “داعش” بنسخة اسلامية من تنظيم “الخمير الحمر”، لأنها بالفعل، مثل نظيرتها الكمبودية، كانت تتعمد ارتكاب الفظائع بشكل ممنهج لكي ترعب الخصوم وتنزع معنوياتهم. هل يمكن ان يحدث هذا مجدداً، أم أننا نشهد الفصل الاخير من كابوس “داعش” بعد إذ تلفي الجماعة نفسها محاصرة في زاوية داخل سوريا او مطاردة في متاهات الصحراء في العراق؟ ربما تنجو اعداد صغيرة منهم، والامر مرهون بما لديهم من خزين المعدات والرجال في مخابئهم السرية، لكن من الثابت تقريباً ان القوة المحتلة تبقى قادرة على زرع الهواجس في قلوب السكان المحليين وترويعهم. عصابات “داعش” قد تفلح في استغلال هذا الجانب، لأن الوحشية التي اظهرتها اكسبتها صيتاً يجعلها قادرة، بمجرد هجمات قليلة صغيرة هنا او هناك، على ترك الانطباع بأنها لا تزال حاضرة في الميدان. خلال السنة الماضية كنت في بغداد عندما وقعت حوادث قتل واختطاف بشعة على الطريق الرئيس الممتد شمالاً الى مدينة كركوك. كانت تلك وخزة دبوس مقارنة بالمجازر التي ارتكبت طيلة العام 2014، ولكنها كافية ايضا لاحداث تأزم شديد في العاصمة حيث راح الاهالي يتحدثون عن احتمال ان تكون “داعش” قد ولدت من جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *