نوفمبر 22, 2024
_97677830_7d9bd2da-b585-4bfb-a715-d845cbc122a7

سليم مطر


إنْ لم أُجرِّد لها حُسامي… فلستُ من قيسٍ في اللُّباب
مَفاخِرُ الكُرْدِ في جُدودي… ونَخوةُ العُرْبِ في انتسابي
الشاعر الموصلي العباسي الكردي: حسين بن داود البَشْنَوي (1074م)( )

دراستنا هذه تخص أساساً (أكراد النهرين: العراق والجزيرة السورية)، لأن مناطقهم مرتبطة جغرافياً وتاريخياً بجغرفيا وتاريخ وسكان (وادي النهرين). وتشمل عموم اكراد الهلال الخصيب (العراق والشام والاحواز)( )
الجغرافيا المنسية وتاريخ التداخل الاقوامي بين اهل الجبال وسكان النهرين
من المعلوم إن (جبال زا گاروس) تمتد على طول الحدود الشرقية لـ (وادي النهرين)، بما فيه قسمه الجنوبي (عيلام: الاحواز) وقسمه الشمالي (الجزيرة السورية) (لاحظ الخارطة)( ).. كذلك هذه السلسلة الجبلية واسعة وعريضة تتخللها السلاسل الداخلية والوديان المعزولة الممتدة شرقاً في عمق الهضبة الايرانية وشمالاً حيث الهضبة الارمنية التي ترتبط بدورها بجبال طوروس المحاذية شمالاً لـ (وادي النهرين). من الطبيعي أن تكون جهتها المحاذية والمطلة على (وادي النهرين) على علاقة جغرافيَّة متداخلة مع سهول هذا الوادي الخصيب حيث نهري دجلة والفرات وشط العرب. ثم هنالك عامل آخر مهم جداً عمَّقَ وحتَّمَ هذا التداخل بين سكان هذه الجبال مع الوادي الخصيب: منها تأتي جميع الروافد التي تصب في دجلة وتكونه: (الزابين الاكبر والاصغر، ديالى وخابور دجلة، ثم نهر الكارون في الاحواز ثم شط العرب، والكرخة في هور الحويزة المشترك مع ميسان). أما (دجلة والفرات فينبعان أساساً من الهضبة الارمنية وجبال طوروس الشمالية). إذن من الطبيعي جداً إنَّ هذه الروافد والانهار مثلما استمرت تصب المياه في (وادي النهرين)، كذلك “تصبّ” سكان الجبال الى سهوله! بالاضافة الى أن هذه الانهر أيضاً قد ساعدت على انتقال (أهل النهرين) الى هذه الجبال، أي تسهيل عملية الاختلاط بين الطرفين خلال آلاف السنين وحتى الآن.
هكذا يمكن اختصار تاريخ هذا التمازج بين الطرفين (الجبلي: الكردي) و(النهريني: العراقي والسوري) الى جانبين متداخلين متكاملين: توطن سكان النهرين في الجبال، وتوطن سكان الجبال في النهرين .
لهذا قد قسمنا دراستنا هذه الى قسمين، كل منهما يعالج احد الجانبين.
* * *
القسم الاول
توطن سكان النهرين في الجبال وسفوحها ووديانها
هذه النقطة مهمة جداً، لأنها تكشف عن المعلومة المهمة التي طالما تجنَّبها الباحثون بمختلف اتجاهاتهم، لأسباب سياسية ونفسية بتأثير(الفهم القومي العرقي) وغياب الفهم الجغرافي التاريخي:
ـ إن السكان الأوائل للجبال المحاذية (الجبليون القدماء) قد أتوا من سهول الهلال الخصيب (الشام والنهرين).
سكان الجبال الأوائل
لتوضيح الأهمية الكبرى لهذا العامل يكفي القول إن السكان الأوائل لهذه الجبال قدموا من بلاد النهرين وعموم منطقة (شرق المتوسط: العالم العربي الحالي). حيث بيَّنَ الأكتشاف الأخير في المغرب بأن أقدم (انسان عاقل) يعود الى 350 ألف عام( ). وهذا يؤكد بأن هذه المنطقة (العالم العربي الحالي) هي موطن الأنسان الأول ومنها انتشر الى باقي القارات. أوضح دليل على قدوم سكان الجبال من جهة النهرين والشام، إن أقدم آثار بشرية في هذه الجبال عثر عليها في سفوحها المحاذية للنهرين( )، ومن اقدمها(كهف شاندر: في وادي بارتفاع 760 م، قرب أربيل ). عموماً إن السبب الذي جعل سكان سهول الهلال الخصيب (العراق والشام) يلجأون أولاً الى وديان هذه الجبال المحاذية، يعود لتراجع العصر الجليدي الأخير (قبل حوالي 30 ألف عام) وفقدان سهول الهلال الخصيب وباقي المنطقة لغاباتها ومراعيها. وكلما زاد التصحر والقحط كان السكان بالتدريج يتبعون القطعان الهاربة من الجفاف نحو مناطق النبات والأعشاب، مثل: الواحات المعزولة، والانهر (دجلة والفرات والنيل، وغيرها) وشواطئ البحار (الخليج والبحرين الاحمر والابيض)، ولكن خصوصاً نحو السفوح والجبال الممطرة المحاذية: (زاگاروس وطوروس)( ). ثم تكاثرت هذه الهجرات مع حلول (العصر الحجري الحديث: Néolithique: قبل 12 ـ 14 الف عام) الذي فيه بدأ الانسان يستقر بفضل اكتشافه الزراعة وتدجين المواشي. ان اول منطقة في العالم تحدث فيها هذه الثورة الحضارية الكبرى هو (الهلال الخصيب: النهرين وسوريا الطبيعية)( )، حيث تبدَّلَ الحال من إتباع الحيوانات الى قيادتها، إذ يصعدون بها الى مراعي الجبال في الربيع والصيف ويهبطون الى سهول الهلال الخصيب وخصوصاً سهول النهرين شتاءاً. ولا زالت بعض بقايا هذه التقليد لدى الرعاة الأكراد. (ليس صدفة ان سكان اوربا الاوائل(حوالي 10 آلاف ق.م) كانوا من الرعاة الذين نزحوا بحثا عن الخصب من شمال الهلال الخصيب).( )
إن البحوث الجينية الأخيرة قد بيَّنَت بأن أكراد العراق غالبيتهم يحملون (الجينة j: J1 و j2 : السامية ـ الشرق الاوسطية) (حوالي 40%) بالاضافة الى (الجينة E) الحامية (الشامية المصرية المغاربية).وهي جينات يفترض إنها تمثل الأكراد الأصليين، قبل قدوم الموجة الآرية في الألف الأخير ق.م، من جهة ايران والبحر الاسود والمتمثلة بالجينة (R) والتي لا تزيد عن 17%. والطريف إن هذه النسب موجودة نفسها تقريباً لدى عرب الموصل وعموم الشمال، وكذلك حال التركمان تقريباً! عموماً كل قومية عراقية تجتمع فيها حوالي 15 سلالة جينية مختلفة، وهذا يدحض خرافة الأصل القومي الواحد والسلف المشترك( )!
الدول النهرينية واستيطان الجبال، والاصل النهريني لأسم :(الكرد)( )
مع ظهور الدولة والحضارة في النهرين في الألف الثالث ق.م، ظهرت أسباب أخرى لهجرة النهرينيين الى الجبال المحاذية، وأهمها السبب الأمني العسكري المتداخل مع السبب التجاري: هذا السبب يتمثل بالحاجة الى تكوين قواعد عسكرية وتجارية منذ الآشوريين حتى العرب لحماية الحدود وضمان دروب التجارة مع هضاب ايران وأرمينيا والأناضول، وخصوصاً لأستيراد المعادن والخيول. يكفينا معاينة تاريخ (مملكة اورارتو، في الهضبة الأرمنية المطلة على نينوى) ومدى الحضور الآشوري فيها وتأثير الثقافة النهرينية فيها( ). مع السبب الرعوي القديم حيث استمر تسرب العشائر الرعوية النهرينية والسورية(السامية شبه البدوية): (العمورية ثم الآرامية ثم العربية) الى هذه المرتفعات والجبال سعياً وراء الأمطار والمراعي بسبب عمليات التصحر والجفاف التي كانت تصيب وادي النهرين بين حين وآخر، فيما يسمى (الدورات المناخية: Bond events ). ( ) بالأضافة الى خراب الري في النهرين بسبب الحروب وغيرها.
من دلائل الحضور النهريني التاريخي في المدن الكردية الحالية:
ـ انه في جميع في المدن الكردية الحالية:(السليمانية وأربيل ودهوك)، حتى الآن لم يتم العثور فيها على أية آثار (معابد مجوسية مثلاً، كما يحلم القوميين الآريين)، بل جميعها آثار نهرينية سومرية وأكدية( ). يكفي ان نذكر(اربيل: اربي ايلو: الالهة الاربعة) عاصمة الاقليم الكردي، بتاريخها النهريني ـ السرياني. كذلك(السليمانية) بتاريخها الآشوري والمسيحي.( )
ـ ان اقدم استخدام لاسم(كرد واكراد) يعود الى السومرين:(Kar-da) والاكديين والآشوريين(Qardu)، بمعنى: البدو، الاقوياء..( ) . ثم ان اقدم استخدام(اداري سياسي) لتسمية (كرد) يعود الى السلالة الكاشية الجبلية في بابل.(سنوضح هذا). ثم اقدم استخدام لاسم(اكراد وكرد) بالصيغة الحالية يعود الى الحقبة العباسية في العراق، فخلالها ظهرت اولى البحوث التاريخية عن اصل الاكراد واختلاطهم العرقي بالعرب( سنوضح هذا).
ـ من دلائل استيطان اهل النهرين في الجبال المحاذية، وجود العشائر المسيحية النسطورية في جبال حكاري(شمال الموصل).( ) كذلك حتى الآن هنالك قبائل عربية فيها الجبال من اهمها(قبيلة بين لام) في (جبال بشتكوة) التي منها ينحدر الفيلية في العراق.( ) كذلك هنالك عدة قبائل فيلية من اصول عربية مثل:(قبيلة خزل) الذي ينحدرون من (خزاعة)( )، وعشائر ((رودبار وبوحمید ، ربوط ، چنانة ، كعب ، مطارفة ، خسرج ، دلفية ، وما إلى ذلك)). ( ) وكذلك تأسيس عدة امارات كردية عراقية من قبل (سلالات عباسية بغدادية)، مثل( البهدنانية والسورانية والسراجية، وغيرها). (سنوضح ذلك).
ـ من ادلة ارتباط هذه المناطق الجبلية بدولة النهرين، انه تم استخدام تسمية ادارية هي(سوبارتو: Subartu)، ثم في العصر العباسي استخدمت تسمية:(عراق العجم.. واقليم الجبال).( )
ــــــ
ـ لمن يرغب بمطالعة هذه الدراسة مع المصادر والصور والخرائط التوضيحية، هذا رابطها في موقعنا:
https://urlz.fr/hHod
انتهى القسم الاول، وسيليه قريبا القسم الثاني:
ـ توطن سكان الجبال في النهرين: ـ السومريون وعلاقتهم بأهل الجبال أسلاف الأكراد؟!.. مراحل تاريخ اكراد النهرين… السلالات الجبلية التي حكمت النهرين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *