أهل سدوم وعمورة قوم لوط (وأمطرنا عليها حجارة)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في موقع موضوع عن أين موقع قوم لوط للكاتب محمد مروان: موقع قوم لوط تناول عددٌ من العلماء والمؤرّخين قوم لوطٍ وموقعهم في عددٍ من المراجع التاريخيّة والدينيّة، حيث تشير هذه المراجع إلى أنّ قوم لوطٍ كانوا موجودين في مدينة سدوم، ضمن مجموعةٍ من دائرة مدنٍ خمسةٍ تقع جنوب البحر الميت، على سهل دائرة الأردن، ووفقًا لما يقوله علماء الآثار المعاصرون، فإنّ مدينة سدوم اليوم تقع في منطقةٍ تُدعى تل الحمام الأردنيّة، في الشمال الشرقي لمصبّ نهر الأردن، على بُعد أربعة عشر كيلو مترٍ شمالي البحر الميت، وقد ورد ذكر سدوم في بعض نصوص التوراة، في حين لم تأتِ النصوص الإسلاميّة على ذكر موقع قوم لوط تحديدًا، إلّا أنّ العلماء استندوا على النصوص الشرعيّة الواردة في عاقبة قوم لوط والخسف الذي حلّ بهم. ينسب قوم لوطٍ إلى نبي الله لوط عليه السلام، لأنّه أرسل إليهم وعاش بينهم، وقوم لوط هم أهل سدوم، وكانوا يعبدون آلهةً كثيرةً دون الله -سبحانه وتعالى-، ورغم أنّ الله تعالى قد أنعم عليهم بنعمٍ وعطايا كثيرةٍ إلّا أنّهم قابلوا هذه النِعم والعطايا بالإعراض ومعصية الله تعالى، وكانوا قومًا فاسقين كما وصفهم الله تعالى في قوله: “وَلوطًا آتَيناهُ حُكمًا وَعِلمًا وَنَجَّيناهُ مِنَ القَريَةِ الَّتي كانَت تَعمَلُ الخَبائِثَ إِنَّهُم كانوا قَومَ سَوءٍ فاسِقينَ” (الأنبياء 74) فقد أتى قوم لوط بفاحشةٍ وعملٍ خبيثٍ لم يفعله أحدٌ قبلهم، وهو إتيان الذكور للذكور، وهو أمرٌ مخالفٌ للفطرة السليمة ولشرع الله تعالى، وكانوا يجتمعون في ناديهم لفعل هذه الفاحشة وغيرها من المنكرات، قال الله تعالى: “أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ” (العنكبوت 29). دعوة لوط عليه السلام لقومه استمرّ قوم لوط على ما هم عليه من فعل الفاحشة وعبادة الأوثان حتى أرسل الله -سبحانه وتعالى- فيهم نبيه لوط -عليه السلام- لدعوتهم إلى التوحيد وترك ما هم فيه من المنكرات، ونبيّ الله لوط هو ابن أخ نبيّ الله إبراهيم -عليهما السلام-، وقد هاجر لوط مع إبراهيم إلى بلاد الشام، فأرسله الله تعالى قومه الذين كانوا يفعلون الفاحشة، لينهاهم عنها ويدعوهم إلى توحيد الله تعالى، فلم يستجب قومه له، وكانوا يسخرون منه ويستخفّون به. لم يلقَ لوط عليه السلام من قومه رغم دعوتهم إلا الصدّ والإنكار، وتمادوا فسألوه أن ينزل الله عليهم عذابًا، قال الله تعالى على لسانهم: “ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّـهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ” (العنكبوت 29) فدعا لوط عليه السلام ربّه: “قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ” (العنكبوت 30) وأرسل الله تعالى رسلًا من الملائكة إلى إبراهيم -عليه السلام- وأخبروه أنّهم أتوا إلى قوم لوطٍ، فلمّا قدم الملائكة على هيئة بشرٍ إلى لوطٍ، هرعوا إليه يريدون فعل الفاحشة معهم، فخشي لوطٌ منهم وغضب، فأخبر الملائكة لوطًا -عليه السلام- بأنهم رسلٌ من الله تعالى، ولن يستطيع قومه أن ينالوهم بسوءٍ، وأمروه أن يخرج ليلًا مع أهله المؤمنين إلّا امرأته، لأنّه لم تؤمن معه، فخرج لوطٌ -عليه السلام- وأهله، وأرسل الله تعالى عذابه على قوم لوط، بأن خسف بهم الأرض، فأصبح عاليها سافلها، وأرسل عليهم حجارةً من سجيل، فقضى عليهم وأهلكهم، قال تعالى فيهم: “فَلَمّا جاءَ أَمرُنا جَعَلنا عالِيَها سافِلَها وَأَمطَرنا عَلَيها حِجارَةً مِن سِجّيلٍ مَنضودٍ” (هود 82).

عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن العالي “فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ” ﴿هود 82﴾ وكلمة (سجّيل) فارسية الأصل، وهي مركبة من (سنك) ومعناها الحجارة و(گِل) ومعناها الطين، فعلى هذا هي شيء صلباً كالحجارة ولا رخواً كالزهرة،وإِنّما هي برزخ (وسط) بينهما. و(المنضود) من مادة (نضد) ومعناه كون الشيء مصفوفاً وموضوعاً بشكل متتابع ومتراكم، أي إِنّ هذا المطر كان متتابعاً سريعاً إِلى درجة حتى كأنّ هذه الأحجار تتراكب بعضها فوق بعض فتكون (منضودة). ولكن هذه الأحجار ليست أحجاراً عادية، بل هي أحجار فيها علامات عندالله “مسوّمة عِندَ ربّك”. ولا تتصوروا أنّ هذه الأحجار مخصوصة بقوم لوط، بل “وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ”. هؤلاء القوم المنحرفون ظلموا أنفسهم وظلموا مجتمعهم، لعبوا بمصير أُمتهم كما هزئوا بالإِيمان والأخلاق الإِنسانيّة، وكلّما نصحهم نبيّهم باخلاص وحرقة قلب لم يسمعوا له وسخروا منه، وبلغت صلافتهم وعدم حيائهم حدّاً أنّهم أرادوا الاعتداء على ضيوف زعيمهم ويهتكوا حرمتهم. هؤلاء الذين كانوا قد قلبوا كل شيء يجب أن تنقلب مدينتهم عليهم، ولا يكفي أن يغدو عليها سافلها، بل ليُمطروا بوابل من الأحجار تدمّر كل شيء من (معالم الحياة) هناك ولا يبقى منهم سوى صحراء موحشة وقبور مظلمة تحت ركام الأحجار الصغيرة. وهل أنّ الذين ينبغي معاقبتهم هم قوم لوط فحسب؟ قطعاً لا. فكل جماعة منحرفة وأُمّة ظالمة ينتظرها مثل هذا المصير، فتارة تكون تحت وابل الأحجار، وأُخرى تحت ضربات القنابل المحرقة، وحيناً تحت ضغط الإِختلافات الإِجتماعية القاتلة، وأخيراً فإنّ لكلٍّ شكلا من العذاب وصورة معينة.

جاء في موقع مقال مفيد عن موقع قوم لوط: أين يقع؟ للكاتب خالد الشمري: أرسل الله سبحانه وتعالى سيدنا لوط -عليه السلام- ليدعو البشرية إلى الهداية. في تلك الفترة، كان مع سيدنا إبراهيم الذي انطلق إلى فلسطين، بينما توجه سيدنا لوط إلى قرية في الأردن. لكن أين يقع قوم لوط بالتحديد؟ أين يقع قوم لوط؟ توجه سيدنا لوط إلى قرية سدوم، التي تقع في الأردن. جاء ذلك بعد أن نزل مع سيدنا إبراهيم في منطقة توجد بين فلسطين والأردن. توجه سيدنا إبراهيم إلى منطقة تُدعى بيت إيل، التي تقع في فلسطين. كل منهما اختار المدينة التي يرغب في الإقامة بها برفقة أسرته ودوابه، فاختار سيدنا إبراهيم تلك المدينة. بينما قرر سيدنا لوط الذهاب إلى مدينة سدوم وعمورة، وهي إحدى القرى التي ذُكرت في القرآن الكريم وبين القرى المؤتفكة. تتميز هذه المنطقة بخصوبة أرضها وملاءمتها للزراعة، وتقع في الأردن. عند وصوله، وجد سيدنا لوط أهل القرية (السدوميين) يعيشون في فاحشة، وهو ما يتناقض مع التعاليم التي تلقاها من الله هو وعمه سيدنا إبراهيم. فقرّر أن يرشدهم إلى الطريق الصحيح ويبعدهم عن هذه الفاحشة.

وعن عقوبة التنكيل يقول الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه دعاء الأسحار للامام السجاد برواية الثمالي للشيخ الآصفي: إلّا أن الاستدراج يختص بالدنيا، وعذاب التنكيل يعمّ الدنيا والآخرة، وهذا هو الفرق الأول بين العقوبتين. والفرق الآخر أن عقوبة الاستدراج ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وعقوبة التنكيل ظاهرها العذاب وباطنها العذاب. وهذا هو الفرق الثاني بين عقوبة الاستدراج وعقوبة التنكيل. يقول تعالى في تعميم عقوبة التنكيل للدنيا والآخرة: “فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‌ وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ‌” ( فصلت 15-16). ويقول تعالى فيما أنزل على قوم لوط من العقوبة والعذاب في الدنيا: “فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ” (هود 82-83). ويقول تعالى عن العقوبة التي انزلها بإبرهة وجيشه من أصحاب الفيل: “أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ * أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ” (الفيل 1-5). ويقول تعالى عن العذاب الذي أنزل على ثمود: “فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ‌” (الذاريات 44). والفرق بين عقوبة التنكيل والعقوبات التأديبية التي تنزل على المذنبين من المؤمنين في الدنيا، أن الأولى عذاب الاستئصال كما نزل بقوم لوط، وثمود، وأصحاب الفيل، والسبت، وقوم صالح، والثاني عذاب تنبيه وتذكير. وإذا نزل عذاب التنكيل والاستئصال بقوم، فلا ينفعهم إيمانهم ودعاؤهم لرد العذاب إلّا ما كان من قوم يونس فقد نزل بهم العذاب، ولكنهم لما لجأوا إلى الله بالدعاء والتضرّع والتوبة، دفع الله عنهم العذاب “فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى‌ حِينٍ‌” (يونس 98) وهذه العقوبة كالعقوبة السابقة لا تنزل بقوم إلّا عندما يعرضون عن رحمة الله إعراضاً كاملًا، وعندئذٍ يخرجون عن دائرة رحمة الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *