هندسة الجوع وحصار اللقمة في عصر السمنة والتخمة !!

الكاتب : احمد الحاج جود الخير
—————————————
عندما تُغَلقُ جميع المنافذ والمعابر ومن كل الجهات وعددها ستة معابر بعضها مع الأراضي المحتلة وهي كل من ” معبر بيت حانون = إيريز، معبر الشجاعية = ناحال عوز، معبر المنطار = كارني، ومعبر القرارة = كيسوفيم ، معبر العودة = صوفا،وواحد مشترك بين مصر وغزة والأراضي الفلسطينية المحتلة ، وهو معبر كرم ابو سالم = كيرم شالوم ، اضافة الى واحد فقط مع مصر وهو معبر رفح ، وكلها مغلقة عسكريا بالكامل بهدف التجويع الممهد للتهجير حتى أن أعداد شاحنات المساعدات المتوقفة أمام المعبرمنذ أمد طويل بانتظار السماح لها بالدخول بلغت خمسة الآف شاحنة برغم حاجة القطاع يوميا الى 1000 شاحنة على أقل تقدير ..وعندما يموت سكان قطاع غزة جوعا بسبب الحصار الصهيوني الغاشم المفروض عليها برا وجوا وبحرا،وعندما يتم حصر توزيع النزر اليسير من تلكم المساعدات في مراكز لا إنسانية محددة سلفا يشرف عليها مرتزقة ومتعاقدون أميركان تسبقها وفي طريق الوصول إليها كمائن وسيطرات تابعة لجيش الاحتلال تطلق النيران كيفيا ومزاجيا على طالبي المساعدات والساعين للحصول عليها عمدا لتقتل وتصيب المئات منهم يوميا ، وعندما تلقي بعض طائرات الدول نفاقا وعلى استحياء وفي فترات متباعدة بضعة أطنان من المساعدات فوق القطاع يقع قسم منها في مناطق يسيطر عليها الكيان اللقيط ، فيما يتضمن قسم من المساعدات الفاسد ومنتهي الصلاحية من الغذاء كما ظهر في بعض المقاطع والفيديوهات، ليسقط قسم آخر منها على رؤوس وخيام الغزيين فيسحقهم..وعندما تتبادل مصر والكيان الاتهامات بشأن المسؤول الأول والأخير عن فتح أو إغلاق معبر رفح بوجود أزمة غذائية غير مسبوقة أصابت عشرات الألوف من الغزيين بالهزال الشديد ، وسوء التغذية ، والجفاف ، وفقر الدم الحاد ، وبالأخص بين الأطفال الرضع ،أسوة بالجرحى والمرضى الهجع ، والمعاقين وكبار السن الركع، بينما مجلس الأمن الدولي وكأنه لم يعد يرى أي شيء من حوله أو يسمع ..الأمم المتحدة تضغط وتكبس لإيجاد حل فوري للأزمة قبل أن يموت الضمير الإنساني نهائيا ويهجع ..أميركا الكاوبوي ترامب لحق النقض “الفيتو ” بوجه كل قرار يروم إدانة وتجريم الكيان الفاشي وقادته ترفع..أحرار العالم وكلما أحدثوا نقبا في جدار الصمت الدولي الأصم وإذا بالاتحاد الاوروبي بمعية بريطانيا يسارع لردم هذا النقب من أجل عيون الكيان الفاشي ويرقع ..أساطيل برية وبحرية إنسانية يقودها ناشطون ومن مختلف دول العالم بغية كسر الحصار تسير نحو غزة العزة فتُتَهم وبدلا من شكرها والثناء على جهودها المباركة بإثارة الفوضى والفتن والقلاقل لتُرجَعُ وتهان وتخون وتُمنَع ،فهنا وبعد كل الهراء الآنف يتبين جليا للجميع بأن الجوع في غزة لم يعد تحصيل حاصل لمجمل الوقائع والأحداث ونتيجة لها، بقدر ما أصبح خطة مبرمجة وممنهجة موضوعة على طاولة الدول السبع الكبرى للبدء بخطة التهجير الجماعي، أو الإبادة الجماعية ، وبما بات يعرف بـ هندسة الجوع لإرغامهم على الاستسلام،وإلقاء السلاح ،ونبذ المقاومة ، وهجر الأرض والخضوع !!
كل ذلك يحدث في ذات الوقت الذي يعاني فيه وبحسب الاحصاءات الأخيرة أكثر من مليار إنسان من السمنة والتخمة وبواقع 650 مليون بالغ و340 مليون مراهق و(39) مليون طفل ، بينهم (167) مليون شخص ستتراجع صحتهم من جراء زيادة الوزن أو السمنة بنهاية العام 2025 ، وتعد أمراض القلب من أخطر الآثار الناجمة عن البدانة اضافة الى ضغط الدم المرتفع والسكتات الدماغية = انتشار موت الفجأة ، والسرطان ومشاكل الصحة العقلية، فضلا على داء السكري الذي أصبح داء القرن الـ 21، وفقا لمنظمة الصحة العالمية ، والأخطر من ذلك هو أن الناس يذهلون عن الحل الأمثل الآمن للسمنة و المتمثل بالتغذية الصحية والمواظبة على ممارسة رياضة المشي وركوب الدراجات وأنواع الرياضة الأخرى، فإنهم يلجأون بدلا من ذلك الى عمليات قص المعدة ، أو شفط الدهون ،أو استخدام أدوية التخسيس والتنحيف الخطيرة جدا والمكلفة للغاية ، مصداقا لقول النبي الاكرم ﷺ: ” خيرُكم قَرْنِي ، ثُمَّ الذين يلُونَهم ، ثُمَّ الذين يَلُونَهم ، ثُمَّ يكونُ بعدَهم قومٌ يخونونَ ولا يُؤْتَمنونَ ، وَيَشهدونَ ولَا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَنذُرونَ ولَا يُوَفُّونَ ، وَيَظْهَرُ فيهمُ السِّمَنُ” .
ودعوني هاهنا أطرح سؤالا له علاقة وطيدة بموضوعنا وأقول فيه ، هل سمعتم يوما بـ “حساء الأحذية القديمة ؟!” الجواب المؤكد هو لا، والحقيقة الصادمة هي أن ألمانيا النازية وأثناء الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 كانت قد فرضت حصارا رهيبا على مدينة لينينغراد السوفيتية بدأ في شهر أيلول من عام 1941، وانتهى في كانون الثاني من عام 1944 ،ما أسفر عن وفاة 100 الف روسي بسبب الجوع فقط على أقل تقدير أما عن قتلى القصف المدمر فحدث ولا حرج ، وبما دفع السكان المحاصرين وبعد نفاد المؤن الى أكل القطط والكلاب ، وبعضهم وتحت وطأة الجوع القاتل صنع الحساء من الأحذية القديمة ، فيما أكل بعضهم جثث الموتى المتعفنة ، كما جاء ذلك في تقرير وثائقي مفصل عن تلكم المجاعة البشعة التي ظلت محفورة في الذاكرة البشرية ، إلا أنه وفور كسر الحصار وبإصرار لم يتوقف قط عبر منفذ وحيد كان ممتدا بين المدينة المحاصرة وما جاورها آنذاك متمثلا بـ ” بحيرة لادوغا” التي تجمدت مياهها بفعل الشتاء الروسي القارس وبدرجات حرارة بلغت 50 تحت الصفر ، لتكون البحيرة المتجمدة بمثابة المنفذ المنقذ الوحيد وبما يشبه اليوم “معبر رفح” ولكن وما أن تحطم الطوق ، وكسر الحصار حتى هبت جموع الجائعين وزحفت الى المانيا فحاصروا العاصمة برلين وقلبوا عاليها سافلها،وجعلوا أعزة أهلها أذلة، لينهوا بذلك أسطورة الرايخ الثالث والى الأبد ،ثأرا وانتقاما مما صنع بهم الالمان على مدار أربع سنين متتالية ، وبما آمل حدوثه حرفيا ذات يوم ليذوق الاحتلال التلمودي الفاشي الغاشم وشذاذ آفاقه من الكأس التي أذاقوها لغيرهم” ، وأريد واحدا فقط من المستأنسين والإنسانويين والنسويين والمنبطحين ممن لم نسمع لهم صوتا ، ولا اعتراضا ، ولا شجبا ، ولا استنكارا للمجاعة المفروضة على القطاع قط ، أن يقول عن مجاعة الكيان المسخ اللقيط يومئذ ..خطية شنو ذنبهم !!!
وبما أن “هندسة التجويع ” و” برمجة الجوع” تجتاح القطاع المحاصر حاليا، اضافة الى تفشي أبشع أشكال الجوع في كل من الصومال ( وبواقع 4.4 مليون شخص وفقا لمنظمة الاغذية والزراعة الدولية – الفاو -) ومثلها السودان ( بواقع 25 مليون سوداني يواجهون مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي، بحسب المرصد العالمي للجوع ) ، كذلك اليمن ( وبواقع 17 مليون نسمة بحسب الأمم المتحدة ) فلا أقل من أن نطلق حملات تلو حملات ميدانية لإطعام البطون الجائعة، في بلداننا وخارجها، وشعارنا هو” أو إطعام في يوم ذي مسغبة” مشفوعة بحملات تلو أخرى لعمل دراسات ، وكتابة بحوث ومقالات ، وانتاج تقارير اخبارية متلفزة فضلا على أفلام وثائقية كلها تدور حول أساليب”مكافحة الجوع “و”طرق الوقاية من المجاعات”و “سبل تحقيق الإكتفاء الذاتي وتوفير الأمن الغذائي ” و”أشهر حروب التجويع “و” مخاطر برمجة الجوع” و ” مخططات هندسة الجوع لكسر إرادة الشعوب” لأن بعض الجوع في حقبة الموكبانغ و السمنة والتخمة عبارة عن صناعة عالمية محبوكة بإتقان ، وجريمة دولية مكتملة الأركان بكل ماتعني الكلمة من معنى، تصنع داخل مراكز البحوث الاستراتيجية ، وتطبخ بين جدران”المطابخ الجيو – سياسية “.
وللبحث في “مدى اقتران الجوع بالخوف وفقدان الأمان ، الماحي للوجود ..العابر للحدود “فلابد من اعطاء هذا الموضوع أولوية من باب فقه الأولويات ، وأهمية قصوى من باب فقه النوازل والمستجدات .
ومن ما جاء بشأن اقتران الجوع بالخوف ، الآية الكريمة من سورة البقرة ، وبما ينطبق على القطاع المحاصرحرفيا : “وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ”،ومثل ذلك الاقتران بين الخوف والجوع ما ورد في سورة النحل ” فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ”، بيد أن هذه الآية وبخلاف سابقتها ،تتحدث عن الأمم التي تكفر بأنعم الله تعالى،بمعنى أن الآية الأولى تتحدث عن الجوع المقترن بالخوف كنوع من التمحيص والإبتلاء،وأما التالية فعن الجوع المقرون بالخوف كعقاب وبلاء،ورب سائل يسأل عن السبيل للتفريق بينهما ، فهذا ما يمكن تمييزه وفقا لمعطيات ومقدمات ومآلات ونتائج كل منها على حدة ، ومثلها الآية الكريمة من سورة قريش : “وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف “،كذلك دعاء النبي الاكرم ﷺ : “اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الجوعِ ،فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ ،وأعوذُ بِكَ منَ الخيانةِ ، فإنَّها بئستِ البِطانةُ” .
وأقطع جازما بـأن سكوت الأمة وعددها يربو على ملياري نسمة في أرجاء المعمورة ، على هذا التجويع الترامب نتن جدا ياهوي الممنهج لغرض تنفيذ خطة التهجير القسري – الترانسفير – ، والصمت المطبق إزاء تلكم الإجاعة المبرمجة لأكثر من مليوني شخص من أهلنا وأحبتنا المحاصرين من جميع الجهات سينقل الجوع المصحوب بالخوف وفقدان الأمان الكلي ، أو الجزئي الى كل الدول القريبة والبعيدة تباعا ولو بعد حين ولات حين مندم ..
كما أقترح على طلبة الدراسات الشرعية العليا واساتيذهم الفضلاء ومثلهم طلبة الادارة والاقتصاد والعلوم السياسية كتابة الرسائل والاطاريح حول “الجوع في القرآن الكريم “و”أنواع الجوع والإجاعة والتجويع وسبل مكافحتها ” و”برمجة المجاعة لفرض أشكال الخضوع والطاعة ” و “هندسة الجوع لضمان ولاء التابع للمتبوع ” و”ثورات القدور الفارغة والبطون الجائعة ” و ” المطابخ السياسية وصناعة الجوع ” ونحوها .
فيما أقترح على الإخوة الأعزاء من الكتاب والباحثين عامة، وطلبة الدراسات العليا والتدريسيين خاصة في كليات العلوم السياسية والإعلام وتحديدا قسم / العلاقات العامة، اضافة الى السياحة والفندقة ، وأقسام الاجتماع خاصة ،البحث والكتابة في تخصص ومجال جديد لم يكتب فيه هاهنا في العراق على حد علمي يعرف حاليا بـ “دبلوماسية الطعام ، و” دبلوماسية المائدة “، و”دبلوماسية الغذاء “وكل واحد منها يختلف عن الآخر برغم تشابه العناوين ظاهريا إلا أن المضامين مختلفة كليا …
بحث ستستمتعون به جدا ،وستتنفعون بتفاصيله وحيثياته ومعلوماته – أساتذة وطلابا – الى أبعد الحدود ، ولاسيما إذا ما علمتم بأن اتفاقات كبرى بين الدول قد أبرمت، وخلافات كبرى بينها قد نشبت ، ومصالحات أو عداوات لم تخطر على بال قد استحدثت،وملفات سرية ومعلومات مطوية قد كشفت ،دول حول العالم قد احتلت بعد أن مهدت لها دبلوماسيات غذاء وطعام وموائد ، سلاسل من المطاعم المدرجة ضمن سياق الحروب الناعمة تمولها حكومات دول وبالمليارات لعولمة الثقافات وكسر الصور النمطية قد افتتحت ، مذكرات كتبها “طباخو الرؤساء” كشفت اسرارا وهددت أنظمة وشخصيات، مشاهير ماتوا ،أو تواروا عن الأنظار ، أو افتضحوا ، على خلفية حضورهم وجلوسهم وتناولهم الطعام على موائد دبلوماسية لم يستعدوا لها مسبقا 100% .
واعلم يارعاك الله بأن شعبا لم يُحاصر قط في أرضه ليُمنع عنه الغذاء والدواء إلا بعد حفلات كوكتيل وموائد غداء أو عشاء دبلوماسية عامرة بما لذ وطاب من خيرات الشعوب المنهوبة، عاد ما تسبق فرض حصار جائر وسياسة تجويع في بقعة ما ، وأخيرها وليس آخرها غزة وقد سبقتها موائد سايكس بيكو،ووعد بلفور ،وكامب ديفيد ، واتفاقات أوسلو ،واتفاقات ابراهام ، وصفقة القرن ، وعدد ما شئت من موائد مشبوهة بمثابة مكائد ، وعزائم أسفرت عن انتصارات وهزائم، وولائم غايتها اقتسام الغنائم، هذه حصة الصقور ، وتلك حصة الحمائم، وكلاهما – كلب بن 16 كلب عقور – في البرية هائم ، وهدفهم هو إخراس القطيع بأسره ، وقطع لسانه ، ومنعه ولو من المرور عرضا على سجل الابادات وهول الجرائم ، واسكاته ولو عن مجرد الخوض في مخاطر مخطط تقسيم العالم العربي بمسمى الشرق الاوسط الجديد المتعامل مع حكام المنطقة وشعوبها على أنهم مجرد عبيد وحشرات وبهائم ، والشعار المخادع المرفوع هو ” عاش السلام والتطبيع والوئام والازدهار الدائم “!
وما تزال الصورة الشهيرة التي تظهر طباخ الرئيس بوتين الأسبق “مؤسس منظمة فاغنر” لاحقا المدعو يفغيني بريغوجين ،ماثلة في الاذهان وقد اغتاله بوتين مع ستة من رفاقه في حادثة طائرة غامض كانت تقلهم من موسكو إلى سانت بطرسبورغ عام 2023، بعد أن كاد طباخ بوتين الأسبق ولعلمه بمعظم أسراره أن يطيح بنظام حكم الكرملين بالكامل ، ولله در القائل :

تَموتُ الأُسدُ في الغاباتِ جوعاً..وَلَحـمُ الضـَأنِ تَـأكُلُهُ الكِلابُ
وَعَبـدٌ قَـد يَنـامُ عَلـى حَريرٍ …وَذو نَســَبٍ مَفارِشـُهُ التُـرابُ

أودعناكم أغاتي