غباء وتصورات خاطئة، نعيم الخفاجي

غباء وتصورات خاطئة، نعيم الخفاجي

الغباء هو الافتقار للذكاء، والذي يفتقر للذكاء يهدر ويضيع كل الإمكانيات التي لديه، التي يمكن من خلالها تحصين نفسه، واشد أنواع الغباء هو الغباء السياسي، السياسي الغبي، تأتي به الظروف وتضعه في مكان ليس له، يفتقر إلى أبسط مقومات المعرفة، لذلك يرتكب أخطاء فادحة تكون كارثية ومدمرة على أبناء قومه، خاصة في البلدان التي لاتحكمها دساتير وتعاني صراعات قومية ومذهبية مستدامة.
قضيت من حياتي أربعة عقود من الزمان، وانا بخصم الصراعات السياسية بالوضع العراقي والعربي والاقليمي والعالمي، كل دول العالم الغربي، توجد مراكز دراسات رصينة نتاج بيئات اجتماعية تجيد فن السياسة والتخطيط، لذلك عندما يضعون الخطط وترسل إلى رئيس السلطة التنفيذية سواء كان رئيس جمهورية أو رئيس وزراء، على شكل توصيات، يتم العمل بها، وتضاف لها تعديلات من قبل صاحب السلطة التنفيذية ومستشاريه.
معظم الطبقات السياسية العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص، يغيب عن القرارات السياسية وجود مراكز دراسات رصينة تعطي الساسة توصيات في كيفية التعامل في السياسة الداخلية والخارجية، بل معظم الساسة العرب نتاج بيئات مجتمعية متخلفة، معتادين القرارات بيد السيد الرئيس حفظه الله ورعاه، لا يوجد مجال في الإبداع السياسي على مستوى الأحزاب والأفراد، بل معظم قادة القوى السياسية جاءت بهم الظروف، وأصبحوا قادة من لاشيء، وحال وصولهم للكرسي أو المنصب تبدأ القوى المطبلة لهم في تضخيم حجمهم، تجد أساتذة الجامعات وأصحاب النفوذ واقفين لزيارة هذا الزعيم الذي لا يفهم شيء، ويقبلون اياديه، ويلقي الشعراء القصائد، ويكتب الكتاب والصحفيين مقالات رنانة للاشادة به، الزعيم السياسي عندما يرى الاستاذ الجامعي يقبل يديه الكريمتين، يصاب في داء العظمة والغرور، بل حتى قارون عندما رأى الأموال نزلت عليه، قال هذه الأموال لم تأتيني من لاشيء وإنما بسبب عقلي الراجح، الرب العظيم خسف به الأرض وانتهى امره، وجعله الرب العظيم آية واقعية لمن عاصره أو لمن سمع قصته.
معظم الطبقات السياسية العربية مصابين في اضطرابات نفسية، والدليل بوضعنا العراقي الكل اكتوى بنار تسلط نظام صدام الجرذ الطائفي الشوفيني، يفترض عندما يصل ساسة المكون الشيعي للمشاركة في حكم العراق، يعملون على إيجاد نظام حكم يمنع إعادة سيطرة فئة أو مكون او طائفة مرة ثانية على رقاب الشيعة والأكراد.
الذي حدث الساسة الشيعة الذين وصلوا لتمثيل المكون الشيعي انشغلوا في تبني قضايا العرب الخاسرة وياليت الطرف العربي السني يعدهم عرب ومسلمين، للأسف لدينا بعض الوجوه السياسية مدمنين على انتاج الأزمات، والدليل رأينا طيلة مايقارب ال ٢٣ سنة على سقوط نظام البعث، تكرار الأزمات والمشاكل مابين الساسة الشيعة والاكراد.
إنتاج الأزمات السياسية وتكرارها باتت أمر مألوف بوضعنا العراقي، في بداية هذا العام، صدر قرار من وزارة الداخلية في فرض غرامات على كل عراقي لم يسجل بيانات الولادة والزواج والطلاق وفرض غرامات يومية على كل شخص يتخلف عن ذلك، القرار جيد جدا بداخل العراق، لكن يتم تطبيق هذا القرار على أبناء الجاليات العراقية المقيمين في أوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا فعلا يسبب أزمة حقيقية، الكثير من الشباب العراقي الذين ولدوا في دول أوروبا، إذا فرضت عليهم غرامات، ينفرون ولم يفكروا في العودة للعراق او الحصول على جنسية وجواز سفر عراقي، رأيت رجل دين شيعي مجاهد يقيم بالدنمارك فرضوا على ابنه غرامة ١٩٠٠٠ كرونا دنماركية بسبب تأخر ابنه عن تسجيل ولادة طفل له، بالسفارة العراقية، هذا التصرف بلا شك خاطئ، أبناء العراقيين المقيمين في الدنمارك وأوروبا، الكثير عندهم شهادات ماجستير هندسة بناء واطباء واستاذة جامعات، الشركات الكبرى التي يعملون بها مهندسين عراقيين، تجد مدراء الشركات الكبرى يتوددون اليهم لكسب رضاهم، بل يرسلوهم الى مراكز مساج ويمنحوهم هدايا قيمة، الغاية كسبهم للعمل معهم.
قضية منع الفلاحين في محافظات واسط والعمارة والناصرية من تشغيل مضخاتهم لسحب المياه لسقي أراضيهم ولو بالاسبوع يومين لايؤثر على كميات المياه الذاهبة الى شط العرب وللخليج، السبب عقليات الساسة أصحاب إقرار أدمغتهم برمجة بشكل ثابت على عصر السومريين والبابلين في خزن المياه، يرفضون اي فكرة جديدة للاستفادة من المياه، يقبلون المياه تذهب إلى الخليج دون الاستفادة منها ولايقبلون إعطاء الفلاحين يومين بالاسبوع لتشغيل مضخاتهم لسقي مزروعاتهم.
عملوا إحصاء عام للسكان بطريقة غبية بحيث ثارت ثائرة شركاءنا بالوطن بالقول ان المكون البعثي هم الاكثرية، مصائب لها اول وليس لها اخر، فاشلين بكل شيء، بعام ٢٠٠٧ كتبت مقال بصحيفة صوت العراق وبعد أن سألت ثلاثة من قادة حزب شيعي مؤثر حول اقامة إقليم وسط وجنوب، جوابهم كان لي، نحن الشيعة اكثرية والعراق كله لنا؟ بوقتها كتبت مقال بصحيفة صوت العراق قلت ياليت كان الشيعة أقل من نصف سكان العراق لكنا في الف خير، ولأضطر ساسة الشيعة في التعاون مع أقرب ساسة مكون في إقامة إقليم محترم وتشكيل حكومة مدعومة بالقليل من مكونين مؤثرين، عقلية التفكير بالاكثرية والعراق له، فعلها صدام الجرذ عندما كان بالحكم في اسم البعث حكمنا بعقلية طائفية وشوفينية، وفعلوها بيت الأسد جعلوا البعث وسيلة لحكم الأكثرية السنية، مثل مافعل صدام الجرذ حكم الأكثرية الشيعية بإسم حزب البعث الساقط، سقط صدام وسقط نظام الأسد وسقطت معهم دولتهم، أثبتت الأحداث خلال ال ٢٣ سنة الماضية العراق يعاني من صراعات قومية ومذهبية مستدامة، وثبت ان ساسة المكونات العراقية ينظرون بعين عوراء وعقولهم مصابة في تخلف عقلي لايمكنهم التفكير بشكل صحيح في استغلال الفرص في إقامة نظام حكم يضمن حقوق جميع المكونات بطرق فدرالية للخلاص من قوانة التهميش او الأكثرية والاقلية.
في الختام على ساسة المكون الشيعي العراقي التفكير في مستقبل ابناءهم والاحفاد وحقوق الأجيال القادمة إلى بعد الف سنة وليس لبعد عام او عشر سنوات، التفكير لضمان المستقبل هو الجهاد الحقيقي لرضا الرب العظيم، ارجوكم اتركوا ثرثرة لغوة فلسطين، فلسطين لها أهلها العرب السنة ومحيطهم الإسلامي السني من أمة المليار ونصف مليار مسلم سني، الأمر يخص العرب السنة ولا يخص الشيعة بدون لغوة وثرثرة، سعادة أبناء الشيعة في وسط وجنوب العراق من أفضل الأعمال الصالحة لكسب رضا الرب العظيم وكسب رضا أمامكم محمد بن الحسن المهدي مع خالص التحية والتقدير.

نعيم عاتي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
30/11/2025