حكومة كردستان الجديدة قد تُولد لو أعطيت الثقة للإيزيديين والمسيحيين والتركمان!

يحيى هركي

المقدمة:

هذه رسالة غضب لكنها أيضًا رسالة أمل أمل بأن تدركوا قبل فوات الأوان أن التاريخ لا يرحم المترددين وأن الشعوب حين تغضب لا ينفع معها خطاب ولا تبرير وأن الأرض التي لا تُحكم بعدل ستُحكم بفوضى وأن الفوضى حين تبدأ لا تُبقي حزبًا ولا زعيمًا ولا راية

ما يحدث ليس خلافًا سياسيًا عابرًا بل أزمة أخلاق قبل أن تكون أزمة حكم أزمة تكشف كيف يمكن للخلاف الحزبي أن يتحول إلى سيف على رقاب الناس وكيف يمكن للمنصب أن يصبح أثمن من استقرار الإقليم وأغلى من كرامة المواطن وما يزيد الغضب أن الأطراف التي تتصارع تدرك تمامًا أن صراعها لا يبني دولة ولا يصنع مستقبلًا ولكنه مع ذلك يستمر وكأن الخراب لا يعنيهم وكأن الشعب مجرّد رقم في سجلّ الخسائر اليومية.

إن التعطل المستمر لتشكيل الحكومة ليس صدفة ولا سوء حظ بل نتاج مباشر لغياب الثقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حتى أصبحت أي وثيقة تُوقّع مجرد حبر ينتظر لحظة الانهيار كما أن التدخلات الخارجية صارت كالأيادي الخفية التي تعبث بمصير الإقليم بينما يتظاهر الجميع بأنهم أصحاب القرار وما هم إلا أسرى حساباتهم وولاءاتهم ودوائر نفوذهم لقد تحولت المناصب إلى بورصة قذرة يتبادل فيها الساسة النفوذ والحقائب بينما تُعلّق الخدمات وتتجمد الرواتب وتُدفن مشاريع الناس في أدراج الانتظار

وفي خضم هذا الانسداد السياسي أطرح رؤية قد تبدو غير مألوفة لكنها منطقية وواقعية وهي اختيار قيادة الإقليم من مكونات غير كردية بحيث يكون رئيس الإقليم من المكون الإيزيدي ورئيس الوزراء من المكون المسيحي ورئيس البرلمان من الإخوة التركمان بينما تتولى القوى الكردية توزيع بقية المناصب وفق مبدأ الكفاءة لا الولاء الحزبي لأن هذه المكونات تمثل عمقًا اجتماعيًا وسياسيًا مهمًا يعيش أكثره في المناطق المتنازع عليها  ولأنها لم تتلوث ايضا بسنوات الصراع الكردي الكردي الذي أنهك الإقليم وشطره إلى نصفين  مما يمنح هذه الصيغة قدرة على خلق توازن سياسي داخلي ويضمن للإقليم موقعًا أقوى في أي تسوية مستقبلية مع بغداد وخاصة المادة ١٤٠.

قد يعتبر البعض هذا الأمر جنونًا لكن العالم مليء بأمثلة تكسر هذا الوهم ففي بريطانيا ترأس الحكومة رجل من أصول هندية وفي أيرلندا تولى القيادة رجل من عائلة مهاجرة وفي الولايات المتحدة جلس على عرش الرئاسة ابن مهاجر إفريقي وفي أوروبا وزراء ورؤساء من قوميات وأديان شتى لأن الدول التي تحترم نفسها تبني قوتها على المواطنة لا على النسب ولا على جواز الميلاد وإذا كان العالم قد فهم هذه الحقيقة فلماذا يعجز عنها الإقليم منذ أكثر من ربع قرن

الخلاصة:

ان وجود قيادة من المكونات الأخرى لن يهدد أحدًا بل سيقوّض دائرة الاحتكار التي خنقت الإقليم لعقود وسيمنح الأحزاب فرصة للخروج من صراعها الأزلي وإعادة ترتيب البيت السياسي كما سيعيد الثقة للمواطن الذي سئم رؤية الوجوه نفسها تتناوب على المناصب وتغيّر شعاراتها بينما الواقع يزداد قسوة وفقرًا وغيابًا للعدالة إن مستقبل الإقليم لن يُبنى بالخطاب الناعم ولا بالبيانات الباردة بل بقرار شجاع يعترف بأن النموذج القديم قد فشل وأن كرامة المواطن أغلى من مصالح الحزب وأن الدولة التي لا تحترم تعدديتها وتوازناتها محكوم عليها أن تبقى أسيرة الصراع ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة بل نداء غضب من شعب انهكته الوعود ومن انتظار حكومة لا تأتي إنه لحظة حاسمة تقول للجميع كفى دورانًا في حلقة فارغة كفى استنزافًا لصبر الناس كفى دفنًا للفرص والمستقبل إن كردستان لن تنهض بالخوف من التغيير ولا بالمحاصصة المريضة بل ستنهض حين يقرر القادة أن يضعوا الإقليم فوق الحزب والشعب فوق الزعامة والمستقبل فوق الكرسي وحين يفعلون ذلك سيكتشفون أن الحل كان أمامهم دائمًا لكنه كان يحتاج فقط إلى شجاعة لم يجرؤ أحد على اتخاذها.